المزمور الخامس والعشرون
إليك أبتهل
همسات الروح
تأمل في سفر المزامير
أولاً: تقديم المزمور:
يمكن تصنيف المزمور الخامس والعشرون مع مزامير الحكمة وأيضاً مع المراثي الشخصية، هو مزمور توسّل ينشده المرنّم متشكّياً من حالة، رافعاً صلاته بثقة إلى الله، مقراً أمامه بذنوبه وخطاياهخصوصاً لأنه حزين لشعوره بالعزلة والاضطهاد، ومع أنها قصيدة شكوى لكن المحور الأساسي الذي يتضرع المرنّم طالباً أن يعرفه ويسلك فيه هو "طريق الرب".
هو أحد المزامير المرتبة ترتيباً أبجدياً، حيث تبدأ كل آية بحرف مختلف من الأبجدية العبرية المشتملة على اثنين وعشرين حرفاً، تبدأ الآية الأولى بحرف الألف والثانية بحرف الباء والثالثة بحرف الجيم والرابعة بحرف الدال وهكذا دواليك...، وهي طريقة تساعد الذاكرة على الحفظ والإنشاد، وبالرغم أن الترتيب الهجائي لهذا المزمور ليس كاملاً، حيث يظهر عدم الانتظام في الآيات (2، 5، 18، 22)؛ إلا أن لهذه الطريقة معنىً أعمق، إذ إن الأبجدية عطيّة الله للبشر الذين يحتاجون إلى الكلمات والحروف لكي يعرفوا الله وينشدوا بمجده عبر كلمات الأبجديّة المنظّمة التي وهبهم إياها؛ حيث يعتبر العبراني الأبجديّة عطيّة من الله، لذا فهو يستعمل الكلمات والحروف ونظامها، ليسبّح بها الله على عطيّته هذه.
تتردّد في المزمور كلمة يهوه (الرب) عشر مرات، وكلمة طريق أو سبيل عشر مرات، ويتلخص هدف المرنّم في نقطتين:
أولاً: الهدف العام من المزامير وهو تقديم صلاة لله تظل صالحة لأبناء الله على مدى الأجيال.
ثانياً: يعطي هذه الصلاة شكلاً خاصاً يجعل كل طلبة فيها تبدأ بحرف من الحروف الأبجديّة؛ فتردّ البشرية للرب ما سلّمه إليها وتُبارك الله بما منحها من عطيّة. تهدف مثل هذه المزامير إلى مدح كلمة الله، التوراة، وتميل بعض المرّات إلى التركيز على الحرف، والخوف هنا هو أن نقع في تطويبه ناسين كلام بولس الرسول: "الحرف يقتل أمّا الروح فيحيي" (2 كورنثوس 3: 6).
في النهاية يجب تفسير هذا المزمور على أنه مديح لله الذي كلّم البشر وأوحى لهم كيف يدوّنون هذه الكلمة وينقلونها فيسمعها الآخرون ويفهمون ما يقال. أخيراً صلاة هذا المزمور هي مدح لكلمة الله اليوم كما بالأمس، من خلالها نؤكد القول بأن الله يعلّم الخاطئين طرقه ويُشركهم في عهده عن طريق كلمته المسطرة في الأبجدية.
يُعتبر مثالاً طيباً لكيفية صلاة التضرع اليومي، منه نتعلم:
أولاً- ماهية الصلاة (1، 15):
رفع القلب والعينين إلى الله.
ثانيا- ما ينبغي أن نصلي لأجله:
طلب غفران الخطية [6، 7، 18]،
التوجه نحو طريق الالتزام [4، 5]،
طلب عطف الله [16]،
الخلاص من أتعابنا [17، 18]،
حفظنا من أعدائنا [20، 21]،
وخلاص شعب الله [22].
ثالثاً- كيفية التضرع لله في الصلاة:
بثقة تامة في الله [2، 3، 5، 20، 28]،
نعرض مرارتنا وظلم أعدائنا لنا [17، 19]،
نعد إخلاصنا وتمسكّنا[21].
رابعاً- منه نعرف قيمة المواعيد الثمينة :
لتشجيعنا على الصلاة،
لإرشادنا وتوجيهنا [8، 9، 12]:
منافع العهد مع الله [10]
وبهجة الشركة معه [13، 14].
من الواضح أن داود النبي كتبه في أواخر أيامشيخوخته، لأنه يتحدث عن خطايا صباه. يعتقد بعض الدارسين أنه نظمه أثناء تمرد ابنه، بينما يرفض آخرون نسبته لداود، ويعتقدون أنه يخص حالة الأسر البابلي حيث يجسّد شكوى الأسرى من قهر أعدائهم.