حياة الفضيلة والبر ( 4 )
حياة الفضيلة بين الهدف والوسيلة
لقداسة البابا شنودة
4\7\2010
كلنا تقريبا نتفق فى الأهداف أو الأغراض،مادام الهدف سليما وخيرأ .ولكننا نختلف فى الوسائل المؤدية إلى الهدف.
فما هى أسباب اختلاف الوسائل إذن؟
سببها اختلاف الفكر والعقل.كل منا له فكره الخاص ونظرته الخاصة إلى الأمور،كذلك تختلف الأفكار فى درجة الذكاء وبالتالى فى الاستنتاج وفى الحكم والتقدير،ويختلف الناس أيضا فى الطباع وفى نوع النفسية كذلك يختلفون من جهة البيئة المحيطة بكل منهم ومدى تأثيرها عليه.
لذلك تحد أناسا طيبين،ويريدون الخير.ومع ذلك فوسائلهم مختلفة
كل واحد له طريقته وأسلوبه وله منهجه الخاص فى الوصول إلى الفرض.ولهذا كثيرا ما يحدث خلاف فى العمل الجماعى،سواء فى كنيسة أو جمعية أو لجنة أو أية هيئة.
أحيانا يوجد تنوع،وأحيانا يوجد اختلاف وخلاف ونحن لانعترض على التنوع،فهو يؤدى إلى ثراء فى الفكر وفى الخبرة،أما الاختلاف فكثيرا ما يتسبب فى انقسام وصراعات وربما يتحول من الموضوعية إلى خلاف شخصى،وربما إلى خصام وإلى عداوة.
ففى موضوع الإصلاح مثلأ:
كلنا نحب أن تنصلح الأمور من منا لايريد ذلك؟!
ولكن يختلف الأسلوب...
إنسان يقول نصلى ونصوم،والله يتدخل ويصلح كل شىء..ويرى أن هذا هو الأسلوب الروحى السليم.
وأخر يقول تنصلح الأمور بالصبر ،بطول الأناة فالكتاب يقول بصبركم تقتنون أنفسكم لوا 19:2 انتظر الرب.تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب مز 14:27
وثالث يرى أن الإصلاح يأتى عن طريق الحكمة والتفكير والتفاهم: ورابع أسلوبه فى الإصلاح هو العنف،عن طريق النقد الشديد،والمنشورات والتجريح والتشهير،ويقول إن هؤلاء المخطئين لايصلحهم إلا اتخاذ الشدة معهم..
وخامس يحب أن تنصلح الأمور بالوداعة والهدوء بأسلوب متضع لانفقد فيه روحياتنا ولا نفقد فيه علاقتنا مع الآخرين،والكتاب يقول لتصر كل أموركم فى محبة 1 كو 16 : 14 .
لاشك أن أسلوب حبيب جرجس فى الإصلاح،كان يختلف عن أسلوب غيره .وكانت دعامته العمل البنائى ،والبعد عن السلبيات.
لذلك إن اشتركت مع أحد فى عمل،أو من أجل خير ما ،لايكفى أن يكون مشتركا معك فى الهدف والغرض،وإنما ينبغى أن يكون أيضا مشتركأ معك فى الوسيلة وأسلوب العمل،لئلا تكون طريقته فى تنفيذ الغرض المشترك غير طريقتك ،فتختلفان معا أو يسبب لك مشاكل باعتباركما شريكين فى عمل واحد.
العجيب فى مسألة الوسيلة هى المبدأ المكيافيللى:فيظن البعض أن الهدف الطيب يبرو الوسيلة الخاطئة!.
وهذا ما كان يقوله مكيافيللى إن الغاية تبرر الواسيلة ..فإنسان باسم الغيرة المقدسة مثلا،يستخدم العنف فى الكنيسة،ويصيح وينتهر ويوبخ ويشتم وربما يرفع قضايا ..وإن عاتبته أو ناقشته فى كل ذلك يحتج بقول المزمور غيره بيتك أكلتنى مز 9:69 .. ولكننا نقول لمثل هذا:
إن الغيرة المقدسة تناسبها وسيلة مقدسة.
وبالمثل أب يقسو جدأ على ابنه حتى يعقده نفسيا ويحتج بغرض مقدس هو تربية ابنه!إن الغرض سليم،ولكن الوسيلة خاطئة..أو زوج يحبس زوجته فى البيت،ويقيد كل تحركاتها وكلامها،بحجة الحفاظ عليها!!الوسيلة أيضا خاطئة...أو أم تدخل فى صميم الحياة الزوجية لابنتها،وعلاقة هذه الابنة بزوجها .وقد تتسبب فى فصلها عن زوجها وتختفى وراء هدف مقدس هو الحرص على ابنتها ،وضمان راحتها وكرامتها
كثيرأ ما ضيع الناس أنفسهم وعلاقاتهم بالوسيلة الخاطئة... شخص
يسعى إلى مصالحة غيره... هدف سليم بلاشك ويرئ أن الوسيلة هن العتاب لامانع ولكنه فى طريقة العتاب ،يعيد الأو جاع والجروح القديمة،ويضفط عليها بأسلوب يتعب الطرف الآخر.ويخرج من العتاب وقد ساءت العلاقة عن زى قبل،لأن طريقة العتاب كانت خاطئة..بعكس ذلك إنسان أخر يستطيع بالعتاب أن يكسب الموقف بل يجعل الطرف الآخر يتفهم الموقف ويعتذر له،ويخرجان صديقين كأن شيئا لم يكن.
العتاب هو العتاب... ولكن طريقته عند واحد مقبولة ومجدية وعند اخر متعبة ومؤذية ويأتى بعكس المطلوب.
إنسان يعاتب بطريقة هادئة والآخر يعاتب بطريقة ساخطة الأول يعاتب بحب وعشم.والثانى يعاتب بحقد وانتقام ،هذا يريد أن يصالح والآخر يريد أن يثبت للطرف الاخر أنه مخطى، ويستحق ماناله منه!!
ثلاثة أشخاص مثلا يصيرون أعضاء فى مجلس الكنيسة كل واحد منهم غرضه طيب،يريد الخير للكنيسة بلاشك ولكنهم لاختلافهم فى الأسلوب والطريقة لايستطيعون أن يعملوا معأ!!فأحدهم يحب أن يعمل متعاونا مع الأب الكاهن والآخر يقول:كل إدارة الكنيسة لنا،والكاهن له العمل الروحى فقط ولاشأن له بالمشروعات والأمور المالية والإدارية والمعمارية وهكذا يصطدم بالأب الكاهن وبزميله فى عضوية الكنيسة لأن أحدهما كان أسلوبه التعاون والآخر كان أسلوبه السيطرة...
المجالس الملية كمثال أخو..
هى نفس المجالس منذ أكثر من مائة عام،بنفس القانون ونفس الاختصاصات ونفس طريقة الانتخابات ولكنها الآن فى تعاون مع الإكليروس وقديما كانت فى صراعات وانقسامات وقضايا والسبب هو أن الأسلوب تغير عن زى قبل سواء من جهة الإكليروس أو من جهة المجالس الملية..
لنأخذ غرضا أخر هو الوصول إلى الله..
إنه هدف واحد يتفق فيه الكل.ولكن تتعدد الوسائل البعض يريد أن يصل إلى الله عن طريق الرهبنة،والبعض عن طريق الكهنوت والبعض عن طريق التكريس والبعض عن طريق الخدمة مع حياة الزواج المستقر وبناء المجتمع وتنشئة جيل جديد تنشئة روحية.
نقول:هنا تنوع وليس هو اختلافأ ولكن يحدث الاختلاف حينما يرى البعض أن طريقه هو الطريق الوحيد السليم وينتقد غيره من الطرق!!أو يحاول تحطيمها!!يمكن أن يوجد تنسيق وتكامل وتعاون بين الطرق المتنوعة المتعددة الواصلة إلى غير واحد ولكن يحدث التصارع بين الطرق المتناقضة.
نتطرق إلى موضوع أخر هو تربية الأولاد...
كل الناس يريدون تربية أولادهم تربية سليمة إنه هدف يتفق فيا الجميع ولكهنم يختلفون فى أسلوب التربية.
فالبعض يمنحون أولادهم الحرية الكاملة كما يحدث فى كثير من بلاد الغرب،وحينما يكير الأولاد لايصبح لآبائهم وأمهاتهم أية سلطة عليهم..ويبررون أسلوبهم فى التربية بأنهم يريدون للابن أن تكون له شخصيته المستقلة التى لاتقع تحت ضغوط ..هناك أسلوب أخر يلجأ إليه أباء أخرون فى تربية أولادهم وهو التشديد الكامل فلا يخرج إلا بإذن ولايصاحب أحدا إلا بإذن ولاينضم إلى ناد أو إلى أية أنشطة وهذا التضييق يوجد عنده كبتا تكون له ردود فعل سيئة فى المستقبل.
وهناك طريق وسط فى التربية بين هذين الأسلوبين،لاهو بالحرية التى فيها تسبب ولا بالتشديد الذى فيا تقييد...أسلوب أب يصادق ابنه ويشرح ويعلم ويقنع ويحاور ولاشك أن الإقناع-ولو أنه قد يأخذ وقتا` وجهدا- إلا أنه يوجد حافزأ فى الداخل،أفضل بكثير من الأوامر والنواهى التى هى مجرد ضغوط من الخارج..
تربية الأولاد إذن هى هدف مشترك ولكن البعض يستخدم فيه السلطة والهيبة،والبعض يستخدم الصداقة والحب والبعض يستخدم الحرية والسلبية..إنها ومسائل مختلفة لهدف واحد.
نفس الوضع نقوله فى معاملة المخطئين:كلنا نكره الخطأ ،ونأخذ من أصحابه موقفا معارضا هنا غرض واحد ولكن الوسائل تختلف.فالبعض يبعد عن المخطئين ينعزل عنهم ولايختلط بهم.والبعض يأخذ منهم موقف المقاومة،ويرد لهم بالمثل ويحاسبهم على كل خطأ،ولا يترن الأخطاء تمر بسهولة،أو بدون مؤاخذة والبعض يحاول أن يصلح هؤلاء ويكسبهم ،ربما بالحب والصبر ،وربما بالمواجهة والإقناع..المهم إنه يوصلهم إلى الله وإلى الطريق السليم ويربح نفوسهم.
هناك نقطة أخرى أقولها فى موضوع الهدف والوسيلة وهى أنه:كثيرأ ما تتحول الوسيلة إلى هدف!!!
الهدفه الروحى الوحيد هو الله،وما الصلاة والصوم والقراءة والتأمل والوحدة سوى وسائل توصل إلى هذإ الهدف،وكذلك ´ الفضائل هى مجرد وسائط توصل إلى الهدف الذى هو الله..ولكن للأسف،قد تتحول هذه الوسائط كلها إلى أهداف...!! فإنسان يقرأ الكتب المقدسة والكتب الروحية.والمفروض أن هذه القراءة توصله إلى محبة الله والثبات فيه ولكن قد تتحول القراءة نفسها إلى هدف..فالمهم عنده أن يقرأ ،ولو من غير فهم ولا تأمل ولا تد اريب روحية. أو قد يتغير الهدف الروحى فى الطريق!
ويقرأ الإنسان لكى يكون عالما،أو لكى يكون معلما ولكى يبدو كثير المعرفة واسع الاطلاع يجيد الكلام فى أى موضوع يتحدث فيه أو يسألونه عنه..وأين الله هنا؟لقد اختفى لكى تظهر الذات ولكى تظهر المعرفة والعلم..
وكما تتحول القراءة إلى هدف،هكذا تتحول الوحدة!!
المفروض أن الإنسان يسقى إلى الوحدة،لكى يجد وقتأ هادئا صافيأ يجلس فيه مع الله،فإن لم يجلس فى وحدته مع الله،يكون الهدف الروحى الحقيقى قد اختفى وتصبح الوحدة هدفا فى ذاتها ،حتى لو كان فيها الشخص نائما أو فى ملل أو ضجر،أو فى حروب الأفكار..!
أو قد يتغير هدف الوحدة ويتحول إلى الذات.
فيجلس إنسان فى الوحدة لمجرد أن يقال عنه انه متوحد..!سعيا وراء الشهرة أو الألقاب ،وليس من أجل الله!أو قد تعطيه الوحدة فرصة لسعى الناس إليه،وتحوله إلى مرشد أو مانح للبركات التى يلتمسونها منه!!
لهذا ينبغى أن يراجع الإنسان هدفه.ويتحقق أن الوسيلة توصله إليه.
ويتأكد أن الهدف سليم وروحى،وأنه ينحرف عنه إلى هدف أخر ،وأنه يستخدم الوسائل السليمة التى تحقق هدفه الروحى،بحيث تبقى هذه الوسائل مجرد وسائط ولاتتحول إلى أهداف!
نقول نفس الكلام عن الصمت.
إنه مجرد وسيلة توصل إلى أمرين:أحدهما هو البعد عن أخطاء اللسان،والثانى أن تكون لنا عن طريق الصمت فرصة للصلاة والتأمل ..فإذا كان الإنسان مجرد صامت،دون أن يكون له عمل روحى داخلى،لايكون الصمت قد حقق هدفه.
وإن كان صامتأ ،واستبدل الكلام بإشارة أو إيماءة تعبر عما يريد أن يقول ،فهو أيضا فى مستوى المتكلم.وإن كانت الأخطاء التى أراد أن يتفا داهأ بصمته ،لاتزال باقية معه.ولكنها تحولت فقط من أخطاء لسان إلى أخطاء فكر،فما المنفعة أيضا من صمته؟!
إنه قد صمت ليبتعد عن إدانة الآخرين،وها هو لايزال يدينهم بفكره!وقد صمت ليبعد عن كلام الغضب،ولكنه مازال غاضبا فى قلبه!! الأخطاء موجودة لم يمنعها الصمت،وإنما حولها إلى القلب والفكر.وفى كل ذلك الهدف الروحى لم يتحقق!! .
نقول نفس الكلام أوما يشبهه عن الصوم .لماذا نحن نصوم:هل لمجرد الصوم كما لو كان الصوم هدفأ فى ذاته:!أم نصوم لكى نوجد فى فترة روحية تساعدنا على الوصول إلى الله..ا؟نمنع أنفسنا عن كل ما نشتهيه،لكى تنعود السيطرة على الإرادة فنمنعها عن الخطأ كما منعناها عن الاكل..
فهل نحن فحرص فى صومنا إن يوصلنا إلى هذا الهدف الروحى؟
أم نصوم لمجرد الصوم ،بلا هدف ا؟وبلا غاية،وبلا نتيجة! وكذلك الصلاة:ما هدفها فى حياتنا:!أو ماذا تحققه من هدف؟هل نصلى بهدف التمتع بعشرة الله والحديث معه ا؟أم لمجرد أداء واجب؟!حتى لو كانت صلواتنا بغير روح،ولا عاطفة ولا حرارة ولاعمق،ولاحب،ولا أى شعور بالوجود فى الحضرة الإلهية!!ليت صلواتنا تحقق هدفها الروحى ونشعر فيها أننا تنحدث مع الله ونتمتع بعشرته.
ونضع الصلاة فى موضعها السليم.إنها مجرد وسيلة توصل إلى هدف ،ويجب أن نجاهد روحيا للوصول إلى هذا الهدف..نفس الكلام نقوله عن المزامير والتسبحة والالحان..نلاحظ أنه كلما ازداد حفظ الإنسان للمزامير والتسبحة ،كلما ازدادت سرعته فى التلاوة،وعلى هذا القدر ما أسهل أن يقل فهمه لما يقول..وما أسهل أن ينشد لحنأ أو قطعة من الأبصلمودية أو يتلو مزمورأ ،دون أن يصل إلى عمق مايقوله..وكأن اللحن قد صار هو الهدف!أو قد صارت التلاوة هدفأ..!
وهنا نسأل:متى يمكننا أن نحقق فى أعماق قلوبنا وفهمنا الهدف الروحى الذى من أجله وضعت المزامير والالحان والتسبحة ا؟
متى تدخل فيها العاطفة والحرارة والتأمل والفهم وروح الصلاة؟متى لانهتم بالكثرة وإنما بالعمق.لابعدد المزامير،إنما بعمقها وروحانيتها...