رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الديكتاتور فى غباوته.. كتبت مرات عدة (من أيام المخلوع أفندى) متسائلا عن الفرق بين «الصايع» والديكتاتور، وجاوبت فى كل مرة بما معناه أن ما يجمع بينهما يفترض أن يظل محدودا ومحصورا فى خصام الشرعية والمشروعية إلى جانب العنف والقسوة والميل الفطرى إلى إيذاء الناس فحسب، أما بعد ذلك فالأول «الصايع» يتميز عن الثانى بأنه غلبان ومحدود القدرة والإمكانيات، لهذا تجده يمارس العنف والإجرام بيده وبذات نفسه، لا بواسطة سياسات ومؤسسات وأجهزة قمعية معتبرة، كما هو حال معالى الديكتاتور الذى يقبع فى قصر الحكم معززا مكرما ومرفها جدا ومرتاح البال و«متهنى خالص»، بينما المحرقة البشرية التى يديرها تأكل خلق الله المبتَلين بقعدة سيادته على أنفاسهم. ومع ذلك فإن هذا الاختلاف يبدو أحيانا وقد تآكل واضمحل تماما فلا تعود حضرتك قادرا على التمييز أو رؤية أى فرق بين رجل بلطجى صايع وديكتاتور غبى وغشيم رغم كل ما يحيط به هذا الأخير نفسه من مظاهر أبهة وفخامة وجيوش حراسة عرمرم تحرسه من شعبه كلما شرَّق أو غرَّب (أو ذهب ليخطب بالعافية فى المصلين أو يلقى عظاته على القبور) يحدث هذا التآكل بين الرجلين عندما يستعير أخونا الديكتاتور التافه عقل وطريقة الصايع البائس وينهج منهجه ويتوسل بأساليبه الفجة ويستعملها فى ارتكاب الشرور والآثام، فيرى الناس وهم مذهولون لا يكادون يصدقون عيونهم كيف أن الحاكم الحمار المتسلطن عليهم ينزل من علياء ظلمه واغتصابه ليمارس القمع والعدوان وعربدة السكرانين، ليس بواسطة أدوات الدولة الأمنية فقط، وإنما يشارك هو بنفسه أو بقطعان من عصابته فى ارتكاب الجرائم، بل ربما لا يتورع عن سرقة رعاياه ونشل ما تبقى فى جيوبهم بيديه الكريمتين مباشرة ودون واسطة من أحد آخر سوى أولاده وأقاربه وأصهاره وقطعان النشالين المتحلقين والمعششين حول الأسرة الكريمة أو باقى قادة العصابة الخطيرة. وفى الحقيقة فإن هذا الديكتاتور الصايع، قد تظلمه حضرتك كثيرا وتظلم باقى إخوته الحكام المستبدين ظلما فاحشا جدا إذا حشرته فى زمرتهم ووضعته فى سلة واحدة معهم، والظلم هنا ليس مرجعه فقط اختلاف المنظر والسمات الخارجية، حيث التناقض واضح وفاضح بين صورة مجللة بالمهابة (المزيفة طبعا) وصورة أخرى بذيئة ومبتذلة، وإنما أساس وأصل الظلم الذى يقع على الديكتاتور الرصين الأنيق عندما تساوى بينه وبين الديكتاتور الآخر رَث الهيئة فظ السلوك، هو أن هذا الأخير يبنى نظاما أقرب إلى عصابات الخطافين الشوارعية ولا إنجاز له فى المجتمع ولا نشاط سوى النشل والنهب والتخريب فحسب، وفى المقابل فإن الديكتاتور الفخم يبدى أشد الحرص على توفير قدر (متفاوت الحجم) من سيماء وملامح الرصانة تطبع شكل مؤسسات وأجهزة حكمه غير الشرعى، وقد لا يخلو عصره الأسود من بعض الإنجازات المتناثرة هنا أو هناك، وهى إنجازات تظل بالطبع، جزئية ومحدودة ولا تقوى على محو أو التخفيف من آثار جرائمه، لكنها قد تكون صالحة للتطوير والبناء فوقها بعدما يأتى الخلاص ويذهب هو ونظامه فى ستين داهية. إن تاريخ الإنسانية القريب والبعيد عرف هذين النوعين المختلفين من الحكام الطغاة والمستبدين، وفى التاريخ القريب كانت هناك نظم شمولية قاسية وحديدية (كما أنظمة شرق أوروبا المنهارة التى كانت تسمى نفسها شيوعية) تركت خلفها مجتمعات تنعم بتعليم متطور وحدود دنيا معقولة من العدالة فى الحصول على الخدمات العامة والأسباب (المادية) للحياة الإنسانية الكريمة، فضلا عن مصانع ومزارع وثروات وطنية تسمح بالنمو والنهوض والازدهار.. وعلى الجانب الآخر عرف البشر نماذج ديكتاتوريات بشعة وشنيعة (لست محتاجا إلى تكرار أن الديكتاتورية عموما سيئة وشنيعة) عصفت بمجتمعاتها وأشاعت فيها مظاهر البؤس والدمار والخراب المادى والروحى، وسكن مؤسسوها وقادتها صورة الصِّيَّع والمجرمين والقتلة مما يجعل وصفهم بالنعوت الموجودة فى قاموس السياسة كالمستبد والديكتاتور والطاغية وخلافه، نوعا من الإسراف فى المدح والنفاق.. انظر حولك من فضلك وتأمل جيدا فى ما يجرى حولنا وما نكابده هذه الأيام، وحاول أن لا تموت بالحسرة والكمد واليأس. موجز |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
«الديكتاتور» يعلن احتلال 4 مدن جديدة |
من هو الديكتاتور الشّرير الذي قتل أكبر عدد من الأشخاص في التّاريخ؟ |
السويس: رسالة «شديدة اللهجة» إلى الديكتاتور |
حاكموا الديكتاتور |
كيف نصنع الديكتاتور؟! |