منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 10 - 2012, 08:54 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح السابع




خلاص آحاز والخلاص المسيـــانى



كان آحاز من أشر ملوك يهوذا ، عرف بالرياء والجبن ، أجاز إبنه فى النار وقدم ذبائح للأوثان فى المرتفعات وتحت كل شجرة خضراء .

فى بدء حكم آحاز تحالف آرام مع إسرائيل ( افرايم ) ضد يهوذا ، وقاما بالهجوم عليه فقتل فقح ملك إسرائيل 120 ألفا فى يوم واحد بينما أسر رصين ملك آرام الكثيرين . أراد الأثنان فتح أورشليم لكن الله حفظها ، وقد طمأن آحاز على لسان إشعياء بالرغم من فساد آحاز ، معلنا اهتمامه بخلاص شعبه ومدينته .

انتقل إشعياء من هذا الخلاص الزمنى إلى الحديث عن الخلاص الأبدى الذى يحققه عمانوئيل المسيا .




( 1 ) تحالف رصين وفقح ضد آحاز



فى بدء حكم آحاز تحالف رصين ملك آرام مع فقح بن رمليا ملك إسرائيل ضد يهوذا ( إش 7 : 1 ) . هجم الأول من جهة شرق الأردن بينما اندفع الثانى بجيوشه من الشمال ، وانهزم آحاز . صعدا إلى أورشليم العاصمة لمحاصرتها ، لكنهما لم يستطيعا اقتحامها . أما سبب المعركة فهو اختلاف آحاز عن الملكين الآخرين سياسيا ، فقد رأى آحاز أن يتحالف مع آشور بينما رأى الملكان أن يتحالفا مع مصر .

وجد آحاز نفسه فى مأزق ، فطلب معونة فلاسر ملك آشور ، الذى أسرع نحو دمشق حيث قتل رصين ( 2 مل 16 : 9 ) ، وهكذا فعل أيضا بالسامرة ( 2 مل 15 : 29 ) .




( 2 ) خوف آحاز :



إذ عرف آحاز أن آرام حل فى افرايم ( المملكة الشمالية أو إسرائيل ) للتحالف معا ضده:

" رجف قلبه وقلوب شعبه كرجفان شجر الوعر قدام الريح " إش 7 : 2 . لقد أدرك آحاز وشعبه عدم قدرتهم على مواجهة آرام وإسرائيل ، أما علة خوفهم الحقيقى فهو عدم إيمانهم بالله كسند لهم قادر أن يحصنهم ويهبهم النصرة . لقد فقدوا سلامهم الداخلى بانعزالهم عن الله مصدر الغلبة والسلام .




( 3 ) إشعياء يطمئن آحاز :



اضطرب آحاز جدا ، لأنه أسقط من حساباته عنصر الإيمان أو " الوجود الإلهى " فلم يناد بالتوبة والرجوع إلى الله ، ولا ذهب إلى الهيكل ليضع الأمر بين يدى الله ، ولا أرسل إلى إشعياء النبى يستشيره ، إنما استخدم الوسائل البشرية من إلتجاء إلى آشور لحمايته ، وخروجه إلى طرف قناة البركة العليا ( إش 7 : 3 ) غرب أورشليم على رأس وادى ابن هنوم يختبر مع رجال الدولة موارد المياة ليحولونها إلى المدينة تنتفع بها أثناء الحصار المرتقب ولحرمان العدو منها ( 2 أى 22 : 3 ، 4 إش 22 : 9 – 11 ) كما كان يباشر تحصين المدينة قدر المستطاع .

مع هذا كله تدخل الله ليس من أجل آحاز وإنما من أجل القلة القليلة المقدسة من شعبه ، ومن أجل داود عبده ومدينته العزيزة لديه . لقد طلب من إشعياء أن يخرج لملاقاة آحاز ومعه شآرياشوب [ = البقية سترجع ] بكونه علامة وأعجوبة فى إسرائيل ( إش 8 : 8 ) ، مؤكدا له :

" احترز وأهدأ ؛ لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبى هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وآرام وأبن رمليا " إش 7 : 4 .

التقى النبى وابنه مع الملك عند البركة ليعلن الله للملك أن الخلاص لن يتم بالتخطيط البشرى والإمكانيات الزمنية وإنما بعمل الله الفائق وعنايته نحو أولاده . التقى النبى مع الملك عند البركة ليؤكد له أن الله يريد أن يتحدث مع البشرية أينما وجدوا ، يلتقى مع لاوى عند مكان الجباية ومع زكا عند شجرة الجميز ومع السامرية عند بئر يعقوب الخ .. هو يبحث عنا ويذهب إلينا أينما وجدنا مشتاقا إلى خلاصنا أكثر من إشتياقنا نحن إليه .




طلب الله من آحاز ألا يخاف ولا يضعف قلبه ، للأسباب :



أ – أن العدوين ليسا إلا شعلتين مدخنتين ، قد تعكر الجو ولكن بلا نار ملتهبة لتحرق . عدو الخير قوى وجبار فى المظهر لكنه يصغر جدا ويضعف تماما أمامنا إن اختفينا فى المسيح الغالب لإبليس وكل قواته .

ب – عدم نجاح مؤامرة الأعداء : قام الملكان بمؤامرة شيطانية خفية لكن الله المدرك كل الخفيات أعلنها حتى يحتاط الملك آحاز بالرغم من شره وغبائه . يقول الرب : " لا تقوم ، لا تكون " إش 7 : 7 . قد ينجح العدو فى البداية حاسبا أنه يحقق أهدافه الشريرة ، لكن الرب يشتت المستكبرين بفكر قلوبهم ( لو 1 : 51 ) .

جـ - لن يقدر آرام أن يتوسع كما ظن إنما يلتزم حدوده : " لأن رأس آرام دمشق ورأس دمشق رصين " إش 7 : 8 .

هكذا مهما حارب رصين فسيعود إلى دمشق ولا تتسع مملكته على حساب يهوذا كما يظن . أما بالنسبة لأفرايم ففى مدة 65 سنة ينكسر حتى لا يعود يحسب شعبا ( إش 7 : 8 ) .

ختم النبى حديثه بقوله : " إن لم تؤمنوا فلا تؤمنوا " إش 7 : 9 . فإنهم ما لم يؤمنوا بالوعد الإلهى ويثقوا فيه متكلين على ذراع الرب لن يثبتوا فى هذه الظروف القاسية الصعبة . الإيمان هو الدرع ( 1 تس 5 : 8 ) الذى يحمينا من ضربات العدو .




( 4 ) آحاز يرفض طلب آية :



قدم الله لآحاز كل إمكانية للخلاص ، لكن قلبه كان قد تقسى تماما فوثق فى أشور لا الله . ومع ذلك فإن الله فى حبه ولطفه عاد يتحدث معه خلال إشعياء النبى قائلا : " اطلب لنفسك آية من الرب إلهك ؛ عمق طلبك أو رفعه إلى فوق " إش 7 : 11 . وكأنه يقول له : لماذا تطلب عونا من أشور الغريب ، أنا هو إلهك مستعد أن أؤكد لك مواعيدى بآية من الأرض أو من السماء ، فأنا إله السماء والأرض . أطلب ما تريد وأنا أعطيك . أطلب أن تحدث زلزلة أو انشقاق للأرض كما حدث مع قورح وجماعته ، أو اطلب بروقا أو رعودا أو أمطارا أو علامة فى الشمس كما حدث مع يشوع حيث توقفت الشمس . فإننى وإن كنت لا أحب تقديم آيات للأستعراض إنما من أجل حبى لبيت داود ولكى تؤمن بى أعطيك سؤل قلبك . أما آحاز فقد صوب نظره نحو أشور ، رافضا أية معونة من قبل الله ، لذا رفض طلب آية منه ، مبررا ذلك بنص كتابى : " لا أجرب الرب " إش 7 : 12 ( تث 6 : 16 ) . لم يقل هذا عن ثقة فى الله وإنما رغبة فى عدم التعامل معه .



هذا الفصل يقرأ فى باكر من يوم الجمعة من الأسبوع الثانى من الصوم الكبير حيث تركز القراءات على " تجربة السيد المسيح " . وكأن روح الرب يؤكد أنه فى كل العصور يوجد أشرار يرغبون فى تغطية شرورهم بنصوص كتابية ، حتى الشيطان نفسه فى حواره مع السيد المسيح عند التجربة استخدم ذات الأسلوب . ما أخطر إساءة استخدام كلمة الله !

كان آحاز مخادعا فى إجابته حتى على الرب ، لهذا وبخه النبى قائلا : " اسمعوا يا بيت داود ؛ هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا الهي أيضا ؟! " إش 7 : 13 . لقد تضجر الناس بسبب مظالم آحاز وأهل بيته وها هم كمن يضجرون الله بعدم إيمانهم به متكلين على أشور لا الرب .




( 5 ) الآية الإلهيــــة : عمانوئيـــــل



... ها هو الرب يقدم نفسه آية لا لآحاز وإنما لكل البشرية لنطمئن أنه يخلصها لا من الأذرع البشرية وإنما من كل قوات الظلمة الشريرة ، يرفعها فوق الأحداث الزمنية ويحملها معه إلى الأحضان الأبوية . وفى نفس الوقت يطمئن آحاز أن بيت داود لن يسقط تماما ، إنما يأتى إبن داود " الآية العجيبة " القادر أن يقيم خيمة داود الساقطة .

الآية التى يريد الرب أن يهبها لكل مؤمن هى أنه يعطى ذاته " عمانوئيــــل " ..


حقا إنها آية فريــــدة ، كما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم : [ لما كان ما هو مزمع أن يحدث أمرا غريبا لكثير من أن يصدقوه حتى عندما يتحقق لهذا أرسل أولا وقبل كل شىء أنبياء يعلنون عن هذه الحقيقة ] ...




أ – " ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل "

إش 7 : 14 .



من الواضح للجميع أنه لم يولد أحد فى جنس ابراهيم من عذراء أو قيل عنه ذلك إلا مسيحنا .. بتولية القديسة مريم حقيقة إنجيلية .. تخفى إيماننا فى المسيح يسوع ابنها أنه ليس من زرع بشر .. فإن كلمة الله عند تجسده لم يبال بنوع الموضع الذى يضطجع فيه ( المذود ) ، أو الملابس التى يتقمط بها ، أو الطعام الذى يقتات به ، لكنه حدد بدقة " العذراء " التى تصير له أما .

الكلمة العبرية المستخدمة لعذراء هى " آلما Alma " وليس " بتولية " ولا " ايســا " ، فإن كلمة " آلمــا " تعنى عذراء صغيرة يمكن أن تكون مخطوبة ، أما " بتولية " فتعنى عذراء غير مخطوبة بينما إيســا تعنى سيدة متزوجة . وكأن كلمة " آلمــا " تطابق حالة القديسة مريم تماما بكونها عذراء وفى نفس الوقت مخطوبة للقديس يوسف الذى كان لها مدافعا وشاهدا أمينا على عفتها ، بوجوده ينتزع كل ريب أو ظن حولها .




تحدث حزقيال النبى ( 44 : 1 – 2 ) عن بتولية القديسة مريم :



+ حزقيال شهد وأظهر لنا هذا ، قائلا :

إنى رأيت بابا ناحية المشارق ،

الرب المخلص دخل إليه ، وبقى مغلقا جيدا بحاله .

أبصالية آدم يوم الأحد

+ ميلادك الإلهى يارب قد وهب البشرية كلها ميلادا ..

ولدتك البشرية حسب الجسد ، وأنت ولدتها حسب الروح ..

المجد لك يا من صرت طفلا لكى تجعل الكل جديدا .

القديس مار إفرام السريانى




ب – " زبدا وعسلا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير " إش 7 : 16 .



هنا يؤكد النبى ناسوت السيد المسيح ، فمع كونه ليس من زرع بشر لكنه صار بحق ابن الإنسان ، يشاركنا أكلنا وتصرفاتنا ويشابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها ( عب 2 : 7 ) .

الزبد والعسل هما طعام الصبية الصغار ، فإنه لن يبلغ الرجولة دفعة واحدة ، إنما يجتاز مرحلة الصبوة ، خلالها يعرف أن يرفض الشر ويختار الخير علامة نضوج نفسه وفكره . نراه فى الثانية عشرة من عمره يجلس وسط المعلمين يسمعهم ويحاورهم حتى بهتوا من تعليمه ( لو 2 : 46 ، 47 ) .

هذا تحقق بالنسبة لربنا يسوع المسيح المولود وحده من العذراء ، أما بالنسبة لما تم فى أيام آحاز فقد أعلن الله عن ميلاد ابن لأشعياء ، قيل عنه : " لأنه قبل أن يعرف الصبى أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التى أنت خاش من ملكيها " إش 7 : 16 .

تحقق ذلك بدقة إذ هاجم ملك أشور دمشق بعد إعلان هذه النبوة بفترة قصيرة وقتل رصين ( 2 مل 16 : 9 ) كما قتل هوشع بن إيلة فقح بن رمليا وملك عوضا عنه ( 2 مل 15 : 30 ) ، وأعيد 200000 أسير بسرعة ، وذلك لا بالقوة ولا بالقدرة بل بروح الرب ( 2 أى 28 : 8 – 15 ) .




( 6 ) أشور الحليف يصير عدوا :



إذ يتكىء آحاز على أشور كحليف له دون الرجوع إلى الرب لهذا يسمح الله أن ينقلب آشور عدوا ضد يهوذا ، ويجتاز يهوذا مرارة لم يسبق له اجتيازها منذ انقسمت المملكة إلى مملكتين " إسرائيل ويهوذا " ( إش 7 : 17) ، وفى نفس الوقت يرى أياما صعبة من جهة مصر فيصير يهوذا بين حجرى رحا ، لا بمعنى أن يتفق أشور ومصر ضده ، وإنما يتصارع الأثنان ضد بعضهما ويكون يهوذا هو كبش الفداء للأثنين ، فى أرضه تحدث المعارك والصراعات .

" ويكون فى ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب ( جيوش مصر ) الذى فى أقصى ترع مصر ، وللنحل ( جيوش أشور ) الذى فى أرض أشور ، فتأتى وتحل جميعها فى الأودية الخربة وفى شقوق الصخور وفى كل غاب الشوك وفى كل المراعى ( أى تغطى الجيوش كل بقاع يهوذا ) إش 7 : 18 ، 19 .

هذا ويصور الرب الخراب الذى يحققه أشور بموسى مستأجرة تحلق شعر الرأس وشعر الرجلين واللحية ( إش 7 : 20 ) . وكأن العدو يمد يده كما بموسى ليمسح كل ما لدى الملك وأهل بيته والعظماء ( الرأس ) وما لدى عامة الشعب ( الرجلين ) وأيضا الكهنة ( اللحية ) . هكذا يتحول أشور إلى موسى مخرب ومحطم ! حلق اللحية كان علامة المذلة إذ كان الأسرى يلتزمون بذلك لا إراديا .

مرة أخرى يعطى صورة لخراب يهوذا التى اشتهرت بتربية الأغنام ، فكان كل إنسان يملك الكثير من الرؤوس ، لكن بعد الخراب يصير للمقتدر عجلة بقر وشاتين ( إش 7 : 21 ) ، وتتحول الكروم الجيدة إلى أرض للشوك والحسك ( إش 7 : 23 ) ، إذ لا توجد أيد عاملة بسبب الحرب ...

+ + +
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 08:59 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح الثامن




مهير شـــــلال حاش بــــز


فى الإصحاح السابق تحدث الله مع آحاز الملك خلال إشعياء النبى الذى أعلن عن تدخل الله لإنقاذ أورشليم من آرام وإسرائيل ، وقد انجب النبى إبنه الأول شآرياشوب [ = البقية سترجع ] ليؤكد أن المسبيين من يهوذا يرجعون سريعا . الآن يتحدث الله مع الشعب فى ذات الأمر وتحت نفس الظروف ، وينجب النبى الإبن الثانى المدعو مهير شلال حاش بز ( = اسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب ] ليؤكد أن اشور قادم سريعا ليسلب آرام وينهب إسرائيل منقذا أورشليم ، وفى نفس الوقت ينذر شعب يهوذا لإتكاله على أشور لا على الرب .




( 1 ) غلبة أشور على آرام وإسرائيل :



بأمر الهي أخذ إشعياء النبى لوحا كبيرا كتب عليه بحروف واضحة " مهير شلال حاش بز " وتعنى " أسرع إلى السلب ، بادر إلى النهب " . وضع إشعياء النبى اللوح فى مكان ظاهر فى الهيكل لكى يقرأه الكل ، وقد شهد كاهنان عليه هما : أوريا وزكريا ، أوريا كان رئيس كهنة فى أيام آحاز ومشيره الروحى والمشترك معه فى العبادة الوثنية . فقد أقام مذبحا على شبه الآراميين رآه حزقيا فى دمشق ، ليقدم الملك عليه ذبائح ( 2 مل 16 : 10 – 16 ) .

وقع الكاهنان على اللوح كشاهدين أن ما كتبه كان قبل حدوث الأمر .

يعلن إشعياء النبى أنه عندما يبلغ ابنه مهير شلال حاش بز حوالى سنة واحدة من عمره تتحقق النبوة ضد آرام وإسرائيل ، إذ يقول : " قبل أن يعرف الصبى أن يدعو يا أبى ويا أمى تحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور " إش 8 : 4 . وقد تم ذلك بواسطة تغلث فلاسر ملك أشور ( 2 مل 15 : 29 ؛ 16 : 9 ؛ 1 أى 5 : 26 ) .



( 2 ) إنذار بنى يهـــــوذا :


إن كان الله يدافع عن خلاص أورشليم ، لكنه لا يدافع عن خطاياهم ولا يتستر عليها بل يطلب التوبة عنها والرجوع إليه .

يقول :

" لأن هذا الشعب رذل مياة شيلوه الجارية بسكوت وسر برصين وابن رمليا " إش 8 : 6

ماذا يعنى رذل الشعب مياة هذا النهر ؟ هذا يشير إلى استخفافهم بما وهبهم الله " مملكة يهوذا " متطلعين إلى ما هو لدى الغير " الأذرع البشرية " . لقد فقدوا إيمانهم بالله واهب النصرة وخشوا رصين وإبن رمليا الغريبين والمقاومين ليهوذا ملتجئين إلى من ينقذهم منهما .

هم رفضوا مجرى الماء الهادىء الذى يشير إلى الروح القدس طالبين المياة الغامرة القوية ، لذلك يؤدبهم الرب بأن :

" يصعد عليهم مياة النهر القوية والكثيرة ، ملك أشور وكل مجده " إش 8 : 7 .

لقد أنقذ تغلث فلاسر الأشورى يهوذا ، لكن سنحاريب الأشورى هجم بقوة على يهوذا وبلغ إلى العنق وحاصر الرأس أورشليم ، وكادت أن تسقط لولا تدخل الله : " يفيض ويعبر يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه ( فرعى نهر الفرات ) ملء عرض بلادك يا عمانوئيل " إش 8 : 8 .

هكذا يسمح الله بالتأديب فتحل التجارب كالسيل الجارف لكى تبلغ إلى أعناقنا ، لكنه يحفظ الرأس ( إيماننا بالسيد المسيح رأسنا ) فوق سيول التجارب حتى لا يفنى إيماننا فنهلك ( لو 22 : 32 ) ، لأننا أرض عمانوئيل ، ملك الرب ، مهما حاول العدو أن يبسط جناحيه فى داخلنا .




( 3 ) بلاد عمانوئيل :



بينما يتحدث النبى عن الأمور الجارية فى عهده إذا بالرب يرفع أنظاره وأنظار المؤمنين نحو عمل المسيح الخلاصى. الله فى حبه يترفق بشعب يهوذا فيخلصهم من تحالف آرام وإسرائيل ضدهم ، وفى نفس الوقت إذ يخطىء الشعب بإلتجائه إلى أشور يصير أشور نفسه مقاوما لهم . هذا ما سمح به الله ، لكنه لم يسمح بإبادة يهوذا تماما ، لأن منه يخرج السيد المسيح ، الأسد الخارج من سبط يهوذا . يسمح بالغزو الأشورى يفيض حتى عنق يهوذا لكنه لا يصيب الرأس . إذ يتجسد كلمة الله من سبط يهوذا – من القديسة مريم – ويحل بيننا عمانوئيل الذى يقيم من قلوبنا أرضا أو مملكة له .. هذا ما دفع النبى إلى الإنتقال المفاجىء من مشكلة يهوذا فى عصر النبى أو بعده بقليل إلى الحديث عن القوى المتحالفة ضد عمانوئيل ، قائلا :

" هيجوا أيها الشعوب وانكسروا واصنعوا يا جميع أقاصى الأرض ، احتزموا وانكسروا . تشاوروا مشورة فتبطل .تكلموا كلمة فلا تقوم لأن الله معنا "إش 8 : 9 ، 10 .

لم يقف الأمر عند أشور الذى انهار حيث مات 185000 رجلا منهم فى المعركة وإنما يعلن النبى عن سقوط كل قوى العالم المقاومة للحق : أشور يليها بابل ثم فارس ومادى والدولة الرومانية ( إش 54 : 17 ، مى 4 : 13 ) .

وبالأكثر قصد قوات الظلمة الروحية المقاومة لمملكة المسيح . يعلن النبى أن هياج الأعداء وتحالفهم ومشوراتهم الشريرة ضد الكنيسة ، موجهة ضد عمانوئيل الحال فى وسطها ، لهذا تنهار قوات الظلمة وتتمتع الكنيسة الحقيقية بالغلبة .

هذا الصوت النبوى يصرخ ضد كل مقاومى المسيح ، معلنا ما قاله الرب نفسه لشاول :

" لماذا تضطهدنى ؟! .. صعب عليك أن ترفس مناخس " أع 9 : 4 ، 5 .

ليفعل العدو كل ما فى وسعه مقاوما المؤمنين ، فإنه إنما يحطم نفسه .




( 4 ) تشكيك وتعثر فى عمانوئيل :



يبدو أن البعض لم يصدق كلمات النبى وحسبوا ذلك فتنة سياسية أو خيانة وطنية ومقاومة للملك والسلطات .. كى لا يلجأ يهوذا إلى أشور فيهلك على أيدى الآراميين وإسرائيل . لقد أمسك الرب كما بيد إشعياء ليشدده ( إش 8 : 11 ) . يرى البعض أن إشعياء نفسه – كإنسان – مال أحيانا إلى رأى الملك ومشيريه والشعب ، لكن الله مصر أن يوضح له الطريق وإن كان مخالفا لرأى الجماعة ، لذا يقول : " لا تخافوا خوفه ولا ترهبوا ، قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم " إش 8 : 12 ، 13 .

كل نفس أمينة فى خدمة الرب تقاوم ، لكن الرب نفسه يسندها لا لكى تعمل فحسب وإنما لكى تسند الآخرين وتشجعهم على العمل بروح الله القدوس ، متطلعين لا إلى المقاومة بل إلى مساندة رب الجنود لهم . ما أروع كلمات الرب تلك ..

ليس إشعياء وحده يقاوم ولا أيضا الأمناء من المؤمنين ، إنما يصير " عمانوئيل " نفسه مقاوما وحجر صدمة لكثيرين :

" ويكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبتى إسرائيل وفخا وشركا لسكان أورشليم ، فيعثر بها كثيرون فينكسرون ويعلقون فيلقطون " إش 8 : 14 ، 15 .

إنه " مقدس " أو " حجرمقدس " بالنسبة للمؤمنين الذين يلجأون إليه ويتمسكون به لحمايتهم وخلاصهم ، هو " حجر الأساس " و " حجر الزاوية " يربط المؤمنين من اليهود مع المؤمنين من الأمم كحائطين يلتقيان معا فيه . وفى نفس الوقت هو حجر عثرة وصدمة لغير المؤمنين .




( 5 ) البقية المقدسة لله :



ما حدث مع السيد المسيح – أن رفضه أهل بيته من اليهود ولكن قبلته قلة مثل التلاميذ والرسل والمريمات وبيت لعازر – تم مع إشعياء بصورة باهتة بكونه رمزا للمسيح ، إذ صار له هو أيضا تلاميذ أمناء .

" صر الشهادة اختم الشريعة بتلاميذى " إش 8 : 16 . قبلت القلة المقدسة كلمات إشعياء النبى بكونها نبوات صادقة وكلمة إلهية ، حاسبين كلماته إعلانا عن فكر الله وإرادته المقدسة . هؤلاء دعاهم النبى تلاميذه وأيضا " الأولاد الذين أعطانيهم الرب " إش 8 : 18 .

هؤلاء يلزمهم أن يختموا أو يصروا على ما سمعوه ، لأن هذه النبوات يجب أن تبقى محفوظة حتى أزمنة العهد الجديد ، حيث تعلن للأطفال البسطاء ( مت 11 : 25 ) . ختمها أيضا يعنى الإلتزام بعدم الإضافة إليها أو الحذف منها .

ما ذكره إشعياء يبدو فى عصره أنه أمر مستحيل يجب مقاومته لهذا كان يلزمه هو وتلاميذه أن يتسلحوا بالصبر للرب ( إش 8 : 17 ) . عاشوا فى جو مقبض : الرب ساتر وجهه عن شعبه ( إش 8 : 17 ) . الأمر الذى أحزن قلب إشعياء وتلاميذه ؛ وفى نفس الوقت يتطلع إليهم الشعب كغرباء عنهم وشواذ مملوئين حماقة . فبقوله : " هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب آيات وعجائب فى إسرائيل من عند رب الجنود " إش 8 : 18 . يعنى أن إشعياء وتلاميذه أشبه بآيات وعجائب بالنسبة للشعب ، إذ يختلفون عن الكل فى إيمانهم وسلوكهم وأفكارهم نحو الرب .




( 6 ) الإلتجاء إلى العرافين :



شعر الشعب كأن الله قد حجب وجهه عنهم لهذا بدأوا يطالبون المسئولين – ربما من بينهم بعض تلاميذ إشعياء – أن يلجأوا إلى أصحاب التوابع والعرافين لطلب المشورة والتعرف على الأمور المستقبلة . يدعوهم النبى " المشقشقين والهامسين " إش 8 : 19 . لأنهم يتكلمون بصوت خافت كما من عالم آخر ليتقنوا تمثيل دورهم .


ماذا يعنى الإلتجاء إلى العرافة ؟


فقدان الإنسان كل ملجأ أو عون له ، ذلك كما حدث مع شاول الملك . شعر أنه فى عزلة عن الله ، وعن أنبيائه ، حتى الشعب تراجع عنه فلجأ إلى الموتى يسألهم خلال صاحبة العرافة .

فى اختصار سقط بنو يهوذا فى خطيتين خطيرتين هما : الإلتجاء إلى التحالف البشرى عوض الإتكال على الله ، والرجوع إلى العرافة والموتى عوض التمتع بكلمة الله الحية الواهبة استنارة وقوة .

هذه الصورة المؤلمة تعلن عن حقيقة هامة :

الحاجـة إلى مخلص الهي !
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:00 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء - الإصحاح التاسع




المــــولود العجيــب



إذ يشتد الظلام ينبلج الفجر لتشرق الشمس على الجالسين فى الظلمة ، هكذا ختم الإصحاح السابق بصورة قاتمة عن الشعب الذى صار فى ضيق شديد وظلمة ، لذا جاء هذا الإصحاح يحدثنا عن مجىء المسيا " شمس البر " الذى يبدد الظلمة ، والذى يمد يده بالحب منتظرا رجوع الكل إليه .




( 1 ) نور أشرق فى الظلمة :


جاء ختام الإصحاح السابق قاتما للغاية ، لهذا بدأ هذا الإصحاح بكلمة " ولكن " ... فإن الله لا يترك شعبه هكذا ، لكنه يريد أن يشرق عليهم بنوره .

" ولكن لا يكون ظلام للتى عليها ضيق كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالى يكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم . الشعب السالك فى الظلمة أبصر نورا عظيما . الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور " إش 9 : 1 ، 2 .

وقد تمت هذه النبوة بظهور السيد المسيح وكرازته فى جليل الأمم . يقول الإنجيلى : " لكى يتم ما قيل بإشعياء النبى القائل : أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ؛ الشعب الجالس فى ظلمة أبصر نورا " مت 4: 14 – 16 .

اتسمت هذه المنطقةبالضعة ، فيقول نثنائيل : " أمن الناصرة يمكن أن يكون شىء صالح ؟! " يو 1 : 46 . لعل هذا يرجع إلى أن هذه البقعة . ( جليل الأمم ) تقع على حدود الأمم ، فكانت معرضة للغزوات ، وبسبب اختلاطها بالأمم الوثنية المجاورة أخذت الكثير عن العادات الوثنية وظلت فترات طويلة فى انحلال روحى ، لذلك وصفها النبى : " الشعب الجالس فى الظلمة " .



+ سكن فى الجليل حتى يرى الجالسون فى الظلمة نورا عظيما

+ فلير الجالسون فى ظلمة الجهل نور كمال المعرفة العظيم ،

الأمور القديمة عبرت ، هوذا الكل قد صار جديدا ( 1 كو 5 : 17 ) ،

الحرف انتهى وتقدم الروح ، الظلال هربت وجاء إليهم الحق .

القديس غريغوريوس النزينزى



+ بالإيمان يخرجون من الظلمة وموت الخطية إلى النور والحياة .

القديس أغسطينوس

+ يشرق نور اللوغوس الذى هو الحياة فى ظلام نفوسنا ،

يأتى إلى حيث يوجد رؤساء هذه الظلمة المقاومين لجنس البشر

لإخضاعهم للظلمة ، هؤلاء الرؤساء لا يثبتون فى

قوتهم إذ يشرق عليهم النور الذى جاء ليجعل من البشر أبناء للنور .

العلامة أوريجانوس




الله لا يسمح للظلمة أن تدوم إنمايشرق بنوره .. فماذا يحدث ؟



أ – " أكثرت الأمة " إش 9 : 3 ، بالرغم من سقوطها تحت التأديب بضربات قاسية لكنها تنمو وتكثر برحمة الله ونعمته .

ب – " عظمت الفرح " إش 9 : 3 تفرح الأمة كما فى يوم الحصاد أو يوم التمتع بغنيمة ، وكأن سر فرحها هو الحصاد الكثير والغلبة أو النصرة على العدو . .. عدو الخير .

الفرح هوسمة كنيسةالعهد الجديد المتهللة بالحياة الإنجيلية وسط الآلام ، تفرح من أجل حصادها المستمر لنفوس كثيرة لحساب ملكوت الله ، وتتمتع بغنيمة النصرة على عدو الخير .حياتها تهليل مستمر من أجل النفوس التائبة والمتمتعة بالخلاص ومن أجل نصراتها غير المنقطعة .

جـ - التمتع بحرية مجيدة :

" لأن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخره كسرتهن كما فى يوم مديان " إش 9 : 4 .

تتحرر من النير الثقيل والعصا وقضيب السخرة ، كرمز للحرية والخلاص من عبودية إبليس خلال الصليب ، فلم يعد لإبليس أو قواته سلطان على المؤمن المتمتع بحرية مجد أولاد الله .




( 2 ) المولود العجيب :



سر تمتع الأمة بالنمو المستمر والفرح الدائم مع الحرية المجيدة هو مجىء المسيا كمخلص وغال ومنتصر باسم البشرية ضد الأعداء . جاء إبن الله متأنسا ليحمل نير الصليب بإسمنا فيهبنا كل امكانيات الخلاص . إذ يقول النبى : " لأنه يولد لنا ولد ونعطى إبنا ، وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى إسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد ، غيرة رب الجنود تصنع هذا " إش 9 : 6 ، 7 .

كانت البشرية المؤمنة تترقب التجسد الإلهى حيث يأتى إبن الله الذى هو الخالق واهب الحياة ومجدها ليقيم طبيعتنا الميتة الفاسدة إلى صلاحها الذى خلقت عليه ، بإعادة خلقتها وتجديدها المستمر فيهبها استمرارية الحياة مع الفرح والحرية .

أ – " لأنه يولد ولد ونعطى ابنا " ، أى يتأنس فيصير ابن الله إبن الإنسان ، ويحسب ولدا ، يحمل طبيعتنا الناسوتية حقيقة فى كمال صورتها بغير انفصال عن لاهوته ودون امتزاج أو خلط أو تغيير . يشاركنا حياتنا البشرية ما عدا الخطية ويبقى كما هو " إبن الله " ... يقول الرسول : " فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس " عب 3 : 14 .



ب – " وتكون الرئاسة على كتفه " ، فقد ملك على خشبة كقول المرتل ، خشبة الصليب التى حملها على كتفه بكونها عرش حبه الإلهى .

ج – " يدعى اسمه عجيبا " ، لأنه فائق الإدراك ، أعطى اسما فوق كل اسم لكى تجثو باسمه كل ركبة ممن فى السماء وممن على الأرض ومن تحت الأرض ( فى 2 : 9 – 11 )



د – " مشيرا " ، بكونه " حكمة الله " 1 كو 1 : 24 ، المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم ( 1 كو 2 : 3 ) . جاءت الترجمة السبعينية " رسول المشورة العظيمة " ... ما هى هذه المشورة العظيمة التى أرسله الآب من أجلها ؟ اعلان السر الإلهى للبشر ، والكشف عن الآب الذى لا يعرفه إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له .



هـ - " إلها قديرا " : إله حق من إله حق ، واحد مع الآب فى الجوهر ، القادر وحده أن يجدد طبيعتنا بكونه الخالق ، والشفيع الذى يقدر وحده أن يكفر عن خطايا العالم كله .



و- " أبا أبديا " يلحق اللقب " إله قدير " بـ " أب أبدى " ، ليعلن أن قدرة السيد المسيح ، الإله الحق ليست فى إبراز جبروت وعظمة إنما بالحرى فى تقديم أبوة حب فريدة نحو البشرية ، خلالها ننعم بقدرة المسيح فينا .



ز- " رئيس السلام " ، هو ملك السلام ( 1 تس 5 : 33 ) ، الذى يقدم لنا دمه من أجل مصالحتنا مع الآب ، فنحمل سلاما داخليا معه ( رو 5 : 1 ) ، سلاما مع الله ومع أنفسنا ومع إخوتنا ، محطمين سياج العداوة الداخلية والخارجية .

فى اختصار يعلن إشعياء النبى عن هذا المولود العجيب القدير ، الذى لا يخلص آحاز من مقاومة أعدائه إنما يقيم مملكة جديدة أساسها كرسى داود .




( 3 ) اليــد الممدودة :



كلمة الله فى محبته غير المحدودة يتنازل ليصير إنسانا لكى يضىء للجالسين فى الظلمة ، يشرق عليهم بنوره الإلهى واهبا إياهم نور المعرفة ،مقدما لهم حياته سر فرح وتهليل ونصرة مستمرة ،أما الإنسان –فعلى العكس – يتشامخ بالكبرياء ، حاسبا فى نفسه أنه قادر بذراعه البشرى على تحقيق الخلاص .

فى هذا الفصل ثلاثة أبيات شعرية فى العبرية تنتهى بالعبارة : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 ، 17 ، 20 ( أيضا إش 10 : 4 ) .

يرى البعض أن هذه اليد الإلهية الممدودة علامة على دعوة الله للإنسان كى يقترب إليه ويلتقى معه ويتحد به . وأيضا علامة حماية الله له ، وكأنه يؤكد له أنه مهما بلغت العقبات فيد القدير ممدودة لتخلصه من كل شر وتنقذه من المرارة والضيق ، كما هى علامة على التأديب الإلهى النابع عن الحب ، يمد يده ليضغط على الإنسان فيرجع إلى نفسه ويطلب الله معينه .



الله – فى محبته – سمح بالضيق لمملكة إسرائيل ( افرايم ) لكن عوض التوبة تشامخوا بالأكثر . هذا ما كشفه النبى بقولـه : " القائلون بكبرياء وبعظمة قلب ، قد هبط اللبن فنبنى بحجارة منحوتة ؛ قطع الجميز فنستخلفه بأرز " إش 9 : 10

يرى البعض أن النبى يتحدث هنا عن الزلزلة التى حدثت فى أيام عزيا ، والتى يبدو أنها كانت عامة ( عا 1 : 1 ؛ زك 14 : 5 ) ، بسببها سقطت معظم بيوت السامرة وافرايم وكثرت الضحايا ، فصاروا يتهكمون على قضاء الله معلنين أنه وإن كان قد سمح بهدم بيوتهم المصنوعة من اللبن وسقوط أشجار الجميز ، فإنهم يقيمون قصورا مصنوعة من الحجارة المنحوتة ويغرسون أشجار أرز لا يقدر الزلزال أن يهدمها أو يزيلها . وكأنهم بهذا يكررون ما فعله الإنسان عندما شرع فى بناء برج بابل ليكون رأسه فىالسماء ( تك 11 : 3 ، 4 ) .

يرد إشعياء النبى على ذلك بإعلان تأديب الله الأكثر شدة ، فإنهم ماداموا لم يرتعدوا بالزلزلة فسيسمح بهياج العدو " رصين " ملك آرام ، ويهيج أيضا أعداءه ( ربما قصد أشور الذى هاجم إسرائيل وفيما بعد انقلب على يهوذا ) .

" فيأكلون إسرائيل بكل الفم " إش 9 : 12 . لكن تبقى مراحم الله تنتظر رجوعهم ، إذ يكمل حديثه : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 12 .




( 4 ) تأديبات الرب لهم :



يبقى الشعب متحجر القلب لهذا :

" يقطع الرب من إسرائيل الرأس والذنب ، النخل والأسل ( الحلفاء أو القش ) فى يوم واحد " إش 9 : 14 .

أ – ينتزع رؤساء الشعب مهما كانت منزلتهم ( الرأس ، النخل ) .

ب – ينتزع الأنبياء الكذبة ( الذنب ، الأسل ) .

جـ - إبادة المرشدين لأنهم مضلون ( إش 9 : 16 ) .

د – لا يرق للفتيان بسبب صغر سنهم ، ولا للأيتام أو الأرامل مع أنه " أبو اليتامى وقاضى الأرامل " مز 68 : 5 ... فقد اشترك الكل معا فى الشر مع عناد وعجرفة وحماقة ( إش 9 : 17 ) . كان الملوك الأشوريون فى غاية القسوة : تغلث فلاسر لم يترفق بالصغار ولا بالأرامل أو الأيتام فى افرايم .

هـ - يتحول الشعب كله إلى أشبه بغابة تحترق بنار الغضب الألهى ( إش 9 : 19 ) ، ليس لأن الله ينتقم لنفسه وإنما لأن فجورهم نار مدمرة ( إش 9 : 18 ) .

ز – تتحول الأمة إلى حالة من الفوضى قانونها العنف والظلم وعدم التشبع ، تسودها حروب أهلية دموية مدمرة : " لا يشفق الإنسان على أخيه ، يلتهم على اليمين فيجوع ، ويأكل على الشمال فلا يشبع ، يأكلون كل واحد لحم ذراعه ( أى جاره أو قريبه ) " إش 9 : 19 ، 20 .. هذه صورة بشعة لمجتمع شريعته الحرب والعنف والأنانية مع الجشع .

ح – لا يقف التطاحن على الأفراد وإنما يتسلل إلى الأسباط نفسها فيتحالف سبط مع آخر ضد ثالث وهكذا :" منسى أفرايم وأفرايم منسى ، وهما معا على يهوذا " إش 9 : 21 .

" مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 9 : 21 .
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:00 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح العاشر




هجوم آشور على يهوذا ومعاقبة آشور



يحوى هذا الإصحاح ويلين ، الويل الأول ضد رؤساء الشعب بسبب شرهم ، والثانى ضد أشور لأن الله سمح له بغزو يهوذا للتأديب فإذا به ينتفخ على الله ويجدف عليه ، حاسبا أن آلهته غلبت إله إسرائيل .

يرى البعض أن هذا الإصحاح كتب فى السنوات الأولى من حكم حزقيا ملك يهوذا ، بعد سقوط السامرة فى يد سرجون ملك آشور ( إش 10 : 11 ) .




( 1 ) الويل الأول ضد القيادات 1 – 4



يرى البعض أن الويل الموجه ضد القيادات هنا هو تكملة لما ورد فى الإصحاح السابق عن كبرياء إسرائيل ، ويدللون على ذلك أنه انتهى أيضا بالعبارة التى تكررت قبلا : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " ( إش 9 : 12 ، 17 ، 21 ؛ 10 : 4 ) ، بهذا يكون الحديث موجها ضد قيادات الأسباط العشرة ( إسرائيل ) . غير أن تكملة الحديث موجه إلى أورشليم عاصمة يهوذا لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا ينطبق على قيادات المملكتين لأنهما تشابهتا فى الشر .

يكشف الله تصرفات القادة الجائرة ، التى تتركز فى القضاء بالباطل والحكم بالظلم ( إش 10 : 1 ) ، يدون الضعفاء عن التمتع بحقوقهم المسلوبة ، ويسلبون حق البائسين خاصة الأيتام والأرامل ( إش 10 : 2 ) : وكما يقول الحكيم : " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التى تجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ومن يد ظالميهم قهر " جا 4 : 1 .

الآن إذ يدرك إشعياء عدل الله خاصة فى دفاعه عن الضعفاء يسأل هؤلاء القادة : " وماذا تفعلون فى يوم العقاب حين تأتى التهلكة من بعيد ؟ إلى من تهربون للمعونة ؟ وأين تتركون مجدكم ؟ إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى " إش 10 : 3 ، 4 . العقاب قادم لا محالة خاصة تجاه القيادات الدينية والمدنية .

ومع هذا كله لا زال الله يمد يد محبته ليخلصهم من شرهم : " مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد " إش 10 : 4 .




( 2 ) الويل الثانى ضد أشور : 5 – 19



سبق أن تحدث النبى عن قوة أشور العسكرية وجبروته ونصرته حتى على شعب الله ، كما أكد أن ما حل بالشعب هو بسماح الهي للتأديب ، لكن أشور تعظم على الله وحسب بغلبته هذه أنه غلب إله هذا الشعب وأذله ... لهذا يعود الله فيؤدب أشور نفسه المتعالى والمتعجرف .

اعتاد إشعياء النبى أن يتحدث بجرأة وصراحة فبينما يدعو أشور قضيب غضب الله وعصاهم هى سخط الرب ( إش 10 : 5 ) ، لكون أشور أداة لتحقيق تأديبات الرب ، نجده يدعو شعب الله " أمة منافقة " و " شعب سخط الله " إش 10 : 6 ، لأن هذا الشعب قد حمل صورة العبادة من الخارج بينما دب الفساد فى حياتهم الداخلية .

لم يدرك أشور هذه الحقيقة أنه مجرد أداة للتأديب ( إش 10 : 7 ) إنما فى كبرياء قال :

" أليست رؤسائى جميعا ملوكا ؟! " ( إش 10 : 8 . بمعنى أن الولاة الذين يقيمهم ملك أشور تحت قيادته هم جميعا ملوك ، فماذا يكون مركزه هو ؟! إنه ملك الملوك !!

قال أيضا : " أليست كلنو مثل كرمشيش ؟! أليست حماة مثل أرفاد ؟! أليست السامرة مثل دمشق ؟! " إش 10 : 9 .

هكذا لم تقف أمام أشور أعظم مدن الحثيين أو الأراميين ، فهل تقف أمامه مدن يهوذا وإسرائيل ؟! لقد حسب أشور نفسه أنه غلب آلهة الأمم وأوثانها التى تحميها فلن يقف إله إسرائيل أو يهوذا قدامه ( إش 10 : 10 ، 11 ) ، ظانا أنه على ذات مستوى هذه الأصنام .

لقد سمح الله له بذلك ، لكنه يعود فيؤدب أشور على سخريته به : " فيكون متى أكمل السيد كل عمله بجبل صهيون وبأورشليم إنى أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه ، لأنه قال : بقدرة يدى صنعت وبحكمتى ، لأنى فهيم ، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل ، فأصابت يدى ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف " إش 10 : 13 ، 14 .

هكذا ظن أشور أنه بقدرته وحكمته صنع أعمالا خارقة ...

لم يدرك أشور أنه كان فأسا أو منشارا يستخدمه الله للتأديب ، فتشامخت الأداة على من يستعملها .


لذلك يقوم الله بتأديبه هكذا :



أ – يرسل على " سمانه " ، أى أبطال جيشه الجبابرة ، هزالا ( إش 10 : 16 ) .

ب – يوقد تحت " مجده " ، أى جيشه ، وقيدا كوقيد النار ( إش 10 : 16 ) ، فتلتهمه ليصير رمادا . يصير الله " نور إسرائيل " نارا آكلة لأشور ، والقدوس لهيبا يحطم العدو ( إش 10 : 17 ) . بمعنى آخر الله الذى هو نور للمؤمنين وسر تقديس لحياتهم يكون نارا آكلة ولهيبا للأشرار المقاومين .

ج ـ يفنى جيشه فيبقى عدد قليل ( أشجار وعرة ) يستطيع صبى أن يكتب اسماءهم ( إش 10 : 19 ) ، هذا من جهة العدد أما من جهة القوة فيفقدون طاقتهم النفسية والجسدية ويكونون كمسلول يذوب ( إش 10 : 18 ) .




( 3 ) الناجون من إسرائيل 20 – 23


كثيرا ما تحدث الأنبياء عن " البقية " التى تخلص ، قصدوا بها القلة القليلة التى تبقى أمينة للرب وسط انهيار القيادات الدينية وفساد القضاة والرؤساء والشعب أيضا . هذه البقية التى تنجو من ظلم أشور لا تفرح بعودتها إلى أورشليم إنما هو أعظم ، تفرح بلقائها مع الله القدير نفسه ( إش 10 : 21 ) .

اقتبس الرسول بولس قول إشعياء النبى ( 10 : 22 ، 23 ) قائلا : " وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بنى إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص ، لأنه متمم أمر وقاض بالبر ، لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض " رو 9 : 27 ، 28 .

كان هذا القول يحمل نبوة عن المسبيين إذ كانوا كثيرين جدا بالنسبة للقلة القليلة التى تنجو من الأسر ... وأن الله سمح بذلك ، طبق الرسول هذه النبوة بصورة أشمل على العصر المسيانى حيث يؤسر عدد كبير جدا من اليهود تحت الجحود رافضين الإيمان بالمسيا ، وقليلون هم الذين يخلصون بقبولهم المسيا المخلص ، وقد سمح الله بذلك لأجل البر ، ليفتح الباب للأمم .




( 4 ) لا تخف يا شعبى : 24 – 27



يرى بعض الدارسين أن النبوة هنا تشير إلى الحدث التالى : عندما رفض حزقيا بن آحاز وخليفته دفع الجزية هاجم سنحاريب الأشورى يهوذا بجيش قوى وحاصر أورشليم وكان على وشك استلام المدينة ، لكن الله أمر بخلاصها . قتل الجيش وهرب سنحاريب حيث قتله أبناؤه .

يطالب الله شعبه ألا يخاف من أشور فإنه سيباد ، إذ يقيم الله عليه سوطا ( إش 10 : 26 ) ، يضربه بملاكه ضربة قاتلة ( 2 أى 32 : 21 ) ، كما سبق فضرب غراب أمير مديان ( قض 7 : 25 ، مز 83 : 11 ) ، وكما ضرب فرعون وجنوده فى بحر سوف خلال عصا موسى ( إش 10 : 26 ) ، هكذا يبيد الله أشور لينزع هذا النير عن كتف شعبه ( إش 10 : 27 ) وعن عنقه بسبب السمانة ( الدهن ) ، لأجل المسحة المقدسة التى نالها داود الملك وبنوه من بعده .




( 5 ) الغزو الأشورى ليهوذا : 28 – 32



قبل الحديث عن سقوط أشور تحدث النبى عن الغزو الأشورى ليهوذا ليوضح قدراته الحربية الجبارة وسرعة تقدمه نحو أورشليم العاصمة مع ضعف مقاومة يهوذا بل وانعدامها ، وكيف ارتعب يهوذا وارتعد ( إش 10 : 28 – 32 ) . قدم النبى وصفا شاعريا يكشف عن مرارة مدن يهوذا ، لكن أشور يتوقف عند نوب ( مدينة للكهنة تقع فى شمال أورشليم ) ، ربما ليستريح الجيش ويستعد لمواجهة أورشليم . لقد وقف سنحاريب هناك ليرفع يده ويمدها مهددا أورشليم ( إش 10 : 32 ) فظهر كشجرة شامخة منعجرفة . هدد بسحق أورشليم ولم يدرك أن الله قد سمح بسحقه هو ولينزع عنه أغصانه التى يتشامخ بها .




( 6 ) سقوط أشور 33 – 34



يعلن الله تحطيم أشور تماما ، فإنه يقضب أغصانه بل وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينزل مجده إلى التراب ( إش 10 : 33 ، 34 ) ، هذه هى ثمرة الكبرياء !
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:00 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح الحادى عشر




المسيا والعصر المسيانى



لم يكن ممكنا لإشعياء النبى أن ينحصر فى الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدى ، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط أشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا ، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء فى جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسيانى العجيب .




( 1 ) ظهور ابن يسى :


فى الإصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب : " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا " إش 9 : 6 ،

أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى : " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله " إش 11 : 1 .

لم يقل ابن داود مع أنه شرعا هو أبن داود ، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدا ، كقضيب وغصن من يسى الذى عاش ومات قليل الشأن . والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية .

بينما يتحدث الوحى فى الإصحاح السابق عن أشور – يمثل عدو الكنيسة – كأغصان مرتفعة وقوية ( إش 10 : 33 ) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع . أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية بإتضاعه . وكما تقول عنه الكنيسة فى جمعة الصلبوت : " أظهر بالضعف ( الصليب ) ما هو أعظم من القوة "

+ هذا هو المسيح ، فقد حبل به بقوة الله بواسطة عذراء من نسل يعقوب ، أب يهوذا ، وأب اليهود ، من نسل يسى ..




( 2 ) المخلص وروح الرب :



" ويحل عليه روح الرب ، روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب " إش 11 : 2

إذ جاء السيد المسيح ممثلا للبشرية حل عليه الروح القدس الذى ليس بغريب عنه ، لأنه روحه . حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا ؛ بالنسبة له حلول أقنومى ، واحد معه فى ذات الجوهر مع الآب ، حلول بلا حدود .

كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة .. فحلول الروح القدس ليس حلولا زمنيا بل هو اتحاد أزلى بين الأقانيم الثلاثة . بالتجسد الإلهى قبل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حالا عليه لكى يهبنا نحن فيه ، كأعضاء جسده ، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب .

ربما يسأل البعض : لماذا حل الروح القدس على السيد المسيح عند عماده ؟

نقول : الروح القدس هو الذى شكل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهى . ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته ، لم يكن الناسوت قط فى معزل عن الروح القدس . ولا فى حاجة إلى تجديد الروح له ، لأنه لم يسقط قط فى خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه ، إنما طلب السيد أن يعتمد " لكى يكمل كل بر " ، أى يقدم لنا برا جديدا نحمله فينا خلال جسده المقدس . حلول الروح عليه فى الحقيقة كان لأجل الإنسانية التى تتقدس فيه ، فتقبل روحه القدوس .




( 3 ) أعمال المخلص :


" ولذته تكون فى مخافة الرب ، فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضى بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسى الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه ، ويميت المنافق بنفخة شفتيه " إش 11 : 3 ، 4 .

أ – يقدم لنا السيد المسيح صورة حية عن التعامل مع الآخرين ، وهى ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة ، وألا تكون حواسنا هى الحكم خاصة الشم والنظر والسمع .

يقول " لذتهHis breath تكون فى مخافة الرب " إش 11 : 3 .

العبيد والأجراء يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم أو يحرموهم الأجر أو المكافأة ، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم . هذا الخوف السامى الذى يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته .

ب – " لا يقضى بحسب نظر عينيه " إنما حسب الأعماق الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات . لقد وقف السيد المسيح حازما ضد القيادات الدينية التى تحكم بالمحاباة ، أى يأخذون بمظهر الناس وليس بعدل القضاء .

جـ - رفض الوشايات البشرية " لا يحكم بحسب سمع أذنيه " إش 11 : 3 .

د – اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين ( إش 11 : 4 ) .

هـ - " ويضرب الأرض بقضيب فمه " إش 11 : 4 . جاء رب المجد يضرب بكلمته ( قضيب فمه ) أو بسيف فمه ( رؤ 2 : 16 ؛ 19 : 6 ) ، سيف الكلمة ذى الحدين ( عب 4 : 3 ) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضا . غايته أن يحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات .

و – " ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه " إش 11 : 5

جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكا روحيا لا يشارك العالم خاصة الأغنياء مظهرهم فى اللباس والمظاهر البراقة ، يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية ، جاء كخادم يتمنطق لكى يغسل الأقدام البشرية حتى يظهر كل من يقبل إليه .




( 4 ) سمات العصر المسيانى :



بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسيانى ، مقدما لنا صورة حية عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالأتحاد معا فى جسد واحد ، يحملون طبيعة الحب والسلام ...

يصور هذا العصر قائلا :

" فيسكن الذئب مع الخروف " إش 11 : 6 ... لا يوجد تضاد أعظم من هذا ، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه . يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق . صار الكل قطيعا واحدا يحمل الخليقة الجديدة التى فى المسيح يسوع .

" ويربض النمر مع الجدى " إش 11 : 6

" والعجل والشبل والمسمن معا ؛ وصبى صغير يسوقها " إش 11 : 7

قطيع عجيب غير متجانس ، تحت قيادة عجيبة . هذا الصبى الصغير يشير إلى القيادات الروحية الكنسية التى تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعا وديعا يخضع بروح الإنجيل كما لصبى صغير .

" والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا " إش 11 : 7

البقرة تشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات الطاهرة ، والدبة تشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هى مفترسة ( عنيفة ) وكأنه من سمات العصر المسيانى أن يجنمع أعضاء من أصل يهودى مع أصل أممى فى رعية واحدة تحت قيادة راعى واحد .

والأسد إذ فقد طبعه الوحشى وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحما بل تبنا .

" ويلعب الرضيع على سرب الصل ، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان " إش 11 : 8 .

فى اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة ، فتحمل الكنيسة كلها – خداما ومخدومين – روح الحب والوحدة . بهذا لا يصيب الكنيسة – جبل قدس الرب – فساد " لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب ، كما تغطى المياة البحر " إش 11 : 9 .




( 5 ) سلام بين الشعوب :



أ – جاء السيد المسيح ليقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب ، واهبا سلاما للمؤمنين الحقيقيين " ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا " إش 11 : 10 .

يقول " إياه تطلب الأمم " إنه مشتهى الشعوب ، بحث عنه اليونانيون ( يو 12 : 20 ، 21 ) ؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممى إلى بطرس لكى يسمع عن السيد المسيح ( أع 10 )

" ويكون محله مجدا " جاء فى الترجمة اليسوعية " يكون مثواه مجدا " ، لعله يقصد أن صليبه الذى كان عارا صار بقيامته مجدا ، إذ صار قبره الفارغ مقدسا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة .

ب – ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التى قبلت الخلاص ، وقد جاءت من أماكن متفرقة ( أع 2 ، يع 1 : 1 ، 1 بط 1 : 1 ) . لذلك يقول النبى : " ويكون فى ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التى بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ( مصر العليا ) ومن كوش ومن عيلام ( مملكة فى شرق نهر دجلة وشمال شرقى الخليج الفارسى ) ومن شنعار ( سهل بابل ) ومن حماة ومن جزائر البحر " إش 11 : 11 .

تحققت هذه النبوة فى عيد العنصرة وأيضا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال ، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع فى الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس ( رو 11 : 11 – 27 ) .

فى ذلك اليوم ينضم قابلو الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التى سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء فى جسد واحد : " ويرفع راية للأمم ويجمع منفيى إسرائيل ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض " إش 11 : 12 .

ح – يقدم الأتحاد الذى تم بين اسرائيل ( إفرايم ) ويهوذا عند عودتهم من السبى بع أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونا طويلة صورة للأتحاد بين الأمم واليهود ( إش 11 : 13 ) .

فى القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليه ( إش 11 : 14 – 16 ) ، أما فى العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحى فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم . الله الذى سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة فى قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسيانى .

بمعنى آخر الذى أصعد شعبه من مصر مجتازا بهم وسط مياة البحر الأحمر ، هو الذى يعبر بهم من أشور بعد السبى ( إش 11 : 16 ) ، وهو الذى يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التى تقف أمامهم .

+ + +
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:00 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح الثانى عشر



تسبحة المفديين



اجتاز إشعياء النبى حالة الضيق التى أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد ، الأمر الذى لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة أشور وتلامس مع عمل الله الخلاصى لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم : ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوى . لم يكن أمام النبى إلا أن يسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادا للنبوة الواردة فى الإصحاح السابق التى تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه .



( 1 ) مراحم الله وسط غضبه :



" وتقول فى ذلك اليوم : أحمدك يارب لأنه إذ غضبت على ارتد غضبك فتعزينى " إش 12 : 1 .

تبدأ الترنيمة الجديدة التى ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصى بالكلمات :

" وتقول فى ذلك اليوم " . أى يوم هذا ؟

إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذى فيه نحمد الرب الذى حول الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد . لقد تجسم الغضب الإلهى على الخطية التى نرتكبها بصلب السيد المسيح – كلمة الله المتجسد – ليرفعنا من الغضب إلى المجد .

ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبى البابلى وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا .



( 2 ) يهوه سر خلاصنا وقوتنا وفرحنا :



" هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب ، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى ، وقد صار لى خلاصا ، فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص " إش 12 : 2 ، 3

اقتبست الكنيسة القبطية جزءا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب فى يومى خميس العهد وجمعة الصلبوت ، وهو : " قوتى وتسبحتى ( ترنيمتى ) هو الرب ، وقد صار لى خلاصا . الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا ! فى وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد ؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه ، هو كل شىء بالنسبة لها .

بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف ( مز 89 : 15 ) ؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة ! هتاف الخلاص الذى به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوى المفرح .

بالصليب تفجر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر ، ولكن نشرب ونفرح ، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدى .



هنا يدعو الله " ياه يهوه " ؛ " ياه " هى اختصار للإسم " يهوه" ، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهى " يهوه " لتأكيد أنه الله السرمدى غير المتغير ، يتكىء عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد ، فيطمئن على الدوام دون تخوف .

وكما يقول القديس أغسطينوس : [ إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا ، التق بالله السرمدى ، ذاك الذى لا يعتريه تغيير ، بل يستمر ثابتا على حال واحد إلى الأبد ] .



(3 ) الشهادة لأعمال الله :



يرى البعض أن العبارات السابقة ( إش 12 : 1 – 3 ) تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية ( إش 12 : 4 – 6 ) التى تمثل تسبحة ثانية .

على أى الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح فى النفس خلال التمتع بخلاص الرب ، فإن الثانية مكملة لها تعلن الألتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم . فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقا نحو تمتع الغير بذات الخلاص .

" وتقولون فى ذلك اليوم : احمدوا الرب ، ادعوا باسمه ، عرفوا بين الشعوب بأفعاله ، ذكروا بأن اسمه قد تعالى .رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض . صوتى واهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك " إش 12 : 4 – 6 .

كيف نكرز بالرب ؟



أ – بالتبشير : " عرفوا بين الشعوب بأفعاله " ،

وكما يقول الرب لتلاميذه : " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " مر 16 : 5 . كل مؤمن يلتزم بالشهادة لمخلصه ، إذ نرى المرتل داود وهو يعلن توبته فى المزمور الخمسين يقول : " امنحنى بهجة خلاصك فأعلم الخطاة طرقك " .

ب – بالفرح المقدس : " رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرا ، ليكن هذا معروفا فى كل الأرض " .

ليست شهادة للمخلص أعظم من تلامس الغير مع فرحنا الداخلى بالرب الذى يجتاز كل الأحداث والمتاعب . يقول المرتل : " حينئذ امتلأت أفواهنا فرحا وألسنتنا ترنما ، حينئذ قالوا بين الأمم : إن الرب قد عظم الصنيع معنا " مز 26 : 2 .

صوت التهليل الداخلى يشهد لسكنى القدوس فينا !

الفرح المقدس يعلن عن ملكوت الله المفرح فى داخلنا . جاء فى سيرة القديس أبوللو الكاهن بطيبة على حدود هرموبوليس ( أشمونين ) ، ان وجهه كان دائم البشاشة ، مجتذبا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة فى الداخل ، ومشبعة للقلب بالرب نفسه . كثيرا ما كان يردد القول : [ لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة ؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية ؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة ( الأشرار ) ، أما الأبرار والقديسون فحرى بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات ] .

+ + +
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:00 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

إشعياء – الإصحاح الثالث عشر




وحى من جهة بابل



إذ تحدث النبى عن السيد المسيح وأمجاد عصره خشى أن يفهم البعض أن هذا الأمر يتم فى عهده أو فى المستقبل القريب لذلك تنبأ عن بابل وما سيحل بالشعب خلال السبى البابلى ثم العودة من السبى .

قبل مجىء السيد المسيح تظهر مملكة بابل بكل عنفوانها لتتحطم ، ويأتى المسيا ليملك ولا يكون لملكه نهاية . يتكرر الأمر بالنسبة لمجيئه الأخير حيث تظهر مملكة الدجال كمملكة بابل تقاوم الكنيسة وتسود العالم لكنها تنهار ليأتى رب المجد على السحاب .

بابل وغيرها من الأمم العنيفة إنما تمثل المقاومة لله ولكنيسته ... وقد جاء الوحى هنا يعلن أن كل القوى المعادية لله ومسيحه وشعبه لن تدوم بل تنهار .




( 1 ) وحى من جهة بابل :



" وحى من جهة بابل رآه إشعيا بن آموص " إش 13 : 1 .

أراد النبى تأكيد أنه هو كاتب النبوة ، تمتع بها من جهة بابل . أما تأكيده أنه هو الذى رآها فذلك لسببين :

أ – إن كان إشعياء قد تنبأ بخصوص يهوذا وأورشليم لكنه يتحدث هنا عن مصير الأمم المجاورة مؤكدا أن الله إله القديسين هو بعينه إله جميع الأمم .

ب – لم يكن لبابل حسبان فى ذلك الوقت ، فكان يصعب على السامع أو القارىء أن يصدق ما يقال عنها فى هذه النبوات .




( 2 ) دعوة الأمم لمقاتلة بابل :



لم تكن بابل قد ظهرت عظمتها بعد ، لكن النبى يراها قادمة ، عاصمتها مدينة عتاة ، لهذا يبدا نبوته عنها بتحريض الرب للأمم كى تتجمهر ضد بابل وتقتحم أبوابها وتذل كبرياءها ، قائلا : " أقيموا راية على جبل أقرع " إش 13 : 2 . هكذا يصدر الله أمرا بمحاربة بابل فيدعو الأمم أن تقيم راية الحرب على جبل خال من كل شجر أو نباتات حتى يمكن لكل الجيش أن يراها . لأن خلو المكان من الأشجار يساعد سرعة انتباه الجيش لبدء الحرب .

" ارفعوا صوتا إليهم " إش 13 : 2 ، أى اضربوا بالأبواق لأجل تحميس الجيوش .

" أشيروا باليد ليدخلوا أبواب العتاة ( الأشراف ) إش 13 : 2 ، أى يلوحون بالأيدى لتشجيع اهمم من أجل اقتحام مدينة الأحرار الأشراف فى شجاعة وإقدام .

ما هى بابل إلا النفس المتعجرفة التى يلزمنا أن نقتحمها لا برايات الحرب ولا بأصوات الأبواق ولا بالتلويح بأياد بشرية وإنما برفع راية الحب التى لمسيحنا المصلوب لتقول :

" علمه فوقى محبة " نش 2 : 4 .

الحديث هنا أعظم من أن يكون خاصا بدعوة فارس ومادى لأقتحام الأمبراطورية العظيمة بابل ، إنما هو دعوة تمس خلاص النفس الأبدى . لهذا يكمل قائلا :

" أنا أوصيت مقدسى ودعوت أبطالى لأجل غضبى مفتخرى عظمتى ، صوت جمهور على الجبال شبه قوم كثيرين ، صوت ضجيج ممالك أمم مجتمعة . رب الجنود يعرض جيش الحرب . يأتون من أرض بعيدة من أقصى السموات الرب وأدوات سخطه ليخرب الأرض " إش 13 : 3 – 5 .


يلاحظ فى هذا النص :



أولا : يرى البعض أن هؤلاء المقدسين والأبطال هم القيادات العسكرية لفارس ومادى .. ليسوا لأنهم قديسون وإنما لأن الله دعاهم دون أن يدروا لتحقيق أهدافه المقدسة ، ووهبهم قوة للعمل واستخدامهم لتحقيق أمور ليست فى أفكارهم .

ثانيا : ما هو صوت الجمهور القائم على الجبال شبه قوم كثيرين ، " صوت ضجيج ممالك أمم مجتمعة ، رب الجنود يعرض جيش الحرب " إش 43 : 4 إلا صوت الكنيسة المجتمعة معا بروح الحب والوحدة على الجبال المقدسة تتمتع بالحياة العلوية ، تسكن على قمم الوصايا المباركة لا عند السفح ، تجتمع من ممالك أمم كثيرة كجيش بألوية ( نش 6 : 10 ) ... إنها كنائس متعددة لها ثقافات متباينة لكنها خلال الإيمان الواحد والفكر الواحد تعيش كجيش روحى سماوى ... هذه هى سمة الكنيسة الحقيقية : كنيسة سماوية .

+ كم من كثيرين هاجموا الكنيسة فهلك الذين هاجموها ، أما هى فحلقت فى السماء .

تجتمع الكنيسة من أرض بعيدة ، إذ كان أغلب أعضائها وثنيين مرتبطين بالعالم ، غرباء عن بيت الله ، لكنهم صاروا سماء الرب ومقدسه ، يخربون الأفكار الزمنية أو محبة الأرضيات ليحملوا الآخرين إلى خبرة الحياة السماوية .




( 3 ) يوم خراب بابل :



يصور لنا النبى يوم خراب بابل المرهب على أيدى فارس ومادى بكونه يوم الرب الذى فيه يعلن غضبه على بابل المقاومة له ولأولاده .

يرى البعض أن ما ورد هنا تحقق فعلا فى أيام كورش ولكن بصورة جزئية ، غير أنه سيتحقق بصورة أشمل فى الأيام الأخيرة كما جاء فى سفر الرؤيا ( رؤ 17 ) . عن دينونة الزانية العظيمة الجالسة على مياة كثيرة ، بابل العظيمة أم الزوانى .

أ – يقول النبى : " ولولوا لأن يوم الرب قادم كخراب من القادر على كل شىء ، لذلك ترتخى كل الأيادى " إش 13 : 6 ، فلا يقووا على حمل السلاح . لقد صارت مملكة بابل سيدة العالم كله ، وقد أطال الله أناته عليها عشرات السنوات ، والبابليون يتمادون فى كبرياء قلوبهم وعجرفتهم ضد الرب نفسه ، لذلك إذ يسقطون تحت غضبه ترتخى أياديهم العنيفة الحاملة للسلاح ، فيصيرون فى ضعف شديد وموضع سخرية .

ب – " ويذوب قلب كل إنسان ، فيرتاعون " إش 13 : 7 ، 8 . هكذا ينتاب الكل حالة من الرعدة والخوف ، من رجال ونساء وشباب وشيوخ وأطفال ، يصير الكل منهارا ليس من يسند أخاه بل كل واحد يحطم نفسه كما يحطم من هم حوله !

جـ - يتلوون من الألم كالوالدة وهى فى حالة طلق ( إش 13 : 8 ) ، فقد حملوا فى داخلهم ثمر شر يلدونه مرارة المر . والعجيب أن الكتاب المقدس يشبه آلام الأشرار يآلام الطلق وأيضا آلام المؤمنين ( يو 16 : 20 ) ، الأولون يئنون فى يأس وبرعدة لأنهم يلدون ريحا ( إش 26 : 18 ) ، أما الآخرون فيفرحون وسط الحزن الخارجى لأنهم ينجبون إنسانا فى العالم ( يو 16 : 20 ) .

د – تصير " وجوهكم وجوه لهيب " إش 13 : 8 ، محمرة خجلا بسبب انكسارهم الشديد وجبنهم ، كما تبهت أحيانا وجوههم ( إش 13 : 8 ) ، إذ تصفر بسبب الخوف .

هـ - تصير أرضهم خرابا ليس من يمشى عليها ( إش 13 : 9 ) ، كرمز لما يحل بالجسد ( الأرض ) من فقدان لكل حيوية حقيقية . من يقاوم الرب من أجل شهوات الجسد يفقد حتى جسده وتخرب نفسه الداخلية ، إذ قيل : " لذلك أزلزل السموات ( النفس ) وتتزعزع الأرض ( الجسد ) من مكانها فى سخط " إش 13 : 13 . ربما يشير هنا أيضا إلى ثورة الطبيعة ضد من يعصى خالقها . وكأن من يعصى الرب تعصاه الطبيعة ذاتها !

و – يحل بهم الظلام " فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها ، تظلم الشمس عند طلوعها ، والقمر لا يلمع بضوءه " إش 13 : 10 . هذا يشير إلى ظلمة الجهل التى تحل بالإنسان المقاوم لله ، لا يرى شمس البر .

ز – يموت الرجال فى الحرب ، وإذ اعتادت النساء فى بابل على الحياة الخليعة لذا يطلبن رجلا لتحقيق شهواتهن الرديئة فيصعب عليهن وجوده : " وأجعل الرجل أعز من الذهب الأبريز والإنسان أعز من ذهب أوفير " إش 13 : 12 . أيضا يشير ذلك إلى قلة الأيدى العاملة بسبب الحرب مع عودة المسبيين وتحرر الأمم من السلطان البابلى .

ح – فقدان القيادة والرعاية : " ويكونون كظبى طريد وكغنم بلا من يجمعها ،يلتفتون كل واحد إلى شعبه ، ويهربون كل واحد إلى أرضه " إش 13 : 14 . يقد هنا أنه يوم انكسار بابل يفقد الجيش القيادة فيهرب الجنود المأجورون أو المسخرون من الأمم كل إلى بلده .

هذه هى حال النفس البعيدة عن الله فإنها تفقد قيادتها الداخلية ، ليعيش الإنسان كطريد أو كغنم بلا راع يجمعها .. يحمل فى داخله صراعات مرة وتشتيت فكر مع تحطيم للطاقات الداخلية .

ط – بطش بالكل دون تمييز بين عسكرى أو مدنى ، رجل أو إمرأة أو طفل ( إش 13 : 15 ) . إن الماديين لا يحطمونها لأقتناء غنى ( إش 13 : 17 ) ، وتحطيم طاقات بابل ( إش 13 : 18 ) ،إنهم يخربون كل مواردها فتصير كسدوم وعمورة اللتين احترقتا بنار من السماء .

ى – تصير بابل قفرا أبديا ، لا يسكنها إعرابى يرعى غنمه ولا يربض فيها رعاة خوفا من الحيوانات المفترسة ( إش 13 : 20 ، 21 ) .

إنها صورة للنفس التى تستسلم لعدو الخير فيستخدمها لحساب ملكوت الظلمة ، يملأها شرا ويحولها إلى معمل للفساد :

" تربض هناك وحوش القفر " إش 13 : 21 ..

" يملأ البوم بيوتهم " إش 13 : 21 ..

" تسكن هناك بنات النعام .. ترقص هناك معز الوحش " إش 13 : 21 ، أى تسكن النجاسة ، بدلا من الفرح السماوى .. وهناك ترقص وتلهو الشياطين فى النفس الشريرة إذ تجد فيها موضعا لها .

" وتصيح بنات آوى فى قصورهم والذئاب فى هياكل التنعم " إش 13 : 22 .. أى تتحول القصور والهياكل من أماكن للتنعم إلى مأوى للحيوانات الشرسة .

هذا كله حل ببابل " بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين "إش 13 : 19 ، المدينة الذهبية ( إش 14 : 4 ) ، الغنية فى كنوزها ( إر 51 : 13 ) ، فخر كل الأرض ( إر 51 : 41 ) ..




تحققت هذه النبوات بطريقة حرفية :



يذكر التاريخ أن كورش هدم جزءا كبيرا من أسوار بابل وأبنيتها ، وبعد 20 عاما قام داريوس بهدم بقية الأسوار ونزع أبوابها النحاسية مع صلب ثلاثة آلاف من عظمائها .

بالفعل تحولت بابل إلى خراب ، وقد حاول اسكندر الأكبر أن يعيد مجدها لكنه مات قبل تنفيذ مشروعاته . استخدمت حجارتها فى بناء بغداد وإصلاح الترع وإقامة الكثير من المرافق العامة .

أخيرا فقد أكد النبى أن ما يقوله يتحقق سريعا : " ووقتها قريب المجىء وأيامها لا تطول " إش 33 : 22 . فقد بدأ نجم بابل يتألق عام 606 ق . م . وسقطت فى يد فارس ومادى عام 536 ق . م . ، بينما جاءت النبوة فى القرن الثامن ق . م .

لقد بقيت بابل رمزا لكل نفس متكبرة عاصية كما جاء فى سفر الرؤيا ، وقد قيل : " إنه فى ساعة واحدة جاءت دينونتك " رؤ 18 : 10 .
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:01 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

اشعياء 14 - تفسير سفر أشعياء
سقوط بابل




يكمل النبي حديثه عن تأديب بابل وغيرها من الممالك المقاومة لله ولشعبه، موضحًا أن غاية الله من هذا التأديب ليس سقوط بابل أو غيرها إنما تقديم راحة لشعبه بعدما تأدب بالسبي. يُريد تأكيد تحقيق وعود الله وعهوده مع شعبه الذي أذلته بابل.

يظهر الله كقائد للمعركة ضد بابل يقوم بتخريبها، لأنها بعجرفتها وكبريائها تُشير إلى عدو الخير إبليس. أما ملكها فهو أداة للشيطان وممثل أو رمز له.

1. ترفق الله بشعبه [1-3].

2. هجو على ملك بابل [4-21].

3. خراب بابل [22-23].

4. خراب آشور [24-27].

5. خراب فلسطين [28-32].

1. ترفق الله بشعبه:

الله الذي سمح لشعبه بالمذلة خلال السبي البابلي هو نفسه الله الرحوم الذي اختاره شعبًا خاصًا له [1]. لقد سبق أن أخرجه من مصر وحرره من فرعون وجاء به إلى أرض الموعد بذراع رفيعة، والآن يحقق خروجًا آخر إذ يحرره من السبي ويرده إلى أرضه ليس فارغًا ولا في ضعف، إنما في قوة يجتذب الغرباء إليهم ليصيروا دخلاء يُشاركونهم ذات الإيمان والعبادة؛ كما يهب شعبه قوة فيسبون من سبقوا أن سبوهم، ويتسلطون على من سبقوا أن ظلموهم؛ بهذا يستريح الشعب من التعب والعبودية [4].

يرى القديس يوحنا كاسيان أن ما حدث قديمًا مع هذا الشعب إنما هو رمز لما يحدث مع المؤمن الذي يتقبل "كلمة الرب" القادر أن يسير أمامه ويحرره من جور "الشهوات الشريرة" وتسلطها على جسده هذه التي تأسره كما في قضبان الرذيلة وتعزله عن المعرفة الخفية[200].

إننا محتاجون إلى عمل الله الدائم معنا، ليخرج بنا لا من عبودية فرعون ولا من

سبي البابليين إنما ليعتقنا خلال الصليب بروحه القدوس من أسر الخطية، ينطلق بنا من الظلمة إلى النور، لنعيش في حرية مجد أولاد الله .

هذه الصورة الرائعة لمحبة الله نحو مؤمنيه تعلن بقوة في طقس المعمودية حيث يخلع الإنسان ثياب العبودية والأسر ويعترف أنه يجحد الشيطان وكل جنوده ويرفض عبوديته الداخلية، متقبلاً الدهن المقدس ليحمل بهاء الروح فيه... ينزل إلى المعمودية ليتمتع بالعضوية في جسد المسيح فيصير قادرًا على الحياة الجديدة الغالبة للموت والظلمة، ليُسبح الله قائلاً: "بنورك يارب نعاين النور" (مز 36: 9).

* يدهن الله ملامحكم ويختم عليها بعلامة الصليب. بهذه الطريقة يكبح الله كل جنون الشرير، فلا يجسر إبليس على التطلع إلى منظر كهذا، إذ يُصيب عينيه العمى بالتطلع إلى وجوهكم، ويكون كمن يتطلع إلى أشعة الشمس فيثب هاربًا...

لتعرفوا مرة أخرى أن الله بنفسه هو الذي يدهنكم خلال يد الكاهن، وليس إنسان. أصغ إلى كلمات بولس القائل:" الله هو الذي يثبتكم في المسيح الذي مسحنا".

بعد أن يدهن كل أعضائكم بهذا الدهن تصيرون في أمان قادرين أن تُفحموا الحية ولا يصيبكم ضرر.

* في كمال ظلمة الليل يخلع الكاهن ثوبك كمن يقودك إلى السماء عينها خلال الطقس، ويدهن كل جسدك بزيت الزيتون الذي للروح لكي تكون أعضاؤك قوية لا تغلبها السهام التي يوجهها العدو ضدك .

القديس يوحنا الذهبي الفم[201]

2. هجو على ملك بابل:

يتحدث النبي باسم الشعب المتحرر من سلطان بابل فيهجو ملكها واصفًا إياه هكذا:

أ. "الظالم" [4]. إن كانت بابل قد دُعيت مدينة الذهب بسبب غناها الفاحش، فإن هذا الغنى قد تحقق خلال ظلم ملكها وغطرسته؛ هذا الظلم لن يدوم، وهذه الغطرسة لابد أن تنكسر: "كيف باد الظالم بادت المغطرسة. قد كسر الرب عصا الأشرار قضيب المتسلطين" [4-5].

في كل عصر يوجد من يظلم بغطرسة مقاومًا الحق ومضطهدًا أتقياء الرب، لكن الظلم ينتهي والمُذلين يرتفعون. هذا ما حدث في أيام القديس يوحنا الذهبي الفم حين قاوم أتروبيوس الكنيسة وألغى حقها في حماية اللاجئين إليها، وبسبب سوء تصرفاته واستغلاله للسلطة ثار الجيش عليه وطلب إعدامه، فلجأ إلى الكاتدرائية التي كانت بالقرب من القصر، وذهب إلى المذبح وتعلق بالعامود، وظن الشعب أن ذهبي الفم ينتقم لنفسه وللكنيسة منه لكن القديس رفض معلنًا رحمته ومحبته حتى للأعداء[202]... انتهي الأمر بهروبه من الكنيسة وقتله بالسيف في خلقيدونية. وقد جاء في عظته الثانية على أتروبيوس ما يكشف عن ضعف كل ظلم بالنسبة لأولاد الله .

[من يُريد فليطردني خارجًا، ومن يُريد فليرجمني وليبغضني؛ فإن دسائس الأعداء ضدي هي الدعامات لنوال إكليل النصرة، وكثرة جزاءاتي تتوقف على عدد جراحاتي.

لهذا لا أخاف من مؤامرات الأعداء، إنما أخاف أمرًا واحدًا وهو الخطية. فإن كان أحد لا يقدر أن يجبرني على الخطية فليقم العالم كله بحرب ضدي، لأن مثل هذه الحرب تجعلني بالأكثر ممجدًا.

أُريد أن ألقنك درسًا وهو ألا تخاف من خداعات ذوي السطوة، لكن خف من سطوة الخطية. لا يضرك أحد إن لم تضر أنت نفسك بنفسك.

إن كنت لا تخطىء فإن عشرات الألوف من السيوف تهددك، لكن الله ينتشلك منها حتى لا تقترب إليك. ولكنك إن كنت ترتكب شرًا فإنك وإن كنت داخل فردوس فستُطرد منه].

ب. "الضارب الشعوب بسخطٍ ضربة بلا فتور، المتسلط بغضب على الأمم باضطهاد بلا إمساك" [6]. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لم يتوقف عن الضرب لذا كسر الرب عصاه؛ ولم يمسك عن اضطهاد الشعوب، يكتم أنفاس الناس ويحجر على حريتهم، لهذا استحق أن يسقط في مذلة. وكما قيل: "كما فعلت يُفعل بك، عملك يرتد على رأسك" (عو 15).

بسبب هذه السمات عندما سقطت بابل استراحت الأرض وهتفت ترنمًا [7]، وقيل ليعقوب: "ويكون في يوم يريحك الرب من تعبك ومن انزعاجك ومن العبودية القاسية التي استعبدت بها" [3]. تحققت هذه الراحة جزئيًا بعودة الشعب من السبي، لكن "بقيت راحة لشعب الله" (عب 4: 9)، هي الدخول إلى الحياة الجديدة التي في المسيح يسوع بكونه "سبتنا الحقيقي" و "راحتنا الأبدية".

يحاول أصحاب الفكر الألفي أن يفسروا هذه الراحة بكونها تمتع بهذا الحكم الألفي حيث يطلبون راحة زمنية على الأرض تحت حكم المسيح بطريقة مادية[203]، غير أن الذي ذاق راحة المسيح وتعزيات الروح القدس يدرك بحق كيف نال راحة فائقة في هذا العالم هي عربون الراحة السماوية.

* كل البشر رأوا الله قد خطب طبيعتنا، والشيطان رأى ذلك وتقهقر. رأى العربون وارتعب منسحبًا، رأى ملابس الرسل فهرب (أع 19: 11). يا لقوة الروح القدس!...

تأمل ماذا فعل الروح؟ لقد وجد الأرض مملوءة من الشياطين فجعلها سماءً.

القديس يوحنا الذهبي الفم[204]

لقد أدرك الآباء أن التمتع بالعماد هو دخول إلى الراحة، وتذوق للحياة الفردوسية:

* ها أنتم الآن في بهو القصر، ستُقادون حالاً للملك[205].

* حالاً سيُفتح الفردوس لكل واحد منكم[206].

القديس كيرلس الأورشليمي

بسقوط بابل شمت السرو (الملك) وأيضًا أرز لبنان (الرؤساء)؛ قائلين: "منذ اضطجعتَ لم يصعد علينا قاطع" [8]، بمعنى منذ نمتَ في القبر لم تعد توجد يد تؤذينا؛ فقد اعتاد الأعداء أن يقطعوا الأشجار في الحروب لمقاومة البلاد التي يستولون عليها ولاستخدامها كوقود، أو للبناء كما فعل نبوخذ نصر... على أي الأحوال، فإن الحروب مبددة للموارد الطبيعية.

لقد اضطجع السيد المسيح على الصليب بالجسد لكن الذي تحطمت قوته وصُلبت إمكانياته هو إبليس... فصرنا بالصليب أحرارًا من عبودية العدو، قادرين أن ندوس على قوته تحت أقدامنا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا تخف من الشيطان حتى ولو كان روحًا بلا جسد، فليس شيء أضعف منه[207]].

لم يقف الأمر عند استهزاء الملوك بملك بابل، إنما يصوره النبي وهو منحدر في الهاوية يستقبله ملوك الأرض والعظماء - ربما الذين سبق أن اضطهدهم - يقومون عن كراسيهم في الهاوية لا لتكريمه وإنما للاستهزاء به وللسخرية منه، لكي يجلس على كراسيهم كما فعل وهو على الأرض. يقولون له باستخفاف:

"أأنت أيضًا قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا؟!" [10]؛ كنا نحسبك إلهًا خالدًا كما ادعيت، ولم نتخيل أنك تموت في مذلة مثلنا!

"أهبط إلى الهاوية فخرك رنة أعوادك؟! تحتك تُفرش الرمة، وغطاؤك الدود" [11]. كنت تفترش الحرير وتتطيب بأثمن الأطياب، فكيف نزلت إلى الهاوية كمخدع لك تفترش الرمة وتتغطى بالدود؟

"كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟! كيف قُطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟! وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، ارفع كُرسيِّيَ فوق كواكب الله، وأجلس على جيل الاجتماع في أقصي الشمال، أصعد فوق مرتفعات السحاب، أصير مثل العلي" [14].

لقد تشبهت بإبليس سيدك الذي كان كوكبًا عظيمًا ومرموقًا بين السمائيين "زهرة بنت الصبح"، فتشامخ على الله خالقه، وظن أنه يقدر أن يرتفع على مستوى الله نفسه بل ويصير أعظم منه، فسقط ليصير ظلامًا عوض النور إذ عزل نفسه بنفسه عن الله مصدر النور. أردت أن تجلس على جبل صهيون (مز 48: 2)، جبل الله المقدس، حسبت نفسك كالله في العظمة فتعاليت فوق السحاب!

هذا هو سر هلاك ملك بابل، سقوطه في الكبرياء وتشامخه لا على الملوك المحيطين به فحسب وإنما حتى على الله نفسه، فصار أداة للشيطان يحمل سمته "الكبرياء"؛ هذه هي خطية أبوينا الأولين حين كانا في الفردوس؛ وأيضًا خطية ملك صور الذي صار رمزًا للشيطان (حز 28: 12-16)، وأيضًا سمة الدجال أو ضد المسيح أو إنسان الخطية إذ قيل عنه: "المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله" (2 تس 2: 3-4).

يقول القديس يوحنا كاسيان:

[كان كبرياء القلب وحده كفيلاً أن يطرح من السماء إلى الأرض بقوة عظيمة هكذا متحلية بسمات قديرة كهذه؛ فإن سقوط (إبليس) العظيم جدًا يلزمنا أن ندرك أي حذر

يجب أن نكون عليه نحن المحاطون بضعف الجسد من كل جانب...

لقد أنتفخ فظن أنه في غير حاجة إلى العون الإلهي ليستمر في النقاوة التي كان عليها، وظن في نفسه أنه يشبه الله . بهذا حسب أنه غير محتاج إلى أحد، متكلاً على قوة إرادته الذاتية التي بها يقدر أن يمد نفسه بكل ما هو ضروري لتحقيق الفضيلة واستمرارية البركة الكاملة. هذا الفكر وحده هو علة سقوطه الأول[208]].

"هكذا إذ يعرف الله الخالق طبيب الكل أن الكبرياء هي علة كل الشرور ورأسها لهذا يحرص أن يُشفي الضد بالضد، فما هلك بواسطة الكبرياء يُصلح بواسطة الاتضاع"... يقول واحد: "أصير مثل العلي" [14]، أما الآخر: "إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد... وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 6-8). يقول واحد: "أرفع كُرسيِّيَ فوق كواكب الله"، بينما يقول الآخر: "تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 28). واحد يقول: "أنهاري هي لي وأنا أصنعها" (حز 29: 3 Lxx) والآخر: "لست أفعل شيئًا من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال" (يو 5: 30، 14: 10)[209]].

يقول القديس مار إفرآم السرياني: [في الإنسان المتواضع تستريح روح الحكمة]، [إذ ظهرت في أعين اخوتك كالذهب النقي فاحسب نفسك مثل إناء لا يُحتاج إليه، فتفلت من الكبرياء الممقوتة من الله والناس]، [المتكبر مثل شجرة مرتفعة وبهِّية لا ثمر فيها... والحسود مثل ثمر بهي من ظاهره وتالف من داخله[210]].

هكذا تُحدد الكبرياء الإنسان إلى الهاوية، لذا يُحدث النبي ملك بابل قائلاً: "انحدرتَ إلى الهاوية إلى أسافل الجب" [15]. لقد سقطت من قمة جبل أحلامك، وهبطت من سحاب خيالك، لتعيش في الهاوية مع إبليس سيدك.

أين جبروتك يا من زلزلت الأرض وزعزعت الممالك [16] ببطشك؟! حولت العالم إلى قفر وهدمت المدن لكي تسبي سكانها [17]؟!

أين عزك ومجدك؟ فإن كل ملوك الأرض اضجعوا بالكرامة، حتى أولئك الذين أذللتهم وعذبتهم، فقد ماتوا في بيوتهم ورُفعت صلوات عنهم وحنطت بعض أجسادهم، "وأما أنت طرحت من قبرك كغصن أشنع" (توجد بعض النباتات سامة جدًا وبعضها يضر الجلد لذا متى سقط منها فرع في الخلاء لا يجسر أحد أن يقترب إليه)، كلباس القتلى المضروبين بالسيف الهابطين إلى حجارة الجب (أي بلا قيمة، لا يُفكر أحد فيك كما لا يُفكر أحد في ثياب قتلى الحرب أثناء المعركة)، كجثة مدوسة (يطأها الإنسان تحت قدميه)" [19].

هذه النبوة تُشير إلى ذبح بليشاصَّر ليلة دخول الماديين بابل حيث لم ينشغل أحد بجثمان الملك وسط الخراب الذي حل بالمدينة.

هكذا فقد ملك بابل كل شيء، بل وقُتل شعبه وبنوه [20-21] بكبرياء قلبه؛ خسر المدينة الملوكية والنسل الملوكي.

3. خراب بابل:

بسبب الكبرياء ينتزع الله من بابل اسمها، ولا يترك فيها بقية ولا ذُرية (إر 51: 62)، لتكون مثلاً أمام العالم كله. تصير خرابًا (إش 13) يسكنها القنفذ وآجام مياه [23].

يرى بعض الدارسين أن القنفذ هنا "قفد بالعبرية" لا يقصد به حيوان القنفذ المعروف بشوكه الطويل وإنما طائر من الطيور التي تأوى إلى الأماكن المهجورة، وحجتهم في هذا أن القنفذ لا يأوى إلى آجام المياه، غير أن القائلين بأن ترجمة "قفد" تعني حيوان القنفذ يقولون بأن الخراب يحل بالبلد فيصير قسم منها آجام مياه والآخر مأوى للقنفذ. على أي الأحوال فإن المدينة الملوكية العظيمة تتحول إلى مسكن سواء للحيوانات أو الطيور التي تسكن القفر، وتُحسب دنسة مملوءة رجاسات، تحتاج إلى الكنس بمكنسة الهلاك، أي الإبادة التامة للخلاص من رجاساتها، حتى لا تفسد من حولها.

4. خراب آشور:

يذكر النبي ما سيحل بآشور وفلسطين لكي يتأكد السامعون صدق النبوة الخاصة ببابل والتي ستتم بعد حوالي 200 عامًا من إعلانها.

لقد تعدى آشور أرض يهوذا بلا مبرر، وجدف على الله، لهذا يسمح له الله بالدخول إلى أرض يهوذا وجبالها بكونها أرض الله وجباله وهناك يُحطمه، في المواضع المقدسة التي انتهكها [24-25]، فتصير آشور مثلاً أمام كل الأمم التي تفكر في الاعتداء [26].

يكشف الله عن خطته في تأديبه للأشرار، ألا وهي أنه يتركهم يُتممون إرادتهم الشريرة بكامل حريتهم، فيجنون ثمر شرهم فسادًا وهلاكًا، كأن الخطية تحمل عقوبتها فيها كما أن الحياة المقدسة في الرب تحمل مجدها داخلها. لهذا قيل: "قد حلف رب الجنود قائلاً: إنه كما قصدتَ يصير وكما نويتَ يثبت" [24].

5. خراب فلسطين:

"في سنة وفاة الملك آحاز كان هذا الوحي: لا تفرحي يا جميع فلسطين لأن القضيب الضار بك انكسر، فإنه من أصل الحية يخرج أفعوان، وثمرته تكون ثعبانًا سامًا طيارًا" [28-20].

كانت فلسطين في ذلك الحين مكونة من عدة إمارات، لهذا يُخاطبها قائلاً: "يا جميع فلسطين". يطلب منها ألا تفرح لأن القضيب الضار بها قد انكسر. يرى البعض أن هذا القضيب هو تغلث فلاسر الذي استولى على مدن فلسطينية، وقد مات قبل آحاز بسنة أو سنتين، فسيخلفه شلمناصَّر وسرجون وسنحاريب وهم أشر منه.

يرى غالبية الدارسين أن القضيب المكسور هو عزيا الذي ضرب الفلسطينيين بقسوة ففرحوا بموته (2 أى 26: 6). وأن أصل الحية هو بيت داود حيث يأتي حزقيا الملك الذي ضربهم ضربة أقسى من عزيا جده (2 مل 18: 8)، واستعبدهم.

أما الحية الطائرة فهي مثل الحية النحاسية التي رفعها موسى في البرية، ترمز لشخص السيد المسيح المصلوب، الحامل سم خطايانا في جسده ليبيده بموته المحييّ. هكذا ينتقل النبي من خلاص شعب الله من الأعداء البشريين إلى خلاصهم الأبدي من إبليس عدو الخير وذلك خلال الصليب.

يعلن النبي أن فلسطين تواجه مجاعة قاسية [30]، وحربًا مدمرة فتتحول مدنهم إلى دخان بينما في النهاية يحمي الرب شعبه ويترفق ببائسيه [32].

الله - في صلاحه – لا يمنع الشر ولا يلزم الأشرار على التوبة، لكنه في النهاية يُتمم خطة خلاصه لمؤمنيه المتكلين عليه، محولاً كل الأمور لبنيانهم.

  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:01 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا


اشعياء 15 - تفسير سفر أشعياء
* تأملات في كتاب أشعيا:

وحيّ من جهَة موآب
يقدم إشعياء النبي نبوات تخص بعض الأمم المحيطة بيهوذا وإسرائيل تتحقق سريعًا حتى يتأكد الشعب من أمرين: صدق نبوات إشعياء النبي فيما يخص المستقبل البعيد مثل السبي والرجوع منه ومجيء المسيا وأعماله الخلاصية، وأن الله هو إله الأرض كلها، ضابط الكرة الأرضية ومحرك الشعوب.

في هذا الأصحاح يبرز النبي تحطيم موآب على يديْ ملك أشور سرحدون أو سنحاريب بطريقة قاضية، الأمر الذي لأجله صرخ قلب النبي مشتاقًا إلى رجوعهم إلى الله وخلاصهم عوض الدمار الذي حلّ بهم بسبب جحد الإيمان.

1. سرعة تحقيق النبوة [1].

2. تحطيم المدن العظمى [2-5].

3. حلول مجاعة [6-9].

1. سرعة تحقيق النبوة:

"وحي من جهة موآب. إنه في ليلة خربت عار موآب وهلكت. إنه في ليلة خربت قير موآب وهلكت" [1].

جاء الموآبيون من نسل لوط، لذا فهم يمتّون بصلة قرابة لإسرائيل، سكنوا شرق البحر الميت، وكانت بلادهم تنقسم إلى بلاد موآب وعربات موآب وهذه كانت في وادي الأردن مقابل أريحا. سمح بنو رأوبين للموآبيين بالسكنى في مدنهم وأخذوا عنهم عبادة الإله كموش، كما وجدت علاقات طيبة أحيانًا بين موآب وإسرائيل، فقد تغربت نُعمى هناك ورجعت ومعها راعوث، وعندما قاوم شاول داود أودع الأخير والديه لدى ملك موآب، ومع هذا فقد حمل الموآبيون روح عداوه تجاه إسرائيل ويهوذا، فكثيرًا ما تحالفوا مع الشعوب المجاورة ضدهم.

يتنبأ إشعياء النبي عن خراب المدن الكبرى في موآب، وقد تحققت هذه النبوة حرفيًا وبدقة خلال ثلاث سنوات من إعلانها (إش 16: 14)، وقد حلّ الخراب على يدىْ ملك آشور فجأة وبطريقة غير متوقعة.

"عار": اسم سامي معناه "مدينة"؛ تبعد هذه المدينة حوالي 14 ميلاً جنوبي نهر أرنون (عد 21: 15؛ 22: 36)، سميت أيضًا عروعير (تث 2: 36)، دعاها الإغريق عريوبوليس نسبة إلى إله الحرب "اريس"، ودعاها اليهود "ربة موآب"، وهي خربة الربة.

"قير" اسم سامي معناه "سور" أو "مدينة ذات أسوار"، تبعد حوالي أحد عشر ميلاً شرقي الجزء الجنوبي من البحر الميت، موضعها اليوم مدينة كرك في الأردن.

هلكت المدينتان عار وقير في ليلة واحدة، وليس في يوم واحد أو نهار واحد. فإنه إذ يغيب شمس البر عن النفس البشرية التي تشبه مدينة عظيمة مسوّرة، يحل بها ظلام الشر والجهل وتفقد كل ما تعبته لسنوات طويلة ليحل بها الخراب. لذلك يقول القديس بولس: "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة، فلا ننم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصح، لأن الذين ينامون فبالليل ينامون، والذين يسكرون فبالليل يسكرون" (1 تس 5: 5-6).

* من يشبه ذاك الواحد الجلي الذي يسهر ويصلي في الخفاء، تحيطه هالة من النور الخفي وسط الظلمة الخارجية، أما الشرير فكابن للظلمة يسلك، إنه يقف في ضياء النهار، ومع أن النور يكسوه من الخارج لكن الظلمة تكتنفه من الداخل.

أيها الأحباء، ليتنا لا ننخدع بأننا ساهرون، لأن من لا يسهر بالبر، فسهره لا يُحسب له!

القديس مار إفرآم السرياني[211]

* إذ يترك الإنسان (محبة) العالم المظلم يصبح نقيًا طاهرًا بعمل الروح وبالتصاقه بالنقاء الحقيقي... فتشع النفس ضوءًا وتصير هي نفسها نورًا كوعد الرب (مت 13: 43).

القديس غريغوريوس النيسى[212]

2. تحطيم المدن العظمى:

يصور إشعياء النبي ما حلّ بالمدن الكبرى في موآب بجانب عار وقير، فيقول:

"إلى البيت Bajith وديبون يصعدون إلى المرتفعات للبكاء" [2]. إذ حل الخراب بموآب لجأ الكثيرون إلى الآلهة الوثنية يصرخون بدموع وعويل لعلها تستطيع أن

تنقذهم، لكن بلا جدوى، وذلك كما فعل أنبياء وكهنة البعل في أيام إيليا النبي.

لقد لجأوا إلى "البيت"؛ ويرى البعض Bajith تعني "هيكلاً"، أو "بيت" bayit أي "بيت الإله كموش أو هيكل الإله" أو bat بمعنى "بنت" أو "ابنة" أي "أبنة المدينة" أو سكانها[213].

"ديبون" اسم موآبي يعني "مرتفعات" أو "هزالاً" أو "انحلالاً". وهي مدينة تبعد ثلاثة أميال شمال نهر أرنون، شمال غربي عرعير، تُسمى بالعربية "ذيبان"، فيها وجد مرتفع الإله كموش الموآبي.

يُترجم البعض "البيت وديبون" "بيت ديبون" أو "ابنة ديبون"، كأن الموآبيين قد هربوا إلى هيكل الإله كموش أو بيته في ديبون، يبكون وينوحون على ما حلّ بهم من خراب.

"تولول موآب على نبو وعلى ميدبا" [2].

لقد خربت "نبو"، بالقرب من الجبل العظيم نبو، شرقي الأردن في نهاية جنوب البحر الميت، وهو الجبل الذي صعد عليه موسى النبي لينظر من بعيد أرض الموعد فتتهلل نفسه مشتاقًا أن يعبر إلى أرض الأحياء وينعم بكنعان السماوية، وقد مات هناك (تث 34). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). كانت نبوة محصنة بالجبل العظيم، مركز دفاع للموآبيين، لكنها ضاعت وخربت فصارت علة للولولة. في ذات الموضع الذي تهلل فيه موسى ولول الموآبيون؛ ما يُفرح قلب المؤمن يُحطم نفس الجاحد عديم الإيمان!

ولولوا أيضًا على "ميدبا"، معناها "مياه الراحة"، تُسمى حاليًا "مادبا"، تبعد حوالي 5 أميال جنوب شرقي نبو، 14ميلاً شرقي بحر لوط، دعيت هكذا لأن بها بركة في الجنوب طولها وعرضها 360 قدمًا كما توجد بها برك أصغر في الشرق والشمال.

يقول النبي "في كل رأس منها قرعة، كل لحية مجزوزة، في أزقتها يأتزرون بمسح، على سطوحها وفي ساحاتها يولول كل واحد منها سيالاً بالبكاء" [2-3]. هذه جميعها علامات الحزن الشديد (إر 48: 37؛ 2 صم 3: 31؛ إر 4: 8؛ 41: 5؛ مرا 2: 10). قرع الرأس يُشير إلى المذلة، إذ اعتاد الغالبون أن يحلقوا شعر الذكور والإناث المسبيين علامة العبودية والقبح؛ وجز اللحية إشارة إلى مهانة الكهنوت وفقدان سلطانه الروحي وكرامته، والاتزار بالمسح علامة اليأس الشديد، أما البكاء حتى تصير الدموع كالسيل فمعناه فقدان الفرح الداخلي.

هذه هي صورة النفس التي تعتزل إلهها ليسبيها العدو الشرير؛ تفقد حريتها وجمالها وسلطانها وكرامتها وفرحها، لتصير أشبه بأمة قبيحة ذليلة منكسرة، لا تجد راحة لا في الأزقة ولا على السطوح (حيث يضع الوثنيون آلهتهم) ولا في الساحات؛ أينما وجدت لا تشعر بالراحة.

"وتصرخ حشبون والعالة، يسمع صوتهما إلى ياهص، لذلك يصرخ متسلحو موآب، نفسها ترتعد فيها" [4]. كأن الموآبيين قد هربوا من مدينة إلى مدينة، وكان صراخهم يسمع من بعيد، من مدن بعيدة؛ صراخ سكان حشبون والعاله يدوى في ياهص.

"حشبون" اسم موآبي معناه "حسبان" أو "تدبير"، وهي مدينة سيحون ملك الأموريين، أخذها الموآبيون من سبط لاوي (يش 21: 29، أى 6: 81)، تُعرف حاليًا باسم "حسبان"، وهي مدينة خربة قائمة على تل منعزل بين أرنون ويبوق، تقع نحو سبعة أميال ونصف شمال مادبا[214].

"العاله"، كلمة عبرية ربما تعني "الله صعد"، تبعد حوالي ميلين شمال حشبون، تُسمى حاليًا "العال"، تقع على تل.

وتعتبر المدينتان في أقصى الشمال، كانتا موضع نزاع بين إسرائيل وموآب.

أما "ياهص" فكلمة عبرية تعني "موضعًا مدوسًا"، تُسمى "يهصه"، يُقال إنها قرية أم المواليد أو خربة اسكندر، تبعد حوالي 10 أو 12 ميلاً جنوب حشبون.

لم يحتمل إشعياء النبي أن يرى ما يحل بهذه المدن العظيمة، وكيف تحول شعبها إلى الصراخ المستمر، حتى صارت موآب ترتعد في داخلها: "نفسها ترتعد فيها" [4]، لذلك يقول "يصرخ قلبي من أجل موآب" [5]. لا يقف شامتًا في الأعداء، إنما يشاركهم مرارتهم، مشتاقًا إلى رجوعهم عن عداوتهم وتمتعهم بالخلاص. هذه هي سمة رجال الله: الحب الداخلي الصادق والرغبة العميقة لخلاص حتى المقاومين لهم!

* لو لم يكن شريرًا ما كان قد صار لكم عدوًا. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شره، ولا يعود بعد عدوًا لكم. إنه عدوكم لا بسبب طبيعته البشرية وإنما بسبب خطيته!

القديس أغسطينوس[215]

* لا تفيدنا الصلاة من أجل الأصدقاء بقدر ما تنفعنا لأجل الأعداء... فإن صلينا من

أجل الأصدقاء لا نكون أفضل من العشارين، أما إن أحببنا أعداءنا وصلينا من أجلهم فنكون قد شابهنا الله في محبته للبشر.

القديس يوحنا الذهبي الفم[216]

يقول النبي: "يصرخ قلبي من أجل موآب، الهاربين منها إلى صوغر كعِجْلة ثلاثية لأنهم يصعدون في عقبة اللوحيث بالبكاء، لأنهم في طريق حورونايم يرفعون صراخ الانكسار" [5].

جاءت كلمة "الهاربين" في العبرية في صيغة المفرد؛ وكأن إشعياء النبي يصور لنا الهاربين من أقصى الشمال إلى صوغر في الجنوب، المدينة الصغيرة التي لجأ إليها لوط عند حرق سدوم وعمورة، أشبه بعجلة واحدة عمرها ثلاث سنوات قد هربت كما من النير الثقيل الذي لم تعتد عليه. صاروا كشخص واحد ليس من يسنده ولا من يعزيه، يهرب إلى الأماكن الصغيرة (صوغر) فلا يجد له ملجأ.

أما اللوحيث وحورونايم فلا يعرف موضعهما، إنما غالبًا ما كانا بجوار صوغر.

3. حلول المجاعة:

لا يقف الأمر عند خراب المدن والهزيمة المنكرة والهروب والصراخ وإنما يحل بموآب مجاعة كثمرة طبيعية للهزيمة في الحرب وتحطيم الموارد الطبيعية والبشرية، أو ربما كعلامة من علامات ثورة الطبيعة نفسها ضدهم. يقول النبي: "لأن مياه نمريم تصير خربة، لأن العشب يبس، الكلأ فنى، الخضرة لا توجد، لذلك الثروة التي اكتسبوها وذخائرهم يحملونها إلى عبر وادي الصفصاف" [6-7].

"نمريم" اسم سامي معناه "مياه صافية"، وهي ينابيع في وادي نميرة في الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الميت. والمعنى هنا أن جماهير اللاجئين تكون عظيمة فلا تستطيع الواحة أن تكفيهم هم وحيواناتهم، لذا يتركون حيواناتهم ويأخذون ما يستطيعون حمله من ثروة وذخائر ليكملوا الطريق لعلهم يصيرون في غير عوز، لكنهم لا يقدرون أن يحملوا كل احتياجاتهم[217]. ويرى بعض الدارسين أنه بجانب ما يحل ببلادهم من مجاعة يقوم الأعداء بالاستيلاء على ثروتهم وذخائرهم ويحملونها إلى بلادهم ليتركوا موآب خرابًا.

تتحول موآب كلها إلى موضع صراخ وولولة، يدوي الصراخ في كل تخومها، يُسمع في الجنوب في وادي نميرة حتى اجلايم بجوار قير وبير ايليم في الشمال. وتتحول مياه ديمون إلى دم [9] بسبب كثرة سفك الدماء في تلك الليلة الشهيرة [ديمون أو ديبون ومعناها دم، غالبًا ما يقصد مياه نهر أرنون]، فلا يجد أحد ما يروى ظمأه.

البقية التي تنجو تصير كما في حالة رعب، تواجه أسدًا مفترسًا لا يمكن مقاومته [9]!

في اختصار تفقد موآب مدنها العظمى، وحقولها، ومياهها، وسلامها لتصير في خراب تام.

  رد مع اقتباس
قديم 08 - 10 - 2012, 09:02 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا

اشعياء 16 - تفسير سفر أشعياء
* تأملات في كتاب أشعيا:

خضوع موآب ليهوذا



في أيام حزقيا يُقدم إشعياء النبي مشورة لموآب أن تفي بالجزية التي تعهدت بها أمام يهوذا فترسل إليه حملان، وهي جزية مناسبة لأن موآب مشهورة بقطعانها (عد 32: 4). قدمت موآب فيما بعد جزية أيضًا لإسرائيل (2 مل 3: 4). بهذه المشورة تتمتع موآب بالحماية عوض أن تصير كطائر تائه لا يجد عشًا. وإذ خشى النبي ألا تقبل موآب مشورته كشف لها جراحاتها المهلكة ألا وهي الكبرياء.

هذه دعوة مقدمة لكل نفس كي تخضع للسيد المسيح الملك الخارج من سبط يهوذا، لكي تقدم حياتها كحمل ذبيح من أجل الرب، فتنعم بالسلام الداخلي عوض أن يُحطمها جحود الإيمان والكبرياء.

1. مشورة للخضوع ليهوذا [1-5].

2. الكبرياء محطم للإنسان [6].

3. ولولة على موآب [7-14].

1. مشورة للخضوع ليهوذا:

سبق أن رأينا قلب إشعياء النبي يتحرك بحنان شديد نحو موآب فصار يصرخ من أجلهم. الآن يُقدم للموآبيين مشورة صالحة لإصلاح حالهم وتمتعهم بعلاقات طيبة مع بني يهوذا وتذوقهم للسلام والحماية، بتقديم الجزية (حملان) لحزقيا الملك؛ كرمز لدعوة الأمم إلى الخضوع للسيد المسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، فإنه لا سلام ولا حياة أبدية دون قبوله ملكًا في حياتنا الداخلية.

في نهاية الأصحاح السابق قيل: "على الناجين من موآب أسدًا وعلى بقية الأرض" (إش 15: 9)، ويرى البعض أن الأسد ربما يكون حزقيا، أو السيد المسيح الأسد الخارج من سبط يهوذا ليملك على الأمم روحيًا[218].

يتقدم النبي نفسه ليعلن استعداده أن يكون وسيطًا أو شفيعًا لدى يهوذا عن موآب، مطالبًا الموآبيين بدفع الجزية: "أرسلوا خرفان حاكم الأرض من سالع نحو البرية إلى جبل ابنة صهيون، ويحدث أنه كطائر تائه كفراخ منفّرة تكون بنات موآب في معابر أرنون" [1-2].

"سالع" Sala اسم عبري معناه "صخرة"، دعاة اليونانيون بترا Petra والتي تحمل ذات المعنى، إذ هو موقع حصين في أرض أدوم؛ كان الأدوميون يهربون إليه أثناء الحصار العسكري كقلعة طبيعية حصينة لا تُقهر، لأنها قائمة على قمة جبل (عو 2)، تُسمى حاليًا أم البيَّارة.

كأن النبي يدعو الموآبيين الذين التجاؤا إلى أدوم وتحصنوا في سالع أن يتقدموا مع بقية الموآبيين الذين في البرية ليهوذا، وأن يقدموا الحملان في أورشليم "جبل ابنة صهيون".

إنها دعوة لكل إنسان ألا يظن في الذراع البشري أو الإمكانيات الطبيعية ملجأ له. إنما يكمن سلامه في بلوغه أورشليم، وتقديم حياته ذبيحة حب لابن داود، الأسد الخارج من سبط يهوذا. جاء الأسد كحمل ليصلب خارج أورشليم حتى نتقدم نحن كحملان - ذبائح حية - نُشاركه آلامه، فندخل إلى أورشليمه السماوية.

* "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1)...

ربما يُقال: كيف يصير الجسد ذبيحة؟ دع العين لا تنظر الشر، فتصير ذبيحة! لا ينطق لسانك بدنس فيصير ذبيحة! لا تمارس يدك عملاً محرمًا فتصير محرقة كاملة!... بهذا لا نحتاج إلى سكين أو مذبح أو نار، بالحرى نحتاج إلى هذه كلها لكنها ليست مصنوعة بالأيدي، إنما تأتينا من فوق. نحتاج إلى نار علوية، وسكين كهذه؛ مذبحنا هو اتساع السماء.

إن كان إيليا إذ قدم ذبيحة منظورة نزلت نار من فوق التهمت كل الماء والخشب والحجارة، فكم بالأكثر يحدث هذا بالنسبة لك؟!

القديس يوحنا الذهبي الفم[219]

* أحضر تقدماتك ... تقدمات نفسك!

القديس جيروم[220]

خارج السيد المسيح يرى النبي بنات موآب تعبرن نهر أرنون كطائر تائه ليس له عش يستقر فيه، أو كفراخ منفرة تفتقر إلى ظل الجناحين والدفء والحماية [2]، أما بقبوله فنصير تحت جناحي صليبه، نجد راحتنا وسلامنا وشبعنا الداخلي.

يُقدم النبي أيضًا مشورة لشيوخ يهوذا، مطالبًا إياهم أن يستقبلوا الموآبيين اللاجئين إليهم ليقدموا لهم ظلاً وسط الظهيرة، فيصير لهم الوقت كأنه ليل للراحة من شمس التجارب والضيقات؛ وأن يستروا المطرودين والهاربين إليهم بدون خداع، فلا يسلموا عبيدًا للأعداء [3-4].

يليق برجال يهوذا أن يحملوا رمزًا للسيد المسيح الملجأ الحقيقي، فيفتحوا قلوبهم ومدنهم للهاربين، ويستقبلوهم بإخلاص؛ بهذا تعلن مملكة المسيح القائمة على كرسي الرحمة أبديًا: "فيثبت الكرسى بالرحمة، ويجلس عليه بالأمانة في خيمة داود قاضٍ ويطلب الحق ويبادر بالعدل" [5].

هكذا يُقدم لنا النبي نصًا مسيانيًا، معلنًا أن الكنيسة - خيمة داود - هي موضع النجاة، يملك فيها المسّيا ليجتذب الأمم إليه فيجدوا فيه الحق ويتمتعوا بالمراحم الإلهية، مترنمين: "العدل والحق قاعدة كرسيك؛ الرحمة والأمانة تتقدمان وجهك... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لأن الرب مجننا وقدوس إسرائيل ملكنا" (مز 89: 14، 18).

2. الكبرياء محطم للإنسان:

قدم إشعياء النبي المشورة الصالحة لموآب، كما قدم دانيال النبي مشورته أيضًا لنبوخذ نصَّر (دا 4: 27)... وقد كشف في نفس الوقت عن ضعفهم الروحي أي الكبرياء كعائق لهم عن قبول المشورة. "قد سمعنا بكبرياء موآب المتكبرة جدًا عظمتها وكبريائها وصلفها بُطل افتخارها" [6]. لقد سمع النبي عن كبرياء الموآبيين وتشامخهم الزائد وكلماتهم الفارغة (الباطلة)!

الكبرياء محطم للإنسان كما للأمم، يحرم صاحبه من قبول المشورة الصالحة، ويفقده التمتع بنعمة الله ورحمته.

3. ولولة على موآب:

لم يسمع قادة موآب لصوت إشعياء النبي بسبب كبريائهم واعتدادهم برأيهم لهذا سقطوا تحت العقوبات المُرّة واستحقوا الويلات التي يُلاحظ فيها الآتي:

أ. حدوث ولولة شاملة: "لذلك تولول موآب على موآب كلها يولول" [7]؛ إذ صارت الولولة سمة عامة في كل موآب.

ب. شملت الولولة أكبر المدن مثل قير حارسة [7] التي ضُربت، وأيضًا الحقول التي ذبلت كحقول حشبون وكرمة سبمة Sibmah ويعزير [8-9]؛ شملت المدن والقرى؛ المتعلمين والجهال، الأغنياء والفقراء الخ...

اشتهرت حشبون وسبمه ويعزير بغنى كرومها.

ج. تحولت أفراح الحصاد إلى بكاء ونوح؛ عوض صيحات العيد المبهجة سُمعت صرخات المعركة المُرّة [10].

د. انطلق الموآبيون إلى المرتفعة للصلاة في هيكل الإله كموش بلا جدوى [12].

ه. تحدد ميعاد العقوبة بثلاث سنوات خلالها تنهار موآب أمام سنحاريب ملك آشور، ويذل الموآبيين ويتحطم مجدهم [14].

هذه هي نهاية الإنسان المتكبر، يصير كموآب تحل الولولة بحياته ككل، في الأمور الكبيرة وأيضًا الصغيرة، لا يعرف الفرح الداخلي ولا بهجة القلب، أعياده تتحول إلى أحزان، عبادته تكون بلا نفع، ينهار يومًا فيومًا ليفقد مجده تمامًا.

وسط هذه الصورة القاتمة يكشف إشعياء النبي عن جانبين مبهجين: الأول مشاركة النبي بنى موآب متاعبهم، إذ يقول: "لذلك ترن أحشائي كعود من أجل موآب وبطني من أجل قير حارس" [11]. لا تحتمل أحشاؤه الداخلية أن تنظر نفوسًا متألمة حتى وإن كانت آلامها ثمرة خطاياها.

الجانب الثاني وجود بقية قليلة جدًا وضعيفة للغاية [14]، ففي القديم تمتعت راعوث الموآبية بالخلاص، إذ جاءت تحتمي تحت ظل الله، وفي العهد الجديد جاء الأمم إلى الإيمان ليتمتعوا بالحياة الجديدة في المسيح يسوع.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير رسالة بطرس الثانية كتابيا
تفسير انحيل متى كتابيا
تفسير سفر اعمال الرسل كتابيا
تفسير رسالة كورنثوس الاولى كتابيا
تفسير سفر استير كتابيا "للقمص تادرس يعقوب ملطى"


الساعة الآن 09:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024