رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
معرفة الله «عَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أعْرِفَكَ» (خر33: 13) «لأَعْرِفَهُ» (في3: 10) إن معرفة الله الحي الحقيقي، المعرفة الحقيقية والاختبارية، لهي قمة ما يصبو إليه روح الإنسان المُخلَّص الباحث عن الشبع والارتواء. ومن يسير على هذه الطريق يهتف مع داود مُرنمًا: «يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ ... عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي، فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ» (مز63: 1). ولذلك فلا عجب أن قمة رائعة من قمم العهد القديم؛ هو موسى، يكلم الله قائلاً: «عَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أعْرِفَكَ»! (خر33: 13). نعم علِّمني طريقك لا لأعرفه، ولا حتى أُعرَّف الآخرين به، مع جمال هذا وأهمية ذاك، بل «حَتَّى أعْرِفَكَ». وبعد نحو ثلاثين عامًا من معرفة المسيح المُخلِّص، في طريقه إلى دمشق، وبعد مشوار طويل في خدمته - له المجد - يعبِّر عن ذلك قمة أخرى بديعة من قمم العهد الجديد؛ هو بولس، إذ يهتف قائلاً: «لأَعْرِفَهُ!» (في3: 10)! حقًا يا ليت قلوبنا تشتهي بالحق والصدق “معرفة الله” بهذا الشكل! وللإيجاز دعنا نتناول هذا الموضوع العظيم من خلال أربعة أسئلة هي: ماذا؟ ولماذا؟ وأين؟ وكيف؟ أو بتعبير آخر: ما هي معرفة الله؟ ولماذا هي هامة إلى هذا الحد؟ وأين يمكننا أن نرى الله لنعرفه؟ وكيف نعرفه أكثر فأكثر؟ ماذا؟ هناك فارق كبير من “المعرفة عن الله”، و“مّعرفة أعمال الله”، و“معرفة الله” ذاته. في الواقع هناك كم لا بأس به من “المعرفة عن الله” لدى الملايين، ولا سيما “المسيحيين” في هذا العالم. إن صفات مثل: القداسة، والعدل، والحق،... إلخ يعرفها العامي ورجل الشارع “عن” الله، ولو بشكل بسيط. على أن هذا النوع من المعرفة لا يحقِّق لصاحبه أدنى فائدة، ليس فقط لأنها معرفة ناقصة وقاصرة، بل ولأنها أيضًا لا تمنح ذلك الإنسان الذي يعرفها فرحة الارتباط الحقيقي بالله، أو تهبه السلام الناشئ عن العلاقة معه. أما “معرفة أعمال الله” فهذه بالحقيقة يعرفها كل مؤمن حقيقي جيدًا. ولا نبالغ إن قلنا إنه حتى بين غير المؤمنين من يعرف شيئًا عنها، فالخليقة مثلاً تعلنها بكل وضوح: «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مز19: 1) أما معرفة الله ذاته، لذاته، فهي أمر مختلف بالتمام. وهذا هو ما يتوق الكاتب لأن يكون اختباره اليومي مع القارئ العزيز: أن نعرفه؛ فهذه بالحقيقة هي “مياه السباحة؛ النهر الذي لا يُعبر” (حز47: 5)، وهذا هو الطريق نحو قمة النمو الروحي، فالآباء «عَرَفْوا الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ» (1يو2: 13، 14). لماذا؟ ولكن لماذا علينا أن لا نكتفي بمعرفة أعمال الله، بل علينا أن نتقدم نحو معرفة شخصه، تبارك اسمه؟ هناك على الأقل سببان رئيسيان: الأول: لأنه إلهنا، الذي خلقنا، والذي بيده نسمة حياتنا، وكل أمورنا، والذي في محضره بنعمته سنقضي أبديتنا كمؤمنين. ترى ألا يستحق ذلك معرفة شخصية ذلك الرفيق؟ إن جانبًا كبيرًا من الفشل العملي في العلاقة الصحيحة مع الرب هي جهل المؤمن بفكر الله أو قلبه أو إرادته؛ وكلها ناتجة عن الاكتفاء بمعرفة جانب واحد عن الله، وهو أعمال يديه، عوضًا عن معرفة ذاته. الثاني: لأنه ما أروع البركات التي نجنيها كمؤمنين من معرفة الله. الشبع والفرح: «يَا اللهُ، إِلَهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ (إلى شخصك) أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ ... كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وبِشَفَتَيْ الاِبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي» (مز63: 1- 5). النمو والنضوج: «نَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ (أو بمعرفة الله - حسب الأصل)» (كو1: 10)، «إلى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل، إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ» (أف4: 12، 13). القوة والعمل: «أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ فَيَقْوُونَ وَيَعْمَلُونَ» (دا11: 32). أين؟ وهنا نأتي إلى السؤال الثالث: وأين نجد الله حتى نعرفه؟ الخليقة: «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مز19: 1). يمكن للعالم الكبير والإنسان البسيط معًا أن يهتفان «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ» (مز104: 24). إن نظرة واحدة لجسم الإنسان تجعله يهتف مع المرنم قائلاً «أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا (لأنني صُنعت بشكل عجيب ورهيب)» (مز139: 14) وهكذا كل الخليقة العجماء، برًا وبحرًا وجوًا، من حيوان ونبات، من كبير وصغير. الكتاب المقدس: إن كلمة الله هي إعلان الله الواضح عن نفسه، وعن صفاته، عن فكره، وعن قلبه، وعن أعمال يديه. إن عقولنا مهما اتسعت فهي تبقى محدودة ليس بإمكانها لوحدها إدراك “من هو الله”، الذي قال أيضًا: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ الْقُدُّوسُ» (إش40: 25). فمعرفة الله لا تُدرك بالحواس، ولا نصل إليها بالقياس (أي التشبيه)، بل بالإعلان؛ الوحي الإلهي وحده. التاريخ: سواء معاملات الله مع الأفراد، أو مع شعبه، أو مع سائر الشعوب، أو مع كنيسته الآن. ودراسة التاريخ، لا سيما التاريخ المقدس، من كلمة الله، حيث لا رتوش أو تزييف، تحكي بوضوح من هو الله في قداسته وبره، محبته ونعمته، رحمته وثبات مقاصده ... إلخ. المسيح: «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18)، ذاك «اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ» (كو1: 15)، الذي «هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ» (عب1: 3)، وهو “اللهُ الظَاهر فِي الْجَسَدِ” (1تي3: 16). إن التامل في حياة المسيح، سواء في الرموز والظلال في العهد القديم، أو في سيرته العطرة أيام جسده على الأرض في الأناجيل، أو مجد المسيح في سائر كتب العهد الجديد؛ كلها تقودنا إلى معرفة الله بشكل شخصي ومباشر، فالذي رآه فقد رأى الآب (يو14: 9). الصليب: وفي عمل الفداء في صليب المسيح، نرى الله بكل وضوح، في محبته ونعمته، في رحمته وحقه، في قداسته وبره، في سلطانه ومقاصده، ... إلخ. كيف؟ وأخيرًا نأتي إلى السؤال الرابع وهو: كيف نعرفه؟ إنه ينبغي لنا أن نتعامل مع كلمة الله بصورة أعمق من مجرد أنها تحكي لنا عن أنفسنا، واقعنا واحتياجاتنا، خلاصنا وبركاتنا ... إلخ. إن ما كُتب قد كُتب أساسًا عنه «فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي» (عب10: 7). وعندما تحدَّث الرب مع تلميذي عمواس، فقد تحدث عن الأمور المختصة به (لا بهما أو بنا) من جميع الكتب (لو24: 27). ليت الكاتب والقارئ لا يفقدان أبدًا بركة البحث عن الأمور المختصة به! هذا هو أقصر السبل وأوضحها لمعرفة الله ذاته، تبارك اسمه. إن التأمل المطول في الله، كما أُعلن لنا، تقودنا بالحق والصدق إلى الإعجاب التقوي، والسجود الخشوعي، والتكريس القلبي، والخدمة المقدسة، لهذا الإله العظيم الذي ليس مثله (تث33: 26)، وليس غيره (أع4: 12). إن معرفة الله بالحق والصدق هي أسمى وأثمن ما في الحياة والوجود. يومًا وقفت ملكة سبأ أمام سليمان في كل مجده، وقالت: «هُوَذَا النِّصْفُ لَمْ أُخْبَرْ بِهِ» (1مل10: 7). ترى، عندما نقف أنا وأنت أمام الله في فائق مجده وعظمته غير المحدودة، هل يكون “النصف فقط” هو الذي لم نخبر به؟ يقينًا إن ما أدركناه عنه لهو نقطة في بحر وقطرة في محيط. ألا ليت سعينا الدؤوب أن يكون “لنَعْرِفَهُ” (في3:: 10) شخصيًا واختباريًا. وليت الفرصة القصيرة المتبقية لنا على الأرض تكون حافزًا لنا على تعويض ما فات، ونبدأ السير الحثيث على هذا الطريق المبارك؛ طريق “معرفة الله”. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تتم وحدة الكنيسة ونموّها الحقيقي في معرفة ابن الله |
الله الحي الحقيقي |
ليعبدوا الله الحي الحقيقي |
نعرف الله الحي الحقيقي |
قاعدة أساس خبرة معرفة الله الحي - برهان الروح والقوة |