21 - 09 - 2024, 04:53 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
آخاب يطلب كرم نابوت:
1 وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُ كَانَ لِنَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ بِجَانِبِ قَصْرِ أَخْآبَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. 2 فَكَلَّمَ أَخْآبُ نَابُوتَ قَائِلًا: «أَعْطِنِي كَرْمَكَ فَيَكُونَ لِي بُسْتَانَ بُقُول، لأَنَّهُ قَرِيبٌ بِجَانِبِ بَيْتِي، فَأُعْطِيَكَ عِوَضَهُ كَرْمًا أَحْسَنَ مِنْهُ. أَوْ إِذَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ أَعْطَيْتُكَ ثَمَنَهُ فِضَّةً». 3 فَقَالَ نَابُوتُ لأَخْآبَ: «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ أُعْطِيَكَ مِيرَاثَ آبَائِي». 4 فَدَخَلَ أَخْآبُ بَيْتَهُ مُكْتَئِبًا مَغْمُومًا مِنْ أَجْلِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ نَابُوتُ الْيَزْرَعِيلِيُّ قَائِلًا: «لاَ أُعْطِيكَ مِيرَاثَ آبَائِي». وَاضْطَجَعَ عَلَى سَرِيرِهِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا.
ربَّما كان نابوت يفتخر بأن كرمه ملاصق للقصر الملكي الشتوي، ولم يدرك أنَّه يقدِّم حياته كلَّها من أجل هذه الجيرة. كانت نصيحة كثير من آباء الكنيسة: اهرب من الرؤساء فتخلص.
أما عن آخاب فالآن يكسر الوصيَّة العاشرة ويشتهي ما لأخيه. كان يمكنه أن يستأجر الكرم مدى حياته، وكان يمكنه أن ينسِّق الكرم وينزل فيه كما يشاء، لكنَّه لم يكن يطلب إلاَّ أن يمتلكه، وإذ ضاق به الأمر مرض!
كان نابوت إسرائيليًا يخاف الله، يعتز بميراث آبائه، حتى بالكرم الذي ورثه. لم يكن في قلب نابوت أن يهين الملك أو يخالف أوامره، لكنَّه كان يشعر بالالتزام بتنفيذ الشريعة الإلهيَّة التي تمنع بيع الشخص ميراثه لآخر نهائيًا، خاصة إن كان من سبط آخر. وإن باعه لسبب أو آخر يسترد الأرض في السنة السابعة أو في اليوبيل (لا 25: 23-28، عد 36: 7). رفضه للبيع لم ينبع عن تعلُّقه بالكرم، ولا عن عنادٍ مع الملك، وإنَّما قائم على طاعته للوصيَّة الإلهيَّة.
"وحدث بعد هذه الأمور أنَّه كان لنابوت اليزرعيلي كرم في يزرعيل بجانب قصر آخاب ملك السامرة.
فكلَّم آخاب نابوت قائلًا:
اعطني كرمك فيكون لي بستان بقول،
لأنَّه قريب بجانب بيتي،
فأعطيك عوضه كرمًا أحسن من،
أو إذا حسن في عينيك أعطيتك ثمنه فضَّة.
فقال نابوت لآخاب:
حاشا لي من قبل الرب أن أعطيك ميراث آبائي" [1-3].
ما كان يشغل قلب آخاب الملك هو مسرَّته، حاسبًا أنَّه بسلطانه أو ماله يحقِّق كل شيء حتى وإن كان مخالفًا للشريعة. أمَّا ما يشغل قلب نابوت فهو الوصيَّة الإلهيَّة. لم يجد مجالًا للتفكير ما دام الأمر فيه كسر للوصيَّة.
بلا شك كان نابوت أحد السبعة آلاف الذين لم يحنوا ركبة لبعل ولا قبلوه بشفاههم. أطاع الله أكثر من الناس. كان يرى في التنازل عن نصيبه في أرض الموعد من أجل الملك فيه إشارة إلى تهاونه في الميراث الأبدي لأجل أرضاء إنسان، مهما بلغ مركز هذا الإنسان.
يقول القديس أمبروسيوس
أن نابوت لم يمت من أجل تمسُّكه بكرمه، فإنَّه كان يعلم أن الملك سيعوِّضه بكرمٍ أفضل، لكنَّه تمسَّك بميراث آبائه.
* دافع نابوت عن كرومه بدمه، فإن كان لم يسلِّم كرمه هل نسلِّم نحن كنيسة المسيح؟ إن كان نابوت لم يسلِّم ميراث آبائه فهل أسلِّم أنا ميراث المسيح...؟ كأسقف يلزمني أن أجيب: ليعمل الإمبراطور كإمبراطور. ليأخذ حياتي ولا يفقدني إيماني!
القديس أمبروسيوس اتفق آخاب مع زوجته الشرِّيرة، وقد جاء الاتفاق في الشرّ:
* في حالة آخاب كان الاتفاق أكثر خطورة من أي حرب. الاتفاق ليس صالحًا في كل الأحوال، فإنَّه حتى اللصوص يتَّفقون معًا.
"فدخل آخاب بيته مكتئبًا مغمومًا من أجل الكلام الذي كلَّمه به نابوت اليزرعيلي قائلًا:
لا أعطيك ميراث آبائي.
واضطجع على سريره، وحوَّل وجهه ولم يأكل خبزًا" [4].
كان تصرُّف الملك طفوليًا. عوض التفكير الجاد في الموقف أصيب بحالة من الاكتئاب والغم، ممَّا دفع بجسده إلى المرض، فألقى به على السرير، يعاني من آلام نفسيَّة وأمراض جسديَّة. دفعه كبرياؤه وطمعه وشهوته للملذَّات أن تُصاب نفسه كما أيضًا جسده بالأمراض.
في الأصحاح السابق رأينا آخاب يعود إلى قصره مغمومًا وكئيبًا، إذ كشف له النبي عن خطئه. والآن نراه مغمومًا وكئيبًا لأن نابوت يريد أن يطيع الله أكثر منه.
كان آخاب في قصره الملكي، بين يديه مباهج أرض كنعان، وفي بيته خزائن مملوءة بكل ما هو ثمين، وفي يده سلطان، ويجلس على العرش في كرامة، ومع هذا فكانت روحه مريضة ونفسه تئن من التذمُّر والضيق وجسده مريضًا. إن سأله أحد يبرِّر ذلك بأن نابوت رفض أن يعطيه كرمه! المشكلة الحقيقيَّة هي في أعماق قلب آخاب، لا في قرار نابوت. الكآبة هي ثمرة إعطاء الظهر لله ينبوع الفرح. عوض أن يشعر الإنسان بالشبع والكفاية فيشكر متهلِّلًا، يظنّ أنَّه في مأزق يعجز عن الخروج منه، فيعاقب نفسه بنفسه بالكآبة والغم. فالرسول بولس كان في سجن داخلي مقيَّد اليدين والرجلين بمقطرة، وجسمه ينزف دمًا، كان محرومًا من الحريَّة لكي يكمِّل رسالته بين الشعب، ومع هذا كان متهلِّلًا ومسبِّحًا، لا تقدر الكآبة أن تبتلعه، ولا الغم أن يجد له موضعًا فيه.
ألقى بجسمه على السرير، وأعطى وجهه للحائط ربَّما لأنَّه لا يريد أن يرى أحد وجهه كئيبًا، أو لكي لا يعطي فرصة لأحد أن يسأل عن سبب كآبته ومرضه. وامتنع عن الأكل.
لقد أحب الملك الكرم، وتجاهل خالق الكرم.
* تسأل: لماذا يلزمني ألاَّ أحب العالم ما دام الله هو الذي خلقه؟ أيُّها الأخوة، الإنسان الذي يحب أي شيء ليس من أجل الله فإن محبَّته لله قليلة جدًا.
إنَّه ليس يجب ألاَّ تحب الأمور المخلوقة، وإنَّما أن تحبَّها لأجل ذاتها فهذا طمع وليس حبًا.
* لك الخيار: أمَّا أن تحب الأمور الزمنيَّة وتعبر معها، أو لا تحبَّها وتبقى مع الله إلى الأبد.
* نهر الزمن يجرف، لكن يوجد ما يشبه شجرة مزروعة على المياه، هي ربَّنا يسوع المسيح. لقد صار إنسانَّا، لكي يزرع نفسه بجوار نهر الزمن.
إن شعرتَ في نفسك أنَّك تنجرف إلى أسفل نحو التيار، أمسك الشجرة. إن أمسك بك حب العالم أمسك بالمسيح. فإنَّه من أجلك دخل في الزمن لكن لم يكف عن أن يبقى أبديًا.
القديس أغسطينوس
|