ههُنا صَبِيٌّ معَهُ خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان،
ولكِن ما هذا لِمِثلِ هذا العَدَدِ الكَبير؟
تشير عبارة " ههُنا صَبِيٌّ معَهُ " إلى جواب أَندَراوَس الذي يلفت
انتباه يسوع أن هناك صبيًا معه خمسة أرغفة وسمكتين إمَّا للبيع
أو وجبة له. فهذا الصبي الذي لم يبخل بالقليل ما يملك بالرغم
من حداثة عمره يُعلمنا السخاء.
ويُعلق القديس يوحنا الذَّهبي الفم:
" ما نطق به أَندَراوَس ليس مصادفة إنَّما سمع عن معجزات
الأنبياء وكيف صنع أليشاع آية بالأرغفة ".
وفي الواقع تُذكرنا َ أرغفة الشَّعير بما فعله اليشاع حين أطعم مئة
رجل بعشرين رغيفًا، وأكلوا وفضل عنهم (2 ملوك 4: 42-44).
الله لا يُطعم ولا يُكسي النَّاس إلاَّ من خلال النَّاس.
أمَّا عبارة "خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان" فتشير إلى صبي
يحمل وجبته من ناحية، ومن ناحية أخرى تدل على علامة شعور
الإنسان بدوره الحيوي ومساهمته في خدمة البشرية كما جاء
في كلمات داود النَّبي: " ومِن يَدِكَ أَعطَيناكَ" (1أخبار 29: 14).
فهُناكَ صلاةٌ بيزنطيَّة تقولُ: "ما لَكَ، ممّا هوَ لكَ، نُقرِّبُهُ لكَ،
عَن كُلِّ شَيءٍ، ومِن أجلِ كُلِّ شَيء".
ويقول البابا بِندِكتُس السَّادس عشر:
"إنّ أرغفة الخبز المصنوعة من الشَّعير في حياتنا
قد تبدو غير مفيدة، لكن الله بحاجة إليها وهو يطلبها منّا".
يأخذ يسوع الأرغفة الخمسة والسَّمكتين ليُعطي مائة ضعف.
من خلال الإيمان، يصبح كل عمل متواضع من أعمال المحبة
وفيرًا، يكفي لسد حاجات الآخرين.
ويُعلق القديس أوغسطينوس:
" إنَّ الأرغفة الخمسة من الشَّعير ترمز إلى العهد القديم الذي يضم
أسفار موسى الخمسة، وهي من الشَّعير، لأنَّ قشرة الشَّعير جامدة
ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف،
ويستصعبون إدراكه بالرُّوح. وأمَّا السَّمكتان فتشيران
إلى الشَّخصيتين الرَّئيسيتين في العهد القديم، وهما النَّبي والملك.
فيسوع هو الكاهن، إذ يقدِّم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الملك
إذ يملك علينا. وقد ترمز السَّمكتان إلى العهدين الجديد والقديم".