العلامة أوريجانوس
يود أن يقول إن كنت عاجزًا عن أن تقدم كل حياتك مكرسة للرب كمحرقة فقدم عملك اليومي مقدسًا له كقربان دقيق أو فطير صارخًا لله أن يسكب فيك زيت رحمته بلا انقطاع حتى لا يلهيك العالم عن أبديتك.
ويقدم كثير من الآباء تفسيرًا آخر للتقدمة، إذ يرون فيها "حياة السيد المسيح" كعطية الآب لنا، فيه ننعم بالشركة مع الآب ونتمتع بالسلام الفائق، خاصة وأن كلمة "قربان" في العبرية تعني "منحة" أو "هبة" أو "هدية". فالسيد المسيح هو عطية الآب لنا، وحياته فينا هي عطيته المجانية. وقد جاء طقس التقدمة يكشف عن هذا المفهوم بوضوح، والذي يمكن إبرازه في النقاط التالية:
أولًا: يقدم الإنسان دقيق قمح فاخر للكهنة بني هرون باسم الرب، فيأخذ الكاهن مقدار قبضة يده ليقدمه مع زيت وكل اللبان على النار، فيتقبل الله هذا القليل الذي هو ملء القبضة "وقود رائحة سرور للرب" [2] كتذكار من الشعب لله على إحساناته. أما بقية التقدمة من دقيق وزيت فمن نصيب الكهنة: "لهرون وبنيه، قدس أقداس من وقائد الرب"[3].
إن كان الدقيق الفاخر يُشير إلى السيد المسيح "خبز الحياة" (يو 6: 35)، فإن الكاهن إذ يأخذ ملء قبضة يده ليقدمه مع زيت وكل اللبان إنما يمثل الكنيسة التي ليس لها ما تقدمه للآب عطية من جانبها سوى ذاك الذي نزل إلينا وصار كواحد منا، كمن في يد الكنيسة وليس كغريب عنها. إنها تجد فيه تقدمة للآب فتحمله إليه لتتقبل منه رضاه ومسرته. "المسيح المصلوب" هو ذبيحة الكنيسة وتقدمتها خلاله تقدم عبادتها من تسابيح وطلبات وصلوات ومطانيات metanoia وأصوام... وبدونه لا تقدر أن تبسط يديها لتتعبد. وفيما هي تقدم هذه التقدمة الفريدة إذا بها تتقبل السيد المسيح نفسه في حياتها "قدس أقداس"، تتناول جسده ودمه المبذولين كسرّ حياتها وشعبها الروحي. إن ربنا يسوع المسيح كوسيط عنا بدمه أرسله الآب إلينا ليقدم حياته بإسمنا وفي نفس الوقت نقبله في حياتنا عطية إلهية تشبع الأعماق!
ثانيًا: إن كان مسيحنا القدوس قد صار خبزًا ليشبع نفوسنا به، فإن سكب الزيت عليه [1] يُشير إلى مسحه بروحه القدوس أزليًا كمسيح الرب الذي كرس عمله لخلاصنا، ليقوم بدوره كرئيس كهنة أعظم سماوي يشفع بدمه عنا لغفران خطايانا.