منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 04 - 2024, 09:42 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

متّى والشريعة




متّى والشريعة


قراءتنا لإنجيل متّى تجعلنا في ثلاثة اتِّجاهات. الأوَّل، الاستمراريَّة والتواصل بين العهد القديم والعهد الجديد، من أجل إيصال الشريعة إلى كمالها. الثاني، تفسير الشريعة لأنَّ سلطة يسوع فوق سلطة موسى. وإذا كانت الشريعة تقدِّم كلمات الله، فيسوع هو الكلمة الذي فيه تصبُّ أقوال الله في العهد القديم، كما الأنهار في البحر. والاتِّجاه الثالث، قطيعة وانقطاع، لأنَّ »الخمرة الجديدة لا تُوضَع في زقاق قديمة...« (مت 9: 17).

أ- ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل

ذاك ما قاله الربُّ في عظة الجبل ليشدِّد على أنَّ الشريعة القديمة تتواصل في الإنجيل. أمّا الإطار فهو كلام إلى المؤمنين في كنيسة متّى، الذين حسبوا أنَّ شريعة موسى عتقت وزالت. »ما جئتُ لأُبطل«(1). ردَّ يسوع بالنفي أوَّلاً، وتبع ذلك بالإيجاب: »بل لأكمِّل«(2). وواصل يسوع كلامه: »لن تزول(3) ياء من الناموس. ويبقى فعلان: خالف(4)، عمل(5)، ويقابلهما علَّم(6). وها نحن نورد النصَّ انطلاقًا من الترجمة البيسطريَّة(7):

5: 17لا تظنُّوا أنّي جئتُ لأُبطل الشريعة أو الأنبياء. ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل.

18 لأنّي الحقَّ أقول لكم: »حتّى تزول السماء والأرض، ياءٌ واحدة أو نقطة واحدة لن تزول من الشريعة حتّى الكلُّ يصير.

19 فمن نقضَ واحدةً من هذه الوصايا الصغرى، وعلَّم الناس هكذا، صغيرًا يُدعى في ملكوت السماوات. ومن عمل وعلَّم، هذا عظيمًا يُدعى في ملكوت السماوات«.

ماذا نكتشف في هذه الآيات الثلاث؟ شابه يسوع عددًا من المعلِّمين اليهود، وطلب طاعة تامَّة للكتاب المقدَّس(8). واختلف عن عدد كبير من معاصريه، فما رضيَ عمّا يطلب الكتبة والفرّيسيّون الذين لا تصل بهم الممارسة إلى الخلاص. قال يسوع لتلاميذه: »إذا لم يزَد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (آ20)(9). بعد أن لفت يسوع انتباه سامعيه، قدَّم تحديدًا لشريعة الله، لا كما يفعل الشعب بل كما يجب أن يكون(10).

واجه يسوع الاتِّهام بأنَّه يعارض الشريعة (12: 2: تلاميذه يعملون ما لا يحلُّ في السبت) وقدَّم جوابًا. وقد يكون متّى شدَّد على هذه النقطة ليضع حاجزًا في وجه التعليم المناوئ للشريعة في الكنيسة(11)، أو قبالة اتِّهامات باللاخلقيَّة من قبل معارضيه(12). وجاء من عارض بشكل جذريّ تعليم متّى هنا وتعليم بولس(13) ولكن ساعة الكاتبان يطرحان مسألتين مختلفتين، راح بعضهم يرفع الصراع. فمع أنَّ بولس أكَّد أيضًا أنَّ الشعب اليهوديّ يقدر أن يحتفظ بعادات ورثها (1 كو 9: 20)، وتحدَّث عن مقاربة صحيحة إلى شريعة الله بالنسبة إلى المؤمنين (رو 3: 27، 31؛ 8: 2؛ 9: 31-10: 13)، حرَّف بعض معاصريه مقاله واعتبروه رافضًا للشريعة (رو 3: 8)(14). لهذا اعتبر بعض الشعب اليهوديّ أنَّ المسيحيّين الأوَّلين يرفضون الشريعة. لهذا جاء كلام يسوع في مت 5: 17-20 يعطي الثقة لليهومسيحيّين في جدالهم مع رؤساء المجمع. وهكذا لاحظ الشرّاح أنَّ يسوع ما أراد إلغاء الشريعة بل توصيلها في المعنى الصحيح وإتمام روحها(15).

بدأ يسوع فأعلن سلطة الكتاب المقدَّس لتلاميذه، دون النظر البعيد إلى ما يكون من جدال مع الشعب اليهوديّ. ونحن نفهم من كلامه أربعة أمور. الأوَّل: لغة يسوع تعلن بوضوح ثقته بشريعة موسى. قال: جاء ليكمِّل. وذلك من خلال الطاعة والتوافق. أمّا الإلغاء فيعني رفض نير الشريعة واعتبارها فارغة(16). الثاني: صوَّر يسوع أبديَّة الشريعة بحسب طريقة المعلِّمين اليهود. سبق الأنبياء وأعلنوا أنَّ كلام الله لا يتبدَّل (إش 40: 8؛ زك 1: 5-6)، فتكلَّم يسوع بشكل استعارة: ياء واحدة، نقطة واحدة. هو حرف »يود« العبريّ الذي يكاد لا يُرى. مثل هذه الإشارة الصغيرة لا يمكن أن تُلغى(17). يجب أن يتمَّ كلُّ شيء (5: 18)، إلى أن يتمَّ الملكوت وتزول السماء والأرض(18). ثالثًا: أعلن يسوع أنَّ المؤمنين يُدَانون بالنظر إلى كلام الله: من يحفظ أصغر وصيَّة ويعلِّم الناس أن يفعلوا مثله، ذاك هو العظيم في الملكوت(19). ما تطلَّع يسوع إلى العدد الكبير أو الصغير الذي يحفظ الشريعة أو ينقضها، بل إلى »أكبر« الوصايا و«أصغر« الوصايا. أكبر وصيَّة إكرام الوالدين (خر 20: 12؛ تث 5: 16)، وأصغر وصيَّة حول عشِّ الطير (تث 22: 6-7). وعدٌ واحد: إفعل هذا فتحيا، في حياة الأبد. فالربُّ يجازي الإنسان من أجل كلِّ وصيَّة. رابعًا: شدَّد يسوع في 5: 19 أنَّ الإنسان لا يقدر أن يختار. لأنَّه لا يعرف مستوى الأجر المحفوظ لهذه الوصيَّة أو تلك (أبوت 2: 1)(20).

وواصل يسوع كلامه: الله يعاقب من يعلِّم الناس أن يخالف واحدة من هذه الوصايا. هذا لا يعني الطاعة فقط، بل التعليم أيضًا، ممّا يدلُّ على المسؤوليَّة تجاه الأطفال (بابل، يوما 87أ). وحفظُ الشريعة من الخارج لا يكفي. فمن لم يتحوَّل قلبُه من الداخل لا يدخل ملكوت السماوات(21).

ب- قيل لكم وأنا أقول لكم

بدأ يسوع فشدَّد على أنَّ الشريعة تستمرُّ في شعب الله الجديد، لا تزول منها نقطة واحدة ولو زالت السماء والأرض. ذاك هو المبدأ: لا معارضة للشريعة. ولكن لا بدَّ من تفسيرها، لأنَّ الممارسة في أيّامه لا تفي بالمرام(22). حاولت مجموعاتٌ يهوديَّة مختلفة، في القرن الأوَّل المسيحيّ، أن تربح معاصريها إلى تفسير يدلُّ على الطريق الصحيح لممارسة الشريعة، ولكن لم يكن هناك اتِّفاق. شدَّد اليهود على الوجهة الخلقيَّة(23) فكانت نقاط اتِّصال بينهم وبين يسوع(24). ولكنَّ يسوع راح بعيدًا في التفسير بحيث جعل نفسه موازيًا للشريعة، بل هو جاء يصحِّح الشريعة ويعمِّقها لئلاّ تبقى محصورة في إطار خارجها.

انطلق يسوع من ستَّة نصوص مأخوذة من الشريعة كما نقرأ في العهد القديم، وعمل كما يعمل معلِّم كبير في العالم اليهوديّ: فسَّر كلَّ مقطع في شكل نقيضة(25):

5: 21 سمعتم أنَّه قيل للأقدمين: »لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجبًا الحكم« (الدينونة)

22 لكن أنا أقول لكم: »كلُّ من يغضب على أخيه يكون مستوجبًا الحكم«.

هكذا يُتمُّ يسوعُ الشريعة على المستوى التعليميّ، فيفسِّرها لا كما يفسِّرها الكتبة، بل يعطي رأيه الشخصيّ. فتفسيرُهُ هو من مستوى آخر. هو لا يُحلُّ فرائض جديدة محلَّ الفرائض القديمة، لا يجعل شريعة جديدة مكان شريعة قديمة. ما جاء يُلغي، بل يعيد الشريعة إلى مكانها الأصيل والجذريّ معًا.

بداية احتفاليَّة: قيل... وأنا أقول. كان الرابّينيّون يستعملون »وأنا أقول« ليتَّخذوا موقفًا بالنسبة إلى معلِّمين آخرين. أمّا يسوع فاتَّخذ موقفًا بالنسبة إلى الشريعة. فلو عارض رابّي الشريعة، اعتُبر مجدِّفًا ومنتهك الأقداس. ولكن ما اعتُبر تجديفًا عند »المعلِّمين« صار بالنسبة إلى يسوع إعلانًا نبويٌّا لرسالته.

»سمعتم«. كانت التوراة تُقرأ بشكل احتفاليّ في المجامع، يوم السبت. سمعتم وصاياها وفرائضها. والآن، يجب أن تسمعوا أمورًا أخرى. الشريعة آتية من عند الله، ولا يحقُّ لأحد أن يتجاوزها، إلاَّ إذا كان الله. هذا يعني أنَّ عبارة »أمّا أنا فأقول« تشير في شكل من الأشكال إلى ألوهيَّة المسيح.

قيل: »لا تقتل«. نقرأ هذا الإيراد الكتابيّ في خر 20: 15 وتث 5: 18. ومن يقتل يستوجب الحكم. حكم الإعدام على ما قال خر 21: 12: »من ضرب إنسانًا فقتله، فالضاربُ حتمًا يموت«.

»أمّا أنا فأقول«. ها هو يسوع يُضيف، يعمِّق الوصيَّة: من يغضب. لا نستطيع أن نجعل الغضب على مستوى القتل، ولكنَّ الله يدين الإنسان بحسب نوايا قلبه. فالغضب قد يقود إلى القتل. ودُعيَ في »وصيَّة دانيال« (كتاب منحول، 3: 12): روح بليعال. فالغضب الذي يَخرج من قلب الإنسان، يدلُّ على فراغ القلب من المحبَّة. وهو غضب على »الأخ«، أي المؤمن الذي يؤمن إيماننا، بحيث يكون أبونا السماويّ أباه.

ويترافق الغضب مع الكلام الجارح. أقول لأخي: راقا. أي: رأس فارغ، غبيّ، أبله، كما في اللغة العبريَّة. وفي اليونانيَّة: مُدَّع، متبجِّح. أو أقول له: بلا عقل، أبله. واللغة البيبليَّة تتحدَّث هنا عن الكافر، عن الذي يقاوم شريعة الله، على ما نقرأ في تث 12: 6: »أبهذا تكافئون الربّ، أيُّها الشعب الأحمق الغبيّ؟ أليس هو أباكم وخالقكم الذي عملكم وكوَّنكم«؟

من قتل أو غضب أو قال كلامًا نابيًا يستوجب الحكم: الله يحاكمه ويعاقبه. في عقاب أوَّل هو الحكم من قبل الله. في الثاني، يقف المذنب أمام مجلس القضاء، أو السنهدرين. والعقاب الثالث: جهنَّم. في هذه الحالات الثلاث، يقف الإنسان أمام منبر الله العادل(26).

هي »نقيضة« أولى حول القتل والغضب. وتبعتها خمس نقائض حول الزنى والنظرة المشتهية، حول الطلاق، حول الحلف، حول الانتقام، حول محبَّة الأعداء. هنا نلاحظ أنَّ الإنجيل لا يروح في خطِّ الشريعة، بل يعارضها وينقضها. لا مكان للطلاق، لا مكان للانتقام، لا مكان للحلف. بل محبَّة الأعداء والأقرباء بحسب القول الرفيع: »كونوا أنتم كاملين، كما أنَّ أباكم السماويّ كامل هو« (5: 48).

ج- أريد رحمة لا ذبيحة

عبَرَ الرسُل مرَّة وسط الحقول وقطفوا بعض السنابل. هاجمهم الفرّيسيّون لأنَّهم »يعملون ما لا يحلُّ في السبت« (مت 12: 2). ردَّ يسوع: »أريد رحمة لا ذبيحة« (آ7). عاد الربُّ إلى نصٍّ هو 6: 6 وأعطاه معناه بالنسبة إلى الشريعة في تعاملها مع الضعفاء والمساكين: داود لا لوم عليه. هو ملك. الكهنة لا لوم عليهم بسبب فتاويهم.

الذبيحة هي في صلب الشريعة، وهي لا تكون الأولى. بل تأتي بعد الرحمة. إن عُذِرَ الكبارُ لأنَّهم تعدَّوا على الشريعة، فلماذا الهجوم على الصغار؟ والسبت أمر أساسيّ في العالم اليهوديّ بحيث إنَّ المشناة كرَّست له أهمَّ الفصول وأطولها (بعد فصل »كليم«)(27). ولكن في نظر متّى، »ابن الإنسان هو ربُّ السبت« (آ8). ابن الإنسان »هو أعظم من الهيكل« (آ6). مِن هذا الهيكل سوف يَطرد الباعة، ومعجزاتٍ عديدةً سوف يُجري »يوم السبت«.

في هذا الخبر بان الفرّيسيّون شارحي الكتاب المقدَّس على ما قال يوسيفس(28) وبيّنت الأناجيل (12: 1-2، 4). ويسوع أجابهم انطلاقًا من الكتاب المقدَّس فما استطاعوا أن يجيبوه. قدَّم مثلاً أوَّل عن داود، لا يتعلَّق مباشرة بالسبت، بل بالطريقة التي بها يفسَّر الكتاب وتفسَّر الشريعة(29). والمثل الثاني يرتبط مباشرة بالسبت وبما يعمله الكهنة في هذا اليوم »المقدَّس« الذي يسحق الإنسان ويستعبده. أترى الفرّيسيّون ردُّوا جواب يسوع الأوَّل، فقدَّم جوابًا آخر مأخوذًا من الشريعة(30)؟ الكهنة يعذرون نفوسهم، ولا يعذرون هؤلاء »الرسل«. ذاك كان وضع الكنيسة الأولى تجاه العالم اليهوديّ قبل سنة 70ب.م. ودمار الهيكل.

الشريعة قاسية. لهذا قدَّم يسوع »الرحمة« تجاه المرضى والخطأة والعشّارين. سبق له فأورد آية هوشع هذه ردٌّا على الفرّيسيّين الذين رأوه يأكل مع الخطأة، وأضاف: »ما جئتُ لأدعو الأبرار« (مت 9: 13). والأبرار هم اليهود في وجه »الوثنيّين«. صعوبة كبيرة واجهت كنيسة متّى: كيف تستقبل مسيحيّين آتين من العالم الوثنيّ، تجاه تشديد المعلِّمين اليهود وقساوتهم(31)؟

لا سبيل إلى الجدال. إذًا تكون القطيعة. لا مجال لأن توضع الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة (مت 9: 17). وهكذا تفرَّد متّى فتحدَّث لا عن المجامع بشكل عامّ، بل عن »مجامعهم« (4: 23؛ 10: 17؛ 12: 9). مجامع اليهود يهجرها المسيحيّون. وبدت القطيعة تامَّة حين الكلام عن الفرّيسيّين المرائين الذين يفسِّرون الشريعة بشكل لا يمكن أن يقبل به الإنجيل: تصفُّون البعوضة وتبلعون الجمل (23: 24). الخارج طاهر والداخل »مملوء خطفًا وشرٌّا« (آ25).
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
بولس والشريعة
موسى والشريعة
يسوع والشريعة
إنجيل متّى
متّى


الساعة الآن 01:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024