رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس الرسول منذ البداية عرَّفنا بولس بنفسه، كما اعتادت الرسائل القديمة أن تفعل وعرَّفنا بالجماعة التي يكتب إليها. بولس. اسم بولس في العالم اليونانيّ يرتبط بالراحة. أمّا اسمه في العالم الشرقيّ فهو شاول، اسم أوَّل ملك على القبائل العبرانيَّة (1 صم 10: 21). ترك بولس اسمه العبرانيّ حين كان في قبرص، خلال الرحلة الرسوليَّة الأولى (أع 13 : 9: فامتلأ شاول، واسمه أيضًا بولس) بسبب رنَّته اللغويَّة (من يرقص بشكل مخنَّث σαλος) . ولكنَّه لا ينسى أبدًا ذاك الاسم الذي به دعاه الربُّ على طريق دمشق: »شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟« (أع 9: 4). كما قال الربُّ لعبده وعابده: »دعوتك باسمك وجعلتك لي« (إش 43: 1). عبد. كلمة عبد في مفهومنا الحديث لا تفي بالمراد، بل هي تعطي المعنى المعاكس لما في الكتاب المقدَّس. في القاموس، هو الزنجيّ، المملوك المولود من عبد وأمة. ولكنَّ موسى هو »عبد« الله، وكذلك داود. والوزير هو عبد الملك. يعني هو صنيعة الملك، بحسب الاشتقاق السامي لفعل »ع ب د« في العبريَّة والآراميَّة والسريانيَّة. العبد، أو الوزير الأوَّل، يكون قرب الملك. يسمع نصائحه، يخدمه، يطيعه. كدتُ أقول: يلتصق به ولا يتركه مهما كانت الأمور. من هنا يقول لنا القاموس: »عبدَ الله أي وحَّده وخدمه وخضع وذلَّ وطاع له«. عبدُ الله هو »ملكه« الذي لا يريد أن يتصرَّف إلاَّ كما سيِّده يريد. ذاك هو بولس. ذاك هو الرسول. هو صنيعة الربِّ. فلو لم يتدخَّل يسوع في حياته، لكان »شاول« فرّيسيٌّا بين الفرّيسيّين العديدين، وحائكًا بين الحائكين في مدينة طرسوس (أع 18: 3: صناعة الخيام). غير أنَّ الله اختاره ليحمل اسمه إلى الأمم والملوك وبني إسرائيل (أع 9: 15). وقال الربُّ فيه: »سأريه كم يجب أن يتحمَّل من الآلام في سبيل اسمي« (آ16). »كما أرسلني أبي هكذا أنا أرسلكم« (يو 20: 21). صار بولس رسولاً بين الرسل، على مثال »المعلِّم« الإلهيّ. وسيقول عن نفسه إنَّه »وكيل« وما يُطلَب من الوكيل هو أن يكون أمينًا (1 كو 4: 2). لهذا هو يرفض أن »يدينه« أحد. بل هو لا يدين نفسه. ديّانه هو الله. والمقياس الأمانة للرسالة. ودعا بولس نفسه »السفير« الذي يعظ يسوع بلسانه (2 كو 5: 20). يعظ كلمة المصالحة (آ19) ويُبعد كلَّ خلاف من قلب الجماعة: لا مجال للعداوة والخصام والحسد (غل 5: 20-21). ارتبط بولس بيسوع ارتباطًا جعله »مغرَمًا« بذلك الذي دعاه رسولاً »مع أنّي اضطهدتُ كنيسة الله« (1 كو 15: 9). ولكنَّه عرف ضعفه في الوقت عينه، فإن كان »الإناءَ المختار« كما قيل لحنانيّا الدمشقيّ، فهو يعلن أنَّه وحاملي الرسالة »آنية من خزف تحمل هذا الكنز، ليظهر أنَّ تلك القدرة هي من الله لا منّا« (2 كو 4: 7). غير أنَّ ضعفه يدلُّ على أنَّ يسوع يعمل فيه. لهذا افتخر بهذا الضعف (2 كو 11: 30). وسمع الربُّ يقول له: »تكفيك نعمتي. في الضعف يظهر كمالُ قدرتي« (2 كو 12: 9). وفي أيِّ حال، ما أراد أن يتقوَّى بقوَّة البشر. لا بالمال ولا بالعلم ولا »بالرئاسة« ولا بالعظمة. كلُّ هذا حسبه نفاية تجاه معرفة يسوع المسيح. قال »ما كان لي من ربح، حسبته خسارة من أجل المسيح، بل أحسب كلَّ شيء خسارة من أجل الربح الأعظم، وهو معرفة يسوع المسيح ربّي. من أجله خسرتُ كلَّ شيء وحسبتُ كلَّ شيء نفاية لأربح المسيح وأكون فيه« (فل 3: 7-9). بعد هذا، أتُراه يستند إلى البشر؟ كلاّ. أيطلب رسالة توصية من بطرس أو من يعقوب أو من يوحنّا الذين يُعتَبرون العمد في الكنيسة (غل 2: 9)؟ كلاّ. لهذا نسمعه يقول: »هل أنا أستعطف الناس؟ كلاّ. بل أستعطف الله، أيكون أنّي أطلب رضى الناس؟ فلو كنتُ إلى اليوم أطلب رضى الناس، لمّا كنتُ عبدًا للمسيح!« (غل 1: 10). أكبر شرف له أن يكون »عبدًا« للمسيح، لا عبدًا للناس وما يمكن أن يعطونه من مال أو اعتبار. أكبر شرف له أنَّه رفض تعليم البشر واستند إلى »وحي يسوع المسيح« (آ12). أكبر شرف له أنَّه ترك حكمة العالم وأخذ بحكمة الصليب. »ما أردتُ أن أعرف بينكم سوى يسوع المسيح ويسوع المسيح مصلوبًا« (1 كو 2: 2). دعاه الله واختاره. ويعرِّفنا بولس بنفسه في خطِّ ما قال يسوع لتلاميذه: »ما اخترتموني أنتم، بل أنا اخترتُكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بالثمر، ويدوم ثمركم« (يو 15: 116). الربُّ دعا بولس كما دعا »الأنبياء«. كما دعا عاموس العائش في جنوب البلاد، وأرسله إلى الشمال، إلى معبد الملك في بيت إيل، قرب السامرة. هو ما أعدَّ نفسه، ولو فعل لكان لبس لباس الأنبياء أو صار »ابن نبي« مثل إليشع بالنسبة إلى إيليّا (1 مل 19: 19ي). تحدَّث عن نفسه قال: »أنا راعي غنم وقاطف جمَّيز. أخذني الربُّ من وراء الغنم وقال لي: إذهب تنبَّأ لشعبي إسرائيل« (عا 7: 14-15). كما أخذ الربُّ عاموس أخذ »شاول«، وإرميا قال له الربّ: »قبل أن أصوِّرك في البطن أخذتُك، وقبل أن تخرج من الرحم كرَّستك (قدَّستك، جعلتك لي) وجعلتُك نبيٌّا للأمم« (إر 1: 5). أراد أن يتهرَّب: »أنا لا أعرف أن أتكلَّم لأنّي صغير« (آ6). رفض الربُّ مثلَ هذا العذر. »كلُّ ما آمرك به تقوله... لأنّي في فمك أضع كلامي« (آ7-8). وبولس أيضًا اختاره الله وهو في حشا أمِّه. قال عن نفسه في الرسالة إلى غلاطية: »ولكنَّ الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي، فدعاني إلى خدمته. وعندما شاء أن يُعلن ابنَه فيَّ لأبشِّر به بين الأمم، ما استشرتُ بشرًا... بل ذهبتُ على الفور إلى بلاد العرب (حوران في سورية الجنوبيَّة، ومناطق واقعة شرقيّ نهر الأردنّ) ومنها عدتُ إلى دمشق« (غل 1: 15-17). وهناك »سارع إلى التبشير في المجامع بأنَّ يسوعَ هو ابنُ الله« (أع 9: 20). أيُّها الكاهن، اعرف نفسك! وليكن بولس مرآة لك فتعرف كرامتك. وتعرف بمن آمنت (2 تم 1: 12): هو قادر أن يحفظ وديعتي »إلى ذلك اليوم«. |
|