رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوستين هذا اليونانيُّ الذي لم يكن يهوديٌّا، والذي أقام في فلسطين، كتب الحوار مع تريفون حوالى سنة 170. لا يَذكر بولس أبدًا ذكرًا صريحًا، مع أنَّه يورد نصوصًا واضحة أخذها من العهد الأوَّل (أو: القديم) ويوردها بوفرة. كيف نفهم هذا الإغفال؟ هناك أكثر من تفسير. فيوستين يعامل العهد الجديد ككلٍّ بالشكل عينه، لأنَّ مجموعة العهد الجديد لم تكن تحدَّدت بعد، كما أنَّه لم تكن لها سلطة توازي سلطة العهد الأوَّل بالنسبة إلى الذين يتحاور معهم. وهذا يعني أنَّ لا فائدة من إيراد صريح، غير أنَّ الباحثين يتَّفقون على القول إنَّ يوستين قرأ حقًا الرسائل البولسيَّة، لأنَّنا نجد موضوعات بولسيَّة واضحة في الحوار وأوَّلها المعارضة بين الختان الروحيِّ والختان اللحميّ، مع موضعة إيمان إبراهيم الذي أرضى الله وهو غير مختون. في الواقع احتلَّت الرسالة إلى رومة مكانة هامَّة في الفهارس الكتابيَّة لنشرات يوستين الحديثة. ولكنَّ المسألة ليست بسيطة: ففي أكثر الأحيان هي إيرادات من العهد الأوَّل وُجدت عند بولس (مثلاً، تك 15: 6 حول إيمان إبراهيم). فهل بولس هو ينبوع هذه الإيرادات؟ بالنسبة إلى تك 15: 6، قيل إنَّ الكثيرين أوردوا هذه الآية: 2 مك 2: 52: فيلون الإسكندرانيّ... هذا يعني أنَّ هذا الإيراد كان معروفًا لدى الجميع في زمن بولس. وفي الواقع، هذان المقطعان لا يستعملان هذه الآية كما استعملها بولس في رو 4، حين عارض بين الإيمان وأعمال الشريعة. أمّا يوستين فدلَّ على استعمال هذا الاستشهاد بطريقة قريبة من طريقة بولس في الحوار 23 و92. يبدو أنَّه عارض الممارسة الحرفيَّة للشريعة (وإن وُجد هذا الموقف في التقليد اليهوديِّ عينه)، فبدا مرتبطًا ببولس. هذا من جهة. ومن جهة ثانية وفي إطار الملفَّات الكتابيَّة، نلاحظ سمتين اثنتين. الأولى، نسيج إش 1: 9 و10: 22 الذي نقرأه في رومة وعند يوستين، مع أنَّه غائب، أقلَّه ظاهريٌّا، من تجميعات الاستشهادات Testimonia السابقة. والسمة الثانية هي إيراد 1 مل 19: 10-14 و19: 18 في رو 11: 3-4 وفي الحوار 39: 1-2. هو يستغلُّ في معنى يشبه جزئيٌّا (دون موضوعيَّة النعمة، ولكن في تشديد على المواهب والكرسمات للذين يهتدون إلى المسيح). إذًا، من المعقول جدٌّا أن يكون يوستين استعمل الرسالة البولسيَّة استعمالاً مباشرًا، وهي قدَّمت له، لابرهانًا يحمل سلطانًا، بل ينبوعًا ونموذجًا من أجل برهنته. ويجب أن نلاحظ، بلا شكِّ، بعض انسيابات معروفة: في الحوار 29 مثلاً، نجد المقطع المعروف حيث يعلن يوستين لتريفون أنَّ الكتب المقدَّسة تخصُّ بعد اليوم المسيحيِّين، لا اليهود الذين لا يعرفون أن يقرأوها. فمنطقُ الاستبدال هو قريب جدٌّا، ويبتعد بوضوح عن الإرث البولسيّ، مع أنَّه يستند إلى بعض موضوعات بولسيَّة مثل اللاأمانة والعمى: نحن هنا في موضوع قساوة القلب في هجوم على الشعب الأوَّل. مقابل هذا، ودون أيِّ فكر مسبق إلى ما يجب أن يكون تقبُّل بولس في القرن الثاني، يمكن أن نلاحظ أنَّ يوستين بدا وكأنَّه يجهل جهلاً كلِّيٌّا النمطيَّة آدم-المسيح، ومجمل رو 5. كما جهل أيضًا 1 كو 10: 1-11 حيث يبيِّن بولس نموذج القراءة الرمزيَّة للعهد الأوَّل ويثبت أوَّل طريقة لهذه الممارسة (نمط، روحانيّ)(3) التي استعملها يوستين مرارًا. وبكلام آخر، لا يَذكُر بولس كمعلِّم أو كسلطة في العالم الفسار. هل رفض الكلام طوعًا؟ هل أهمل العودة إلى ينبوع دقيق صارت ممارستُه أمرًا معروفًا؟ هو تحفَّظ في الحوار مع اليهود أن يذكر رمزًا لا يقبله محاوره؟ لن نتَّخذ موقفًا، ولكن يمكن أن نتفحَّص أيضًا، بنظرة جديدة من بولسيٍّ حقيقيٍّ، نهج يوستين التأويليّ الذي قد يكون اتَّخذ نماذج أخرى. إذا خرجنا من عالم الرسالتين إلى غلاطية وإلى رومة، هناك نصوص بولسيَّة وردت في الفهرس الكتابيّ ليوستين: 1 كو؛ أف؛ كو. لن نذكر التفاصيل. أمّا 1 كو 15 الذي اتَّخذ مكانة واسعة لدى الآباء، فهو غائب كلِّيٌّا من عند يوستين. ب - الآباء المدافعون وماذا عن استعمال الآباء المدافعين في القرن الثاني، لما في 1 كو 15؟ لا يذكر أرستيد هذا النصَّ ولا مضمونه. تاتيان لمَّح إليه تلميحًا (خطبة إلى اليونان 20: 26: الروح السماويّ ينال اللاهوت أو الخلود، كلباس للموات). ولكن إذا جعلنا جانبًا تشابه الألفاظ، فالاستقراض من بولس ليس واضحًا. ونجد أيضًا 1 كو 15: 53 لدى أثيناغوراس مرَّتين في مقاله حول قيامة الموتى (3: 2؛ 18: 5). يقول التلميح الأوَّل إنَّ القيامة تحوِّل الفاسد إلى اللافاسد. فالرجوع إلى بولس، الحقيقيّ والسريع. يودُّ أن يستعمل اللغة اليونانيَّة مع سند رسوليّ. والتلميح الثاني يبيِّن أنَّ العبور من الفاسد إلى اللافاسد هو ضروريٌّ لكي يُدان الإنسانُ كلُّه، نفسًا وجسدًا، بعد الموت، بحسب ما فعله في جسده وفي نفسه. ففكرة الدينونة ليست غريبة عن 1 كو 15، ولكن مسيرة أثيناغوراس تتَّخذها كنقطة انطلاق من أجل البرهنة، كبرهان لياقة للدفاع عن القيامة. عند بولس، نقطة الانطلاق هي قيامة المسيح. نرى هنا التبدُّل الذي فرضه المنطق الدفاعيُّ على النصِّ البيبليّ. استعيدت الألفاظ والموضوعات أيضًا، ولكنَّ المسيرة الإجماليّة تُجهَل أو تُهمَل بالنظر إلى المرمى الخاصِّ للكاتب الآبائيّ. أمّا تيوفيل الأنطاكيّ، فيستعيد 1 كو15: 50 (ورث اللافساد، ثلاثة كتب إلى أوتولوكس، 2: 27) ليقول إنَّ كلِّ إنسان يريد، يستطيع ذلك إذا حفظ الوصايا: منطقُ الاستحقاق هذا غريب عن المقطع البولسيِّ الذي أورده تيوفيل للكلام عن القيامة. نشير إلى أنَّه استعمل أقلَّه 1 كو 15: 53-54 في 1: 7 للتشديد على مبادرة الله وحده. الألفاظ تدلُّ على عودة إلى إيمان الرسل، ولكنَّها تُخفي حرِّيَّةً كبيرة في المسيرة اللاهوتيَّة الحقيقيَّة. لن نتوقَّف هنا، لأنَّ يوستين بيَّن أنَّه »هضم« هضمًا جزئيٌّا الفكر البولسيّ. فحين شرح لتريفون أنَّ أعمال الشريعة لم يعد لها قيمةٌ في ذاتها، وحين أحلَّ محلَّ الشريعة المسيحَ كوسيط الخلاص، أحسن البناء على أساس رومة وغلاطية. العودة إلى بولس ليست صريحة، وبعض المرّات غير ناجحة، ولكنَّها تدلُّ على تشرُّب للتفكير أكثر منه علاقة حرفيَّة بالرسول. ونستطيع القول إنَّ الإرث البولسيَّ حاضرٌ في »ورشتين« كبيرتين في ذلك الوقت: الحوار مع اليهود (حيث مسألة الشريعة مركزيَّة) والحوار مع الوثنيِّين (حيث إعلان القيامة هو تحدٍّ كبير). وبولس حاضر في الورشة الأولى أكثر منه في الورشة الثانية. أن يكون الكاتب اجتذب النصوص أو أوردها بشكل حرفيٍّ، فهذا أمر معروف لا بالنسبة إلى بولس فقط، بل بالنسبة إلى العهد الجديد كلِّه. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أول من نادى بالمقابلة بين حواء ومريم العذراء هو الشهيد يوستين |
الحكام في مصر - الإمبراطور يوستينانوس | يوستين الملك | جستنيان |
جوستين الثاني |
جوستين الملقب بالشهيد |
الرب قد ملك على خشبة _ يوستين الشهيد |