رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحكمة قرينة حياتي في الأصحاح السابق رأينا حكمة الله بكونه القدير، صانع الخيرات، محب البشر، الحال في كل مكان، الدائم الحركة لأجل بنيان الإنسان ومجده. هنا يؤكد الحكيم حب الحكمة الإلهي، إنه لم يقف عند خلقته لنا، لكنه في حبه ورعايته وعنايته الإلهية يدبر كل شيء للفائدة. هو القدير العامل في كل إنسانٍ، يهتم بالبشرية ككل ولكن ليس على حساب إنسانٍ ما، مهما كان عمره أو قدراته أو مواهبه. إنه محب للجميع، ويريد أن يتحد الجميع معه، يتمتعون به، وينعمون بغناه وعمله فيهم، وتدخل بهم إلى الخلود. الحكمة معينة للجميع 1 إِنَّهَا تَبْلُغُ مِنْ غَايَةٍ إِلَى غَايَةٍ بِالْقُوَّةِ، وَتُدَبِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِالرِّفْقِ. إنها تمتد بقوةٍ، من أقصى العالم إلى أقصاه، وتدبر كل شيء حسنًا. [1] الحكمة الإلهي مصدر نظام المسكونة، فهو إله نظام وليس إله تشويش (1 كو 14، غير أن هذا النظام يُقدم لحساب بنيان الإنسان. كثيرًا ما استخدم القديس أغسطينوس هذه العبارة لتأكيد رعاية حكمة الله أينما وُجدنا وتدبيره الدائم لأجلنا. يتساءل البعض: إن كان الابن قد أُرسل إلى العالم، ألم يكن موجودًا في العالم قبل تحقيق هذه الإرسالية؟ لقد كان في العالم بقوة لاهوته، أما إرساليته فهي تخص تجسده ليحقق الخلاص بالصليب والقيامة؟ إنه واضع النظام والتدبير، خلاله ليس فقط نتلامس مع عظمة قدرته، وإنما أيضًا عذوبة محبته العاملة لحسابنا في هذا التدبير للكون. إنه يود أن يبقي النظام عاملًا لحسابنا، لكنه قد يكسر أحد القوانين الطبيعية إن كان ذلك لبنياننا، ففي محبته يفعل هذا، ليس لاستعراض معجزاته وآياته وغرائبه، وإنما لإعلان حبه وحنوه وعذوبة تدبيره كل شيء لحسابنا. كثيرًا ما استخدم القديس أغسطينوسهذه العبارة لتأكيد وجود الله وحضوره في كل مكان، وتدبيره ورعايته المستمرة وفي كل موضع. فظهور الله لموسى على جبل سيناء حيث النار والدخان (خر 18:19-19)، لا يعني أن الله -سواء الثالوث القدوس أو أحد الأقانيم- كان محدودًا في حضوره بمكانٍ معينٍ دون غيره، فمن أجل إمكانية موسى لرؤية الله ظهر هكذا في موضع معين وبطريقة يمكن بها رؤيته. لكنه هو حاضر في كل العالم. لا نعجب إن قرأنا: "كان جبل سيناء كله يُدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار..." (خر 18:19). وأيضًا "ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعه من العقيق الأزرق الشفاف" (خر 10:24). أيضًا بقول الله لموسى، "تنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى" (خر 23:33)، وعندما يقول الرسول بولس إننا نراه وجهًا لوجه (1 كو 12:13)، وقول الرسول يوحنا: "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يو 2:3). هذه العبارات وأمثالها لا تعني أن الله له أعضاء أو يمكن تجزئته أو يُوجد في مكانٍ ما وليس في مكانٍ آخر، وإنما هو تنازل منه لكي نتمتع به ويمكننا رؤيته والحديث معه. مرة أخرى إذ تحدث القديس أغسطينوسعن الشباك التي ينصبها الشيطان للبشر، فإن حكمة الله تمتد في كل العالم وتدبر كل شيءٍ بعذوبة، فتحول شرور إبليس ومكائده لنفع الإنسان ومجده. |
|