إنجيل مرقس قد أبرز شخص السيد المسيح كخادم
في البشريّة فقد جاء كمعلم لا بالعظات والوصايا فحسب وإنما بالحب العملي والحنان الإلهي في قوة وسلطان، يجتذب النفوس إليه. وردت كلمة "يُعَلِّم" باليونانيّة "ديدسقلون" في هذا السفر أكثر من أي سفر آخر في العهد الجديد(22)،إذتكرر هذا الفعل 15 مرة، كما دُعي السيد المسيح معلمًا 12 مرة، ليس فقط من السيد نفسه (مر 14: 14) ومن تلاميذه وجموع الشعب، وإنما حتى من المقاومين له كالفريسيّين والهيرودسيّين والصدوقيّين والكتبة. قدَّمه لنا هذا السفر معلمًا يتحرك في كل اتجاه تارة يعلم في المجمع والهيكل (مر 1: 21؛ 6: 2؛ 11: 7؛ 12: 35؛ 14: 39)، وثانية نحو الجموع (مر 2: 13-14؛ 6: 34؛ 10: 1)، وثالثة نحو تلاميذه (مر 6: 30).
في تعليمه لم يستخدم النظام الخاص بالحاخامات، فيتبعه تلاميذه كحاخام أو رباني جديد يسمعون له، وإنما يعيشون معه ويصاحبونه في شركة عمليّة.
أما موضوع تعليمه الرئيسي فهو ليس مجموعة من التعاليم والوصايا بقدر ما هي تقديم نفسه ليقبلونه(23)، وان كانوا لم يتعرفوا عليه حقًا إلاَّ بعد قيامته. لقد قدم نفسه كمتألمٍ، وحثَّهم على الشركة معه في آلامه (مر 8: 34؛ 9: 31؛ 10: 32 إلخ.). هذا هو موضوع تعليمه لهم، وهو المكافأة، يقبلونه في حياتهم بصليبه وآلامه.
أخيرًا فإنه كمعلمٍ جاء فريدًا في سلطانه، فإن كان اليهود كما الأمم قد اعتقدوا أن صراعًا مرًا يقوم بين الخالق وقوى الشر الخفيّة الفائقة، جاء السيد يطرد بسلطان الأرواح الشريرة، مطهرًا الخليقة التي استخدمها عدو الخير مراكز عمل له. لقد غلب قوى الشر الخفيّة، وطردها من خليقته، أما غلبته على القيادات اليهوديّة المقاومة وإفحامهم، إنما لكونها وكالات عمل لحساب قوى الشر(24).
بهذا يكون هذا السفر في جوهره ليس عرضًا لحياة المعلم، بل هو إنجيل الغلبة على قوات الشر وخلاص الخليقة من سلطانها خلال التمتع بالمعلم شخصيًا كغالبٍ ومنتصرٍ!