الشهادة والصداقة مع الوصية
أخيرًا فإن المرتل في شهادته يلجأ إلي الوصية لا كأوامر ونواهٍ
وإنما ككائن يتعامل معه، يناجيه، ويرفع ذراعيه إليه (يصلي إليه)،
ويدخل معه في ودٍ أو صداقة، إذ يقول:
"هذذت بوصاياك
التي أحببتها جدًا.
ورفعت أذرعي إلي وصاياك
التي وددتها جدًا.
وتلوت في حقوقك" [47،48].
واضح أنه يتحدث عن الوصايا بكونها "كلمة الله" الحيّ، الذي يدخل معه في علاقة حب، يصلي إليه، ويوده.
رفع الذراعين [48] هو طقس قديم وطبيعي يشير إلي التضرع، كما يشير إلي العمل وتنفيذ الوصية بالذراع اليمنى كما بالذراع اليسرى، أي في عبادتنا الروحية وسلوكنا اليومي؛ أو في الفرج والضيق. وكأن المرتل يوجه قلبه نحو الوصايا الإلهية بالصلاة الدائمة مع الجهاد المستمر، وكما يقول في مزمور آخر: "استمع صوت تضرعي إذ استغيث بك وأرفع يديّ إلي محراب قدسك" مز2:28.
* غاية التلذذ بوصايا الله هو وضعها موضع التنفيذ والعمل...
من يتلذذ بالحق أولًا، قائلًا: "أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا"، يقول بعد ذلك: "ورفعت أذرعي إلي وصاياك التي وددتها جدًا". ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها ثم نرفع أذرعنا إلي الأعمال التي تتفق مع الوصايا.
لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2كو 7:9)، وإنما بفرح.
إذ نتلذذ بها وننفذها يلزمنا أن ننطق بها (تث7:6)، لهذا يضيف "وتلوت (أناجي) في حقوقك"، بمعنى أنه من أجل حبي لوصاياك لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلو وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمس حقوقك.
العلامة أوريجينوس
إذ يُعلق القديس أغسطينوس على هاتين العبارتين يقول:
[لقد أحب (المرتل) وصايا الله لأنه كان يسير في حرية،
أي بالروح القدس، الذي خلاله ينتشر الحب وتتسع قلوب المؤمنين.
لقد أحب بالفكر والعمل.
بالنسبة للفكر يقول: "هذذت"، وبالنسبة للعمل يقول: "رفعت أذرعي"].
* من يصنع وصايا الله تلتصق بالله نفسه، وأما من يخالفها فتلتصق
بالتراب نفسه، وتتمرغ في الأرضيات وتصير ترابية.
لذلك جاء في الأصحاح العاشر من سفر التثنية قوله:
"الرب إلهك تتقي، إياه تعبد، وبه تلتصق" تث20:10.
أنثيموس أسقف أورشليم
الذي يغتني بعد فقرٍ مدقعٍ لا يمكن ألا أن يتأمل خزائنه، عينا قلبه لا تفارقانها، هكذا يتأمل الشاب وصايا الله التي يخفيها في قلبه، وفي تأمله الدائم يتفهمها يومًا فيومًا بأعماق جديدة، فتصير موضوع لهجه ولذته ليلًا ونهارًا؛ إنه لن ينساها!
بمعنى آخر إذ يكتشف الشاب غناه بالوصية يمارس حياة الهذيذ الدائم التي لا تنفصل عن حياته العملية:
أ. التأمل في الوصية.
ب. تفهمها بروح الله الساكن فيه.
ج. لهجه فيها بلذة فائقة.
د. الشهادة للوصية بشجاعة دون خوف.
هـ. لن ينساها قط، أي لا يمكن لأحدٍ ما أو لشيءٍ ما أن يسحب فكره وذاكرته عنها.