منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 19 - 08 - 2023, 05:51 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,106

آرميا النبي | بكاء النبي الدائم



بكاء النبي الدائم:

1 يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلًا قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي. 2 يَا لَيْتَ لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَبِيتَ مُسَافِرِينَ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَنْطَلِقَ مِنْ عِنْدِهِمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، جَمَاعَةُ خَائِنِينَ.

"يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي" [1].
لم يكن أمام إرميا النبي الذي توجعت أحشاؤه في داخله، وكادت جدران قلبه أن تنهار إلا أن يبكي بمرارة، ويود أن يبقى باكيًا بغير توقف حتى يعمل روح الله لتبكيت الشعب واعترافهم بخطاياهم فيعودون إلى الرب.
هذه هي مشاعر كل مؤمنٍ حقيقي، يدرك ما للدموع الصادقة من قدسية في عيني الله، من أجل خلاص نفسه ومن أجل خلاص إخوته.
إذ رأى القديس باسيليوس كيف تسللت الهرطقات إلى قلوب البسطاء تفجرت ينابيع عينيه، قائلًا:
* إني أبكي أيامًا كثيرة على الشعب الذي انسحب للهلاك خلال التعاليم الشريرة، فإن آذان البسطاء قد ضلت واعتادت أن تسمع الشرور الهرطوقية.
القديس باسيليوس
وفي حديث القديس يوحنا الذهبي الفم لصديقه الساقط ثيؤدور يقول:
* إنه وقت مناسبلي أن أنطق بهذه الكلمات الآن.
نعم، بل وأكثر مما كان في أيام النبي. فإن كنت لا أحزن على مدنٍ كثيرة، أو كل الأمم، لكنني أحزن على نفسٍ توازي أممٍ كثيرة كهذه، بل وأثمن منها.
إنني لا أحزن لأجل دمار مدينة أو أسر الأشرار لها، بل لأجل تدمير روحك المقدسة... وهلاك الهيكل الحامل للسيد المسيح وإبادته... هذا الهيكل أقدس من ذاك (هيكل العهد القديم)، فأنه لا يتألق بذهبٍ أو فضةٍ بل بنعمة الروح القدس، وبدلًا من تابوت العهد وتمثالي الشاروبيم يوجد في القلب السيد المسيح وأبوه والباراقليط.
القديس يوحنا الذهبي الفم
ويعلق القديس جيروم على هذه الآية بقوله: [إنه في هذا المعنى، يتحدث النبي مع خدام الكنيسة، داعيًا إياهم حوائطها وابراجها، قائلًا لكلٍ منهم: "أيها الحائط، لتذرف الدموع" (مرا 2: 18)].
أعطى النبي سببًا لبكائه في (إر 2: 10): "لا تبكوا ميتًا، ولا تندبوه. ابكوا ابكوا من يمضي، لأنه لا يرجع بعد فيرى أرض ميلاده".
ويصرخ القديس بولينوس أسقف نولا إلى الله كي يفجِّر في قلبه الحجري ينبوع دموع لا يتوقف، فيبكي على ماضيه وينتحب أعماله السابقة، حاسبًا هذه الدموع ينبوع تقوى.
* من يقدر أن يمدني بينبوع مجاري الدموع، لأنتحب أعمالي وأيامي؟ فإنني محتاج إلى نهر لأبكي الضربات القاسية التي استحقها من أجل حياة قضيتها في الخطية!
القديس بولينوس أسقف نولا
هنا يقدم لنا إرميا النبي مفهومًا جديدًا للراحة، إذ يجد تعزيته وسلامه في جديته في العمل، وإن كلفه ذلك تحويل عينيه إلى ينبوع دموع. لقد كان رمزًا للسيد المسيح الذي قيل عنه: "من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2). راحتنا وسرورنا في آلامنا من أجل إخوتنا! وكما جاء في إشعياء النبي: "لأجعل لنائحى صهيون، لأعطيهم... دهن فرح عوضًا عن النوح" (إش 61: 3).
يربط بعض الغربيين بين الروحانية والفردية indvidualism، ويرون في إرميا رائدًا "للفردية الدينية" وذلك لهجومه على الشكلية في العبادة الجماعية، وتركيزه على الإصلاح الداخلي وختان القلب والأذن، إلا أن عباراته هنا (إر 8: 18، 9: 1) تكشف عن خطأهم، فإنه يبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبه، طالبًا الإصلاح الروحي الجماعي، والتوبة الجماعية دون عزلها عن توبة كل عضوٍ في الجماعة.
كان بكاء الرجال علانية أمام الآخرين معيب، ففي أفضل وضع يُحسب علامة عن الضعف . لكن إرميا قبل أن يُنسب إليه الضعف من أجل خلاص شعبه.
"يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين،
فأترك شعبي وأنطلق من عندهم،
لأنهم جميعًا زناة جماعة خائنين" [2].
في رقة شديدة حمل إرميا النبي أخطاء شعبه في قلبه وفكره وكل أحاسيسه، فتفجرت فيه ينابيع دموع لا تتوقف وتنهدات داخلية مُرّة. كان في هذا رمزًا للسيد المسيح، العبد المتألم، الذي حمل أحزاننا، لكن شتان ما بين إرميا النبي والسيد المسيح. فالأول بحبٍ صادقٍ احتمل إلى حين لكنه كاد أن ييأس، فطلب الهروب إلى البرية، بعيدًا عن كل أحد، يبكي ويئن! أما مسيحنا فحمل أحزاننا وأوجاعنا، ولم يشتهِ الهروب، بل نزل إلى برية حياتنا ليبقى وسطنا حتى يحمل على كتفيه كل نفس يمكن أن تتوب وترجع إليه، قائلًا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20).
لقد نزل إلى عالمنا، وحلّ بيننا كواحدٍ منّا، وحين ارتفع إلى السماء لم يهرب منا، بل حملنا معه لكي نشاركه أمجاده!
لنحمل روح السيد المسيح، ولنشتهِ أن نوجد وسط الشعب - مهما كان شرهم - لكي نحمل آلامهم، ونبكي على ضعفاتهم، طالبين بيقين الإيمان وقوة الرجاء عمل الروح القدس فيهم.
ليتنا لا نهرب من طريق الصليب، ولا نخف من الأوجاع.
ولعل إرميا النبي مع محبته الشديدة لشعبه وانسكابه في بذل حقيقي لذاته من أجلهم خشى أن يبقى معهم، يتلوث بسلوكهم الشرير، فيحل غضب الله عليه معهم، لأنهم "جميعًا زناة جماعة خائنين" [2].
هذه هي الخطية الخطيرة التي يركز عليها الأنبياء "الخيانة الزوجية"، بمعنى رفض النفس الاتحاد مع خالقها لتتحد مع عدو الخير، فتفرح بالشر وتفتخر به، وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولي:
* يوبخهم على شرهم وكذبهم، وبسبب أعمالهم الشريرة، إذ يجرون من شرٍ إلى شرٍ، أما السبب الذي لأجله قدم اتهامًا أنهم غير أبرار فهو أنهم لم يعرفوا الرب وغير أمناء.
البابا أثناسيوس الرسولي
ولعل سبب رغبته في الهروب هو فقدان الثقة فيهم، إذ اختاروا لأنفسهم عالم الخداع، خلقوه بأكاذيبهم التي اخترعوها.
يرى البعض أن شوق النبي إلى الهروب إلى البرية، إنما يكشف عن حاجة النفس إلى الاختلاء مع الله في البرية، بعيدًا عن ضوضاء المدينة والانشغال بتصرفات الناس التي تبتلع الفكر وتشغله عن التأمل في السمويات والاهتمام بخلاص نفسه. هذا ما دفع كثير من الآباء إلى الهروب إلى البرية، ليس ضيقًا بالناس، ولا احتقارًا للحياة الزمنية، ولكن للتأمل في السمويات مع انفتاح القلب بالحب نحو الخليقة كلها!
كثيرًا ما ردد القديس ماراسحق السريانى عبارته المشهورة إن مجرد التطلع إلى البرية يميت في النفس الشهوات الجسدية. وله في "السكون" أحاديث طويلة.
يليق بالمؤمن وسط مشاغله أن يهرب كل يوم إلى البرية الداخلية، في أعماق نفسه، ليلتقي مع مخلصه قائلًا مع القديس أغسطينوس إنه يحسب كأنه لا يوجد في العالم سوى الله وهو وحدهما، يناجيان بعضهما البعض في حب مشترك لا يُنطق به!
جاء مسيحنا إلى أرضنا، وشاركنا حياتنا الزمنية، لكنه بين الحين والآخر كان يصعد إلى جبل وحده منفردًا ليعلمنا الاختلاء بالنفس في حضرة الرب، ومراجعتها تحت قيادة روحه القدوس.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | يقدم لنا النبي ملخصًا لخدمته خلال الثلاث وعشرين عامًا
آرميا النبي | بأمرٍ إلهي نزل إرميا النبي إلى وادٍ منخفض
آرميا النبي | يقدم الله أيضًا إجابة لتساؤل النبي
آرميا النبي | استمع الشعب لصوت موسى النبي
آرميا النبي | يعلن الرب لإرميا النبي حدود خدمته


الساعة الآن 06:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024