لم تفلح النهضة العملية في إصلاح حال الكنيسة لأنها كانت نهضة وثنية في قلبها وجوهرها ورضيت أن تخضع في الظاهر السلطة الكنيسة لأنها لم تكن تعنى بالحق المسيحي، وعنيت فقط بالحق الإنساني في المجرد، ولم يكن إحياء العلوم والآداب إحياء للأخلاق، فلقد ظهرت في المدينة والدويلات الإيطالية طغاة أشرار متجبرون، احتقروا كل شرائع الآداب والأخلاق. واشهد التاريخ من قبل مجتمعا تلمعت ثقافته الرفيعة، وأخصبت مواهبه وملكاته، وظهرت فيه قوى الابتكار التي أبدعت روائع الفن، ومع ذلك تحر فيه الفساد والتعفن الأخلاقي نقول ما شهد التاريخ، والمجتمع الإيطالي في النصف الأخير من القرن 15، ويكفيه أن يكون المجتمع الذي أنجب قيصر بورجيا.
وهو ابن اسكندر بورجيا أحد باباوات ذلك العصر، " الذي كان مثله ومثاله، هذا العصر السيئ الذي كتب فيه ميكافيللى كتابه (الأمير) الذي مجد فيه أنانية الأمراء القاسية الباردة الخليقة، وحتى حين تنظر إلى صور الشهداء والقديسين التي أبدعها فنانو ذلك العصر، والى روائع روفائيل الفنان العظيم Raphael نحس على الرغم من جمالها وروعتها وسموها بأنها مبتكرات إنسانية خلت من الروحانية.