إعطاء الْمَنّ
"فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِِ"
( خروج 16: 4 )
كان الْمَنُّ رمزًا جميلاً للإنسان الكامل، ربنا يسوع المسيح، في اتضاعه العجيب في حياته على الأرض. وقد أشار الرب نفسه إلى هذه الحقيقة بقوله: "ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ (الحقيقي) مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ" ( يو 6: 32 ، 33).
ومناسبة إعطاء المن مهيبة ولافتة للنظر. لقد أنعم الرب على شعب إسرائيل بعطايا ما أروعها! ولكن بمجرد وصولهم إلى "بَرِّيَّةِ سِينٍ" نجد أن "كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ"، وقد تذمروا على موسى وهارون، قائلين: "لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ ... إِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هذَا الْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ" (ع3). يصعب تخيل إظهارًا لعدم الإيمان، وعدم الشكر، والتمرد أكثر من ذلك. والعجب هو أن دينونة الله الملتهبة لم تلتهمهم هناك في هذا الوقت. ولكن بدلًا من سكب غضبه عليهم، تعامل الرب معهم بنعمة غنية، فأمطر لهم خبزًا من السماء.
بتطابق رائع يصور هذا المشهد حالة العالم عندما نزل إليه رب المجد. فلمدة أربعة آلاف سنة، هطلت مراحم الرب وأعمال عنايته على البشر، مُشرقًا شمسه على الأشرار والأبرار، مُمطرًا على الصالحين والطالحين ( مت 5: 45 ). وماذا كان رد فعل الإنسان؟ "لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ ... وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ" ( رو 1: 21 -23). لم يكن الأمر أفضل مع إسرائيل، كما يتبين لنا بالنظر إلى تاريخهم في العهد القديم. فلا عجب إذًا إن تخلى الله عن البشرية جمعاء! لكن كلا؛ بل بنعمة عجيبة لا مثيل لها، أرسل ابنه الحبيب إلى العالم الأثيم، وإلى الأرض التي فسدت، وكَثُر فيها شر الإنسان. فيا للرحمة! ويا للنعمة! ويا للصلاح!