رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
معَاقبَة الكلدانيّين إذ سأل النبي الرب عن موقفه تجاه الكلدانيّين الذين استخدمهم الرب كعصا غضبه لتأديب شعبه فإذا بهم يُحسبون أنهم غالبون الأمم بقوتهم واقتدارهم كحق لهم... قدّم له الرب إجابة مطمئنّة: 1. ترقب النبي إجابة الرب: "على مرصدي أقف، وعلى حصن أنتصب، وأُراقب لأرى ماذا يقول ليّ، وماذا أُجيب على شكواي؟!" [1]. كثيرًا ما تدور في أفكارنا تساؤلات يليق بنا لا أن نعرضها على الرب فحسب، وإنّما نقف كما على مرصد نترقب إجابة الرب علينا، نقف كما على حصن مطمئنّين بإيمان وثقة أكيدة أن الله محب البشر لا يخفي أسراره عنّا، ولا يعمل إلا ما هو لبنيانا. هكذا وقف النبي بعد تقديم تساؤله على المرصد ينتظر سماع صوت الرب داخله، وعلى الحصن يحتمي فيه حتى لا يتحوّل التساؤل إلى زعزعة إيمان. هذا المرصد وهذا الحصن ما هما إلا شخص ربّنا يسوع، به نتفهم الأسرار الإلهيّة الفائقة كما من خلال مرصد فائق، وفيه نتحصّن بكونه الصخرة الحقيقيّة التي عليها تأسّست الكنيسة وفيها نحتمي. إنه المرصد الذي بدونه لا نعرف الآب إذ يقول: "لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27). وهو الصخرة التي تحتمي فيها الكنيسة كحمامة وديعة يُناديها: "يا حمامتي في محاجئ الصخرة في ستر المعاقل أريني وجهك أسمعيني صوتك" (نش 2: 14). ويرى القديس جيرومأن حبقوق إذ يقف كما على مرصد ليُراقب وينتصب، وكما في برج يتحصّن، إنّما يقوم بهذا الدور كجندي روحي يُصارع ضدّ إبليس بلا استسلام، يتأمّل أعمال الله وأسراره خاصة بالصليب فيمتلئ قوّة للحرب الروحيّة ضدّ الشر. 2. اهتمام الرب بالسؤال: ما دامت النفس تطلب وتقف لترصد كلمات الرب واستجاباته، محتمية فيه كحصن لها، منتصبة للجهاد الروحي خلال المعرفة الإلهيّة، فإنه بدوره لا يبخل عليها إذ يقول النبي: "فأجابني الرب وقال: أكتب الرؤيا وأُنقشها على الألواح لكي يركض قارئها لأن الرؤيا إلى ميعاد، وفي النهاية تتكلّم ولا تكذب، وإن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانًا ولا تتأخر" [2-3]. كأن الرب يطالبه لا أن يأتي إليه بقلم وورقة ليكتب ما يراه ويسمعه، إنّما الحاجة إلى ألواح يٌنقش عليها كلمة الله بخط واضح تجتذب ناظرها فيأتي راكضًا إليها... هذا ووضوح الخط يُمكَّن حتى الذين يجرون أن يقرءوها. في إشعياء قيل: "تعال الآن أكتب هذا عندهم على لوح وأرسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد" (إش 30: 8). هذا وأن الرؤيا قد لا تتحقّق فورًا إنّما في الميعاد المحدّد في ملء الزمان، لذا يليق بالنبي أن ينتظر واثقًا أنها حادثة لا محالة حتى وإن بدت متأخرة. ما هذه الرؤيا التي يتحدّث عنها هنا إلا تلك الخاصة بسرّ الصليب الذي يتحقّق في ملء الزمان حين يتجسّد كلمة الله، هذا الذي سجّل المحبّة الإلهيّة بدمه المبذول لا بحبر وورق وإنّما رسمه على لوحي الصليب أو عارضتيه الطوليّة والعرضيّة، مجتذبًا الكل إليه. لنركض بالروح القدس إلى الصليب لنقرأ ما قد نقشه الابن الوحيد الجنس معلنًا لنا الأسرار الإلهيّة الفائقة! هنا لا نجد الكلدانيّين الأشرار يهلكون وإنّما إبليس ذاته وكل شيّاطينه قد انهاروا تمامًا وتحطّم كل سلطان اختلسوه. 3. معاقبة الكلدانيّين: إذ يرفع الرب نبيه حبقوق إلى الرؤيا الخاصة بالصليب محطّم مملكة إبليس يعود فيكشف أعمال إبليس في حياة الكلدانيّين الأشرار هذه التي يُحطّمها الصليب. وكأنه يكشف لنا الغرس الشرّير الذي لم يغرسه الآب بل هو من زرع عدوّ الخير، هذا الذي قال عنه السيّد إنه يجب أن يُقلع (مت 15: 13) هذه الغروس الشرّيرة التي يُحطّمها هي: أولًا: الكبرياء والفراغ الداخلي: "هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه، والبار بالإيمان يحيا، وحقًا إن الخمر غادرة. الرجل المتكبر لا يهدأ" [4-5]. إن كان الله قد سمح بتأديب شعبه بواسطة الكلدانيّين الوثنيين، فقد تعجّرف الكلدانيّون وظنّوا أنهم بقدرتهم واقتدارهم غلبوا انتصروا. لذلك يُحقّق الله غايته بهم أي تأديبه أولاده ليعود فيُعاقبهم على كبرياء قلبهم. وكما قيل بإشعياء النبي عن أشور أنه قضيب غضب الله وعصاهم في يدهم هي سخطه (إش 10: 5)، يُحقّق بهم غايته... فيكون متى أكمل السيّد عمله بجبل صهيون وبأورشليم أني أُعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه، لأنه قال: بقدرة يديّ صنعت وبحكمتيّ لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحَططت الملوك كبطل، فأصابت يديّ ثروة الشعوب، كعش وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض، ولم يكن مُرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف. هل يفتخر الفأس على القاطع بها، أو يتكبّر المنشار على مردّده؟! كأن القضيب يُحرّك رافعه، كأن العصا تُرفع من ليس هو عودًا" (إش 10: 12-15). هذا هو عمل إبليس في حياة الإنسان... الكبرياء، فيظن الإنسان أنه بقدرته وحكمته يُحقّق غايته، ولا يدرك أن كل طاقة وإمكانيّة هي من الله حتى وإن شوّه الإنسان طبيعتها وحرّفها عن غايتها. بالكبرياء سقط إبليس من رتبته الملائكيّة وانحدر إلى أعماق الهاوية (إش 14: 12، عو 4)، لذا فهو لا يكف عن ضرب البشريّة بذات الداء ليحدرها معه من الحياة الإيمانيّة، ويفقدها التمتّع بالملكوت الإلهي ويهبط بها إلى ما هو دون المستوى الحيواني. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يرتفع بفكره مُتشامخًا فوق البشر يوجد منحطًا دون الخليقة غير العاقلة]. إن كان الشرّير بالكبرياء الشيطاني يهلك، فإن "البار بالإيمان يحيا". يرى الدارسون أن هذه العبارة "البار بالإيمان يحيا" هي قلب نبوّة حبقوق وعصبها، وكما قيل "هذه الكلمات الشهيرة تُلخّص الرؤيا كله". اقتبسها الرسول بولس ليؤكّد أنه لا يمكن التبرير بأعمال الناموس إنّما بالإيمان بالمسيح يسوع، مختفين في برّه. يقول القديس أغسطينوس: [فيّه نقوم، وفيه ننطلق إلى الآب لنصير كاملين بطريقة غير منظورة ومتبرّرين ]. فالبرّ ليس مجموعة يستلزم الإيمان السليم غير المنحرف، وكما يقول القديس أغسطينوس: [حيث لا يوجد إيمان سليم لا يكون برّ، لأن البار بالإيمان يحيا]. نعود للكبرياء الذي يزرعه عدوّ الخير فينا ليحرمنا من الحياة الإيمانيّة الحقّة وينزعنا عن البرّ الذي في المسيح يسوع، لنجد أن هذا الكبرياء الفارغ يُعطي للنفس نوعًا من الجوع أو العطش الداخلي، خلاله يطلب الإنسان أن يشبع لا من برّ الله، وإنّما من كل ما هو أرضي خلال الظلم والاغتصاب... وقدر ما ينال يزداد فراغه الداخلي، ليبقى بلا شبع كل أيّام حياته. بهذا الروح كان الكلدانيّون يُهاجمون الأمم ويصطادون البشريّة ويذلّوهم بلا شبع حقيقي: "الذي وسّع نفسه كالهاوية، وهو كالموت فلا يشبع بل يجمع إلى نفسه كل الأمم ويضم إلى نفسه كل الشرور، فهلا ينطق هؤلاء كلهم بهجو عليه ولغز شماتة به ويقولون للمكثّر ما ليس له: إلى متى؟! وللمثقّل نفسه رهونًا: ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك فتكون غنيمة لهم؟! لأنك سلبت أممًا كثيرة، فبقيّة الشعوب كلها تسلبك لدماء الناس وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها" [5-9]. إن أخذنا بالتفسير الحرفي نقول أن الكلدانيّين قد وسعوا نفوسهم كالقبر، يبتلعون الشعوب كالموتى ولا يشبعون. في تحرّك مستمرّ لاغتصاب الأمم والشعوب بالظلم بلا توقّف. لكن هذا العمل له نهاية، فتنقلب الموازين وتتحرّر الأمم المسبيّة، لتقف موقف الشماتة بالكلدانيّين وتسخر بهم قائلة: "ويل للمكثّر ما ليس له، إلى متى؟"... يصبّون الويلات على الكلدانيّين الذين حسبوا أنهم نالوا الكثير، ولكنه في الحقيقة ليس ملكًا لهم، إنهم يردون ما حسبوه غنيمة! "المثقل نفسه رهونًا (طينًا كثيفًا)"... ما جمعوه ليس بثروة وإنّما بطين كثيف، ليس ذهبًا وفضة لكنهم جمعوا ترابًا يثقّل نفوسهم بمحبّة العالم الأرضي. "ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك؟"، في لحظة لا يتوقّعها الكلدانيّون، بينما هم مطمئنّون للغاية يقوم من كانوا كمن في حالة نوم ليصير الكلدانيّون غنيمة لهم بعد أن سبقوا فاغتنموهم. كما سلبوا الأمم، الأمم تسلبهم، وكما سفكوا الدماء تُسفك دماءهم، وكما عبثوا بالأرض والمدن يُعبث بهم. لا يقف الأمر عند شبع الكلدانيّين وإنّما يفقدون ما ظنوه مكسبًا لهم، ويخسرون مالهم وكرامتهم... فيُقال لهم: "كما فعلت يُفعل بك، عملك يُرتد على رأسك" (عو 15). إن كان الإنسان يظن أن الخطيّة بشهواتها وملذّاتها تشبع النفس، ففي الحقيقة تدخل بها إلى حالة فراغ داخلي وجوع وعطش... فيركض الإنسان إليها ليشرب منها كما من مياه البحر المالحة التي تزيده عطشًا، بل وتفقده حتى حياته. ثانيًا: الربح القبيح: "ويل للمُكسب بيته كسبًا شريرًا، ليجعل عشه في العلوّ، لينجو من كف الشر. تآمرت الخزي لبيتك، إبادة شعوب كثيرة وأنت مخطئ لنفسك، لأن الحجر يصرخ من الحائط، فيُجيبه الجائز من الخشب" [9-11]. هذا هو الويل الثاني، الأول سبب خطيّة الكبرياء غير المشبعة للنفس بل مهلكة لها، أما الثاني فبسبب حب الربح القبيح. يظن الشرّير أنه يملأ بيته خيرات ولم يدرك أنه يجمع كسبًا شريرًا يجلب لعنة على كل بيته. يقول الحكيم: المولع بالكسب (الطامع) يكدر بيته" (أم 15: 8). إنه يجمع الربح القبيح حاسبًا أنه يطير به إلى حيث لا يقدر أحد أن يقترب منه ليبني عشه في العلو، وإذا به يبني بيته بالخزي، فيخطئ إلى حق نفسه. الحجارة التي اقتناها بمال الظلم لبناء البيت تصرخ شاهدة على شرّه، والعوارض الخشبيّة التي بها يتماسك البناء لا تصمت، البيت الذي يبنيه من مال الظلم يتحوّل إلى آلة محزنة تنشد مرثاة على صاحبها. لقد ظن آخاب الملك وزوجته إيزابل أنهما قتلا نابوت اليزرعيلي وورثا كرمه وليس من يسألهما ولا من يُراقب تصرّفاتهما، فإذا بهما يقتنيان هلاكهما، إذ كان كلام الرب لآخاب خلال إيليا النبي: "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1 مل 21: 19). ثالثًا: العنف: "ويل للباني مدينة بالدماء، وللمؤسّس قرية بالإثم. أليس من قبل رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار، والأمم للباطل يعيون؟! لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطى المياه البحر" [12-14]. هذا هو الويل الثالث الذي ينصب على الإنسان الذي في محبّته للكسب الشرّير أو الربح القبيح يتحوّل إلى وحش مفترس، فيبني مدينته بسفك الدماء ويؤسس قريته بقانون الإثم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن الإنسان صار أشر من الحيوانات المفترسة، فإنها لا تأكل بعضها البعض مادامت من نفس النوع، أما الإنسان فيفترس الأخ أخاه في البشريّة، ويظن أنه غير قادر على بناء مدينة يستريح فيها إلا على حساب دم أخيه!]. على أي الأحوال تمتلئ الأرض من معرفة مجد الرب عندما يرى العالم أن الظالمين سافكي الدماء تعبوا لا ليقيموا مدنًا أو يؤسسوا قرى وإنّما ليصيروا وقودًا للنار، باطلًا يتعبون حتى يصيبهم المرض من الإرهاق، وبلا نفع! إن كانت أجسادنا بسفكها للدماء أو إثمها صارت أرضًا، فإنها إذ تتقبل تقدّيس الروح تمتلئ من معرفة مجد الرب، فتحمل روح مخلصها الوديع، وإن كانت حياتنا قد صارت بحرًا مالحًا فإن مياه الروح القدس العذبة تحوّل طبيعتها. أخيرًا إن كان الظلم يصل إلى أقصى بشاعة حينما يصير الإنسان سافكًا للدم، فإن القديس جيروم يرى أن الهراطقة هم أشر سافكي الدم، لا يقتلون الجسد بل النفوس بالانحراف عن الإيمان الحيّ، أي عن الحق، إذ يقول: [الهرطوقي الكاذب يقتل نفوس كثيرة بخداعه إيّاها... إنه مخادع ومتعطش للدماء]. رابعًا السكر: "ويل لمن يسقي صاحبه سافحًا حموك ومسكرًا أيضًا للنظر إلى عوراتهم، قد شبعت خزيًا عوضًا عن المجد، فاشرب أنت أيضًا وأكشف غُرْلتك، تدور إليك كأس يمين الرب، وقياء الخزي على مجدك" [15-16]. الويل الرابع لخطيّة السكر، فإن من يسكر إذ يجد نفسه قد فقد كرامته الحقيقيّة واتّزانه الداخلي يُقدّم لصاحبه، سافحًا الزجاجة له لكي يُغريه بمنظرها، حتى كما فقد هو نقاوته يُريد النظر إلى عورة أخيه أي أسراره الداخليّة لإفساده في أعماقه. من هو هذا الذي يُقدّم السكر إلاَّ عدوّ الخير الذي يجتذب الإنسان بإغراءاته كمن هو صاحبه ليفقده مسيحه الحقيقي ويجعله كمن هو في فضيحة. هذا التصرّف لا يزيد العدوّ مجدًا بل خزيًا، فإن ظن أنه بذلك يُقيم مملكته ويوسع نطاقها إنّما يملأ كأس غضب الله عليه ليشرب مما قدّمه لنا من مرارة مضاعفًا "في الكأس التي مزجت فيها يمزج لها ضعفًا" (رؤ 18: 3، 6). "قياء الخزي على مجدك" [16]، هكذا يتطلّع الذين حوله إليه فلا يجدون فيه مجدًا حقيقيًا ولا غنى صادقًا، فيتقيّأون على مجده الباطل! هكذا مَن يعطي الآخرين من مسكر الخطيّة إنّما يُهيئ لنفسه من يتقيأ عليه ويخزيه! ما نقوله عن مسكر الخطيّة الذي يجتذبنا إليه إبليس، نقوله أيضًا عن حياة الترف والتدليل، الحياة التي تحمل في داخلها موتًا للنفس وخزيًا عوض المجد الظاهر. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [الإنسان الذي يعيش في الملذّات ميت وهو حيّ إذ لا يعيش إلا لبطنه... من يقضي زمانه في الولائم والسكر ألاَّ يكون ميتًا ويُدفن في الظلمة؟!]. خامسًا الوثنيّة: "ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه أو المسبوك ومعلم الكذب، حتى إن الصانع صنعته يتكل عليها فيصنع أوثانًا بكمًا. ويل للقائل للعود أستيقظ، وللحجر الأصم انتبه. أهو يعلم، ها هو مطلي بالذهب والفضة، ولا روح البتّة في داخله، أما الرب ففي هيكل قدسه، فاسكتي قدامه يا كل الأرض" [18-20]. هذا هو الويل الأخير الذي وُجه ضدّ الكلدانيّين الذين افتخروا بآلهتهم التي هي من صنع أيديهم. حقًا إنها تكشف عن حذاقة في الصناعة ومهارة في العمل، أنفقوا الكثير لإقامتها إذ هي مطليّة بالذهب والفضة لكنّها في الداخل حجارة بلا روح ولا حياة! ماذا تنفعهم هذه الأصنام يوم عقوبتهم؟! لقد طلبوا من العدوّ أي من البعل الخشبي أن يستيقظ ليُخلّصهم، ومن الإلهة الحجرية عشتاروت زوجة الإله بعل أن تنتبه لما حلّ بهم وترق لحالهم، لكنهما لا يقدران على الخلاص. إنهما إلهان جميلان في المنظر لكنهما عاجزان تمامًا، أما الله الحقيقي ففي هيكل قدسه لا تقدر الأرض أن تقف أمامه. عجيب هو الإنسان الذي يترك إلهه القائم في قلبه كما في هيكل سماوي، ويسعى إلى أفكاره الذاتيّة وكأنها الآلهة الوثنيّة الجميلة في منظرها وبراقة لكن بلا حياة، وعاجزة عن تقديم الخلاص. مسكين هو الإنسان الذي يرفض واهب الخلاص الذي يجعل من قلبه سماء ويتعبّد للأفكار والفلسفات البشريّة المخادعة فتجعل منه أرضًا... إنه لا يقدر أن يُقاوم الرب إذ يسمع الصوت: "اسكتي قدّامه يا كل الأرض" [20]. ليتنا لا نكون أرضًا تسكت وتبكم أمام الله، وإنّما نكون سماءً روحيّة تحمل كلمة الله وأصوات سماويّة مفرحة وتسبحة ملائكيّة لا تتوقّف. |
|