منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 06 - 2023, 01:52 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

تفسير سفر حبقوق




تفسير سفر حبقوق





مقدمة

في سفر حبقوق

1. أصل الكلمة "حبقوق" غير معروف، يرى البعض أنها تعني "المحتضن" أو "المعانق" بينما يربطها Friedrich وDelitxschبالكلمة الأشوريّة "حمبقوق" وهو نبات حديقة(1).
2. واضح من مزموره الوارد في الأصحاح الثالث ومن توجيهاته لرئيس المغنين (حب 3: 19)، أنه كان من سبط لاوي كأحد المغنّيين في الهيكل، أي في فرقة التسبيح، إن لم يكن صاحب دور قيادي بالفرقة .
تاريخ السفر وواضعه:

لا يحمل السفر أي تاريخ، لكن من الواضح أنه كتب في أيّام الملك يهوياقيم بيهوذا (609 - 598)، وإن كان من الصعب تحديد الزمن بدقّة.
ما ورد بالأصحاح الأول (ع 5-6) يخص ما قبل انتصارات الكلدانيّين الأمر الذي جعل بعض النقّاد يرون أن السفر قد سُجل قبل انتصارهم على نينوى عاصمة أشور وسقوطها تحت يدهم، فقد قام الكلدانيّون بثورات ضدّ أشور تجلّت بسقوط نينوى عام 612 ق.م. الأمر الذي رفع من دورهم في العالم في ذلك الحين، وصار لهم مركزًا قياديًا، تزايد بالأكثر بغلبتهم على نخو ملك مصر في موقعة كركليش عام 605 ق.م. (2 أي 35: 20، إر 46: 2). ويعتقد غالبيّة النقّاد أن النبوّة ترجع إلى زمن هذه المعركة.
واضح أن هذا السفر كتب في عصر الكلدانيّين، أولًا لأن الهيكل كان لا يزال قائمًا (حب 2: 20) والخدمة الموسيقيّة تُمارس فيه (حب 3: 19)، ثانيًا لأنه يعلن أن الكلدانيّين يصبحون قوّة مرهبة بين الشعوب أثناء ذلك الجيل (حب 1: 5-6)، وأنهم قد بدءوا فعلًا في قتل الأمم (حب 1: 6، 17).
يرى البعض أن حبقوق النبي كان بعد ناحوم بفترة قصيرة، وأنه كان معاصرًا لإرميا، وإن كانت مدة خدمة الأخير النبويّة أكثر طولًا وفيّاضة .
الكلدانيّون :

كان الكلدانيّون يسكنون كلديا Chaldea جنوب بابل، وهو الجنس الغالب في بابل منذ 721-539 ق.م، شغلوا المناصب الرئيسية القيادية، كما مارسوا العمل الكهنوتي في العاصمة حتى أصبح اسم "كلداني" يُرادف "كاهن بعل مردوخ" كما ذكر المؤرخ هيرودت Herodotus. كان الشعب يعتقدون فيهم كأصحاب حكمة وفهم، كسحرة ومنجمين يعرفون الغيب (دا 1: 4، 2: 2، 4).
سماته:

1. في دراستنا لسفر يونان رأينا الوحي الإلهي قد أفرد السفر لإبراز اهتمام الله بمدينة نينوى عاصمة أشور الوثنيّة، معلنًا محبته لكل البشريّة واشتياقه لخلاص العالم كله، وفي دراستنا لسفر عوبديا لاحظنا كيف تركزت النبوّة ضدّ أدوم بكونه يمثل الإنسان الدموي المحب للقتال والشخص الترابي محب الأرضيّات (أدوم تعني دموي أو أرضي)، أما سفر حبقوق فيكشف عن الكلدانيّين الذين يسبون شعب الله ويذّلونه لأجل تأديبه. دخل حبقوق في حوار مفتوح وصريح مع الله، يسأله عن سرّ سماحه لإذلال هذه الأمّة الشرّيرة الوثنيّة لشعبه وعدم دفاعه عنه. إنه سؤال الأجيال كلها: لماذا يسمح الله لأولاده بالضيقات بواسطة الأشرار؟ إذ كان النبي يسأل بقلب منفتح فالله يُجيب في صراحة ووضوح.
2. يكشف لنا هذا السفر عن مفهوم "كلمة الله" إنها ليست حديثًا منفردًا من الله نحو الإنسان، لكنّها حوار حب مشترك بين الله والإنسان، كلمة الله هي مونولوج حيّ غير منقطع، فيه يتكلّم الله والإنسان يسمع، والإنسان يتكلّم والله بالحب ينصت... كلمة الله هي علاقة الحب الحقيقي بين الله والإنسان...
3. هذا السفر بأصحاحاته الثلاثة يكشف عن سمات النبي أو خادم الرب، وهي:
أ. القلب المفتوح أمام الله، يتعامل معه على مستوى الحوار لا على مستوى الرسميات والشكليات، وإنّما على مستوى الابن الذي يلتقي مع أبيه في دالة البنوة التي تسمو فوق الرسميات...
ب. القلب المفتوح من نحو المخدومين، فإن كان حبقوق قد تألم بسبب الظلم الذي ساد بين شعب الله، لكن حين سقط الشعب تحت التأديب بواسطة الكلدانيّين لم يحتمل
النبي أن يرى شعبه يئن ويتوجع، وانطلق يتشفع في شعبه، أو بالحري في شعب الله.
ج. القلب المملوء فرحًا وتسبيحًا (ص 3)، لو أن حبقوق ركّز كل نظره على الفساد الذي دبّ في الشعب وعلى تأديبات الله لهم لسقط في اليأس خلال المنظور المؤلم، لكنّه وسط الأوجاع كان يرى يد الله الخفيّة تعمل للخلاص، فقدّم تسبحة حمد لله تنعش نفسه بالفرح، فلا تسمح لليأس أو القنوط أن يتسلّل إلى قلبه. الخادم محتاج إلى النظرة المملوءة رجاءً وسط آلام الخدمة وأتعابها.
أظنها سمات ثلاث هامّة في حياة الخادم الحقيقي، متكاملة ومتلازمة: الحديث مع الله بقلب مفتوح، وخدمة الناس بحب داخلي منفتح مهما كانت تصرّفاتهم، والفرح الروحي الداخلي المشبع للنفس.
4. هذا السفر يمس حياة كل مؤمن، ففي الأصحاح الأول إذ يئن النبي بسبب الظلم الذي يسود وسط الشعب إنّما يُشير إلى الفساد الداخلي للنفس، والأصحاح الثاني إذ يئن بسبب متاعب الأمّة الكلدانيّة الغريبة يُشير إلى الحروب الروحيّة الخارجيّة، والأصحاح الثالث حيث مزمور الفرح والتسبيح... كان السفر ينطلق بالمؤمن إلى ما فوق المتاعب الداخليّة والحروب الروحيّة الخارجيّة لتحيا بروح الفرح والتسبيح لله. حقًا إنه يئن ويتوجّع بسبب الضيق الداخلي أو الخارجي لكنّه مع الضيق توجد تعزيات الروح القدس المبهجة للنفس.
5. عرض لنا هذا السفر مشكلة الشرّ وانتهت بنصرة العدل. فالأشرار يعبرون أما الأبرار فيحيون إن كانوا مؤمنين (حب 2: 4). وقد استخدم الرسول بولس "قلب سفر حبقوق" هذا في تعليمه عن الإيمان (رو 1: 17، غلا 3: 11، عب 10: 38).
6. خلال هذا السفر نتلمس شخصية حبقوق النبي كشخص عميق في تفكيره، له خبرته الأدبية المعتبرة، كما يقدّمه لنا "كمصارع مع الله" كقول القديس جيروم.
وحدة السفر:

هاجم بعض النقّاد وحدة السفر متطلّعين إلى السفر كأجزاء منفصلة، كل جزء كتب في وقت يختلف عن الجزء الآخر، أو عصر مختلف، وقد لخص رأي هؤلاء النقّاد والرد عليهم:
1. لما كان ما جاء في (حب 1: 5-6) ينطبق على تاريخ سابق لقيام الكلدانيّين، بينما ما ورد في (حب 1: 13-16، 2: 8 (أ)، 10، 17) يتحدّث عن انتصاراتهم كأحداث ماضية لذا فإن Wellhausen, Gieseberecht رأيا أن (حب 1: 5-11) يمثل نبوّة مستقلّة أقدّم من بقيّة الأصحاح الأول والأصحاح الثاني.
ويعتقد أن Kuenen, Stade أن ما جاء في (حب 2: 9-10) لا ينطبق على الكلدانيّين وأن كاتب هذا الجزء جاء في عصر متأخر.
ويردRaven بأنه يُفترض أن كاتب السفر كله واحد، الحامل السفر اسمه ما لِم يوجد دليل قوي على عكس ذلك. وهنا لا نجد مثل ذلك الدليل. فليس المطلوب هو البرهان على أصالة كل جزء من السفر، إنّما على المعترض أن يُقدّم براهينه.
هذا ومن ناحيّة أخرى فإننا لا نعرف بطريقة إيجابيّة زمن حبقوق النبي بدقّة، وليس لدينا تفاصيل عن الأحداث التاريخية لأيّامه، لهذا فإن مجرد افتراض بأن بعض أجزاء السفر لا تعكس الظروف المحيطة بالنبي افتراض هزيل.
2. تطلّع بعض النقّاد إلى أن ما ورد في الأصحاح الثالث أنه مقتبس من تجميع ليتورجي، وليس من عمل حبقوق النبي، ودليلهم على ذلك أن ما ورد لا يُناسب الظروف المحيطة به. ويرد Raven على ذلك بأن الأصحاح حمل عنوانًا "صلاة حبقوق" فما ورد ليس إلا صلاة ولا يلتزم أن تعكس الأحداث المعاصرة كبقيّة السفر.
ومع هذا ففي حديثنا عن سمات السفر رأينا السفر يمثل وحدة واحدة متكاملة في الفكر الروحي الإيماني.
أقسامه:

1. سؤال حول تأديب الله شعبه
[ص 1].
2. سؤال حول معاقبة الكلدانيّين
[ص 2].
3. مزمور حمد لله
[ص 3].

رد مع اقتباس
قديم 07 - 06 - 2023, 02:28 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق

سؤال حول تأديب الله شعبه

في صراحة وبدالة يسأل حبقوق النبي الله عن الظلم الذي ساد وسط شعبه، فقد أحاط الأشرار بالبار وأساءوا إليه بظلمهم حتى جمدت الشريعة وصدرت الأحكام جائرة. والعجيب أن الأشرار يعيشون في راحة وبصحة بينما الأبرار في ضيقة وحرمان... وكأن الذي قد ترك الأرض (حز 8: 12). وجاءت الإجابة لحبقوق النبي واضحة وصريحة أن الله وإن تمهّل إنّما ليعطي الأشرار فرصة، لكنّه يُرسل لهم أداة تأديب قاسية إن لم يرجعوا عن شرّهم، هذه الأداة قد تكون أمّة وثنيّة تسبيهم وتذلّهم كالكلدانيّين:


1. تساؤل حبقوق النبي:

في جسارة يصرخ النبي إلى الله، قائلًا أنه يدعوه وهو لا يسمع، يصرخ إليه مرّة ومرّات من أجل الظلم الذي ساد الشعب وهو لا يُخلّص المظلومين، فتحوّل شعب الله إلى بؤرة ظلم وجور واغتصاب وخصام، ليس من يريد أن يسمع للشريعة ولا من يقبل حكم عدل، إنّما حوّط الأشرار بالصدّيق ليكتموا أنفاسه ويخرجوا الحكم حسب هواهم.
"حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟!
أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟!
لِمَ تريني إثمًا وتبصر جورًا، وقدّامي اغتصاب وظلم،
ويحدّث خصام وترفع المخاصمة نفسها؟!
لذلك جمدت الشريعة، لا يخرج الحكم البتّة،
لأن الشرّير يُحيط بالصدّيق، فلذلك يخرج الحكم معوجًا" [2-4].
في عتاب ودّي يقول: "حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟!"، إذ لم يكف النبي عن دعوة الرب والصراخ إليه إن لم يكن باللسان فبالقلب والدموع بسبب مرارة ما بلغ إليه الشعب بسبب ظلم الأشرار، قارعًا أبواب مراحم الله بلسانه وقلبه ودموعه، مازجًا دموعه بدموع المظلومين وتنهّداته بتنهّداتهم!
في كل جيل يقف أولاد الله مندهشين بسبب ما يبدو على الأشرار الظالمين من نجاح، فيقولون مع داود النبي "قد رأيت الشرّير عاتيًا وارقًا مثل شجرة شارقة ناضرة، عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 35-36). لقد بلغت مرارة نفس إرميا بسبب ما رآه في شعبه من فساد وظلم أنه قال: "يا ليت ليّ في البريّة مبيت مسافرين فأترك شعبي وانطلق من عندهم" (إر 9: 2)، وإن كان إرميا في حبه لشعبه لم يتركهم بالرغم ممّا عاناه من ضيق على جميع المستويات.
نعود لكلمات حبقوق النبي لنجد فيها كشفًا عن شخصه، فهو رجل الله الذي لا يطيق الظلم، فيتحدّث مع إلهه في حوار مفتوح بلا كلفة ولا رسميّات أو مجاملات أو شكليّات، إنّما يتحدّث من واقع أنّات قلبه التي لا تنقطع ودموعه التي لا تجف. هذه هي صورة إنسان الله -كاهنًا أو من الشعب- لا تنقطع صلواته ليلًا ونهارًا بالشفتين، كما بالقلب والعمل... يصرخ لكي ينزع الله الفساد والظلم عن البشريّة الساقطة، فيُقيم كل نفس مقدّسة له. لذا يسأل ويطلب ويصرخ بلا انقطاع وفي غير يأس، واثقًا أن الله قادر أن يعمل! هذا وقد عرف النبي سرّ شرّهم أنه يكمن في الانحراف عن الوصيّة الإلهيّة أو الشريعة، إذ يقول "جمدت الشريعة، لا يخرج الحكم البتّة، لأن الشرّير يُحيط بالصدّيق فيخرج الحكم معوجًا" [4]. فالشريعة التي تلهب القلب نارًا وتهبه حياة تصير جامدة بلا فاعليّة إن أحاط الأشرار بالصدّيق وأفسدوا فكره من جهة الوصيّة.
إن كان رجال الله في كل العصور صرخوا إلى الرب من أجل ما يرونه في الأشرار الظالمين كعابثين في الأرض، بينما يعيش الأبرار في ضيق ومرارة، لكنهم إذ قدّموا أفكارهم وقلوبهم منفتحة أمام الرب ازدادوا في عيني الله كرامة، أما من ينظر هذا الحال ويستسلّم لأفكار الشك من جهة رعاية الله وتدبيره للعالم فتُصاب نفسه بمرض.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن الكتاب المقدس يُقدّم المزمور السابع والثلاثين كعلاج مناسب لمن أُصيبت نفسه بهذا المرض. في اختصار يؤكّد هذا المزمور أن الأشرار يعيشون كالعشب على هامش السطح، يظهرون ناجحين في شتاء هذا العالم، لكن الصيف قادم فيجفّون ويحترقون إذ لا جذور لهم في أعماق التربة.
2. التأديب بالكلدانيّين:

جاءت إجابة الرب على تساؤل النبي هكذا: "انظروا بين الأمم وابصروا وتحيّروا حيرة، لأني عامل عملًا في أيّامكم لا تصدّقون به إن أُخبر به: فهأنذا مقيم الكلدانيّين..." [5-6].
حقًا إن الله يصمت زمانًا لا تجاهلًا لما يحدُّث ولا لعدم اهتمام من جانبه، إنّما ليعطي فرصة لرجوع دون تأديب من جانبه، فإن لم يرجع الإنسان عن شرّه يقوم الرب نفسه بالتأديب، مستخدمًا كل وسيله للبنيان.
أ. إن الله عامل عملًا في أيّامهم لا يصدّقون به إن أُخبر به... فهو يطيل أناته، لكنّه متى أدّب يُقدّم درسًا نافعًا حتى وإن كان قاسيًا. وكما جاء في سفر التثنية: "ويقول جميع الأمم: لماذا فعل الرب هكذا بهذه الأرض؟ لماذا حموّ هذا الغضب العظيم؟ فيقولون: لأنهم تركوا عهد الرب إله آبائهم" (تث 29: 24-25).
\وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يكن الله يقصد أن يعاقب بقدر ما كان يقصد إصلاحهم مستقبلًا... الله صالح ومحب، ليس فقط عندما يهب عطايا بل وعندما يؤدّبنا أيضًا، فإنه حتى تأديباته وعقوباته هي من قبيل جوده، ومظهر عظيم من مظاهر عونه لنا]. كما يقول إن كان الله قد طرد آدم من الفردوس، إنّما لكي بطرده يردّه إليه... وهكذا إن كان الله سمح للشعب بالأسر إنّما ليبعث فيهم الشوق إلى الحريّة الداخليّة والحنين لا إلى الرجوع إلى أورشليم الأرضيّة فحسب وإنّما العليا أيضًا.
ب. يقول: "هأنذا مقيم الكلدانيّين"، فهو سيّد التاريخ وموجَّههُ، يستخدم حتى الأشرار لتحقيق خطّته الإلهيّة الخيّرة للبشريّة. إن الكلدانيّون بحبهم للاغتصاب سبوا الشعب، لكن بسماح إلهي لأجل توبة الشعب، وكأن الله أقام الكلدانيّين خصيصًا لهذا العمل.
ج. يُشير الكلدانيّين إلى عدوّ الخير الذي نسلم له أنفسنا بأنفسنا عبيدًا بسبب خطايانا ويحمينا الرب منه مرّة ومرّات حتى لا نسقط تحت مذلّته، لكنّنا إذ نصر على الخضوع له يتركنا الرب تحت يديه لتأديبنا. بهذا الروح يطلب القدّيس بولس الرسول من أهل كورنثوس أن يتركوا الشاب الذي سقط مع امرأة أبيه مسلّمًا للشيطان أن يُسلّم للتأديب، قائلًا: "باسم ربّنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوّة ربّنا يسوع المسيح أن يُسلّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1 كو 5: 4).

وقد جاءت سمات أمّة الكلدانيّين هنا مطابقة لسمات عدوّ الخير وعمله ضدّنا:
أولًا: "أمّة مرّة" [6]

عدوّ الخير ليس كائنًا فردًا لكنّه أمة، أي مملكة يتزعّمها إبليس كملك له رؤساء وسلاطين وقوات (أف 6: 12)، له ملائكته وجنوده (مت 25: 41)، وهي مملكة مرّة تقدّم من عنديّاتها ما لها أي المرارة، تُسرّ وتفرح بمصائب الآخرين وهلاكهم، غايتها الهدم لا البنيان.
ثانيًا: قاحمة:

كان الكلدانيّين موضوع مرارة كل الأمم المحيطة بهم، لا يعرفون الملاطفة ولا عهود السلام بل الهجوم والمقاتلة. بهذا كانوا أمّة قاحمة تنقض على الآخرين لتأسرهم وتذلّهم. هكذا إبليس بكل ملائكته يقتحمون أبواب الإنسان لاستعباده وإذلاله، ليعمل لحسابهم. إنهم يتربّصون له ليقتحموا بسرعة اللحظات التي فيها تنفتح أبواب الحواس أو العواطف، فيهجموا إلى الداخل ليعلنوا مملكتهم فيها. لهذا يصرخ المرتل: "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيّ" حتى لا يقتحم العدوّ حياته.
ثالثًا: سالكة في رحاب الأرض:

كانت أمّة الكلدانيّين تجول في كل موضع لتستولي على شعوب وممالك بلا عائق، تجول كما في الأرض كلها لتلتهم الجميع، لكنّها لا تقدر أن ترتفع إلى فوق لتذل من هم قد ارتفعوا عن الأرض. هكذا يرى عدوّ الخير أن الأرض كلها قد انفتحت قدّامه، يسلك في رحابها، حتى دُعي برئيس هذا العالم أو أركانه.
حدود عدوّ الخير هي "رحاب الأرض"،
فهو كما يقول القديس جيروم: [كالحية يزحف على الأرض برأسه وذيله وبقيّة جسمه، ملاصق للأرض تمامًا. إنه يلتهم التراب، فمن كان منّا أرضًا أو ترابيًا صار مأكلًا له، أما من ارتفع بقلبه إلى السماء ليمارس الحياة العلويّة دون أن تسحبه محبّة الأرضيّات فلا يقدر العدوّ أن يقتنصه!
رابعًا: تملك مساكن ليست لها:

كان الكلدانيّين يعتدون على أموال الغير ونفوسهم، حاسبين أن كل شيء هو لهم وحدهم، من حقّهم أن يغتصبوا ويملكوا بلا عائق، ماداموا أصحاب القوّة والسلطان. هكذا يسطو عدوّ الخير على البشريّة التي ليست من عمل يديه ولا هي ملكه، بل هي ملك ذاك الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3). طبيعة عدوّ الخير السطو على ما لله ليقيم مسكنه ومملكته في القلب الذي أوجده له ليكون هيكلًا مقدسًا له.
لقد عبّر إرميا النبي عن هذه السمة الشيطانيّة بالمثل القائل: "حجلة تحتضن ما لم تبض، مُحصّل الغنى بغير حق، في نصف أيّامه يتركه، وفي آخرته يكون أحمق" (إر 17: 11).
ويفسر العلامة أوريجانوس هذا المثل قائلًا: [إن الحجلة وقد عرفت كطائر ماكر تدور حول قدميّ الصيّاد لينشغل بها حتى تطمئن أن صغارها قد هربوا، وعندئذ تطير فلا يأخذ الصيّاد الصغار ولا أمهم، بهذا تشبه الشيطان الذي يشغل ذهن الإنسان بالأرضيّات فلا ينال الأرضيّات ولا السماويات. هذا الحجلة غالبًا ما تحتضن بيضًا ليس لها، وعندما يفرخ البيض يبقى الصغار معها حتى تأتي الأم الأصليّة فتُعطي صوتًا يفهمه الصغار فيتركون الحجلة المخادعة ويرجعون إلى أمهم. إنها صورة حيّة لما حدث، إذ احتضن إبليس البشريّة كصغار له وأغواها بخداعاته، لكن في نصف أيّامه جاء السيّد المسيح يُعطي صوت محبّته معلنًا إيّاه عمليًا على الصليب، مجتذبًا البشريّة المخدوعة لترجع إلى خالقها الحقيقي، فخسر إبليس ما اقتناه بدون حق، أما في آخر الدهور فيكون أحمقًا إذ يهلك تمامًا في نيران جهنم.
إذ كان إبليس كالكلدانيّين ملكوا مساكن ليست لهم أو كالحجلة التي احتضنت ما لم تبض فإنه يخسر كل شيء حتى نفسه خلال الصليب الذي ردّ المؤمنين إلى خالقهم ومخلّصهم والذي أدان إبليس وكل جنوده وقد رفعه من الوسط مسمّرًا إيّاه بالصليب، إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15).
خامسًا: هائلة ومخوفة:

عدوّ الخير مرهب ومخيف للإنسان المجرّد، أما المختفي في المسيح يسوع الذي "خرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ 6: 2)، فلا يستطيع أن يرهبه بل يرتعب هو منه. لنختفِ في ذاك الذي يقدر وحده "أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته" (مت 12: 19). إن كان العدوّ قويًا فقد ربطه السيّد بالصليب وسحب منه غنائمه التي هي البشريّة، وصار الرب بنفسه قائد المعركة الروحيّة.
يقول الأب ثيوفان الناسك: [اعلم أن أعداءنا وكل مكائدهم في قبضة ربّنا يسوع المسيح، قائدنا الإلهي، الذي تُحارب أنت من أجل مجده وعظمته. وإذ يقودك في المعركة بذاته، فهو بالتأكيد لا يسمح باستخدام العنف ضدّك، ولا يشاء أن تكون مغلوبًا من العدو، ما لم تمل أنت إلى جانبهم بإرادتك].
سادسًا: من قبل نفسها يخرج حكمها وجلالها:

أمّة الكلدانيّين مستبدّة برأيها، لا تخضع لقانون سوى هواها، وعدوّ الخير في تعامله معنا لا يحكمه سوى هواه، فالنقاش معه غير مُجدٍِ. لهذا ينصحنا آباء الكنيسة ألاَّ نعطي أذنًا لكلماته ولا ندخل معه في حوار، لأنه حواره مملوء خداعًا وغير بنّاء.
سابعًا: خيلها أسرع من النمور:

في هذا الأصحاح يُقدّم لنا الوحي الإلهي صورة حيّة واقعيّة لبشاعة العدوّ الحقيقي، إبليس، الذي يبذل كل طاقاته ليستعبدنا:
فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس أسرع من النمور،
وفي دهائه يعمل في الظلمة أعنف من ذئاب المساء،
دائرة عمله بلا حدود، منتشر في كل موضع ينصب شباكه،
إمكانيّاته جبّارة، قادر أن يأتي من بعيد لينقض على فريسته من حيث لا نتوقع،
قدرته على الاغتصاب والهرب كالنسر الذي يخطف الفريسة ويطير بها،
دستوره هو شريعة الظلم بلا رحمة ولا تفاهم،
في طبيعته حيواني مفترس وجهه إلى قدام كالوحوش،
مسبيّوه كالرمل بلا عدد،
يذل الملك ويهزأ بالرؤساء، قتلاه أقوياء،
يُحطّم الحصون ويكوّمها كتراب يستخدمه لحساب مملكته،
أثيم بطبيعته.
والآن نتحدّث عن هذه السمات في شيء من التفصيل، فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس كما قلنا أسرع من النمور.
فهو سريع الحرّكة، مملوء مكرًا ودهاءً، يقتنص كل فرصة لاصطياد النفس، مترقّبًا أقل إهمال أو تراخي لسحب النفس إلى شبكته. والمؤمنون بدورهم يقظون ينتهزون كل فرصة للنمو والتمتّع بالإكليل... الحياة الروحيّة في حقيقتها انتهاز فرص، العدوّ ينتهز الفرصة والمؤمن ينتهز الفرصة. إنه صراع روحي مستمرّ لبلوغ كل منهما غايته.
يمكننا تلمّس ذلك من كلمات القدّيس أغناطيوس الأنطاكي الذي أسرع بالكتابة إلى أهل رومية ليوقف خطّتهم التي وضعوها لإنقاذه من الاستشهاد، إذ حسب ذلك محبّة لكن في غير أوانها... حسب استشهاده فرصة قد لا تتكرّر فلماذا يحرمونه منها؟!
إنه يقول: [أطلب إليكم ألاَّ تظهروا ليّ عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا ليّ أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب ليّ البلوغ إلى الله. إنني خبز الله، اتركوني أطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا ليّ، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما متّ لا أتعب أحدًا... توسّلوا إلى المسيح من أجلي حتى أعد بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله... ليتني أتمتّع بالوحوش الضارية التي أُعدّت ليّ، فإنني أُصلي أن يكون لها شغفًا أكثر لتنقض عليّ، وإنني سأُحرّضها لتفترسني سريعًا].
ثامنًا: أحّد من ذئاب المساء:

إن كان إبليس يتحرّك في النهار كالنمر في خفّة شديدة مع دهاء، ففي المساء لا يتوقّف إنّما يخرج كذئاب المساء ليخطف. إنه لا يعرف الراحة نهارًا ولا ليلًا، لذا يليق بنا المثابرة بلا توقّف... حتى في لحظات النوم تقول نفوسنا: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2).
يرى الأب ثيوفان الناسك أن المؤمن ليس فقط يُثابر متحفظًا من ضربات الشيطان، إنّما بقوّة الروح يُثير الحرب ضدّه ليغتصب منه كل موقع سبق فاحتله داخل القلب، إذ يقول: [إن أردت يا أخي أن تنال انتصارًا سريعًا وميسورًا على أعدائك، عليك أن تشن حربًا بلا توقّف، وبشجاعة ضدّ كل أوجاعك... لذا يجب أن تكون محاربتنا الروحيّة مستمرّة بلا توقّف، ومدعّمة باليقظة وشجاعة النفس، وهذه يمكن الوصول إليها بسهولة إن طلبتها كهبة من الله. فاستمر إذن في المعركة بلا تردّد].
إنه كذئاب المساء يعمل في الظلمة ليخفي حيله ومكائده (أف 6: 11).
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [يُحاربنا هذا العدوّ لا بطريق مكشوف وواضح وإنّما بالمكايد... فلا يقترح علينا الخطايا بألوانها الحقيقيّة... وإنّما يُقدّمها بثوب آخر ليجعل حديثه مقبولًا ومتنكر].
تاسعًا: فرسانها ينتشرون، يأتون من بعيد:

ينصب عدوّ الخير فخاخه في كل موضع، باذلًا كل طاقاته لاصطياد النفوس حتى وإن كان الإنسان في موضع مقدّس. لقد تجرّأ فحارب السيّد المسيح على جناح الهيكل، وقد سمح له الرب بذلك ليُحذرنا، مؤكدًا لنا أن العدوّ يُحارب في كل موضع، في البيت كما في العمل، في الكنيسة كما في الشارع، في المخدع حيث الصلاة الخاصة وأثناء العبادة الجماعيّة. أينما وجدنا يتسلّل نحونا لعلّه يجد موضعًا في قلوبنا.
أما كونه يأتي من بعيد، فإنّما يعني أنه يُحاربنا من حيث لا نتوقع. لذا يليق بنا أن تكون لنا بصيرة روحيّة متّقدة، تدرك أسرار الحرب الروحيّة وتعرف حيل إبليس وخداعاته.
عاشرًا: فرسانها يطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل:

يقول العلامة أوريجانوس: [إن النسر يستطيع أن يرى فريسته وهو على بعد شاهق، فبسرعة خاطفة ينقض عليها ويطير، ولا يقدر أحد أن يسحبها من مخالبه. هكذا فرسان إبليس أو شياطينه تراقب النفس لتعرف متى تنقض عليها بسرعة فائقة وخلال المفاجأة المذهلة ينحدر الإنسان إلى الخطيّة في فترة قصيرة ليجد نفسه قد خسر الكثير. إن كان البناء يحتاج إلى زمن طويل فالهدم يتم في لحظات بسيطة، وإن كانت الفضائل المقدسة تتطلب جهاد طويل في الرب فإن هدمها يتحقّق في لحظات إهمال بسيطة].
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [بإن ضربة سيف خاطفة لا تستغرق إلا لحظات تجرح الإنسان ليُعالج منها ربّما لسنوات وقد تقضي على حياته. فالعدوّ يضرب بسيفه في لحظات إهمالنا... لكن هذه اللحظات تفسد جهاد سنوات طويلة!].
حادي عشر: يأتون كلهم للظلم [9]:

شريعة إبليس أو دستوره الذي يعمل به هو "شريعة الظلم"، لا يطلب إلاَّ حرماننا من الخير الأعظم، وسحبنا عن الحياة السماويّة حتى لا نرتبط بالشريعة الإلهيّة أو الحق.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الشياطين: [إنها لا تُصارع لتنال شيئًا، إنّما لكي تُفسدنا نحن... فالشيطان يبذل كل طاقته لكي يطردنا من السماء].
ثاني عشر: منظر وجوههم إلى الأمام:

ربّما يقصد بهذا أنهم ليسوا كالبشر لهم الوجه المرتفع الذي يطلب السماء، وإنّما لهم سمة الوحوش الضارية التي تمتد بوجوهها لتفترس بلا حنو ولا شفقة!
ثالث عشر: يجمعون سبيًا كالرمل:

يصطاد إبليس النفوس بلا عدد، ويسبيها كالرمل، فقد لقب بـ"رئيس هذا العالم" و"رئيس سلطان الهواء الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" (أف 2: 2).
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [لماذا يدعو (الرسول) الشيطان برئيس العالم؟ لأنه قد التفت البشريّة كلها تقريبًا حوله، وصاروا عبيدًا له بإرادتهم ومحض اختيارهم].
رابع عشر: تسخر من الملوك، والرؤساء ضحكة لهم [10]:

في كل مرة يسقط الشعب تحت السبيّ يُذل الملك ويصير العظماء موضوع سخرية وهزء أمام المنتصرين، فعندما سبي نبوخذ نصر أورشليم ومدن يهوذا أمر بقتل أولاد الملك صدقيا قدام عينيه، وفقأ عيني الملك وحمله إلى بابل للسخرية به. هكذا إذ يسقط مؤمن تحت يديّ عدوّ الخير بسبب استهتاره أو تراخيه يسخر به.
إن كنّا في المسيح يسوع ملك الملوك صرنا ملوكًا روحيين (رؤ 1: 6، 5: 10)، فإن إبليس يبذل كل طاقاته ليأسرنا مستهينًا بنا.
في دراستنا لسفر هوشع رأينا أن الملك يشير للإرادة الإنسانيّة التي تملك على الإنسان لتُدير كل أموره، والرؤساء يشيرون إلى طاقات الإنسان ومواهبه... فإنه إذ يأسر العدوّ إنسانًا يسخر من إرادته البشريّة، إذ يفقده إيّاها ليعيش بقيّة حياته كعبد ذليل يفعل إرادة سيّده الجديد (الشيطان)، ويبدّد مواهبه وطاقاته (الرؤساء) ليجعل منهم هزءًا وسخرية! عدوّ الخير يفقد الإنسان كل شيء: إرادته ومواهبه وطاقاته حتى جسده أيضًا، وأخيرًا يحمل معه إلى حيث الهلاك الدائم.
خامس عشر: تضحك على كل حصن:

لم يكن للحصون أن تقف أمام أمّة الكلدانيّين، وهكذا أيضًا لا يستطيع أحد أن يتحصّن لا بخبراته الطويلة ولا بقدراته ومواهبه ولا بمعرفته الفكريّة العقلانيّة ولا بكرامته أو نوعيّة عمله... إذ يضحك إبليس على هذه الحصون، إنّما يبقى حصن واحد إن تمنعنا لا يقدر على الاقتراب إليه، ألاَّ وهو السيّد المسيح صخر الدهور.
يقول القديس جيروم: [إن السيّد المسيح هو الصخرة (1 كو10: 4) الملساء التي لا تقدر الحيّة أن تزحف عليها، فمن يتحصّن فيّه يحتمي من العدو، الحيّة القديمة].
سادس عشر: تكوّم التراب وتأخذه:

إمعانًا في الإذلال يهدم العدوّ الحصن الشامخ ويحوله إلى تراب ثم يعود العدوّ ويستخدم التراب لحساب مملكته أي لصالحه. أقول إنها صورة مرّة لعمل إبليس في حياة المأسورين بواسطته، يحول حياتهم إلى تراب، إذ يسحب قلوبهم إلى الأرض، ويفسد طبيعتهم... وعندئذ يستخدم هذا التراب كأوان خزفيّة تحمل سماته لاصطياد الآخرين.
إن كان العدوّ قد سقط من السماء، فهو لا يكف عن أن يبذل كل طاقاته لا ليحرم ضحيّته من الحياة السماويّة وينحدر به إلى محبّة الأرضيّات، وإنّما يستخدمه أيضًا لإسقاط الآخرين وحرمانهم من السموات التي في داخلهم.
سابع عشر: تتعدّى روحها فتعبر، هذه قوّة إلهها [11]:

تتعدّى روحها أو تتغيّر إلى ما هو أردأ أو أشر، فتعبر من شر إلى شر، ومن إثم إلى إثم... متطلّعين إلى إثمهم واغتصابهم كقوّة إلههم الذي يهبهم النصرة على الشعوب. لقد حسبوا أن آلهتهم أقوى من إله إسرائيل، فازدادوا تمسكًا بوثنيّتهم واعتزازًا بها.
3. حبقوق يرق لشعبه:

حبقوق النبي الذي امتلأ غيرة على مجد الله فصار يصرخ ويئن متسائلًا: لماذا يسكت الله على الأشرار المحيطين بالصدّيق يفسدون فكره وحياته، إذا به يرى بروح النبوّة سقوط الشعب اليهودي المتّسم بالظلم في ذلك الحين يسقط تحت عبوديّة الكلدانيّين المرّة فلم يحتمل. وبقدر ما اتّسم النبي بانفتاح قلبه نحو الله يحدّثه بصراحة ودالة في غير رسميّات أو شكليّات اتسم أيضًا بالحب لشعبه فلم يحتمل أن يراه متألمًا بواسطة أمّة شرّيرة وقاسية، حتى وإن كان هذا بسماح إلهي للتأديب، إنه لا يحتمل أنّات إخوته ومرارتهم، وكأنه يقول مع إرميا النبي: "من أجل سحق بنت شعبي انسحقت، حزنت، أخذتني دهشة" (إر 8: 21).
حقًا، الله هو الذي يسمح بتأديب أولاده على خطاياهم، لكنّه وهو يؤدّب لا يقبل أن يشمت أحد فيهم، بل يُطالبنا أن نئن مع أنّاتهم ونصرخ لأوجاعهم وننسحق مع انسحاقهم. لقد أدّب الله يهوذا بالسبيّ البابلي وإذ وقف بنو أدوم شامتين وبّخهم قائلًا: "يجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك يوم مصيبته، ولا تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم، ولا تفغر فمك يوم الضيق" (عو 12).
إذ يرق حبقوق لشعبه الساقط تحت نير الكلدانيّين يُعاتب الله قائلًا: "ألست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي؟!" [12]. وكأنه يقول: كيف تحتمل يا رب أن ترى الكلدانيّين الأمّة الشرّيرة تنهب شعبك وتظلمهم وأنت صامت، مع أنك القدوس الذي لا يطيق الشر؟! أنت إلهي الملتزم بسلامي وطمأنينتي لا من جهة نفسي فحسب وإنّما من جهة الشعب كله أيضًا. إن كنت إلهي المهتم بيّ أفلا تهتم أنت بشعبك؟!
ما أجمل مشاعر النبي ففي لحظات العتاب المرّة ينادي الرب "إلهي، قدوسي"، وكأنه في ضيقة نفسه يجد الرب ملاصقًا له، يهتم به ويحتضنه منسوبًا إليه، فهو إلهه هو وقدوسه هو!
لنعاتب الرب بكل مرارة، لكن في عتابنا نرى التصاقه بنا ونسبه إلينا، فنلتصق بالأكثر به ونرتمي في أحضانه مؤمنين بعمله معنا وفينا.
حينما ينفتح قلبنا بالحب نحو الآخرين ونشفع فيهم أو نطلب عنهم يصير الرب منسوبًا لنا، إذ يُلاصق المحبّين ويفخر بأولاده المُتسعة قلوبهم!
يُكمل النبي عتابه، قائلًا:
"لا نموت، يا رب للحكم جعلتها، ويا صخر للتأديب أسستها" [12].
يقول النبي: "لا نموت"، فقد أدرك أن الرب إلهه وقدوسه الأزلي في محبته لشعبه يسكب سماته عليهم، إذ هو أزلي فوق حدود الزمان يهب أولاده "الخلود"، لن يموتوا... وإن كانوا في شرّهم يستحقون الموت، لكن في الرب الحيّ يحيون. يقول السيّد الرب: "إنيّ أنا حيّ فأنتم ستحيون" (يو 14: 19). لقد أسلمهم للكلدانيّين للتأديب، لكن كما يقول المرتل: "تأديبًا أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني" (مز 118: 18).
الله وهب الكلدانيّين السلطة أن يؤدّبوا الشعب، وأن "يغتنموا غنيمة وينهبوا نهبًا" (إش 10: 6)، لكن ليس سلطة بلا حدود بل بالقدر الذي يرى الله فيه خلاص شعبه، لذا يقول النبي: "يا رب للحكم جعلتها، ويا صخر للتأديب أسستها"، فحدود السلطان هو أن يكون عملهم واغتصابهم للتأديب والحكم وليس للهلاك. لهذا عندما سأل الشيطان الرب أن يسمح له بمضايقة أيوب، أجابه الرب: "ها هو في يديك ولكن احفظ نفسه" (أي 2: 7). يقول الرب للبحر: "إلى هنا تأتي ولا تتعدّى، وهنا تخم كبرياء لججك" (أي 38: 11)، فهو يسمح له يتدفّق ولكن إلى حدود وضعها له.
وبالنسبة لنا إن كان الله يسمح للشيطان بمهاجمتنا لكن في حدود، بهجومه نغلب إن كنا يقظين وشاكرين، فتتحوّل الحرب إلى غلبة ونصرة، وإن تراخينا وأهملنا فلا يكون الشيطان غلة أذيّتنا بل نحن السبب،
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [قد يقول قائل: ألم يؤذ آدم إذ أفسد كيانه وأفقده الفردوس؟ لا، وإنّما السبب في هذا هو إهمال من أصابه الضرر، وعدم ضبطه لنفسه وجهاده. فالشيطان الذي استخدم مكائد قويّة مختلفة لم يقدر أن يخضع أيوب، فكيف استطاع بوسيلة أقل أن يُسيطر على آدم؟!].
في الوقت الذي يعلن فيه النبي طمأنينته أن الله إلهه القدوس الأزلي لن يسمح للشعب بالموت، إنّما يستخدم الكلدانيّين للتأديب، يعود فيعاتب:
"عيناك أطهر من أن تنظرا الشر، ولا نستطيع النظر إلى الجور، فلم تنظر إلى الناهبين، وتصمت حين يبلع الشرّير من هو أبر منه؟!" [13].
يعلم النبي حبقوق ما قاله داود المرتل: "لأنك أنت لست إلهًا يُسر بالشر، لا يُساكنك الشرّير" (مز 5: 4)، ويدرك ما أدركه إرميا أن الله يبغض الرجس (إر 44: 4)، لكنّه كان في حيرة كيف يصمت أمام ما يفعله الكلدانيّون الأشرار بشعبه ويتطلّع إلى الظلم فقد ابتلع الشرّير من هو أبرّ منه. وهنا لا يقول ابتلع "البار" لأن الشعب كان شريرًا، ولكن إن قورن بالكلدانيّين فهم أبر منهم.
لعلّ كلمة "تنظر" أو "تتطلّع" هنا لا تعني مجرد الرؤية، فالله عالم بكل شيء، وليس شيء مخفيًا عنه، لا يحتاج أن ينظر ليرى، وإنّما يقصد بذلك أنه يرضى على تصرّفاتهم وينجح طرقهم. فنظرة الله إلينا إنّما تعني اهتمامه بنا وإنجاحه طريقنا.
بدأ النبي يبرز سمات هؤلاء الكلدانيّين الأشرار الذين أنجح الرب طريقهم إلى حين:
"وتجعل الناس كسمك البحر كدبّابات لا سلطان لها،
تطلّع الكل بشصها، وتصطادهم بشبكتها، وتجمعهم في مصيدتها.
فلذلك تفرح وتبتهج.
لذلك تذبح لشبكتها، وتبخر لمصيدتها،
لأنه بها سمن نصيبها، وطعامها مسمّن (من الصفوة - الترجمة السبعينيّة)
أفلأجل هذا تفرغ شبكتها ولا تعفو عن قتل الأمم دائمًا" [14-17].
لقد تطلّعوا إلى الشعوب الأخرى كسمك في البحر بلا مالك من حقّهم أن يصطادوا ما يشاءون ليأكلوا ويشبعوا، وكدبّابات لا سلطان لها بلا ثمن يفعلون بها ما يريدون. إنهم يفرحون ويبتهجون حينما يأتي الشص بسمكة أو تجمع شباكهم الكثير ويسقط الناس في مصيدتهم... يفرحون بالصيد البشري مقدّمين ذبائح وثنيّة وبخورًا لآلهتهم الواهبة لهم هذا الصيد الثمين. كأن النبي يقول للرب: أتقبل أن يكون شعبك سمكًا بلا ثمن في شباك وثنيّة، يلتهمه الأشرار مقدّمين ذبائح شكر للأصنام وبخورًا أمام الأوثان؟! إن شعبك - بالرغم مما بلغ إليه من انحراف - لكنّه ثمين في عينيك، فكيف تتركه صيدًا لهؤلاء الكلدانيّين؟!
تفرح أمّة الكلدانيّون بصيد هذا الشعب أكثر من اصطيادها أي شعب آخر، إذ يقول النبي: "لأن بهما (بالشص والشبكة) سمن نصيبها وطعامها مسمن"، أو كما يقول في الترجمة السبعينيّة "طعامها من الصفوة Choicest"، فهي لا تفرح إلا بالصيد المختار. هكذا يصوّب إبليس سهامه بالأكثر على أفضل المؤمنين ليسحبهم من إيمانهم
وكما يقول القديس جيروم: [لا يهتم الشيطان بغير المؤمنين إذ هم في الخارج... إنّما يريد أن يفسد كنيسة المسيح ]
والعجيب أن العدوّ إبليس كالكلدانيّين كلما سمن نصيبه ازدادت شراهته والتهب قلبه بالأكثر لاصطياد آخرين، إذ قيل: "أفلأجل هذا تفرغ شبكتها ولا تعفو عن قتل الأمم دائمًا.

  رد مع اقتباس
قديم 08 - 06 - 2023, 04:28 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق



معَاقبَة الكلدانيّين





إذ سأل النبي الرب عن موقفه تجاه الكلدانيّين الذين استخدمهم الرب كعصا غضبه لتأديب شعبه فإذا بهم يُحسبون أنهم غالبون الأمم بقوتهم واقتدارهم كحق لهم... قدّم له الرب إجابة مطمئنّة:





1. ترقب النبي إجابة الرب:

"على مرصدي أقف، وعلى حصن أنتصب، وأُراقب لأرى ماذا يقول ليّ، وماذا أُجيب على شكواي؟!" [1].
كثيرًا ما تدور في أفكارنا تساؤلات يليق بنا لا أن نعرضها على الرب فحسب، وإنّما نقف كما على مرصد نترقب إجابة الرب علينا، نقف كما على حصن مطمئنّين بإيمان وثقة أكيدة أن الله محب البشر لا يخفي أسراره عنّا، ولا يعمل إلا ما هو لبنيانا. هكذا وقف النبي بعد تقديم تساؤله على المرصد ينتظر سماع صوت الرب داخله، وعلى الحصن يحتمي فيه حتى لا يتحوّل التساؤل إلى زعزعة إيمان. هذا المرصد وهذا الحصن ما هما إلا شخص ربّنا يسوع، به نتفهم الأسرار الإلهيّة الفائقة كما من خلال مرصد فائق، وفيه نتحصّن بكونه الصخرة الحقيقيّة التي عليها تأسّست الكنيسة وفيها نحتمي. إنه المرصد الذي بدونه لا نعرف الآب إذ يقول: "لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27). وهو الصخرة التي تحتمي فيها الكنيسة كحمامة وديعة يُناديها: "يا حمامتي في محاجئ الصخرة في ستر المعاقل أريني وجهك أسمعيني صوتك" (نش 2: 14).

ويرى القديس جيرومأن حبقوق إذ يقف كما على مرصد ليُراقب وينتصب، وكما في برج يتحصّن، إنّما يقوم بهذا الدور كجندي روحي يُصارع ضدّ إبليس بلا استسلام، يتأمّل أعمال الله وأسراره خاصة بالصليب فيمتلئ قوّة للحرب الروحيّة ضدّ الشر.
2. اهتمام الرب بالسؤال:

ما دامت النفس تطلب وتقف لترصد كلمات الرب واستجاباته، محتمية فيه كحصن لها، منتصبة للجهاد الروحي خلال المعرفة الإلهيّة، فإنه بدوره لا يبخل عليها إذ يقول النبي: "فأجابني الرب وقال: أكتب الرؤيا وأُنقشها على الألواح لكي يركض قارئها لأن الرؤيا إلى ميعاد، وفي النهاية تتكلّم ولا تكذب، وإن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانًا ولا تتأخر" [2-3].
كأن الرب يطالبه لا أن يأتي إليه بقلم وورقة ليكتب ما يراه ويسمعه، إنّما الحاجة إلى ألواح يٌنقش عليها كلمة الله بخط واضح تجتذب ناظرها فيأتي راكضًا إليها... هذا ووضوح الخط يُمكَّن حتى الذين يجرون أن يقرءوها. في إشعياء قيل: "تعال الآن أكتب هذا عندهم على لوح وأرسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد" (إش 30: 8). هذا وأن الرؤيا قد لا تتحقّق فورًا إنّما في الميعاد المحدّد في ملء الزمان، لذا يليق بالنبي أن ينتظر واثقًا أنها حادثة لا محالة حتى وإن بدت متأخرة.
ما هذه الرؤيا التي يتحدّث عنها هنا إلا تلك الخاصة بسرّ الصليب الذي يتحقّق في ملء الزمان حين يتجسّد كلمة الله، هذا الذي سجّل المحبّة الإلهيّة بدمه المبذول لا بحبر وورق وإنّما رسمه على لوحي الصليب أو عارضتيه الطوليّة والعرضيّة، مجتذبًا الكل إليه.
لنركض بالروح القدس إلى الصليب لنقرأ ما قد نقشه الابن الوحيد الجنس معلنًا لنا الأسرار الإلهيّة الفائقة! هنا لا نجد الكلدانيّين الأشرار يهلكون وإنّما إبليس ذاته وكل شيّاطينه قد انهاروا تمامًا وتحطّم كل سلطان اختلسوه.
3. معاقبة الكلدانيّين:

إذ يرفع الرب نبيه حبقوق إلى الرؤيا الخاصة بالصليب محطّم مملكة إبليس يعود فيكشف أعمال إبليس في حياة الكلدانيّين الأشرار هذه التي يُحطّمها الصليب. وكأنه يكشف لنا الغرس الشرّير الذي لم يغرسه الآب بل هو من زرع عدوّ الخير، هذا الذي قال عنه السيّد إنه يجب أن يُقلع (مت 15: 13) هذه الغروس الشرّيرة التي يُحطّمها هي:
أولًا: الكبرياء والفراغ الداخلي:

"هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه، والبار بالإيمان يحيا، وحقًا إن الخمر غادرة. الرجل المتكبر لا يهدأ" [4-5].
إن كان الله قد سمح بتأديب شعبه بواسطة الكلدانيّين الوثنيين، فقد تعجّرف الكلدانيّون وظنّوا أنهم بقدرتهم واقتدارهم غلبوا انتصروا. لذلك يُحقّق الله غايته بهم أي تأديبه أولاده ليعود فيُعاقبهم على كبرياء قلبهم. وكما قيل بإشعياء النبي عن أشور أنه قضيب غضب الله وعصاهم في يدهم هي سخطه (إش 10: 5)، يُحقّق بهم غايته... فيكون متى أكمل السيّد عمله بجبل صهيون وبأورشليم أني أُعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه، لأنه قال: بقدرة يديّ صنعت وبحكمتيّ لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحَططت الملوك كبطل، فأصابت يديّ ثروة الشعوب، كعش وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض، ولم يكن مُرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف. هل يفتخر الفأس على القاطع بها، أو يتكبّر المنشار على مردّده؟! كأن القضيب يُحرّك رافعه، كأن العصا تُرفع من ليس هو عودًا" (إش 10: 12-15).
هذا هو عمل إبليس في حياة الإنسان... الكبرياء، فيظن الإنسان أنه بقدرته وحكمته يُحقّق غايته، ولا يدرك أن كل طاقة وإمكانيّة هي من الله حتى وإن شوّه الإنسان طبيعتها وحرّفها عن غايتها.
بالكبرياء سقط إبليس من رتبته الملائكيّة وانحدر إلى أعماق الهاوية (إش 14: 12، عو 4)، لذا فهو لا يكف عن ضرب البشريّة بذات الداء ليحدرها معه من الحياة الإيمانيّة، ويفقدها التمتّع بالملكوت الإلهي ويهبط بها إلى ما هو دون المستوى الحيواني.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يرتفع بفكره مُتشامخًا فوق البشر يوجد منحطًا دون الخليقة غير العاقلة].
إن كان الشرّير بالكبرياء الشيطاني يهلك، فإن "البار بالإيمان يحيا".
يرى الدارسون أن هذه العبارة "البار بالإيمان يحيا" هي قلب نبوّة حبقوق وعصبها، وكما قيل "هذه الكلمات الشهيرة تُلخّص الرؤيا كله". اقتبسها الرسول بولس ليؤكّد أنه لا يمكن التبرير بأعمال الناموس إنّما بالإيمان بالمسيح يسوع، مختفين في برّه.
يقول القديس أغسطينوس: [فيّه نقوم، وفيه ننطلق إلى الآب لنصير كاملين بطريقة غير منظورة ومتبرّرين ]. فالبرّ ليس مجموعة يستلزم الإيمان السليم غير المنحرف،
وكما يقول القديس أغسطينوس: [حيث لا يوجد إيمان سليم لا يكون برّ، لأن البار بالإيمان يحيا].
نعود للكبرياء الذي يزرعه عدوّ الخير فينا ليحرمنا من الحياة الإيمانيّة الحقّة وينزعنا عن البرّ الذي في المسيح يسوع، لنجد أن هذا الكبرياء الفارغ يُعطي للنفس نوعًا من الجوع أو العطش الداخلي، خلاله يطلب الإنسان أن يشبع لا من برّ الله، وإنّما من كل ما هو أرضي خلال الظلم والاغتصاب... وقدر ما ينال يزداد فراغه الداخلي، ليبقى بلا شبع كل أيّام حياته.
بهذا الروح كان الكلدانيّون يُهاجمون الأمم ويصطادون البشريّة ويذلّوهم بلا شبع حقيقي: "الذي وسّع نفسه كالهاوية، وهو كالموت فلا يشبع بل يجمع إلى نفسه كل الأمم ويضم إلى نفسه كل الشرور، فهلا ينطق هؤلاء كلهم بهجو عليه ولغز شماتة به ويقولون للمكثّر ما ليس له: إلى متى؟! وللمثقّل نفسه رهونًا: ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك فتكون غنيمة لهم؟! لأنك سلبت أممًا كثيرة، فبقيّة الشعوب كلها تسلبك لدماء الناس وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها" [5-9].
إن أخذنا بالتفسير الحرفي نقول أن الكلدانيّين قد وسعوا نفوسهم كالقبر، يبتلعون الشعوب كالموتى ولا يشبعون. في تحرّك مستمرّ لاغتصاب الأمم والشعوب بالظلم بلا توقّف. لكن هذا العمل له نهاية، فتنقلب الموازين وتتحرّر الأمم المسبيّة، لتقف موقف الشماتة بالكلدانيّين وتسخر بهم قائلة:
"ويل للمكثّر ما ليس له، إلى متى؟"... يصبّون الويلات على الكلدانيّين الذين حسبوا أنهم نالوا الكثير، ولكنه في الحقيقة ليس ملكًا لهم، إنهم يردون ما حسبوه غنيمة!
"المثقل نفسه رهونًا (طينًا كثيفًا)"... ما جمعوه ليس بثروة وإنّما بطين كثيف، ليس ذهبًا وفضة لكنهم جمعوا ترابًا يثقّل نفوسهم بمحبّة العالم الأرضي.
"ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك؟"، في لحظة لا يتوقّعها الكلدانيّون، بينما هم مطمئنّون للغاية يقوم من كانوا كمن في حالة نوم ليصير الكلدانيّون غنيمة لهم بعد أن سبقوا فاغتنموهم. كما سلبوا الأمم، الأمم تسلبهم، وكما سفكوا الدماء تُسفك دماءهم، وكما عبثوا بالأرض والمدن يُعبث بهم.
لا يقف الأمر عند شبع الكلدانيّين وإنّما يفقدون ما ظنوه مكسبًا لهم، ويخسرون مالهم وكرامتهم... فيُقال لهم: "كما فعلت يُفعل بك، عملك يُرتد على رأسك" (عو 15).
إن كان الإنسان يظن أن الخطيّة بشهواتها وملذّاتها تشبع النفس، ففي الحقيقة تدخل بها إلى حالة فراغ داخلي وجوع وعطش... فيركض الإنسان إليها ليشرب منها كما من مياه البحر المالحة التي تزيده عطشًا، بل وتفقده حتى حياته.
ثانيًا: الربح القبيح:

"ويل للمُكسب بيته كسبًا شريرًا، ليجعل عشه في العلوّ، لينجو من كف الشر. تآمرت الخزي لبيتك، إبادة شعوب كثيرة وأنت مخطئ لنفسك، لأن الحجر يصرخ من الحائط، فيُجيبه الجائز من الخشب" [9-11].
هذا هو الويل الثاني، الأول سبب خطيّة الكبرياء غير المشبعة للنفس بل مهلكة لها، أما الثاني فبسبب حب الربح القبيح. يظن الشرّير أنه يملأ بيته خيرات ولم يدرك أنه يجمع كسبًا شريرًا يجلب لعنة على كل بيته. يقول الحكيم: المولع بالكسب (الطامع) يكدر بيته" (أم 15: 8). إنه يجمع الربح القبيح حاسبًا أنه يطير به إلى حيث لا يقدر أحد أن يقترب منه ليبني عشه في العلو، وإذا به يبني بيته بالخزي، فيخطئ إلى حق نفسه. الحجارة التي اقتناها بمال الظلم لبناء البيت تصرخ شاهدة على شرّه، والعوارض الخشبيّة التي بها يتماسك البناء لا تصمت، البيت الذي يبنيه من مال الظلم يتحوّل إلى آلة محزنة تنشد مرثاة على صاحبها.
لقد ظن آخاب الملك وزوجته إيزابل أنهما قتلا نابوت اليزرعيلي وورثا كرمه وليس من يسألهما ولا من يُراقب تصرّفاتهما، فإذا بهما يقتنيان هلاكهما، إذ كان كلام الرب لآخاب خلال إيليا النبي: "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1 مل 21: 19).
ثالثًا: العنف:

"ويل للباني مدينة بالدماء، وللمؤسّس قرية بالإثم.
أليس من قبل رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار، والأمم للباطل يعيون؟!
لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطى المياه البحر" [12-14].
هذا هو الويل الثالث الذي ينصب على الإنسان الذي في محبّته للكسب الشرّير أو الربح القبيح يتحوّل إلى وحش مفترس، فيبني مدينته بسفك الدماء ويؤسس قريته بقانون الإثم.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن الإنسان صار أشر من الحيوانات المفترسة، فإنها لا تأكل بعضها البعض مادامت من نفس النوع، أما الإنسان فيفترس الأخ أخاه في البشريّة، ويظن أنه غير قادر على بناء مدينة يستريح فيها إلا على حساب دم أخيه!].
على أي الأحوال تمتلئ الأرض من معرفة مجد الرب عندما يرى العالم أن الظالمين سافكي الدماء تعبوا لا ليقيموا مدنًا أو يؤسسوا قرى وإنّما ليصيروا وقودًا للنار، باطلًا يتعبون حتى يصيبهم المرض من الإرهاق، وبلا نفع!
إن كانت أجسادنا بسفكها للدماء أو إثمها صارت أرضًا، فإنها إذ تتقبل تقدّيس الروح تمتلئ من معرفة مجد الرب، فتحمل روح مخلصها الوديع، وإن كانت حياتنا قد صارت بحرًا مالحًا فإن مياه الروح القدس العذبة تحوّل طبيعتها.
أخيرًا إن كان الظلم يصل إلى أقصى بشاعة حينما يصير الإنسان سافكًا للدم، فإن القديس جيروم يرى أن الهراطقة هم أشر سافكي الدم، لا يقتلون الجسد بل النفوس بالانحراف عن الإيمان الحيّ، أي عن الحق، إذ يقول: [الهرطوقي الكاذب يقتل نفوس كثيرة بخداعه إيّاها... إنه مخادع ومتعطش للدماء].
رابعًا السكر:

"ويل لمن يسقي صاحبه سافحًا حموك ومسكرًا أيضًا للنظر إلى عوراتهم،
قد شبعت خزيًا عوضًا عن المجد،
فاشرب أنت أيضًا وأكشف غُرْلتك،
تدور إليك كأس يمين الرب،
وقياء الخزي على مجدك" [15-16].
الويل الرابع لخطيّة السكر، فإن من يسكر إذ يجد نفسه قد فقد كرامته الحقيقيّة واتّزانه الداخلي يُقدّم لصاحبه، سافحًا الزجاجة له لكي يُغريه بمنظرها، حتى كما فقد هو نقاوته يُريد النظر إلى عورة أخيه أي أسراره الداخليّة لإفساده في أعماقه.
من هو هذا الذي يُقدّم السكر إلاَّ عدوّ الخير الذي يجتذب الإنسان بإغراءاته كمن هو صاحبه ليفقده مسيحه الحقيقي ويجعله كمن هو في فضيحة. هذا التصرّف لا يزيد العدوّ مجدًا بل خزيًا، فإن ظن أنه بذلك يُقيم مملكته ويوسع نطاقها إنّما يملأ كأس غضب الله عليه ليشرب مما قدّمه لنا من مرارة مضاعفًا "في الكأس التي مزجت فيها يمزج لها ضعفًا" (رؤ 18: 3، 6).
"قياء الخزي على مجدك" [16]، هكذا يتطلّع الذين حوله إليه فلا يجدون فيه مجدًا حقيقيًا ولا غنى صادقًا، فيتقيّأون على مجده الباطل! هكذا مَن يعطي الآخرين من مسكر الخطيّة إنّما يُهيئ لنفسه من يتقيأ عليه ويخزيه!
ما نقوله عن مسكر الخطيّة الذي يجتذبنا إليه إبليس، نقوله أيضًا عن حياة الترف والتدليل، الحياة التي تحمل في داخلها موتًا للنفس وخزيًا عوض المجد الظاهر.
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [الإنسان الذي يعيش في الملذّات ميت وهو حيّ إذ لا يعيش إلا لبطنه... من يقضي زمانه في الولائم والسكر ألاَّ يكون ميتًا ويُدفن في الظلمة؟‍!].
خامسًا الوثنيّة:

"ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه أو المسبوك ومعلم الكذب، حتى إن الصانع صنعته يتكل عليها فيصنع أوثانًا بكمًا.
ويل للقائل للعود أستيقظ، وللحجر الأصم انتبه.
أهو يعلم، ها هو مطلي بالذهب والفضة، ولا روح البتّة في داخله،
أما الرب ففي هيكل قدسه،
فاسكتي قدامه يا كل الأرض" [18-20].
هذا هو الويل الأخير الذي وُجه ضدّ الكلدانيّين الذين افتخروا بآلهتهم التي هي من صنع أيديهم. حقًا إنها تكشف عن حذاقة في الصناعة ومهارة في العمل، أنفقوا الكثير لإقامتها إذ هي مطليّة بالذهب والفضة لكنّها في الداخل حجارة بلا روح ولا حياة‍‍‍!
ماذا تنفعهم هذه الأصنام يوم عقوبتهم؟! لقد طلبوا من العدوّ أي من البعل الخشبي أن يستيقظ ليُخلّصهم، ومن الإلهة الحجرية عشتاروت زوجة الإله بعل أن تنتبه لما حلّ بهم وترق لحالهم، لكنهما لا يقدران على الخلاص. إنهما إلهان جميلان في المنظر لكنهما عاجزان تمامًا، أما الله الحقيقي ففي هيكل قدسه لا تقدر الأرض أن تقف أمامه.
عجيب هو الإنسان الذي يترك إلهه القائم في قلبه كما في هيكل سماوي، ويسعى إلى أفكاره الذاتيّة وكأنها الآلهة الوثنيّة الجميلة في منظرها وبراقة لكن بلا حياة، وعاجزة عن تقديم الخلاص.
مسكين هو الإنسان الذي يرفض واهب الخلاص الذي يجعل من قلبه سماء ويتعبّد للأفكار والفلسفات البشريّة المخادعة فتجعل منه أرضًا... إنه لا يقدر أن يُقاوم الرب إذ يسمع الصوت: "اسكتي قدّامه يا كل الأرض" [20].
ليتنا لا نكون أرضًا تسكت وتبكم أمام الله، وإنّما نكون سماءً روحيّة تحمل كلمة الله وأصوات سماويّة مفرحة وتسبحة ملائكيّة لا تتوقّف.

  رد مع اقتباس
قديم 08 - 06 - 2023, 04:52 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق



مزمور حمد لله



إن كان حبقوق قد دخل إلى الألم الداخلي والضيق الخارجي، لكن وسط الآلام يتمتّع بتعزيات الروح القدس الذي يكشف للمؤمن الأسرار الإلهيّة وسط المرارة فتتحوّل حياة الإنسان كلها إلى تسبحة حمد ومجد لله. هكذا يختم النبي السفر بمزمور حمد أو تسبحة مجد الله تُقدّم لنا:




1. أعمال الله عبر السنين:

"صلاة لحبقوق النبي على الشجويّة (الأوتار):
يا رب قد سمعت خبرك فجزعت،
يا رب عملك في وسط السنين أحيّه، في وسط السنين عّرِف، في الغضب أذكر رحمة" [1-2].
إذ وقف النبي على المرصد يترقب كلمة الله وإذ انتصب على البرج الإلهي متحصنًا تهلّلت نفسه في داخله بالرغم من كل الظروف القاسية المحيطة به. وفيما كان النبي يئن من أجل شعب الله إذا بالله يكشف له خطّته الخلاصية عبر العصور التي تجلت على الصليب فتهلّل ممسكًا بقيثارة الروح ليضرب على أوتارها مزمور تسبحة، قائلًا:
"يا رب قد سمعت خبرك (كلامك) فجزعت". وكأن يقول يا رب إذ سمعت كلامك امتلأت نفسي رهبة وخشية، كشفت ليّ أسرارك وأدركت أعمالك فصرت في دهشة!
لم تقف رؤيته عند حدود أعمال الله في عصره وإنّما امتدت ليراها عبر العصور، مدركًا أن الله في محبته وإن كان يغضب فيؤدّب لكنّه حتى في غضبه لا يحتمل أنات شعبه إنّما يعود فيرحم. "يا رب عملك في وسط السنين أحيّه، في وسط السنين عّرِف، في الغضب أذكر الرحمة". حقًا إن الرب يغضب على شر الإنسان، لكنه في وسط غضبه تئن مراحمه، الأمر الذي عبرّ عنه هوشع النبي في صورة رائعة، قائلًا على لسان الرب: "قد انقلب عليّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعًا، لا أجري حموّ غضبي، لا أعود أخرب أفرايم، لأنيّ الله لا إنسان، القدوس في وسطك فلا آتي بسخط" (هو 11: 8-9).
إن كان الله إله محتجب أو متحجب كما قال إشعياء النبي (إش 45: 15)، لكنه يعلن ذاته لشعبه عبر الأجيال خلال مراحمه التي يظهرها حتى في لحظات الغضب الإلهي والتأديب... ولعلّ ما يُقدّمه الله عبر السنين من إعلانات، إنّما يُظْهِر عمليًا في تغيير البشريّة التي فسدت وأقامها من سقوطها.
وكما يقول القديس جيروم: [الله يصنع عجائب كل يوم، إنه يعمل... أنتم أعمال الله العجيبة، فبالأمس كنت مغتصبًا ما للغير واليوم تُقدّم للآخرين ما هو لك". هذا التغيير هو غاية كلمة الله المعلنة خلال الناموس الموسوي، التي تجلّت بكمالها خلال تجسد الكلمة الإلهي وإعلانه الخلاص على الصليب. لهذا يعود النبي إلى أعمال الله مع شعبه في البريّة بتقدّم الناموس على جبل موسى لينطلق بهم إلى أعماله خلال المسيّا المخلص.
2. أعمال الله على جبل سيناء:

انسحب قلب النبي حبقوق إلى عمل الله حين ارتفع موسى على الجبل ليتسلّم الشريعة فامتلأ الجبل بهاءً ومجدًا، وأشرق الله بنوره على شعبه لينطلق قلبه ولسانه، نفسه وجسده بالفرح والتسبيح، قائلًا:


"الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه.
جلاله غطّى السموات، والأرض امتلأت من تسبيحه" [3].
يُشير هنا إلى ظهور الله في مجده بطريقة ملموسة عندما استلم موسى الشريعة وكما قيل "نزل الرب على جبل سيناء" (خر 19: 20)، "وكان منظر مجد الرب كنار آكله على رأس الجبل" (خر 24: 17)، "جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأت من جبل فاران" (تث 33: 2).
إذ جاءنا خلال الشريعة غطى بهاؤه السموات، وامتلأت الأرض من تسبيحه. ما هذه السموات والأرض إلاَّ النفس البشريّة والجسد اللذان يتقدّسان بكلمة الله فتلألأ النفس بمجد الرب ويمتلئ الجسد فرحًا وتهليلًا. بالكلمة الإلهي تمتلئ النفس بالنور الإلهي والمعرفة السماويّة، أما الجسد فيتحوّل بكل أعضائه إلى قيثارة في يدي الروح القدس يعزف عليها تسبحة فريدة سماويّة. بمعنى آخر يتجلّى الله في حياة الإنسان بكليتها، في نفسه كما في الجسد.
يقول القديس جيروم: [غنّوا حمدًا حقيقيًا، رنّموا بكل جزء من كيانكم. لترنّم يدك بالعطاء، وقدمك بالإسراع نحو عمل الخير... لتعطِ كل أوتارك صوتًا، فإن توقّف وتر واحد تفقد القيثارة كيانها. ماذا ينفعك إن كنت عفيفًا ولكنك طمّاع؟! ماذا تستفيد إن كنت طاهرًا وسخيًا في العطاء ولكنك في نفس الوقت حاسد؟! ما هو نفعك إن كان لك ستّة أوتار صالحة والسابع منكسر؟! فإن وترًا واحدًا منكسرًا يفقد القيثارة إمكانيتها في تقديم صوت متكامل].
جاء في الترجمة السبعينيّة: "الله يأتي من الجنوب، والقدوس من الجبل المظلّل"،
ويعلّق القديس جيروم على هذه العبارة: "الله يأتي من الجنوب. هنا يُشير إلى المخلص، حيث ولد الله في الجنوب، لأن بيت لحم جنوب أورشليم" .
ويرى القديس ديديموس الضرير أن الجنوب يُشير إلى الرياح الحارة التي تهب على النفس فتلهبها بالروح، أو بالحب فلا يكون باردًا، أما الشمال فيُشير إلى الرياح الشماليّة الباردة التي تُشير إلى عمل الشيطان الذي يُفسد حرارة الروح، لذا في سفر النشيد طلبت العروس أن يُنزع عنها ريح الشمال الذي هو عمل إبليس، وتأتيها ريح الجنوب التي تُشير للمخلّص عريسها نفسه.


يُكمّل النبي تسبحته، قائلًا: "وكان لمعان كالنور، له من يده شعاع، وهناك استَتار قدرته" [4].

كأنه يقول: كنت أظن أن الأمور تسير بلا تدبير، الشرّير يلتهم البار، وأمّة الكلدانيّين تبتلع بقيّة الشعوب، ليس من يُحاسبها ولا من يصدها، لكنني وقد أدركت أسرار معرفتك وجدتك النور الأزلي المُدرِك للأسرار الخفيّة، ليس شيء مخفيًا عن عينيك. تمد يدك للعمل وإذا بشعاع يصدر عنهما يفضح السالكين في الظلمة، عندئذ يدرك الكل قدرتك التي كانت مستترة إلى حين.
جاءت العبارة "له من يده قرنان" أي نور قرون الشمس كما جاء في ترجمة اليسوعيّين، هذان القرنان اللذان في يده هما لوحا الشريعة اللذان تسلّمهما موسى النبي، وكما قيل: "عن يمينه نار شريعة لهم" (تث 23: 2).


"قدّامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت (طردت) الحمى" [5].
بظهوره يطرد وباء الشرّ والظلمة، وعند رجليه أي بسلطان يأمر الحمى فتطيعه.
"وقف وقاس الأرض. نظر فرجفت الأمم، ودكت الجبال الدهريّة، وخسفت آكام القدم، مسالك الأزل له" [6].
يقف ليقيس الأرض، فهي خليقته التي يهتم بها، من أجلها يقف ليعمل ولا يستريح حتى يُعلن أحكامه فترتجف الأمم الشرّيرة وتُدك الجبال المتشامخة والآكام القديمة. إنه السرمدي الذي يُدبّر كل الأمور لتعمل في الوقت الحسن. وكأنه يقول: كنت أظن العالم أشبه ببحر مملوء سمكًا تصطاده الأمّة الشرّيرة بلا ضابط، لكنني أدركت أن كل شيء غير مخفِ عنك.
إن كانت الأرض كما قلنا قبلًا تُشير إلى الجسد، فإن الله وقف ليقيسه علامة اهتمامه به وتقديسه إيّاه، حيث يرجف الأمم الوثنيّة القاطنة هناك أي يُنزع عن الجسد كل شر وضعف روحي، ويدك الجبال المتشامخة أي الخطايا التي تبدو عنيفة للغاية ليس من يقدر أن يُحرّكها. أمام الله تتزعزع آكام الجسد التي تثقل النفس.
هنا يصف النبي الله كمن هو في حالة وقوف: "وقف وقاس الأرض".
وكما يقول القديس جيروم: [إن الله لا يتغيّر وليس له أوضاع جسدية لكنّه يُقال عنه أنه واقف حينما يتعامل مع الأبرار، ويُقال عنه أن يظهر ماشيًا عندما سقط آدم (تك 3: 9)، ويظهر جالسًا بكونه الديّان والملك (إش 6: 1)، ونائمًا كما في السفينة عندما يكون الإنسان بين زوابع التجربة، ويظهر قائمًا كما قيل "الله قائم في مجمع الآلهة". إذن يتحدث هنا عن الأرض وقد تمتّعت ببهجة خلاصه وتقدّست به لذا ظهر واقفًا يُقيسها!


رأيت خيام كوشان تحت بليّة، رجفت شقق أرض مديان" [7].
اسم خيام كوشان لم يُذكر في العهد القديم إلاَّ في هذه العبارة، يحتمل أن يكون اسمًا قديمًا لمديان قد هُج . هكذا إذا كانت رؤية الله لحبقوق تتجلّى، والرب في عينيه قادم من جبل سيناء، فإن كل شيء مقاوم له ينهار قدامه.
لعلّ خيام كوشان ظهرت كمن تحت بليّة وستائر مديان مُرتجفة عندما أسلم الله أرض كنعان لشعبه، فارتجفت كل الأمم المحيطة.
يظن البعض أن خيام كوشان صارت تحت بليّة عندما أسلم الرب كوشان بيد القاضي عثنيئيل بن قناز بعد أن عبده إسرائيل ثماني سنين (قض 3: 8-11)، فتجلت قوة الله في قاضيه المرسل لخلاص شعبه وأذل من استعبد شعبه. أما ارتجاف ستائر مديان، فحدث عندما رأى صاحب جدعون حلمًا "وإذا رغيف خبز شعير يتدحرج في محلة المديانيّين وجاء إلى الخيمة وضربها فسقطت وقلّبها إلى فوق فسقطت الخيمة" (قض 7: 3)، وكان ذلك إشارة إلى سيف جدعون بن يوآش الذي قتل المديانيّين.
في اختصار يُسبح حبقوق الرب من أجل أعماله إذ يهب أولاده الغلبة والنصرة، بل والسلطان فترتجف أمامهم الشياطين وتصير تحت بليّة!


"هل على الأنهار حمى غضبك؟! هل على الأنهار غضبك، أو على البحر سخطك، حتى أنك ركبت خيلك، مركباتك مركبات الخلاص؟!" [8].
إن كانت المياه الكثيرة تُشير إلى الشعوب (رؤ 17: 15)، فإن شعب الله يُشبه بالأنهار حيث المياه العذبة والأمم الوثنيّة بالبحار المالحة. الله إذ يؤدّب شعبه، يحمي غضبه على الأنهار بسبب الظلم الذي وُجد في وسطه، وإذ يُعاقب الأمم بسخطه بسبب ما ارتكبته من شرور ضدّ شعبه يحمي غضبه على البحار.
لقد حمى غضبه على الأنهار والبحار عندما اعترضا طريق شعبه في عبورهم من أرض مصر إلى أرض الموعد، فشق بحر سوف ونهر الأردن، مجتازًا بشعبه كما بمركبات خلاص، وكأنه بقائد الموكب الخلاصي الذي يعبر به من عبودية إبليس إلى ملكوته السماوي، أما المؤمنون فهم الفرس التي تحمل الله قائدها في داخلها.

في هذا يقول القديس جيروم: ُقال هذا عن الله، إن كنا نحن فرس الله التي يركبها ].
ويقول الأب ثيوفان الناسك: [إنه يُحارب عنك بنفسه، ويدفع أعدائك ليديك متى شاء، كيفما شاء، كما هو مكتوب: "لأن الرب إلهك سائر في وسط محلّتك لكي ينقذك ويدفع أعداءك أمامك" (تث 23: 4) ].


"عريّت قوسك تعرية، سباعيّات سهام كلماتك، سلاه" [9].
ما هو القوس الذي تعرى ليضرب كالسهام السباعيّة، إلاَّ التجسد الإلهي خلاله تمتّعنا بكلمة الله كسهم يُحطّم الشرّ الذي تملك في داخلنا؟! ليحل كلمة الله فينا كسهم حقيقي يجرح قلوبنا بالحب فنقول



"إني مريضة حبًا" (نش 2: 5)، ينزع عنها كل فساد خبيث أقامه العدوّ الشرّير فيها.
كلمات الرب "سباعيّات"، تدخل إلى القلب فتجعله كاملًا، إذ يُشير رقم 7 إلى الكمال.
"شقّقت الأرض أنهارًا" [9].
إذ نقبل الكلمة المتجسد فينا كسهم إلهي يجرح قلوبنا بالحب وينزع عنها فسادها، فإنه بدوره إذ يراها قد صارت أرضًا لا سماء تحب الزمنيّات لا الأبديّات يُشقّقها خلال شركة الصليب والألم، ويُحوّل الأرض إلى أنهار مياه حيّة، وكما قال المخلص "من آمن بيّ كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ (يو 7: 38).
لا نخف لأننا أرض قفراء، فإن الرب بصليبه يُفجر فينا ينابيع روحه القدوس كأنهار ماء حيّ، تروي أرضنا وتُفيض بالشهادة له في كل موضع!
يرى القديس جيرومأن السيّد المسيح هو النهر الأصلي الذي يُصب في أرضنا أنهارًا هي ثمرة عمله فينا، هذه الأنهار تشهد للنهر الحقيقي مُسبّحه له لا بالكلام فحسب وإنّما أيضًا بالعمل، وكما يقول المرتل: "الأنهار لتُصفق بالأيادي" (مز 98: 8). "ليت الأنهار التي ترتوي من المصدر يسوع تُصفق بالأيادي، فإن عمل القدّيسين هو التسبيح لله. المسيح لا يُسبح بالكلام بل بالعمل، إنه يطلب الفعل لا الصوت ".


"أبصرت ففزعت الجبال، سيل المياه طما، أعطت اللُجّة صوتها، رفعت يديها إلى العلاء" [10].
إن كان كلمة الله الحيّ يُشقق بصليبه أرضنا فيجعلها أنهار مياه تُسبح وترتّل له بالعمل الروحي الحق، ففي سكناه داخلنا تراه جبال خطايانا الثقيلة فتفزع هاربة من أمام وجهه. ما كنا نحسبه جبالًا راسخة لا يقدر أحد أن يُحرّكها تصير بالصليب سهلًا. وكما قيل في زكريا "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا، فيخرج حجر الزاويّة بين الهاتفين كرامة كرامة له" (زك 4: 7). وقد رأينا في دراستنا لسفر زكرياكيف يزول الجبل الشرّير ليظهر السيّد المسيح حجر الزاويّة صاحب الكرامة، المقطوع بغير يدين إذ هو ليس من زرع بشر، يصير جبلًا يملأ الأرض كلها (دا 2: 35). بهذا تتدفق نعمة الله كمياه بلا حدود لتُعطي صوت تسبيح داخلي، وترتفع يدي النفس الداخليّتين نحو العلا لتُمارسا العمل السماوي.


"الشمس والقمر وقف في بروجهما، لنور سهامك الطائرة، للمعان برق مجدك بغضب خطرت في الأرض، بسخط دست الأمم.
"خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك" [11-13].
إذ يُسبح النبي الله على أعماله عبر السنين يعود بذاكرته إلى أيّام يشوع حين صلّى لكي تقف الشمس والقمر في بروجهما في السماء حتى تكمل نصرة إسرائيل على أعدائه (يش 10: 12-13)، فلا يأتي ليل سريع فيه يهرب العدوّ قبل إتمام الهزيمة. في النور غلب يشوع العدوّ، وهكذا إذ يشرق الرب في القلب بكونه شمس البرّ وتتحوّل أرض المعركة إلى قمر بكونها الكنيسة المقدسة المقاومة لإبليس، يُبدد النور ظلمة العدو، ويبقى الرب مشرقًا حتى تتحقّق النصرة تمامًا.
ولعله يقصد أيضًا أن عمله الله الخلاصي تخضع له كل الطبيعة، حتى الشمس والقمر تعمل معًا حسب تدبيره لتحقيق مملكته النورانيّة وإبادة مملكة الظلمة.
ويمكننا القول بأن "الشمس والقمر وقفا في بروجها" يوم الصليب، حين اختفيا أمام بهاء مجد شمس البرّ في خجل مما تفعله البشريّة به. وقفا محتجبين، فيدهشان أيضًا كيف يُحطّم السيّد المسيح إبليس وكل جنوده ليحرّر الإنسان منهم كما من أمم وثنيّة، قائلين: "بسخط دست الأمم، خرجت لخلاص شعبك، لخلاص مسيحك".
3. بهجة الخلاص:

"خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك.
سحقت رأس بيت الشرّير معرّيًا الأساس حتى العنق. سلاه.
ثقبت بسهامه رأس قبائله" [13-14].
يختم النبي تسبحته بالكشف عن خلاص الله للإنسان، بتحطيم سلطان إبليس علينا وببعث روح الفرح فينا. فبالصليب سحق رأس بيت إبليس الشرّير الذي تعرّى حتى الأساس وظهرت خداعاته الخفيّة، كاشفًا إيّاه من الأساس حتى العنق. فإن كان العدوّ قد صوّب سهامه ضدّنا إنّما لكي ترتد عليه وتحطّمه تمامًا فلا يكون له سلطان علينا ولا موضع فينا.
كثيرًا ما حدثنا الآباء عن تحطيم سلطان إبليس لكي يبعثوا فينا الرجاء للعمل الروحي بلا خوف ولا تذبذب، فمن كلماتهم:
* على الصليب أخزى المسيح الشيطان وكل جيشه. تأكد أن المسيح صُلب بجسده على الصليب فإذا به يصلب الشيطان هناك... كان الصليب علامة نصرة ولواء غلبة. كانت غايته عند الارتفاع على الصليب أن يرفعنا عن الأرض، وكما أظن صليب المخلص هو السلّم الذي رآه يعقوب.
القديس جيروم
* إننا نتعلّم فن الحرب لنستطيع الصراع لا ضدّ الناس بل ضد الأرواح. بلى، فإنه إذ يكون لنا فكر (حق) لا نُصارع قط، فإننا نُصارع لأننا اخترنا هذا مع أنّنا نلنا سلطانًا من ذاك الذي يسكن فينا، الذي قال "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوّة العدو" (لو 10: 19). أعطى لكم كل السلطان أن تصارعوا أو لا تصارعوا إن أردتم. فنحن نصارع لأننا متراخون، أما الرسول بولس فلم يُصارع بل يقول: "من سيفصلنا عن محبّة المسيح؟! أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عريّ أم خطر أم سيف؟!" (رو 8: 35). اسمع أيضًا كلماته: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20). لقد حمل سلطانًا عندما قال: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها" (أع 16: 18). هذه ليست لغة من يصارع، لأن من يصارع لم يغلب بعد، ومن يغلب فلا يصارع بعد.
* إن أردنا نحن يجعله الله مدوسًا تحت أقدامنا، ولكن أي ازدراء وبؤس أن نراه يدوس على رؤوسنا ذاك الذي أُعطى لنا أن نطأه تحت أقدامنا؟! كيف يحدث هذا؟! إنه بسببنا نحن. فإن أردنا يكون عظيمًا، وإن أردنا يكون قليل الحيلة. إن كنّا حذرين ووقفنا بجانب ملكنا ينسحب، ويكون في حربه ضدّنا لا يزيد عن طفل صغير.
القديس يوحنا الذهبي الفم
هذا هو سرّ بهجة نفس النبي، إذ رأى عمل الله الخلاصي بتحطيم سلطان إبليس لحساب مملكة النور. حقًا لقد ارتعدت أحشاؤه إذ رأى الكلدانيّين يفسدون كل ثمر، لكن وراء هذا التأديب يوجد خير أعظم، حين يحوّل الله التأديب إلى بهجة خلاص.
يقول النبي: "سمعت فارتعدت أحشائي، من الصوت رجفت شفتاي، دخل النخر عظامي، وارتعدت في مكاني لأستريح في يوم الضيق عند صعود الشعب الذي يزحمنا" [16]. لقد رأى الكلدانيّين كشعب يزحمهم أو كعدوّ يود أن يقضي عليهم، فارتعدت أحشاؤه ورجفت شفتاه ودخل النخر في عظامه... لقد أفسد العدوّ كل ثمر روحي فلم يزهر التين ولا أثمرت الكروم. وجفت أشجار الزيتون. هذه هي صورة الإنسان الساقط تحت إبليس فلا ينعم بوحدة الروح (التين) ، ولا عمل الصليب (الكروم التي تُعصر)، ولا بالسلام الداخلي (الزيتون)، أي يفقد حياته الداخليّة بحرمانه من عمل الروح القدس وارتباطه بصليب ربّنا يسوع. ولا يقف الأمر عند فساد الأعماق الداخليّة وإنّما حتى الجسد يفقد قدسيّته فيصير كحيوانات ميّتة، إذ يقول "والحقول لا تصنع طعامًا، ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المزاود" [17]. لا يجد الجسد طعامًا روحيًا فيجوع ويمرض بل ويموت روحيًا ويصير الإنسان كحظيرة بلا غنم ومزود بلا بقر! هذا ما يبغيه العدو، فقدان لقدسية النفس والجسد أيضًا.
لكن الله لا يترك الإنسان هكذا بل يرد له خلاصه، واهبًا إيّاه بهجة الخلاص، مقدّما ذاته قوّة له، ومشددًا قدّميه لتنطلقا نحو السماء مسرعة كالأيائل، فيتمشّى الإنسان على المرتفعات المقدّسة ولا ينزل إلى وحل العالم وترابه، إذ يقول:




"فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي،
الرب السيّد قوتي،
ويجعل قدّمي كالأيائل
ويمشيني على مرتفعاتي،
لرئيس المغنّين على آلاتي ذوات الأوتار" [18-19].
هكذا بدأ السفر بالألم والضيق مع المرارة بسبب المتاعب الداخليّة والخارجيّة، لكن إذ دخل النبي في حوار مفتوح مع الله ووقف كما على مرصد يترقّب، وعلى حصن منتصبًا ليرى أعمال الله انتهى السفر بالبهجة والفرح، مدركًا أن الله نفسه هو قوّة أولاده، يُشدّد أرجلهم ويرفعهم إلى العلو لينطلق بهم بروحه القدوس فوق كل الأحداث.
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 06 - 2023, 01:46 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق





دعوة صموئيل



في وسط الظلام الخارجي الدامس، "قبل أن ينطفئ سراج الله... في الهيكل" [3] دعا الله صموئيل، ليقيمه سراجًا وسط شعبه، يعلن إرادته الإلهية ويشهد للحق.



1. دعوة صموئيل:

أ. يبدو أن الله دعا صموئيل قُبيل الفجر، وسط الظلام الخارجي الحالك، إذ قيل: "وقبل أن ينطفئ سراج الله وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت العهد" [3]. جاء في (خر 27: 21، لا 24: 2-3) أن السراج (المنارة) يُشعل من المساء حتى الصباح، وكأن دعوة الرب جاءت قبل الصباح في نهاية الليل.
بجانب الظلام الملموس وُجد ظلام آخر، إذ قيل: "وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام؛ لم تكن رؤيا كثيرة" [1]. عبر المرتل عن هذا الظلام بقوله: "لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد؟‍... آياتنا لا نرى، لا نبي بعد، ولا بيننا من يعرف حتى متى" (مز 74: 1، 9) كما عبّر عنه عاموس النبي: "هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز، ولا عطشًا للماء، بل لاستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
وسط هذا الظلام الحالك، والمجاعة الروحية، أعد الله صبيًا صغيرًا يخدم الهيكل (خيمة الاجتماع) بأمانة، خلاله ينير الله وسط شعبه. هكذا في كل جيل يقيم الله بقية أمينة تشهد له وتخدمه بالروح والحق. فعندما سقط الشعب في العبودية أرسل لهم موسى، وعندما ثار أريوس ضد لاهوت المسيح أرسل الله أثناسيوس الرسولي وهكذا يبقى الله ساهرًا على كنيسته حتى إن ظن الظلام أنه قد ساد. بمعنى أخر. بقوله: "قبل أن ينطفئ سراج الله" [3] عني أنه وسط الظلام كان صاحب البيت نفسه - يهوه - ساهرًا، قائمًا على بيته، مهتمًا برعاية شعبه.
ب. إذ قدم لنا الكتاب المقدس الظروف التي خلالها دعا الله صموئيل، يقول: "كان عالي مضجعًا في مكانه وعيناه ابتدأتا تضعفان، لم يقدر أن يبصر... وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله" [2، 3]. لم يكن صموئيل مضطجعًا في ذات الخيمة، القدس أو قدس الأقداس، وإنما في أحد الأبنية الملحقة به وكان عالي مضطجعًا في حجرة أخرى في ذات المبنى، ومع هذا قيل عن صموئيل إنه كان مضطجعًا في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله بينما قيل عن عالي إنه مضطجع في مكانه؛ لماذا؟ من حيث الجسد كان كلاهما مضطجعين في مبنى واحد، لكن في عيني الله حُسِب صموئيل أنه في هيكل الرب أمام تابوت الله حتى في لحظات نومه، إذ يقول مع العروس: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 20: 5). بجسده ينام خارج الخيمة أما قلبه فكان ملاصقًا لها، في داخلها. أما عالي رئيس الكهنة فكان نائمًا في مكانه، أي حيث يوجد جسده تبقى نفسه حبيسة المكان!
كان صموئيل نائمًا لكن بصيرته تعاين القدسات، أما عالِ فلم يقدر أن يبصر! لقد دبت فيه شيخوخة العجز الداخلي وأصيبت بصيرته بالعمى خلال تهاونه بالمقدسات الإلهية بسب ابنيه!
ج. قيل "ولم يعرف صموئيل الرب بعد ولا أُعلن له كلام الرب بعد" [7]. شتان بين عدم معرفة صموئيل وعدم معرفة ابني عالي، صموئيل لم يكن بعد قد تعرف عليه خلال صوته والرؤى لكنه تعرف عليه خلال الإيمان والخبرة اليومية، أما ابنا عالي فلم يعرفاه إذ لم يتمتعا بالطاعة والمحبة وخبرة الشركة معه.
في ملء الزمان لم نسمع الصوت فحسب -كما حدث مع صموئيل النبي- وإنما جاء الكلمة الإلهي ذاته متجسدًا، وحلَّ بيننا لنعاينه ونتعرف ونثبت فيه، فيحملنا إلى حضن أبيه ويكشف لنا أسراره الإلهية. هذه هي المعرفة التي لأجلها تهلل يسوع رب المجد عندما قدمها للمؤمنين خلال البساطة (لو 10: 21).

وقد دعا القديس أكليمندس الإسكندري المسيحيَّ الحق "غنوسيًا" أي صاحبَ معرفة روحية، غايته أن يتعرف على الله (الحق) ويراه، أي يعبر إلى كمال المعرفة خلال الإيمان، وذلك بخبرة الحياة النقية والتأمل الدائم. هذه المعرفة هي هبة إلهية نتقبلها خلال الابن، بقبولنا إياه وتشبهنا به، أي خلال نقاوة القلب نُعاين الله وندرك ما يبدو للآخرين غير مُدْرَك .
د. نادى الرب صموئيل، وكان الصبي في حوالي الثانية عشرة من عمره كما يقول القديس يوسيفوس: [سمع الصوت لأن أوتار قلبه تحمل حساسية لتسمع صوت الله وإن كان قد ظنه صوت عالي الكاهن].
إذ سمع الصوت ظن عالي يُناديه لذلك "ركض إلى عالي وقال: هأنذا لأنك دعوتني" [4]. بلا شك كان صموئيل يرى بعينيه عثرات ابني عالي وفسادهما، لكنه في روح الحب والاتضاع إذ سمع الصوت "ركض"، أي جرى مسرعًا لئلا يكون عالي في حاجة إلى خدمة أو مساعدة. لقد تدرب على خدمة الغير بفرح بلا تردد دون النظر إلى استحقاقاتهم. والعجيب أن الأمر تكرر ثلاث مرات، وفي كل مرة يسرع إلى الكاهن الشيخ دون تذمر مع أن الوقت كان قبل الفجر. عاش صموئيل الصبي يخدم الكاهن الشيخ ويطلب إرشاده مطيعًا له.


يفتتح القديس يوحنا كليماكوس مقاله عن "الطاعة" بكونها مع الشعور بالغربة يمثلان جناحين ذهبيين يصعدان الإنسان كحمامة إلى السماء (مز 54: 6)، على أن تكون الطاعة "حبًا في المسيح" .
* الطاعة التي هي بنت الاتضاع ليست أن يصنع الإنسان ما يشاء... ولكن هي أن يقطع الإنسان جميع هوى نفسه، ويعمل هوى الذي ائتمنه على نفسه، يعني الأب الروحاني، دفعة واحدة.
مار فيلوكسينوس
* طريق الطاعة هو أقصر المسالك وإن يكن أكثرها صعوبة.
القديس يوحنا الدرجي
ه. نادى الرب صموئيل باسمه شخصيًا، ومع هذا لم يكن ممكنًا لهذًا المبارك أن يتعرف عليه ويلتقي به دون إرشاد عالي الكاهن الذي اتسم بالتهاون في حق الله مع أولاده. هكذا يليق بنا ألا نستهين بالكاهن كمرشد وأب، إذ يقودنا للقاء الشخصي مع الله أبينا يسوع مخلصًنا بواسطة روح الله القدوس.
* الله لم يعلم صموئيل النبي بالحديث المباشر ولا بالحوار الإلهي، بل سمح له بالذهاب مرة أخرى إلى الشيخ (عالي الكاهن). لقد شاء أن يتدرب - ذاك الذي استحق سماع صوت الله - على يدي (عالي) الذب أغضب الله... حتى يختبر ذاك الذي دُعي إلى وظيفة إلهية حياة الاتضاع، ويكون قدوة للشباب في هذا الأمر.
القديس موسى
* يقول سفر الأمثال: "الذين ليس لهم تدبير يسقطون كالأوراق، أما الأمان ففي كثرة المشورة" (أم 14: 11) (راجع الترجمة السبعينية)... انظروا ماذا يعلمنا الكتاب المقدس. إنه يؤكد لنا أنه يلزمنا ألا نقيم أنفسنا كمركز قيادة، فنحسب أنفسنا ثاقبي الفكر، ونعتقد أننا قادرون على توجيه أنفسنا. نحتاج إلى عون وإرشاد بجانب نعمة الله. ليس من بائس ولا مَن يصطاد بسهولة في غير حذر مثل ذاك الذي لا يقوده أحد في طريق الله...
كيف يمكننا أن نتعرف على إرادة الله أو نطلبها كاملة إن وثقنا فقط في أنفسنا وتشبثنا بإرادتنا الذاتية؟
لذلك اعتاد الأب بومين Poemen أن يقول: [الإرادة (الذاتية) هي حائط نحاسي بين الله والإنسان]...
إن أراد إنسان الأمان لنفسه عليه أن يُعرى كل أفكاره الخفية ويسمع من مرشد مختبر: "افعل هذا، وتجنب ذلك. هذا حق وذاك لا. هذه فضيلة وتلك إرادة ذاتية". أو مرة أخرى يسمع: "إنه ليس وقتًا مناسبًا لعمل هذا" وفي وقت أخر: "الآن وقت لائق لعمل هذا". بهذا لا يجد الشيطان فرصته لأذيته وضربه، إذ يكون على الدوام في حالة ضبط وحذر وفي أمان.
الأب دوروثيؤس من غزة
* من يعتمد على رأيه الذاتي ولو كان قديسًا فهو مخدوع، وخطر خداعه أخطر من خطر المبتدئ الذي سلم تدبيره بيد غيره.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* من يسمع من آبائه فمن الرب يسمع... ومن لا يسمع منهم فلا يسمع من الرب.
القديس أنبا أنطونيوس
و. "فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأُوَل: صموئيل صموئيل" [10]. هكذا يصور لقاء الله مع صموئيل كأنما قد ترك الرب عرشه الشاروبيمي ونزع الحجاب ليقف في المسكن المقدس يدعو الصبي. يا له من تنازل إلهي عجيب، ومحبة فائقة له نحو الإنسان! الله يقف ليدعو صبيًا إلى عمل فائق!
ز. جاءت إجابة صموئيل: "فإن عبدك سامع" تعلن أن جوهر النبوة هو الاستماع والطاعة للصوت الإلهي. هكذا تدرب صموئيل النبي منذ طفولته على الطاعة، مدركًا أنها أفضل من ذبائح كثيرة، الأمر الذي لم يختبره شاول الملك (1 صم 15: 22).
2. حديث صموئيل مع عالي:

تحدث الرب مع صموئيل عن أمور مستقبلة كأنه تتحقق في الحاضر [11]، معلنًا له أنه يحقق ما سبق أن تكلم به عن بيت عالي من أمور مخفية قائلًا له: "أقسمت لبيت عالي أنه لا يكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد" [14]. لم يذكر له تفاصيل العقوبة، إذ لا حاجة لتكرارها، إنما كانت كلمات الرب واضحة وصريحة وحازمة، ربما ليعطي لعالي وابنيه فرصة للتوبة... خاصة أن هذا الحديث تم قبل تحقيق الأحداث بحوالي عشر سنوات...
لقد خاف صموئيل أن يخبر عالي بالرؤيا [15]، ليس خوفًا من أن يغضب عليه، وإنما خشية جرح مشاعره وهو شيخ وقور وأب محبوب لديه جدًا، لم يرد أن يكدره. لكن إذ طلب منه عالي تحدث في صراحة ولم يخفِ عنه شيئًا.
كانت إجابة عالي تكشف عن تقواه بالرغم من ضعف شخصيته أمام ابنيه، إذ قال: "هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل" .
3. الله يسند صموئيل:

إذ دعا الله صموئيل لعمل نبوي قيادي أعطاه إمكانيات العمل ألا وهي:
أ. المعية مع الله: "وكبر صموئيل وكان الرب معه" [19]... الله نفسه هو سر قوة أولاده، يُرافقهم ليهبهم نفسه ويقدم إمكانياته الإلهية بين أيديهم فلا يعوزهم شيء. هذه هي عطيته لمحبوبيه، معيته لهم، كما حدث مع إبراهيم (تك 21: 22) ويعقوب (تك 28: 15) ويوسف (تك 39: 2) وموسى (خر 3: 12) ويشوع (يش 1: 5) وجدعون (قض 6: 16) وداود (1 صم 16: 18).
سر قوة معلمنا بولس الرسول في خدمته هو إدراكه تمتعه بنعمة الله التي هي في جوهرها تجلى الله نفسه في حياته، لذا قال: "لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10).
* الله هو الكرَّام، ولو تم على أيدي الأنبياء أو الرسل فهو الكراّم. فماذا نكون نحن؟ ربما عمال لدى الكرَّام، نعمل بقوته وبنعمته الممنوحة لنا من لدنه.
القديس أغسطينوس
* "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح ووكلاء سرائر الله" (1 كو 4: 1). فالوكيل يقوم بإدارة أمور موكله حسنًا دون أن ينسب لنفسه ما لموكله... أتريد أن ترى مثالًا لوكلاء أمناء؟ اسمع ما يقوله بطرس: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي" (أع 3: 12).
وعند كرنيليوس أيضًا قال: "قم أنا أيضًا إنسان"... وبولس الرسول لم يَقِلْ عنه أمانة في قوله: "أنا تعبت أكثر من جميعهم؛ ولكن لا أنا بل نعمة الله التي تعمل معي" (1 كو 15: 10).
القديس يوحنا الذهبي الفم
ب. أعطاه نعمة في عيني شعبه إذ "لم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض؛ وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبيًا للرب" [19-20]. تعبير "من دان إلى بئر سبع" يعني أنه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، أي في كل أرجاء البلاد (قض 20: 1).
ج. بدأ الله يتراءى في شيلوه معلنًا ذاته لصموئيل بكلمته ليقطع فترة الظلمة حيث كانت كلمة الرب عزيزة [1].



  رد مع اقتباس
قديم 13 - 06 - 2023, 01:50 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق


فقدان تابوت العهد



إذ خرج إسرائيل لمحاربة الفلسطينيين، دون تقديس لحياتهم أو استشارة الرب، انهزموا. عوض التوبة والرجوع إلى الله حملوا تابوت العهد إلى المعركة مع الكاهنين حفني وفينحاس. أُخذ تابوت العهد منهم ومات حفني وفينحاس وسقط من إسرائيل ثلاثون ألفًا وانكسرت رقبة عالي الكاهن ومات!




1. أخذ تابوت العهد:

في (قض 13: 1) قيل إن الرب دفع إسرائيل ليد الفلسطينيين أربعين سنة، ربما الحوادث المذكورة هنا كانت خلال هذه الفترة. لقد نزل الفلسطينيون إلى أفيق والإسرائيليون إلى حجر المعونة بالقرب منهم في مواجهتهم.
"أفيق"كلمة عبرية ربما تعني "قوة" أو "حصن"، وجُدت خمس مدن تحمل ذات الاسم، من بينها هذه المدينة وهي كنعانية سبق أن استولى عليها يشوع (يش 12: 18). اجتمع فيها الفلسطينيون مرتين لمحاربة إسرائيل، مرة في زمن عالي الكاهن [1] والأخرى في زمن شاول الملك (1 صم 29: 4). موقعها حاليًا رأس العين على ما يظن. أعيد بناء المدينة في القرن الأول ق.م. بواسطة هيرودس ودعاها أنتيباتريس على اسم والده؛ قضى فيها بولس ليلة خلال رحلته من أورشليم إلى قيصرية (أع 23: 31).

حجر المعونة: أخذت هذا الاسم بعد الحوادث المذكورة بحوالي 20 عامًا (1 صم 7: 12). تدعى بالعبرية Ebenezer (eben-ha ezer)، إذ وضع صموئيل حجرًا تذكاريًا بين المصفاة والسن، في جنوب شرقي أفيق.
دارت المعركة بين الطرفين فانهزم إسرائيل جزئيًا في الحقل حيث قُتل منهم أربعة آلاف رجل (1 صم 3: 2)، فرجع الشعب إلى المحلة. هنا نسمع عن الشعب وليس عن رجال حرب أو عن جيش، فقد كان الشعب يحارب بغير استعداد وفي غير نظام، بجانب فظاعة فساده الخلقي.
تساءل الشيوخ إسرائيل: "لماذا كسرنا اليوم الرب أمام الفلسطينيين؟" (1 صم 3: 3). كان يلزم أن تكون الإجابة: بسبب الفساد والانحراف عن الله، فيرجعوا إليه بالتوبة ويحلّ في وسطهم كسرّ غلبتهم. لكن ما حدث هو تغطية على الفساد بحمل التابوت في وسطهم ليخلصهم من أعدائهم. وبالفعل جاءوا به من شيلوه مع الكاهنين الفاسدين حفني وفينحاس، وقد عبّر المرتل عن ذلك بقوله:
"فجربوا وعصوا الله العليّ، وشهاداته لم يحفظوا...
انحرفوا كقوس مخطئة.
أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم.
سمع الله فغضب ورذل إسرائيل جدًا.
ورفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس.
وسلم للسبي عزَّه وجلاله ليد العدو.
ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه.
مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يُحمدن.
كهنته سقطوا بالسيف وأرامله لم يبكين" (مز 78: 56-64)

لماذا سمح الله بذلك؟

أ. إحضارهم للتابوت لم يكن يحمل رجوعًا قلبيًا إلى الله بالتوبة وإنما اتكلوا على شكليات العبادة الظاهرة. هذا ما تكرر عبر الأجيال، ففي أيام إرميا النبي ظن القادة والشعب أن الله لن يسلم مدينة أورشليم -بكونها مدينة الرب - ولا هيكله بالرغم من إنذارات الرب لهم الكثيرة والمتكررة بواسطة الأنبياء، وعوض التوبة صاروا ينشدون: "هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو" (إر 7: 5). اتكلوا على "كلام الكذب الذي لا ينفع" (إر 7: 8) فسُبيت أورشليم وهدم الهيكل. هذا أيضًا ما أعلنه حزقيال النبي إذ قال: "وخرج مجد الرب من على عتبة البيت... وصعد مجد الرب من على وسط المدينة" (خر 10: 18؛ 11: 22).
يقول القديس أغسطينوسمعلقًا على المزمور السابق:
["رفض مسكن شيلوم الخيمة التي نصبها بين الناس" (مز 78: 60) لقد أوضح بكياسة لماذا رفض خيمته عندما قال: "التي نصبها بين الناس". فإنهم إذ صاروا غير مستحقين أن يسكن هو بينهم فلماذا لا يرفض الخيمة التي بحق أقامها ليس لأجله بل لأجلهم. هؤلاء الذين يُحكم الآن عليهم أنهم غير أهل لسكناه في وسطهم.
"وسلم للسبي عزهم (فضيلتهم) وجمالهم ليد العدو" (مز 78: 61). التابوت ذاته الذي حسبوه أنه لا يُقهر... دعاه "فضلتهم" أو "جمالهم" (هذا سلمه للسبي). أخيرًا، إذ عاشوا في الشر وافتخروا بهيكل الرب - فيما بعد - ارعبهم بنبي قائلًا لهم: "انظروا ما صنعت بشيلو حيث كانت خيمتي" (راجع إر 7: 12).
"ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه" (مز 78: 62).
"شبابهم أكلتهم النار"، أي أكلهم الغضب (الإلهي).
"وعذارهم لم ينحن" (مز 78: 63)، إذ لم يكن ذلك ملائمًا بسبب الخوف من العدو.

"كهنتهم سقطوا بالسيف وأراملهم لم يبكين" (مز 78: 64). لأن ابني عالي سقطا، وصارت زوجة أحدهما أرملة وقد ماتت في الحال وهي تلد [19]؛ هذه لم تقدر أن تبكي بسبب الارتباك ولم تميز الجنازة ].
ب. جاء حفني وفينحاس إلى المعركة ومعهما التابوت؛ لقد كانا فاسدين ومفسدين للشعب، وقد ظنا أن الله يلتزم أن يُحارب عن الشعب ليس من أجلهما، إنما من أجل التابوت بكونه يمثل الحضرة الإلهية.
حقًا لقد أعلن الله أنه قادر أن يحمي التابوت وأن يدافع عن مجده لكنه بعد تأديب الشعب مع الكهنة بسبب فسادهم.
إذ تحدث المرتل عن تسليم الرب للتابوت والخيمة في أيدي الأعداء وتأديب شعبه وكهنته، أضاف "فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر، فضرب أعداءه إلى الوراء؛ جعلهم عارًا أبديًا" (مز 78: 65-66)

يعلق القديس أغسطينوس قائلًا: ["فضرب أعداءه في مواضع مخيفة" بمعنى أن الذين تهللوا بأنهم قادرون على أخذ التابوت قد ضُربوا في مواضع من وراء (البواسير)... هم أحبوا الأمور التي من خلف لذلك بعدل تألمت هذه المواضع فيهم ].
ج. عند دخول تابوت عهد الرب إلى المحلة هتف جميع إسرائيل هتافًا عظيمًا حتى ارتجت الأرض. أمام هذا الهتاف خاف الفلسطينيون، قائلين: "قد جاء الله إلى المحلة" [7].
لقد هتفوا بألسنتهم وحناجرهم حتى ارتجت الأرض، أما قلوبهم فكانت ساكنة لا تتحرك نحو الله بالتوبة، ولا ارتجت أجسادهم التي تدنست. لهذا حتى وإن خاف الفلسطينيون لكنهم عوض التراجع ازدادوا حماسًا وتشددوا ليستعبدوا إسرائيل، وصارت لهم الغلبة ولكن إلى حين.
هتف الشعب بألسنتهم، ولم يدركوا أن الغلبة لا بهتاف اللسان إنما بنقاوة القلب والطاعة لله، كما جاء في سفر التثنية: "وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض... يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك. في طريق واحدة يخرجون عليك وفي سبع طرق يهربوم أمامك" (تث 28: 1، 7)؛ "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك... يجعلك الرب منهزمًا أمام أعدائك. في طريق واحدة تخرج عليهم وفي سبع طرق تهرب أمامهم وتكون قلقًا في جميع ممالك الأرض" (تث 28: 15، 25). لهذا يقول المرتل: "إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب" (مز 66: 18).
يعلق القديس أغسطينوس على كلمات المرتل قائلًا: [ارجع إلى نفسك، كن ديانًا لنفسك في الداخل. تطلع إلى مخدعك الخفي، في أعماق قلبك، حيث هناك تكون أنت وذاك الذي تراه (الله) وحدكما، هناك فليكن الإثم مكروهًا لديك، فتكون أنت موضع سرور الله].
2. موت عالي الكاهن:


إذ حدثت الضربة العظيمة (انكسار الشعب، قتل 30,000 شخص، موت الكاهنين، أخذ تابوت العهد) ركض رجل بنياميني إلى شيلوه ليبلغ الخبر، وكانت على بعد حوالي 20 ميلًا من حجر المعونة. جاء أمام رئيس الكهنة وقد مزق ثيابه ووضع ترابًا على رأسه ليجد عالي يراقب الطريق "لأن قلبه كان مضطربًا لأجل تابوت الله" [13]. واضح أن عالي لم يكن موافقًا على حمل التابوت إلى الميدان، لكنه خضع لإرادة الشعب.
إذ جاء الرجل يخبر بما حدث صرخت المدينة كلها، فاستدعى عالي الكاهن -المتقدم في السن والفاقد البصر- الرجل ليسمع منه الخبر الذي سمع الأخبار المؤلمة والخاصة بانكسار الشعب وموت الكثيرين وأيضًا موت ابنيه أما خبر أخذ التابوت فلم يحتمله، إذ سقط عن كرسي إلى الوراء إلى جانب الباب فانكسرت رقبته ومات.
لقد قضى لإسرائيل أربعين عامًا [18]، لكن تهاون ابنيه في مقدسات الله أفقده كل ثمر، وأنهى حياته بصورة مؤسفة.
3. ميلاد ايخابود بن فينحاس:

لقد دعت امرأة فينحاس طفلها "ايخابود" (= أبن المجد) ، قائلة: "زال المجد من إسرائيل لأن تابوت الله قد أُخذ" [22]. لقد أخطأت الفهم، فإن الواقع أن التابوت قد أًخذ لأنه قد زال المجد من إسرائيل. فقد إسرائيل مجده بانحرافه عن الله وزيغانه عنه، لذلك أسلم الله التابوت للأعداء لتأديب الطرفين معًا.
لقد كانت نكبتها في أخذ التابوت أشد وقعًا إلى نفسها من موت حميها ورجلها. لقد أدركت أن خسارتها بموت حميها وموت رجلها وخسارة ابنها بموت أبيه قبل أن يولد أمر لا يُذكر أمام خسارة الشعب بفقدان التابوت، علامة ترك الله شعبه.
_____




  رد مع اقتباس
قديم 13 - 06 - 2023, 02:06 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق

سقوط داجون أمام التابوت



سمح الله للفلسطينيين أن يأخذوا تابوت العهد لأجل تأديب إسرائيل، ليدركوا أنهم بالانحلال فقدوا حلول الله في وسطهم. وفي نفس الوقت أعلن الله مجده وقدرته إذ سقط داجون معبود الفلسطينيين وتحطم أمام التابوت وحلت بهم الأمراض لذا فكروا في إعادته.




1. سقوط داجون أمام تابوت العهد:

يبقى الله أمينًا بالرغم من عدم أمانتنا (2 تي 2: 13)، فإن كان بسبب انحلال شعبه سلم تابوت عهده للوثنيين لكنه أظهر قوته ومجد بسقوط داجون معبودهم. كان يلزم لأهل أشدود أن يدركوا أنه لا شركة بين الله وداجون في بيت واحد، وأن يقبلوا الواحد دون الآخر. لكنهم تجاهلوا الأمر فجاءوا في الصباح التالي ليجدوه أيضًا ساقطًا ورأسه ويداه مقطوعة على عتبة البيت. لقد أكد لهم أن معبودهم بلا رأس، عاجزًا عن القيادة والتدبير؛ وأيضًا بلا يدين عاجز عن العمل لحسابهم.

إن كنا قد أقمنا في القلب أو الفكر معبودًا كداجون، مثل محبة المال أو شهوة الجسد أو حب انتقام أو محبة مجد الباطل... فإن دخول رب المجد يسوع وقبوله في أعماقنا يحطم داجون، ينزل به إلى الأرض ويقطع رأسه ويديه على العتبة كي نطأها تحت أقدامنا.
يقول القديس أغسطينوس: [ليدخل تابوت العهد قلوبكم، وليسقط داجون إن أردتم. لتضعوا الآن ولتتعلموا أن تشتاقوا إلى الله. كونوا مستعدين أن تتعلموا كيف ترون الله].
لقد وجدوا رأس داجون ويديه مقطوعة على العتبة [4]، علامة الانحدار والاحتقار، إذ صارت هذه الأعضاء موضع الدوس بالأقدام. هكذا كل فكر مقاوم لله وكل عمل مضاد لإرادته قد يتشامخ إلى حين لكن نهايته المذلة والمهانة من الجميع.
داجون: يُقال إن اسمه مشتق من الكلمة العبرية "داج" وتعني سمكة. إله فلسطيني له رأس إنسان ويدا إنسان أما بدنه فعلى شكل سمكة. يعتبر إله الخصوبة مثلCeres ذلك لأن البحر يفيض بسمك كثير. هذا الإله لم يكن في الأصل يمثل العبادة القومية للفلسطينيين بل هو إله سامي تبناه الفلسطينيون بعد الغزو السامي على كنعان. عبادة الإله داجون (داجان) في منطقة ما بين النهرين ترجع إلى الأسرة الثالثة لأور في القرن 25 ق.م. عُرفت عبادته بين الأموريين والأشوريين. هدم يوناثان معبد داجون بأشدود وذلك في عهد المكابيين (1 مك 10: 84).
جاء الفلسطينيون بتابوت العهد إلى بيت داجون بكونه في ذلك الوقت من أعظم آلهتهم؛ جاء هذا التصرف كعلامة على غلبتهم لا على إسرائيل فحسب وإنما على إلههم، حاسبين أن داجون انتصر على إله إسرائيل الذي أنقذهم من مصر، لكن هذا الافتخار لم يدم طويلًا.
في كبرياء وعجرفة وضع الفلسطينيون تابوت العهد -وهم يدركون أنه يمثل الحضرة الإلهية- في بيت داجون، فتحدث معهم الله باللغة التي يفهمونها ألا وهي لغة المرض وحلول الكوارث، إذ ضرب أهل أشدود بالبواسير وبضربه الفيران.
2. ضرب أهل أشدود بالبواسير:


"فثقلت يد الرب على الأشدوديين وأخرجهم وضربهم بالبواسير في أشدود وتخومها" [6]. وكأن تابوت العهد الذي هو سبب النصرة وبركة للمؤمنين إن عاشوا في حياة قدسية بالرب، يصير هو نفسه سبب شقاء لغير المؤمنين، وكما يقول القديس الرسولبولس: "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1 كو 1: 18). "لأن رائحة المسيح الذكية في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 15-16).
"البواسير" هنا ربما تعني طاعونًا يُصيب الغدد اللمفاوية والفخذ.
جاء في الترجمة السبعينية أن البلاد ضُربت أيضًا بالفيران على غير العادة وأكلت محصولاتهم.
إذ شعر أهل أشدود أن يد الرب قست عليهم وعلى إلههم داجون أرسلوا إلى أقطاب الفلسطينيين يطلبون مشورتهم بخصوص "تابوت إله إسرائيل". غالبًا ما تشاور أقطاب المدن الخمس الرئيسية: أشدود وغزة وأشقلون وجت وعقرون وقرروا نقل التابوت إلى مدينة جت. جاء قرارهم في الغالب لظنهم أنه متى انتقل التابوت من بيت الصنم يرفع الله غضبه عنهم. لم يدركوا أنه لا يمكن أن يبقى التابوت في وسطهم مادام داجون أو غيره محتلًا قلوبهم الداخلية. ربما أيضًا ظنوا أن ما حدث في بيت داجون كان عرضًا، لذا أرادوا نقل التابوت للتأكد من دور التابوت وقدرته.
"أشدود" ربما تعني "قوة"، اسمها الحالي أشدود تبعد حوالي 19 ميلًا جنوب غرب ليدا، في منتصف الطريق بين غزة ويافا. كانت في القديم تُستخدم كمدينة تابعة لميناء. هي إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى، ومركزًا لعبادة الإلهة داجون. هدم عزيا ملك يهوذا أسوارها (2 أي 26: 6). حاصرها ترتان -القائد الأشوري أثناء حكم سرجون- وأخذها (إش 20: 1). هددها عاموس (عا 1: 8) وصفنيا (صف 2: 4) وزكريا (زك 9: 6).

قاوم أهلها إعادة بناء أسوار أورشليم في أيام نحميا (نح 4: 7). كما أخذ بعض اليهود الراجعين من السبي زوجات من أهلها فلقوا قصاصًا صارمًا من نحميا (نح 13: 23-24). استولى عليها المكابيون مرتين في القرن الثاني ق.م؛ في المرة الثانية خربوا هيكل داجون (1 مك 5: 68؛ 10: 84). في أشدود نادى فيلبس الرسول بالإنجيل (أع 8: 4).
3. ضرب أهل جت بالبواسير:

"جت" كلمة عبرية تعني "معصرة" ، وهي إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى: أشدود، جت، عقرون، غزة، أشقلون (1 صم 6: 17). أغلب الدارسين يرون أن موقعها الحالي "عراك المنشية" تبعد حوالي 7 أميال غرب بيت جبرين. كانت إحدى مدن العناقيين (يش 11: 22)، نشأ فيها العمالقة (2 صم 21: 22، 1 أي 20: 21)، أشهرهم جليات الجبار الذي قتله داود النبي (1 صم 17). كانت أحد حصون الفلسطنيين، أخذها داود منهم (2 صم 15: 18، 1 أي 18: 1) ثم تناقلت بين أيدي الفلسطنيين (1 مل 2: 39) ويهوذا (2 أي 11: 8) وآرام (2 مل 12: 17) ثم يهوذا (2 مل 13: 25) فلسطينيين إلخ...
إذ نُقل تابوت العهد إلى جت كانت الضربة أشد حتى يدرك الفلسطينيون أن ما يحدث ليس اعتباطًا إنما هو تأديب إلهي، إذ قيل: "إن يد الرب كانت على المدينة باضطراب عظيم جدًا، وضرب أهل المدينة من الصغيرة إلى الكبيرة ونفرت لهم البواسير" [9].

4. ضرب أهل عقرون بالبواسير:

المدينة الشمالية من مدن الفلسطينيين الخمس العظمى، تسمى الآن "عاقر". وهي قرية صغيرة تقوم على تل، تبعد حوالي 12 ميلًا من يافا. كانت في البداية من نصيب يهوذا، على تخومه الشمالية ثم أُعطيت لدان، وقد استرجعها الفلسطينيون بعد مدة. عبد أهلها بعل زبوب (2 مل 1: 2). هددها عاموس (عا 1: 8) وصفنيا (صف 2: 4) وإرميا (إر 25: 20) وزكريا (زك 9: 5). أعطاها الإسكندر ليوناثان كمكافأة له لنصرته على أبولونيوس (1 مك 10: 89).
إذ نقل إليها تابوت العهد على غير رغبة شعبها كانت يد الله ثقيلة جدًا هناك، فصرخوا "فصعد صراخ المدينة إلى السماء" [12]. لقد طلبوا عودة التابوت إلى مكانه.
5. قرار جماعي بإعادة التابوت:

يعتبر هذا القرار شهادة لقداسة الله وقدرته. وكأن الله استخدم حتى شرهم لاستنارتهم؛ منذ البداية كانوا يعلمون أنه إله قوي خلص شعبه من مصر بعجائب (1 صم 4: 7-8) لكنهم تشددوا لمقاومته، أما الآن فقد أيقنوا أنهم لن يستطيعوا مقاومته. لقد حقق الله ما قيل في إشعياء النبي: "أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات" (إش 42: 8).



  رد مع اقتباس
قديم 15 - 06 - 2023, 02:31 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق





عودة تابوت العهد





لقد طالت مدة إقامة تابوت العهد في وسط الوثنيين إلى سبعة أشهر، ليتأكد الكل أن ما حل بالوثن (الإله داجون) وما حل بالناس (مرض البواسير) وأيضًا بالأرض (جرذان أو فئران كبيرة تأكل محاصيل الأرض) لم يكن محض صدفة إنما علامة غضب الله على الوثنيين. وأيضًا لكي يقدم المؤمنون توبة صادقة مشتاقين بالحق للتمتع بالحضرة الإلهية المعلنة بوجود التابوت في وسطهم:
1. عمل قربان إثم:

"وكان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر" [1]. لا نعرف ما هي مشاعر إسرائيل نحو الأحداث في ذلك الوقت. لقد دُهشوا أن التابوت أُخذ منهم كما في خزي وضعف والكاهنين قتُلا وكثيرين سقطوا وفقد الشعب كرامته... لقد مرت الأيام والأسابيع وأيضًا الشهور ولم يسمعوا شيئًا عن التابوت، لكن الله كان يعمل مؤكدًا قدرته على الخلاص، وشعر الوثنيون بالرهبة أمام الله، فاستعدوا الكهنة والعرافين قائلين: "ماذا نعمل بتابوت الرب؟ أخبرونا بماذا نرسله إلى مكانه؟" [2].
لقد استخدم الله حتى كهنة الوثنيين والعرافين للشهادة له، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [شهد أعداء الله أنفسهم له؛ نعم قدم معلموهم أصواتهم عنه ].

العرافون هم الذين يدعون بأنهم قادرون على معرفة الأمور المستقبلية بواسطة علامات طبيعية كطيران الطيور أو أمعاء حيوان مذبوح أو النظر إلى الكبد أو السهام أو ماء في كأس أو استدعاء أرواح الأموات أو قراءة الكف أو تتبع حركة النجوم إلخ... هذه عادات شائعة في الشعوب القديمة خاصة الشرقية، ولا تزال قائمة في بلاد شرقية كثيرة. خلال العرافة يأخذ البعض قرارتهم مثل اختيار شريك الحياة أو القيام بحرب في وقت محدد، وقد نهى عنها الكتاب المقدس (لا 20: 27؛ 18: 9-14، إر 14: 14؛ حز 13: 8-9).
طلب الكهنة والعرافون ألاَّ يرسلوا التابوت فارغًا بل يردوا له قربان إثم اعترافًا منهم أنهم أخطئوا وأن ما حل بهم هو تأديب وثمرة لإثمهم في حق الله، وكنوع من التعويض الأدبي والمادي لما أصاب شعبه. طلبوا أن تشترك كل مدينة من المدن الخمس العظمى في هذا القربان ليكون الاعتراف جماعيًا والقربان عن الشعب كله.
كانت العادة لدى الوثنيين تقديم تمثال الجزء المصاب بمرض للآلهة عند البرء من المرض، ولذا طلب الكهنة والعرافون تقديم خمسة بواسير من ذهب وخمسة فئران من ذهب، غير أن الشعب زادوا هذا العدد وصنعوا فئران الذهب بعدد جميع المدن من المدينة المحصنة إلى قرية الصحراء لأن الضربة كانت عامة [18].
لقد أدرك الوثنيون حقيقتين:

أ. أن الله لا يُرشى بذهب أو فضة إنما ما يقدمونه من قربان إثم هو اعتراف وشهادة لمجده، إذ قالوا: "أعطوا إله إسرائيل مجدًا لعله يخفف عنكم وعن ألهتكم وعن أرضكم" [5].
ب. أن مقاومته لن تُجدي، فقد أغلظ فرعون قلبه فهلك [6]. كأن ما حدث منذ حوالي 350 عامًا في مصر انتشرت معرفته في كل البلدان في منطقة الشرق الأوسط.
2. رد التابوت على عجلة جديدة:

لقد عمل الفلسطينيون عجلة جديدة تجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير [7]، تحمل تابوت العهد وقربان الإثم. بالفعل استقامت البقرتان في الطريق، وكانتا تسيران في سكة واحدة وتجران، لم تميلا يمينًا ولا يسارًا، وأقطاب الفلسطينيين يسيرون وراء تابوت الرب.

ما أروعه منظرًا يشهد لحب الله لشعبه! فمهما طالت إقامة التابوت في أرض الأعداء، لكن الله يشتاق أن يسكن وسط شعبه ويحل فيهم، لقد ساق البقرتين رغم ميلهما الطبيعي لصغيريهما، واستقامتا في الطريق نحو شعب الله. ما أعظم رحمة الله بنا، فإنه يُريد أن يتناسى أخطاءنا ويسكن فينا ويستريح في أحشائنا.
العجلة الجديدة والبقرتان اللتان لم يعلهما نير تكشف عن إدراك الوثنين أيضًا أن الله لا يقبل التعرج بين الفريقين، يُريد أن يكون القلب الحامل له بالكامل له لا يمزج بين حب الله وحب الخطية أو بين ملكوت الله ومملكة إبليس. وكما يقول القديس بولس: "وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟!" (2 كو 6: 14).
يقول العلامة أوريجانوس: [لا يقوم ملكوت الله مع مملكة الشر. لذلك إن كانت إرادتنا أن نكون تحت مُلك الله ليته لا تملك أية خطية في جسدنا المائت (رو 6: 12)، ولا نطيع وصاياها، عندما تحث نفوسنا أن تمارس أعمال الجسد (غلا 5: 19) والأمور الغريبة عن الله].
لقد طلب الوثنيون عمل عجلة جديدة وإحضار بقرتين مرضعتين لم يعلهما نير... وقد رأينا في الشريعة البقرة الحمراء تقديم بقرة لم يعلها نير (عد 19: 2)، وعندما دخل السيد المسيح أورشليم ركب جحشًا لم يجلس عليه أحد من الناس (مر 11: 2).
طلب الكهنة والعرافون ترك العجلة بلا قيادة لينظروا إن كانت تسير نحو تخم التابوت، أي تخم أرض إسرائيل التي كان التابوت فيها، متجهة إلى بيتشمس. وهي مدينة للكهنة (يش 21: 16) على تخم يهوذا، على بعد حوالي 12 ميلًا جنوب شرقي عقرون، حاليًا تدعى عين الشمس.
3. حجر شهادة في حقل يهوشع:


إن كانت العجلة تمثل كنيسة العهد الجديد التي تضم شعبًا من فريقين: من أصل يهودي ومن الأمم، وقد صار الكل بروح الله "جديدًا" في الرب كمن لم يعلُهما نير، فإن العجلة انجذبت إلى حقل يهوشع البيتشمسي [18]، لماذا؟
يُجيب القديس يوستين مقدمًا مقارنة بين دخول الشعب أرض كنعان تحت قيادة يشوع الذي كان قبلًا يهوشع وبين دخول العجلة الجديدة بالتابوت إلى حقل يهوشع قائلًا: [البقرتان اللتان لم يقدهما إنسان لم تذهبا إلى الموضع الذي أُخذ منه التابوت بل إلى حقل رجل معين يدعى "يهوشع"... اسمه مأخوذ عن "يسوع (يشوع)"... لتظهرا لكم أنهما كانتا مقادتين بقوة الاسم، كما حدث قبلًا مع الشعب الذي تبقى من الخارجين من مصر. لقد قادهم إلى الأرض ذاك الذي حمل اسم يسوع (يشوع) والذي كان يُدعى قبلًا يهوشع ].
بقى حجر الشهادة الذي وُضع عليه تابوت العهد في حقل يهوشع شاهدًا لعمل الله مع شعبه ، تتطلع إليه الأجيال لتذكر رعاية الله واهتمامه بأولاده.
4. ضرب أهل بيتشمس:

أ. كنا نتوقع من الشعب أن يسقطوا على وجوههم عند معاينتهم للتابوت، ويقدموا توبة للرب، ويستدعى الكهنة واللاويين لحمله والاحتفال به، لكنهم في تجاهل للشريعة التفوا حول التابوت. ضُرِب من الشعب خمسون ألف رجل وسبعون رجلًا. لقد كرّمه الفلسطينيون بالرغم من جهلهم أكثر من الشعب المُعْطَى له وصايا صريحة بشأنه. نحن أيضًا كم مرة ندوس مقادس الله ونتقدم إلى الأسرار الإلهية في تهاون ونستمع إلى كلمته بغير خشوع؟!
ب. يميز الكتاب بين الخمسين ألفًا والسبعين المضروبين بسبب رؤية التابوت، ربما لأن الخمسين ألفًا من كل بني إسرائيل سمعوا من كل موضع وجاءوا يحتفلون برجوعه بينما السبعون هم وحدهم من بيتشمس. يرى البعض أن النسخ العبرية القديمة لم تذكر سوى رقم 70.
لم يرجع التابوت إلى شيلوه، غالبًا لأنها كانت قد دُمرت بواسطة الفلسطينيين، هذا واضح من الحفريات ومن (إر 7: 12).
أُصعد التابوت من بيتشمس إلى قرية يعاريم (مدينة الغابات أو مدينة المدن)، على تخم يهوذا وبنيامين، كانت تابعة ليهوذا (قض 18: 2). يُرجح أنها قرية العنب التي تسمى أيضًا اباغوش تبعد حوالي 9 أميال غرب أورشليم. بقى بها تابوت العهد حتى نقله داود النبي إلى بيدركيدون وبيت عوبيد أدوم الجتي (1 أي 13: 5-13، 2 أي 1: 4).

  رد مع اقتباس
قديم 17 - 06 - 2023, 11:55 AM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق




شاول الملك

بدء عصر الملوك

طلب الشعب من صموئيل إقامة ملك لهم كسائر الأمم، ومع ما حمله هذا الطلب من رفض لمُلك الله ولصموئيل لكن أعطاهم الله سؤل قلبهم، وأقيم شاول ملكًا، الذي نجح إلى حين.
لقد أرادوا التشبه بالأمم، غير أن النظام الملكي هنا له مفهوم فريد. ففي مصر كان يُنظر إلى فرعون كإله يعود إلى دائرة أفقه عند موته. وفي أشور أو بابل ينظر إلى صاحب السلطة على أنه كائن قابل للموت لكنه كمحبوب الآلهة لا يمكن أن يخطئ وهو يمثل رأس الدولة وفي نفس الوقت الرأس الديني؛ كلمته تعتبر قانونًا لا يُراجع فيها. أما بالنسبة لإسرائيل فالملك إنسان يلتزم أن يحكم حسب نعمة الله، يمسحه الكاهن وليس له حق العمل الكهنوتي. الشريعة الإلهية فوق الكل، عليه أن يخضع لها ويحترمها. لهذا عندما قدم شاول ذبيحة، وعندما أخذ داود امرأة أوريا، وعندما استولى آخاب على كرم نابوت اليزرعيلي صدرت أحكام ضدهم وعوقبوا. ليس عجيبًا أن يُعاقب الملوك المخطئون، فقد عرف داود الملك حق ناثان النبي في اتهامه ليعترف أمامه أنه أخطأ في حق الله.

عاش صموئيل النبي حتى مسح داود ملكًا، لكنه تنيح قبل تجليسه. تمتع داود بالوعد أن يرث نسله المُلك أبديًا، وقد وضع داود النبي الأساسات التي بنى عليها الملوك الصالحون المملكة.
طلب ملكك

انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبُهة التي لملوك الأمم المحيطين بهم، وحسبوا ذلك مجدًا وكرامة حُرموا هم منهما، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبي وعدم سلوك ابنيه في طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضي لهم كسائر الأمم [5].













1. طلب ملك:

ربما يتساءل البعض: لو لم يطلب الشعب ملكًا، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة؟
أ. لا نجد للنظام الملكي موضعًا حقيقيًا في الشريعة الموسوية إلا ما جاء في (تث 17: 14-20). ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكي في أرض الموعد، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكًا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو في الجماعة المقدسة.
ب. كان الخطأ لا في طلب إقامة ملك إنما في تعجل الأحداث وفي إساءة فهم النظام الملكي. فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله، فقد سمح بمجيء راعوث من بين الأمم، تلك التي من نسلها يخرج داود النبي والملك. لو انتظروا قليلًا لنالوا أفضل مما طلبوا، ولَمَا أُقيم شاول الجميل الصورة الذي سبب لهم شقاءً عظيمًا.
أما من جهة فهم النظام الملكي، فقد أرادوا ملكًا يقود الجيش عوض صموئيل النبي رجل الصلاة، وقد حطمهم الملك الذي نالوه حسب قلبهم عوض بنيانهم ونصرتهم. لقد أرادوا أيضًا ملكًا يحكمهم هو ونسله من بعده بينما في ظل نظام القضاة كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الارتباط بالنظام الملكي وتسليم القيادة في أيدي نسله بالوراثة.

لقد شاخ صموئيل النبي والقاضي، وأقام ابنيه يوئيل وأبيا قاضيين في بئر سبع، اللذين لم يسلكا في طريق أبيهما إذ مالا وراء المكسب المادي والرشوة وعوَّجا القضاء [1]. كان يليق بصموئيل النبي أن يقيم قضاة مستقيمين عوض ابنيه.
لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف ابنيه كما فعل مع عالي؟ ربما لأن عالي كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة.
وكان الابنان يعملان مع أبيهما وتحت مسئوليته كرئيس كهنة. أما بالنسبة لابني صموئيل، فيحتمل أن يكون انحرافهما - قبول الرشوة - جاء مؤخرًا بعدما تسلما العمل بفترة، فابتدأ الاثنان بالاستقامة لكن محبة المال أغوتهما، هذا وكان الاثنان يعملان في بئر سبع وليس مع أبيهما في الرامة، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز (القاضي) بالخلافة.
يتساءل البعض لماذا دُعيَ البكر هنا "يوئيل" بينما في (1 أي 6: 28) قيل (البكر "وشني")؟ كلمة وشني في العبرية تعني "والثاني"، ولذا يرى الدارسون أن كلمة "يوئيل" حذفت سهوًا في النساخة وأن كلمة وشني قُصد بها (والابن الثاني) وليست اسمًا للبكر.
اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابني صموئيل يكشف عن وجود ضمير حيّ فيهم، على خلاف فترة حكم عالي الكاهن إذ لا نجد أحدًا يعترض على تصرفات ابنيه البشعة. هذا وتنصيب الابنين للقضاء في بئر سبع في الجنوب بينما كان صموئيل يقضي في الشمال يكشف أن حكم صموئيل شمل البلاد كلها من الرامة إلى بئر سبع، وأن استقرارًا داخليًا قد حل بالبلاد، وأنهم كانوا مستريحين من حكم الفلسطينيين.
يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبي القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب.
2. صموئيل النبي يحسب ذلك إهانة له:

لقد حسب صموئيل النبي ذلك الطلب رفضًا لعمله القضائي، وحسب الرب ذلك رفضًا له هو شخصيًا كملك على شعبه، إذ قال لصموئيل نبيه: "إسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك؛ لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" [7].

ما أعظم حكمة صموئيل، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولًا مشورة الله وإرشاده، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه. والعجيب أن الله يطلب من صموئيل: "اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك". إنه يقدس الحرية الإنسانية، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرًا إياهم بسبب سوء رغبتهم. إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم.
3. الله يقبل طلبتهم مع تحذيرهم:

استجاب الله لطلبتهم، هذا لا يعني رضاه عن ذلك، إنما كما يقول المزمور: "يعطيك سؤل قلبك" (مز 37: 4). فإن كان سؤل قلبنا سماويًا ننعم بالسماويات كبركة لنا، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب. وكما يقول المرتل: "فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالًا في أنفسهم" (مز 106: 15).
إن كان الرب قد استجاب طلبتهم، إلا أنه أوضح لهم حقيقتين:
الحقيقة الأولى أن كل رفض لرجاله هو رفض له، إذ يقول: "لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا" [7]. يقول رب المجد لتلاميذه: "الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني" (لو 19: 16، مت 8: 4).
* لكوني كنت جاهلًا بهذه الأمور، فقد هزأت بأبنائك وخدامك القديسين، ولكن لم أربح من وراء هذا سوى ازدرائك بي.
القديس أغسطينوس

* يليق بكم أن تطيعوا أسقفكم بدون رياء تكريمًا لله الذي يُريد منا ذلك. فمن لا يفعل هذا فهو في الواقع لا يخدع الأسقف المنظور بل يسخر من الله غير المنظور. فهذا العمل لا يخص إنسانًا بل الله العالِم بكل الأسرار.
القديس أغناطيوس الثيؤفورس
الحقيقة الثانية أن اختيارهم للنظام الملكي لم يكن لصالحهم، موضحًا لهم ما سيصيبهم من ظلم الملوك واستغلالهم لكل إمكانياتهم.
4. صموئيل يحذر الشعب:

تحدث صموئيل النبي مع الشعب في صراحة ووضوح بجميع كلام الرب، ليكشف لهم عن مساوئ طلبتهم لإقامة ملك، والتي تتلخص في الآتي:
أ. تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصي كعبيد له.
ب. يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لتَرَفِه هو وعائلته ورجاله.
ج. يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه (كبار موظفيه) وعبيده.
د. استغلال طاقاتهم في زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه.
ه. إذ يحل بهم الظالم لا يجدون من يصرخون إليه، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصي.

لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك [19]، عندئذ فض صموئيل الاجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته [22]، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر.



  رد مع اقتباس
قديم 17 - 06 - 2023, 12:19 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حبقوق

تفسير سفر حبقوق



لقاء شاول مع صموئيل



إذ أصر الشعب على الطلبة أقام لهم شاول بن قيس البنياميني؛ كان شابًا حسنًا لم يكن في بني إسرائيل أحسن منه، من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب [12]. يقول الرب لنبيَّه صموئيل: "امسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل، فيُخلص شعبي من يد الفلسطينيين لأني نظرت إلى شعبي، لأن صراخهم قد جاء إليّ" [16].




1. شاول وأتن أبيه الضالة:

إذ سأل الشعب صموئيل النبي أن يقيم لهم ملكًا أُختير "شاول الذي يعني "سؤال" ملكًا. لقد أعطاهم ملكًا حسب سؤل قلبهم، إنسانًا حسن الصورة طويل القامة، أما قلبه فلم يكن مستقيمًا.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [قيل إن "شاول" تعني "سؤلًا". من المعروف جيدًا أن الشعب سأل عن ملكٍ لهم، فتسلموه ملكًا لا حسب إرادة الله بل حسب إرادتهم الذاتية].
لم يتجاهل الكتاب المقدس الجوانب الطيبة التي اتسم بها شاول بل على العكس أبرزها، لكن لم يحتمل شاول الغنى والكرامة إذ كشفا انعوجاج قلبه الداخلي واهتمامه بحب الكرامة الزمنية والمظاهر الخارجية لذا انتهت حياته برفض الله له وحرمان نسله من تولي الملك.
بدأ هذا الأصحاح بإبراز نسب شاول الذي يقدمه الله للشعب لاختياره ملكًا حسب هوى قلبهم . كشف الكتاب أنه من سبط بنيامين، من نسل الستمائة الذين نجوا من الحرب وأقاموا في الصخرة رمون (قض 20: 47). وهو سبط صغير العدد جدًا بسبب حرب الأسباط الأخرى ضده (قض 20)، لكنه كان سبطًا مقتدرًا له كرامته. أما شاول نفسه فكان شابًا حسن الصورة "ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه، من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب" [2].

يروي لنا هذا الأصحاح الأحداث التي انتهت بمسح شاول ملكًا، أحداث قد يراها البعض عارضة، أو محض صدفة، تبدو أحداثًا تافهة بلا قيمة، لكن الوحي الإلهي يكشف لنا كيف أن الله ضابط الكل، يُحّوَّل الأحداث جميعها - مهما بدت تافهة - لتحقيق خطة إلهية من جهتنا، وليس شيء ما يتم مصادفة. هنا نجد أتن قيس تضل فيخرج شاول يبحث عنها لا ليجد الأتن وإنما لكي يُدعى للمُلك، خروج الغلام معه، الذي يشير عليه أن يلتقيا بالرائي، أيضًا وجود نصف شاقل فضة لدى الغلام، لقاء شاول والغلام مع الفتيات الخارجات ليستقين، لقاؤهما مع الرائي... هذه جميعها بدت في الظاهر كأنها أمور تمت بلا تدبير مسبق، لكن الواقع أن الله كان وراء كل هذه الأمور يستخدمها لتحقيق خطته. ليتنا نؤمن أن كل ما يمر بحياتنا -مهما بدا تافهًا - يسير بتدبير الله العارف حتى بعدد شعور رؤوسنا (مت 10-30) والمعتني بالعصافير.
لقد ضاعت أتن قيس وخرج شاول والغلام يبحثان عنها
وكما يقول القديس باسيليوس: [إن الله يستخدم كل فرصة لكي يدعونا للعمل ضاعت الأتن لكي يوجد ملك لإسرائيل ].
"الأتن" من الجانب الرمزي تشير إلى "الجهل"، فإن شاول دُعي للمُلك حين ضاعت الأتن، وهكذا لكي نملك مع السيد المسيح يلزم انتزاع الجهل من نفوسنا والتمتع بنور المعرفة. لتخرج الأتن من بيتنا الداخلي وليحل نور المعرفة في أعماقنا فنملك مع مسيحنا النور الحقيقي. عندئذ نقول مع الملك داود: "بنورك يا رب نعاين النور".
يقول القديس أكليمندس الإسكندري: [إن الغنوسي أو صاحب المعرفة الروحية بحق لا يضطرب من شيء ما... لا يخشى الموت، إذ له الضمير الصالح واستعداد لمعاينة القوات (السماوية)].
مع أن الأتن أمر زهيد لكن شاول بذل جهدًا في البحث عليها إذ عبر في جبل أفرايم ثم في أرض شليشه ثم أرض شعليم فأرض بنيامين وأخيرًا أرض صوف... وإذ مرت ثلاثة أيام في البحث عنها دون جدوى خشى شاول أن يقلق أبوه عليه، فقال للغلام: "تعال نرجع لئلا يترك أبي الأتن ويهتم بنا" [5]. هذه جوانب طيبة في شاول: بحثه الجاد عن الأتن، اهتمامه بمشاعر أقرب الناس إليه، ثم تشاوره مع الغير (الغلام)... هذه سمات تجعل الإنسان جديرًا باستلام دور قيادي وإن كان كبرياء قلبه قد أفسد هذا كله فيما بعد.

"شليشه" تعني "ثلاثي" ، وهي مقاطعة في جبل أفرايم، جنوب غربي شكيم.
"أرض شعليم" تعني "أرض الثعالب" ، مقاطعة في أفرايم.
بحسب التقليد اليهودي الغلام المرافق لشاول هو دواغ الأدومي الذي صار فيما بعد مشيرًا له، بسببه قُتل كهنة نوب ونساؤهم وأولادهم حتى ماشيتهم أهلكها (1 صم 22: 7-23).
2. الغلام يشير عليه باللقاء مع الرائي:

إذ أراد شاول العودة حتى لا ينشغل أبوه بأمره هو والغلام، سأله الغلام أن يستشير رجل الله ليخبرهما عن طريقهما التي يسلكان فيها [6].
اعتاد اليهود أن يدعو النبي "رجل الله" (يش 14: 6، 1 مل 12: 22؛ أي 11: 2)، لأنه يعمل على التقدم بالشعب إلى الله خلال الصلاة والوصية الإلهية والإرشاد والنبوة؛ كما يدعى "إنسان الروح" (هو 9: 7)، بكونه مهتمًا بالروحيات، يعمل بقيادة روح الله؛ وأيضًا يدعى "الرائي" إذ ينظر إلى بعض أمور المستقبل كما ببصيرة روحية مفتوحة.
ادعى بعض النقاد أن هذا السفر يحوي مصدرين مختلفين في الفكر، كما رأينا في المقدمة، قائلين إننا نرى في الحوار بين شاول وغلامه أن الأول يجهل اسم الرائي وموضوعه بينما يسكن قريبًا منه، وكأن صموئيل رٍاء مجهول حتى ممن هم قاطنون بالقرب منه، بينما نجد في ذات السفر صموئيل كنبي عظيم وقاضٍ يحكم الشعب كله ويوجهه... كيف يكون ذلك؟

أ. يُجاب على هذا بأن شاول عاش في قريته لا يُبالي بالأمور السياسية والدينية الجارية في عصره، فلم تكن الشخصيات البارزة معروفة لديه كما يحدث مع كثيرين من سكان القرى، خاصة مع عدم وجود وسائل إعلام قوية كالعصر الحديث. أذكر أنه في عام 1953 بعد قيام الثورة المصرية كتب أحد المدرسين المنقولين إلى الصعيد إلى عائلته في القاهرة يقول: هنا يوجد أناس لازالوا يظنون أن الملك فؤاد هو حاكم مصر؛ وكأنهم على غير علم بموته وجلوس الملك فاروق ثم عزله وقيام الثورة في يوليو 1952. ربما حمل الحديث نوعًا من المبالغة لكنه يوضح كيف لا ينشغل بعض سكان القرى بالرئاسات الدينية أو المدنية العليا.
يقدم لنا واضع تفسير صموئيل الأول (مركز المطبوعات المسيحية) مثلًا واقعًيا حدث في إسكتلنده، حيث دُعي رئيس كنيسة إسكتلنده ليلقي خطابًا في حفل عام، وكان زعيمًا بارزًا في جيله، كتبت عنه الصحف عدة شهور ونشرت له صورًا مرارًا كثيرة. فلما قدمه رئيس المؤتمر إلى رئيس مجلس المدينة وهو عضو في تلك الكنيسة، سأل: "من هو هذا الرجل؟"... على ذات القياس، في كل عصر نجد الكثيرين ممن لا يهتمون حتى بمعرفة اسم الرئيس الديني.
هذا ونلاحظ أن الغلام الذي يخدم شاول كانت لديه معلومات أكثر عن الرائي وكرامته وموضع سكناه، إذ قال: "هوذا رجل الله في هذه المدينة، والرجل مكرم، كل ما يقوله يصير" [6].
هذا ولا ننسى أيضًا أن صموئيل مثل عالي الكاهن اختلف الاثنان عن بقية القضاة السابقين لهما وربما البعض كانوا معاصرين لهما، إذ التزما بالعمل القيادي الروحي والتوجيه في المسائل الزمنية دون قيادة الجيوش بنفسيهما، إذ لم يكونا رجلي حرب، الأمر الذي لم يكسبهما شهرة بين الشباب، لأن الشباب غالبًا ما تستهويه أخبار الحروب والانتصارات والأعمال البطولية.
تساءل شاول: "ماذا نقدم للرجل، لأن الخبز قد نفذ من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله، ماذا معنا؟" [7].

إن كان شاول قد جهل اسم الرائي وموضع سكناه لكنه تربى منذ الطفولة ألاَّ يدخل بيت الله بيد فارغة، ولا يلتقي برجل الله بيد فارغة. وكانت العادة السائدة أن يقدم الإنسان من طعامه أو محصولاته كما من أمواله.
هذه العادة عاشتها الكنيسة الأولى، فقيل عن والد القديس تكلا هيمانوت الأثيوبي، وهو كاهن، أنه لم يكن يدخل الكنيسة بيد فارغة. الكاهن الروحي محب للعطاء أكثر من الأخذ... أينما وجد يشتاق أن يُعطي. أقول إن كل نفس تلتقي بالله المحبة يحمل طبيعة العطاء في أعماقه، يفرح ويشبع داخليًا مع كل عطاء للغير.
كان مع الغلام ربع شاقل فضة، وهو مبلغ زهيد للغاية، لم يخجل هو وشاول من تقديمه، فإن العبرة لا في الكمية بل في طبيعة العطاء ذاتها أو اتساع القلب بالحب.
كانت الرامة - مدينة صموئيل- قائمة على أكمتين (رامتايم 1: 1)، لذا قيل "وفيما هما صاعدان في مطلع المدينة" أي متجهان نحو باب المدينة، التقيا بفتيات خارجات لاستقاء الماء، قلن لهما: "هوذا هو أمامكما، أسرعا الآن، لأنه جاء اليوم إلى المدينة لأنه اليوم ذبيحة للشعب على المرتفعة" [12].
إن كانت الرامة القائمة على أكمتين تمثل كنيسة المسيح القائمة على العهدين، القديم والجديد، فإنه يليق بكل قلب أن يترك ما هو عند السفح ويصعد بروح الله خلال كلمة الله -العهدين- ليعيش في الرامة كرٍاء ينعم بالبصيرة المفتوحة المطَّلِعة على أسرار الله وأمجاده السماوية، ما هؤلاء الفتيات الخارجات لاستقاء الماء إلا رجال العهدين القديم والجديد الذين خلال النبوات والكرازة الإنجيلية يشيرون إلى المسيح السائر أمامنا يرعانا، يفتح طريق الحق ويعبر بنا إلى الجلجثة لننعم بأسرار ذبيحته المخلِّصة.
ماذا قالت الفتيات لهما؟

"عند دخولكما المدينة للوقت تجدانه قبل صعوده إلى المرتفعة ليأكل، لأن الشعب لا يأكل حتى يأتي لأنه يبارك الذبيحة، بعد ذلك يأكل المدعوون" [13].
إذ ننعم بالصعود إلى كنيسة المسيح، ماذا نرى؟ نرى مسيحنا الذي تقدم ليأكل، مقدمًا جسده المبذول ذبيحة حب مشبعة لشعبه. يبارك الذبيحة بيديه الطاهرتين ليُعطي مدعويه ليأكلوا ويشبعوا ويثبتوا فيه.
لما دخل الرجلان إلى وسط المدينة "إذ بصموئيل خارج للقائهما ليصعد إلى المرتفعة" [14]. هكذا إذ ننعم بالعضوية الكنسية، ندخل إلى كنيسته فيحملنا إلى جبل الجلجثة (المرتفعة) لنتمتع بسر الذبيحة واهبة المصالحة والمشبعة لاحتياجات النفس.
3. صموئيل يكشف لشاول رسالته:

لقد كشف الله لصموئيل النبي بخصوص مسح شاول ملكًا أو رئيسًا لشعبه، وذلك قبل اللقاء معه بيوم [15]. ويلاحظ أن كلمة "رئيس" جاءت هنا في العبرية nagid تعني "رئيسًا" أو "أميرًا" غير أن الحديث عنه هنا كملك، كما أنه المسحة ذاتها تعني نواله الملوكية.
استضاف صموئيل النبي شاول، وكشف له كل شيء، إذ قال له: "وأما الأتن الضالة لك منذ ثلاثة أيام فلا تضع قلبك عليها، لأنها قد وُجدت، ولمن كل شهيِّ إسرائيل؟ أليس لك ولكل بيت أبيك؟!" [20].
في اتضاع أجاب شاول: "أمَا أنا بنياميني من أصغر أسباط إسرائيل، وعشيرتي أصغر كل عشائر أسباط بنيامين؟! فلماذا تكلمني بمثل هذا الكلام؟!" [21].
هنا يليق بنا أن نقف قليلًا لندرك عطايا الله للإنسان المرتفع إلى مدينة الرامة، أي إلى الكنيسة، والملتقى مع صموئيل رمز السيد المسيح.


أ. طلب صموئيل النبي من شاول ألا ينشغل بالأتن الضالة، فإنها أمر تافه للغاية أمام ما سيناله من عطايا، مقابل هذا أعلن له أنها قد وجدت، وأنه ينال كل شهي إسرائيل. ألم يسألنا السيد المسيح ألا نهتم بشيء إلا بملكوت الله وهذه كلها تزاد لنا.؟ فإن الله في محبته يهبنا في هذا العالم مئة ضعف (مت 19: 29) بجانب تمتعنا بملكوت الله.
لنترك عنا الارتباك بالأتن الضالة، فيردها الرب إلينا ويعطينا مركبات وخيل، أما ما هو أعظم فإنه يهبنا ملكوته السماوي، كما بقيادة مركبته السماوية، لنترك الأتن الوضيعة الأرضية فنتقبل مركبة الله السماوية!
ب. أخذه صموئيل هو وغلامه إلى المنسك، أي إلى الغرفة بالمرتفعة عند المذبح المعدة للولائم الخاصة بالذبائح، وجعلهما على رأس المدعوين وهم نحو ثلاثين رجلًا [22]، ثم أوصى الطباخ أن يقدم له الساق وما عليها [24]. على أي الأحوال من يترك الانشغال بالزمنيات يرتفع كما إلى الوليمة السماوية وينعم بالطعام السماوي وينال كرامة مضاعفة وشبعًا.
ج. تمتع شاول بحديث سري مع صموئيل عند طلوع الفجر على السطح [25-26]. هكذا إذ ننعم بالطعام السماوي ندخل إلى علاقة سرية مع مسيحنا، نلتقي به مبكرًا، حيث نوجد كما على السطح، مرتفعين نحو السماء لننظر أسراره الإلهية وننصت إلى كلماته الخاصة، محدثًا إيانا عن إقامتنا ملوكًا روحيين (رؤ 1: 6؛ 5: 10).
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
حبقوق النبي | حبقوق يرق لشعبه
شخصية حبقوق النبي في سفر حبقوق في الكتاب المقدس
تفسير بعض آيات سفر حبقوق
سفر حبقوق 1: 1 الوحي الذي راه حبقوق النبي
تفسير سفر حبقوق - د/ مجدى نجيب


الساعة الآن 11:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024