القديس بولس
وجوب النظرة الشاملة:
+ ولنحاول الآن أن نتبصّر بعض رسائله فهي ترسم لنا صورة صادقة قوية لكاتبها. إنها تعكس مزاجه وانفعالاته. إنها سامية فائضة بالأحاسيس والمشاعر فتهزّ النفس هزًا. وهي تعكس عقله الذي يتراكض بسرعة مذهلة تجعل القارئ يلهث وراءه في مناسبات كثيرة.
+ ولكن- لنصغ أولًا إلى ما قاله ذهبي الفم عن رسائل بولس جميعها: "إن بولس يكتب كتابه منطقية مسلسلة، فمن الخطأ أن يتناول إنسان تفسيرها آية آية". ويكفي للتدليل على هذه النصيحة تفسير بعض المسيحيين قول بولس الرسول: "لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا..." (رو 14: 17) بأنه يعني عدم ضرورة الصوم. ولكن الحديث عن الصوم كثير في الأسفار الإلهية. بل إن أول وصية إلهية هي وصية بالصوم: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تكوين 2: 17). والسيد المسيح قد صام هو شخصيًا وعلمنا: "وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ... وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ..." (متى 6: 16-18) فهو له المجد قد أعطى هذه الوصية بصيغة التوكيد إذ لم يقل: "وأنت إن صمت"، إذن فلمن قال بولس هذا؟ لكي نتفهّم السبب الذي جعل رسول الأمم يقول هذه الجملة. فما أحرانا بالإصغاء إلى وصية ذهبي الفم. وما أحرانا باحترام كلمة الله فلا نفتتها تفتيتًا.