رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخطيئة والفداء (الجزء الأول) ما هيَ الخَطيئة؟ إن كُنتَ تَحتَ سُلطَة شَخص ما، رَب العَمَل على سَبيل المِثال، فإنَّ هذا الشَّخص لَهُ الحَق في أن يَفرِض عليكَ اِلتِزامات مُعَيَّنة تَخُص العَمَل، وبالطَّبع أنتَ سَتكون مَسؤولاً عن تَنفيذ هذهِ الإلتِزامات، لأنَّ مُخالفَتك لِشُروط العَمَل سَتُرَتِّب عليكَ تَحَمُّل مَسؤولِيَّة عَدَم اِلتِزامِك. الله هو الذي خَلَقَ هذا الكَون، لذلك لَهُ الحَق الجَوهَري والمُطلَق في أن يَفرِض علينا اِلتِزامات مُحَدَّدة، وحينَ يَفعَل ذلك فنَحنُ مَدينونَ لَهُ بالطَّاعة. عِندَما وَضَعَ الله ناموساً فيه وَصايا أخلاقِيَّة تجاه الله والنَّاس، أخبَرَنا أنَّ عَدَم طاعتنا لذلكَ النَّاموس تُعَدّ خَطيئة. تَعني كَلِمَة “خَطيئة” في أصلِها العِبري “أن لا تُصيب الهَدَف، أو أن تُخطِئ الهَدَف” هذا المَعنى يوضِح لنا كيفَ أنَّ الذَّنب يَقَع علينا عِندَما نُخطِئ هَدَفنا بأن نَعيشَ حَياةً تُرضي الله، لذلك يَصِف الكِتاب المُقدَّس الخَطيئة بأنَّها مُخالَفَة النَّاموس: “أمَّا الَّذِي يُمَارِسُ الْخَطِيئَةَ، فَهُوَ يُخَالِفُ نَامُوسَ اللهِ: لأَنَّ الْخَطِيئَةَ هِيَ مُخَالَفَةُ النَّامُوسِ” رِسالة يوحنَّا الأولى 4:3 الخَطيئة هي التَّعَدِّي على ناموس الله وعَدَم التَّوافُق مع المَعايير الأخلاقِيَّة التي أعطانا إيَّاها لِكَي نَسلُك بِها. ولأنَّ خَطايانا هي التي تَفصِلنا عن الله، لذلك يَسرد لنا الكِتاب المُقدَّس تاريخ الإنسان مع الخَطيئة والتَّمَرُّد ضِد الله، وبالمُقابِل يُخبِرنا عن خطَّة الله لفِداء الجِنس البَشَري لِكَي يُعيد الإنسان إلى العَلاقة الرُّوحِيَّة السَّليمة مَعهُ. الخَطيئة لَيسَت أمر يَجِب أن نَستَهين بِهِ أو نُخَفِّف مِن وَطأتِهِ. فَنادِراً ما نَأخُذ الوَقت الكافي لِكَي نُفَكِّر في تَداعِيات خَطايانا، لذلكَ نَفشَل في كَثير مِنَ الأحيان في أن نُدرِك أنَّ حَتَّى تِلكَ الخَطايا البَسيطة التي نَرتَكِبها دائِماً ونُسَمّيها أكاذيب بَيضاء صَغيرة أو غَيرها مِنَ الخَطايا التي نَعتَبِرها عادِيَّة وغَير مَحسوبة، تَجعَلنا نَنتَهِك القانون الذي وَضَعَهُ خالِق هذا الكَون الذي عَيناهُ أطهَر مِن أن تَنظُرا الإثم. يَصِف الكِتاب المُقدَّس الخاطِئ بِالمُتَمَرِّد (سِفر الخُروج 21:23) الذي يَتَحَدَّى الله في سِيادَتِهِ على هذا الكَون عَبرَ تَفضيل مَشيئَتِهِ على المَشيئة الإلهِيَّة، فَكُل ذَنب يَرتَكِبهُ الإنسان هو إساءَة مُباشَرة إلى قَداسَة الله ومَجده. إذاً تَعريف الخَطيئة هذا يُخبِرنا بِشَكل واضِح عن تَداعِياتِها المُدَمِّرة، فهيَ تُناقِض طَبيعَة الله القُدُّوس الكامِل الذي يَكرَه الخَطيئة. إن كانَ المَطلوب مِنّي هو طاعَة الله، وفَشِلت في ذلك، فكيفَ أعود لِحالَة البَراءة مُجَدّداً؟ فَلِلخَطيئة كما ذَكَرنا تَداعِيات أبَدِيَّة تَماماً كالقاتِل الذي يُنهي حَياة إنسان آخَر لِيُصبِح بِذلِكَ غَير قادِر على إحياء ذلِكَ المَيِّت، أي أنَّهُ يُصبِح عاجِزاً عن الرُّجوع إلى حالَتِهِ الطَّبيعِيَّة قَبلَ أن يَتحَوَّل إلى قاتِل. إذا كُنتَ في مَتجَر ورَأيتَ فَتىً يَأخُذ بَعض الحَلوى ويَقتَرِب مِنَ الصُّندوق ولكِن لَيسَ مَعَهُ الثَّمَن الكافي لِيَدفَع، واقتَرَبتَ أنتَ وأخرَجتَ المال وأعطَيتَ البائِع نِيابَةً عَنهُ، فَهذا الأمر بالنِّسبة للبائِع مَقبول تَماماً، فَما يَهُمّهُ هو أن يَقبِض ثَمَن الحَلوى. لكِن إذا أتى فَتىً وأخَذَ الحَلوى وفَرَّ مُسرِعاً خارِج المَحَلّ ثُمَّ أعطَيتَ أنتَ الثَّمَن للبائِع، فَلَهُ كُلّ الحَق في أن لا يَقبَل الثَّمَن بَل وأن يَتَّصِل بالشُّرطة لأنَّ السَّرِقة هذهِ لَها تَداعِيات أخلاقِيَّة فالسَّارق انتَهَكَ حُرمَة ومُمتَلَكات هذا البائِع، والبائِع بِحاجَة لِأن يَستَرِدَّ حَقَّهُ الذي هو أكثَر مِن مُجَرَّد ثَمَن الحَلوى. لِنَفهَم بِشَكل أعمَق ماهِيَّة الخَطيئة سَنُلقي نَظرة بَسيطة على أوَّل خَطيئة ارتُكِبَت في التَّاريخ. خَطيئة آدَم وحَوَّاء ذَنب آدَم وحَوَّاء في جَنَّة عَدن تَعَدَّى كَونَهُ مُجَرَّد أكل من شَجَرَة مَعرِفَة الخَير والشَّر، بَل أوصَلَهُما إلى حالَة العِصيان والتَّمَرُّد على الله. فالعَديد مِنَ العَوامِل تَداخَلَت لِكَي يَصِل بِهِما الحال إلى أن يُصَدِّقا إبليس ويُكَذِّبا الله، ثُمَّ يَنقادا بِشَهوَتِهِما، وأخيراً يُشبِعا كِبرِيائَهُما بأن يَصيرا مِثلَ الله. فَقول الله لِآدَم كانَ واضِحاً: “حينَ تَأكُل مِنها حَتماً تَموت” (سِفر التَّكوين 17:2)، لكِنَّهُما صَدَّقا إبليس بِقَولِهِ لَهُم “لَن تَموتا” (سِفر التَّكوين 4:3)، ثُمَّ إنَّ حَوَّاء قَد رَأت أنَّ الثَّمَرة بَهِجة للنَّظَر وكأنَّ ما حَرَّمَهُ الله أصبَحَ مَبعَثاً للسُّرور بَدَلاً مِن أن يَكونَ مَكرَهَةً لَها، مُتَمَرِّدَةً بذلك على مَشيئَة الخالِق الذي اختارَ الجَنَّة لِيَضَعها هيَ وزَوجها بِها، والأسوَأ مِن ذلك أنَّها انقادَت لإبليس الذي قالَ لَها أنَّهُ يَومَ تَأكُلينَ مِنها تَصيرينَ مِثلَ الله مُدرِكَةً للخَير والشَّر (سِفر التَّكوين 5:3). إذاً أرادا أن يَكونا مِثلَ الله، وبذلِكَ تَحَدَّيا سِيادَة مَن أوجَدَهُم مِنَ التُّراب، طالِبَينِ بِفِعلِهِما هذا أن يُصبِحا أسياداً على أنفُسِهِما وكأنَّهُما يُريدانِ أن يَضَعا نَفسَيهِما مَكان الله. وإذا ما نَظَرنا إلى الذُّنوب والخَطايا التي نَرتَكبها فَسَنَجِد أنَّها تَحمِل العَوامِل نَفسَها. فنَحنُ نَشتَهي ما حَرَّمَهُ الله ونَبتَهج بِما هو مَكروهٌ عِندَهُ، ونُصَدِّق إبليس ونَرتَكِب المَعاصي لأنَّنا نَعتَقِد أنَّ فيها مَنفَعة لنا، وبذلِكَ نُكَذِّب الله الذي يَقول عَكس ذلك، ونَتَحَدَّى سِيادَتَهُ بِأفعالِنا. تَداعيات ذَنب آدَم وحَوّاء على البَشَرِيَّة فَورَ عِصيان آدَم وحَوَّاء لِوَصِيَّة الرَّب الإله طُرِدا مِنَ الجَنَّة. ونَحنُ اليَم كَبَشَر نُولَد خارِج الجَنَّة بِسَبَب تِلكَ المَعصية التي ارتَكَباها، والسُّؤال الطَّبيعي الذي يَتَبادَر للأذهان هو ما ذَنَبُنا نَحنُ ولماذا نَدفَع ثَمَن ذَنب لَم نَرتَكِبه؟ يُجيبُنا عن هذا السُّؤال بولُس الرَّسول: “وَلِهَذَا، فَكَمَا دَخَلَتِ الْخَطِيئَةُ إِلَى الْعَالَمِ عَلَى يَدِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَبِدُخُولِ الْخَطِيئَةِ دَخَلَ الْمَوْتُ، هَكَذَا جَازَ الْمَوْتُ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ، لأَنَّهُمْ جَمِيعاً أَخْطَأُوا.” رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 12:5 أوَّل نُقطة نَفهَمُها مِن تِلكَ الآية أنَّ الخَطيئة دَخَلَت بِذَنب إنسانٍ واحِد وهو آدَم الذي كانَ يُمَثِّل الجِنس البَشَري، أي بِسُقوطِهِ سَقَطنا جَميعُنا، وثاني نُقطة أنَّهُ لو كانَ أيُّ شَخصٍ مِنَّا مَكانَ آدَم لَكانَ عَصى رَبَّهُ أيضاً بِكَسرِهِ لِلوَصِيَّة. فالطَّبيعة الخاطِئة تَجمَعُنا كَبَشَر، لذلك نَحنُ بِطَبيعَتِنا تَوَّاقون لِارتِكاب المَعاصي وعاجِزين عن إرضاء الله كَما يَقول بولُس الرَّسول مُقتَبِساً مِنَ المَزمور 14: ” كَمَا قَدْ كُتِبَ: لَيْسَ بَارٌّ، وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يُدْرِك. لَيْسَ مَنْ يَبْحَثُ عَنِ الله. جَمِيعُ النَّاسِ قَدْ ضَلُّوا، وَصَارُوا كُلُّهُمْ بِلاَ نَفْعٍ. لَيْسَ مَنْ يُمَارِسُ الصَّلاَحَ، لاَ وَلاَ وَاحِد. حَنَاجِرُهُمْ قُبُورٌ مَفْتُوحَةٌ؛ أَلْسِنَتُهُمْ أَدَوَاتٌ لِلْمَكْرِ؛ شِفَاهُهُمْ تُخْفِي سَمَّ الأَفَاعِي الْقَاتِلَةِ؛ أَفْوَاهُهُمْ مَمْلُوءَةٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً، أَقْدَامُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ؛ فِي طُرُقِهِمِ الْخَرَابُ وَالشَّقَاءُ؛ أَمَّا طَرِيقُ السَّلاَمِ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ؛ وَمَخَافَةُ اللهِ لَيْسَتْ نُصْبَ عُيُونِهِمْ.” رسالة بولُس الرَّسول إلى أهل روما 11:3-17 وأمامَ واقِعَنا المَرير هذا، عَلَّمَ الله الشَّعب مَبدَأين ألا وهُما الكَفَّارة والفِداء. |
|