رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البحث عن الكنز الدفين تَلَخَّص حَياة الإنسان بالبَحث الدَّائِم عن الحَياة الأفضَل، إذ يُكَرِّس الإنسان مَجهوداتِهِ لِتَحقيق هذا الهَدَف، ويَعتَبِر أنَّ كُل تَعَب ووَقت وجُهد مَبذول يَستَحِق أن يُقَدَّم لأجل تَحقيق هذهِ الغاية. فَيُمضي الإنسان سَنَوات عَديدة من حَياتِهِ في الدِّراسة بِجُهد وعَناء لِكَي يَحصُل على اختِصاص مُهِمّ يُمَكِّنهُ من الحُصول على مَنصِب وراتِب جَيِّد يؤمِّن لَهُ حَياة كَريمة، وعِندَما يَبدأ الأهل بإرسال أولادِهِم الصِّغار إلى المَدرَسة، فَهُم بذلك يَكونونَ مُستَعِدِّين لِتَقديم الأموال وكُل ما يَحتاجهُ هذا الطِّفل في سَبيل تَعليمِهِ لأنَّهُم يؤمِنون أنَّ السَّعي وَراءَ العِلم سَيَصنَع من ابنِهِم شَخص ذو مَكانة مَرموقة يَوماً ما في المُجتَمَع مِمَّا سَيُوَفِّر لَهُ حَياة أفضَل، كذلِكَ الأمر على صَعيد المؤسَّسات فهي تَضَع مُخَطَّطات وتَتَكَلَّف على أبحاث ودِراسات لأنَّها تَعتَبِر أنَّ هذا سَيَعود عليها بالمَنفَعة المادِّيَّة. لكِنَّنا وَسطَ هذا السَّعي الزَّمَني المُستَمِرّ قَد نَنسى ونَتَجاهَل الأمر الأهَمّ وهو السَّعي نحوَ مَعرِفَة الرَّب وفَهم مَشيئَتِه من أجل حَياة رُوحِيَّة أفضَل، إذ يَحُثُّنا الله في كَلِمَتِهِ لِكَي نَسعى نَحوَها كَما نَسعى نَحوَ الثَّروَة، فيَقول: وَإِنْ نَشَدْتَ الْفِطْنَةَ، وَهَتَفْتَ دَاعِياً الْفَهْمَ. إن الْتَمَسْتَهُ كَمَا تُلْتَمَسُ الْفِضَّةُ، وَبَحَثْتَ عَنْهُ كَمَا يُبْحَثُ عَنِ الْكُنُوزِ الدَّفِينَةِ، عِنْدَئِذٍ تُدْرِكُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَعْثُرُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ، لأَنَّ الرَّبَّ يَهَبُ الْحِكْمَةَ، وَمِنْ فَمِهِ تَتَدَفَّقُ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. سِفر الأمثال 3:2-6 ما يُريد أن يُعَلِّمنا إيَّاه الوَحي في هذهِ الآية، هو أنَّ الإنسان الذي يُفني أيَّامَهُ بالبَحث عن ما هو أرضي، كَم بالحَري يجِب أن يَسعى إلى الحِكمَة الرُّوحِيَّة، وكَم المَجهود الذي ينبَغي أن يُقَدِّمهُ في سَعيِهِ نَحوَ فَهم كَلِمَة الحَقّ كَمَن يبحَث عن الكُنوز الدَّفينة. الفِطنة، الفَهم، المَعرِفة والحِكمَة كُلّها مُرادِفات في هذا النَّص إذ تُستَخدَم بالتَّبادُل. و”الحِكمَة” المَذكورة في الآية لَيسَ المَقصود بِها مُجرَّد حِكمَة بَشَرِيَّة، بَل الحِكمَة الإلهِيَّة لأنَّ من يُعَلِّمها هو الله المُطلَق الحِكمَة. وبإمكانِنا تَعريف الحِكمة على أنَّها اختِيار الأهداف الأسمى والطَّريق الأمثَل لِتَحقيقِها. الحكمة الإلهية هي دليل حياة يَربِط الرَّب مَعرِفَتهُ بالحِكمَة ومَخافَتهُ بالفَهم. لأنَّ وَصايا الله بِحَدّ ذاتها تَقودُنا لاِختِيار الهَدَف الأسمى والذي هو مَخافَة الله، عبرَ اتِّباع وَصاياه التي هي الحَلّ الأفضَل لنا ولِحَياتِنا، وذلك لأنَّ كَلِمَة الرَّب هي الحَقّ المُطلق. فَبِحَسَب التَّعريف السَّائِد، الحَقّ هو كُل ما يَتَوافَق مع الواقِع، والواقِع دائِماً مُستَقِلّ عن الرَّأي الشَّخصي أو عن وجهَة نَظَر أيّ إنسان. لكن المَسيح عَرَّفَ عن نَفسِهِ أنَّهُ الحَقّ، وأنَّ كَلامَهُ هو حَقّ، أي أنَّ الله عِندَما يَقول شَيء فهو لا يَفعَل ذلك لِيَتوافَق مع واقعٍ ما، وإعلان المَسيح هذا يَعني أنَّهُ هو الحَقّ بِذاتِهِ والذي يجِب أن تُحَدَّد كُل المَسائِل على أساسِهِ، وأن يُستَمَدّ مِنهُ كُل ما هو صَحيح أو باطِل، فمِن دُونِهِ لا يُمكِننا تَحديد شَي، وبذلكَ يُصبِح كَلامهُ هو المِعيار المَوضوعي لنا. يَقول أحَد اللَّاهوتِيِّين في هذا الصَّدَد: “كَلِمات يَسوع هي جَوهَر الحَقّ، وهو لم يُبدِ مُجَرَّد رَأي، هو لم يَتَكَهَّن أبداً. هو كانَ يَعرِف بِشَكل أكيد، وهو يَعرِف اليَوم وإلى الأبَد. كَلِماتهُ لم تَكُن مِثل كَلِمات سُلَيمان، مَجموع كَلِمات حِكمة بَشَرِيَّة أو خُلاصَة تَجرِبَة من الحَياة البَشَرِيَّة. تَكَلَّمَ يَسوع من مِلء لاهوتِهِ، وكَلِماتهُ هي الحَقّ بِذاتِهِ”.1 الحَقّ الكِتابي يُعَلِّم النَّاس أن تَسعى للخَير، وهذا المَسعى يَتَضَمَّن الحَيَدان عن الشَّر الذي حَتماً سَيَكون لَهُ تَأثير سَلبي علينا. يُظهِر لنا الكِتاب المُقدَّس تَداعِيات الذُّنوب على حَياتِنا، ومَدى سوء الباطِل، الذي يَصِفهُ الكِتاب المُقدَّس بالظُّلمة، فَكُل ما هو ليسَ حَقّ ونُور إذاً هو باطِل وظُلمَة. إِنِ اسْتَقَرَّتِ الْحِكْمَةُ فِي قَلْبِكَ وَاسْتَلَذَّتْ نَفْسُكَ الْمَعْرِفَةَ، يَرْعَاكَ التَّعَقُّلُ، وَيَحْرُسُكَ الْفَهْمُ. إِنْقَاذاً لَكَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرِّ وَمِنَ النَّاطِقِينَ بِالأَكَاذِيب. مِنَ الَّذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَيَسْلُكُونَ فِي طُرُقِ الظُّلْمَةِ، الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِارْتِكَابِ الْمَسَاوِئِ، وَيَبْتَهِجُونَ بِنِفَاقِ الشَّرِّ سِفر الأمثال 10:2-14 الحِكمَة الإلهِيَّة تُوَجِّهنا دائِماً لاِختِيار الأفضَل لَنا وذلك عبرَ طاعَة وَصايا الله. فهي حِكمَة مُطلَقة يجِب أن نَسعى إلَيها لأنَّها تُعطينا أسمى الأهداف لِحَياتِنا وعلى رَأسِها خَلاص نُفوسنا، وتَقودنا أيضاً لِكَي نَبتَعِد عن أعمال السُّوء، ونَتبَع طَريق الخَير. فَطُرُق الأشرار تَقود نَحوَ الدَّمار في هذهِ الحَياة ونَحوَ الهَلاك في الحَياة الأُخرى. لذلك يجِب أن نَلهَج في كَلِمَة الرَّب ونَتَعَلَّم مِنها الحِكمة في كُل وَقت. هل نَبحَث عن الحِكمَة كَما نَبحَث عن الثَّروة الأرضِيَّة، وهل نَسعى نَحوَها كَما نَسعى نحوَ ما تَشتَيهِ نُفوسنا؟ يجِب أن نَفحَص ذَواتنا في ضَوء كَلِمَة الرَّب، ونُلاحِظ طُرُقنا بِحَسَب مَشيئَتِهِ ونَجعَل كَلِمَتهُ سِراجاً لأرجُلِنا ونُوراً لِسَبيلِنا. فَإِنَّ مَخَافَةَ الرَّبِّ هِيَ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ… سِفر الأمثال 6:1. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الكنز الذى في داخلك لكى تنظر الكنز السماوى |
سر الحزن الدفين |
الكنز السماوي و الكنز الأرضي |
"الفجر" ترصد إنتشار ظاهرة البحث عن "الكنز المفقود" فى آثار بنى سويف |
يا مـن اشعل نوبات الحب الدفين |