رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعزيز رأيه برؤيا ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ كَلِمَةٌ، فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا هَمْسًا [12]. يروى هنا أليفاز لأيوب رؤيا شاهدها، يقدمها لإدانته. يرى البعض أن الله قد وهب أليفاز هذه الرؤيا ليهدئ نفسه، عندما سمع عما حلّ بأيوب. وأن هذه الرؤيا شاهدها قبل التقائه بأيوب المُجرب. قدمت له هذه الرؤيا سرًا ككلمة تسللت إليه، كمن يهمس في أذنيه. في تواضع اعترف أليفاز أنه قبل نصيبًا قليلًا من السرّ الإلهي ولم يدرك الرؤيا كلها كما ينبغي. فِي الْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ، عِنْدَ وُقُوعِ سُبَاتٍ عَلَى النَّاسِ [13]. في وسط الليل حين هدأ الناس ووقعوا في سبات، أي ناموا، كان أليفاز منشغلًا بما هو وراء ما حدث لأيوب، فأظهر له الله هذه الرؤيا. يدعونا المرتل داود أن نتكلم في قلوبنا مع الله، ونصمت حتى يتكلم الله معنا: "تكلموا في قلوبكم على مضاجعكم، واسكتوا" (مز 4: 4). وكما يقول القديس مار اسحق السرياني: "ليسكت فمك، فيتكلم قلبك، وليسكت قلبك فيتكلم الله". يليق بنا في الليل أن نذكر الله ونلهج بشريعته فيُعلن لنا أسراره وحكمته. "إذا ذكرتك على فراشي، في السهد ألهج بك" (مز 63: 6). أَصَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ، فَرَجَفَتْ كُلُّ عِظَامِي [14]. يبدو أنه قبل أن يشاهد الرؤيا شعر برعدة تهز كل عظامه. امتلأ قلبه بمخافة الرب، وأدرك عظمته، وشعر بأنه أصغر من أن يعاتب الله. بهذا تهيأ لقبول الرسالة الإلهية. يحثنا المرتل: "اعبدوا الرب بخوفٍ واهتفوا برعدةً" (مز 2: 11). فَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي. اقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي [15]. مرّ بأليفاز روح، غالبًا ما كان ملاكًا مرسلًا من قبل الله، لخدمة الكلمة. وقد اقشعر شعر جلده، إذ صار السمائيون موضع رعب للإنسان منذ سقوط آدم، يخشى بلوغه رسالة مؤلمة، لا يتوقع أخبارًا طيبة. في القديم التزم اللاويون أن يحلقوا كل شعر أجسادهم (عد 8: 7) بكونه يمثل أمورًا جسدية لا لزوم لها. هكذا أليفاز إذ يحمل شرًا نحو أيوب، لم يحتمل الروح يمر أمام وجهه، ففقد سلامه واضطرب كل كيانه حتى اقشعر شعر جسمه، علامة كمال اضطرابه حتى بالنسبة لما هو زائد في جسمه. وَقَفَتْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا. شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ [16]. رأى أليفاز الملاك بصورة جلية، جاز به قدامه كما لو كان خيالًا، "شبه قدام عيني"، أو كمن يرى في مرآة، لا يقدر أن يصفه "لم أعرف منظرها". جاءه الصوت خفيفًا، فإننا لا نسمع صوت الله الهادئ وسط الضجيج. فلم يلتقِ إيليا بالله وسط العاصفة، وإنما خلال الريح الهادئ الخفيف (1 مل 19: 11-13). حمل أليفاز أفكارًا جسدانية مُرة من نحو أيوب، لذلك إذ عبر به الروح لم يستطع بفكره الجسداني أن يرى الأمور الروحية، إنما رأى ما هو أشبه بخيالات، ولم يقدر أن يميز صوت الروح الذي كان منخفضًا، لم تقدر أذناه على تمييزه. هكذا اعترف أليفاز دون أن يدري أنه فقد سلامه، فصارت رؤى الليل هواجس مزعجة. لم يستطع أن ينام ويستريح بينما كان البشر نائمين في سباتٍ.ارتجفت عظامه، واقشعر شعر جسمه، وارتبك ذهنه بخيالات.هذا ثمر الإنسان الفاسد الذي يحول الحق إلى باطل، ويفتري على إخوته ظلمًا. سَمِعْتُ صَوْتًا مُنْخَفِضًا: أَالإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ اللهِ، أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ [17] جاءت الرسالة لتوبيخ أيوب بسبب تذمره، فهو لا يجسر أن يدعي بأنه أبرّ من الله، ولا أطهر منه. "ويل لمن يخاصم جابله... هل يقول الطين لجابله: ماذا تصنع؟" (إش 45: 9). "أبرٌ أنت يا رب من أن أخاصمك" (إر 1:12). "لا تدخل في المحاكمة مع عبدك، فإنه لن يتبرر قدامك حيٌ" (مز 2:143). "ليكن الله صادقًا، وكل إنسان كاذبًا، كما هو مكتوب لكي تتبرر في كلامك وتغلب متى حوكمت" (رو 4:3). "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسدٍ لا يتبرر أمامه" (رو 20:3). * لكي يكون الإنسان بارًا يلزمه أن يحفظ الناموس في كل شيءٍ، الأمر الذي يكاد يكون مستحيلًا أن تحققه الطبيعة البشرية. فإذ كل إنسانٍ كاذب، لهذا فإنه في ذلك اليوم حين يأتي الرب ليدين البشرية، هو وحده يتبرر فيما يقوله، إذ كلماته حق في كل شيءٍ، هي كلمات الحق. العلامة أوريجينوس القديس جيروم الشهيد كبريانوس وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً [18]. يرى القديس يوحنا الذهبي الفمإنه يتحدث هنا عن القوات السمائية، فإن الله لا يأتمنهم بمعنى أن طبيعتهم غير معصومة من الخطأ. يقول القديس باسيليوس في رسالته إلى أمفيليكوس إن للقوات السمائية حرية الإرادة ويمكن أن يميلوا إلى الخير أو إلى الشر، لذا فهم في حاجة إلى مساعدة الروح. كما يقول في مقاله الثالث ضد أونوميوس إن السلاطين والرئاسات إلخ. لهم القداسة من جهادهم وتأملهم المستمر في الله، وليسوا قديسين من طبيعتهم الذاتية، وإنهم إذ يتوقون إلى الصلاح، ينالون القداسة حسب درجة محبتهم الخالصة لله. وفي مقاله عن الثالوث يقول إن هؤلاء العلويين يستمدون القداسة من الروح القدس حسب رتبة كلٍ منهم. بهذا يظهر أنهم ليسوا صالحين بالطبيعة، بل بالحرية التي تجتذبهم إلى الصلاح والنعمة. ما يحفظ الملائكة الآن من السقوط هو أن تأملهم في الله ينمو ويتزايد، والأمر الثاني إدراكهم للتجربة التي حلت بالطغمات الملائكية الساقطة بسبب كبريائهم، هذا مع مقاومتهم المستمرة للملائكة الأشرار يزيدهم شوقًا للصلاح وتذكية أمام الله. * تمثل الزنابق جمال الملائكة السمائيين البهي، الذين ألبسهم الله بهاء مجده. إنهم لم يتعبوا ولا غزلوا، إذ تقبلوا من البدء ما هم عليه دائمًا. وإذ في القيامة يصير الناس كالملائكة أراد أن نترجى جمال الثوب السماوي، فنكون كالملائكة في البهاء . القديس هيلاري القديس جيروم الأب يوحنا الدمشقي حتى الملائكة مع أنها كائنات مقدسة لكنها لا تؤتمن على أسرار الله، بل يكشفها الله لمن يشاء. الله هو الراعي الصالح الذي يتعهد كرمه بنفسه، لا يسلم شئونه بالكامل في أيدي السمائيين أو الأرضيين، مهما بلغت طهارتهم أو قداستهم. فالملائكة أن قورنوا بالله حُسبوا حمقي، وإن قورنوا بحكمته حسبوا جهلاء. * ليس من حاجةٍ أن تخبر كيف لما عصى موسى وهرون أمر الله عند ماء المريبة لم يدخلا أرض الموعد (عد13:10)، فإن الطوباوي أيوب يروي أن الملائكة وكل خليقة يمكن أن تخطئ" (أي 18:4- المتكلم اليفاز). القديس جيروم فَكَمْ بِالْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ، الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ، وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ الْعُثِّ؟ [19] بمقارنة حكمة الملائكة بحكمة الله تُحسب الأولى حماقة، وبمقارنة حياة الإنسان الترابي بحياة الملائكة تحسب الأولى عثًا. إن كان هذا بالنسبة للملائكة الساكنين في السماء، فماذا يكون الأمر بالنسبة للبشر سكان بيوتٍ من طين؟ لعله يقصد بالبيوت هنا الأجساد التي خُلقت من تراب. الملائكة لا يموتون، بينما البشر يُسحقون مثل العث بين أصابع اليد بسهولة وسرعة. فإن كان الله لا يأتمن ملائكته الساكنين معه في السماء، الأرواح النقية، والخالدين، فهل يأتمن الإنسان الذي يسكن على الأرض، المخلوق من تراب، ويموت لأتفه الأسباب كما يُسحق العث؟ * إننا نسكن بيوتًا من طين، إذ نحن نوجد في أجسام أرضية. إذ تأمل بولس ذلك حسنًا قال: "ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية" وأيضًا: "لأننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من بيت الله بيت غير مصنوع بيدٍ" (2 كو 4: 7؛ 5:1). البابا غريغوريوس (الكبير) الأب هيسيخيوس الأورشليمي بَيْنَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ، بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُونَ [20]. ليس للإنسان أن يفتخر على الله، ولا يظن أنه صاحب معرفة، فربما بين صباح ومساء قبل عبور اليوم يموت الإنسان ولا يعود بعد يُوجد على الأرض. في كل يوم، بل مع كل دقيقة يموت بشر على وجه الأرض، ومع هذا لا يفكر أحد في موته، ليس من ينتبه إلى هذه الحقيقة ولا من يتعظ في جدية. * يُقطع الخاطي من الصباح وإلى المساء، أي من بدء حياته إلى نهايتها يُجرح بارتكابه الخطية... على عكس هذا بحق يحثنا بولس قائلًا: "مفتدين الوقت، لأن الأيام شريرة" (أف 16:5). نفتدي الوقت إن كنا بالدموع نصلح حياتنا الماضية، هذه التي فقدانها بالاستهتار. البابا غريغوريوس (الكبير) أَمَا انْتُزِعَتْ حِبَالُ خِيَامِهِمْ؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ [21]. تُنزع عنهم حكمتهم البشرية التي يعتزون بها، فيموتون وتموت معهم حكمتهم وتدابيرهم الحمقاء. *يقدم أليفاز اتهامًا ضد كل الخطاة بصفة عامة، ولم يخجل من أن يضع أيوب في عدادهم. الأب هيسيخيوس الأورشليمي البابا غريغوريوس (الكبير) * لقد نلنا هذا بسبب "الجسد" الذي قدمه الرب، لقد قدم للآب بكر طبيعتنا. وبسبب كرامة المُقدم وكمال قابل التقدمة، وجد الآب "العطية" مقبولة، فاستلمها بيده وضمها لنفسه وقال (للرب المتجسد): "اجلس عن يميني" (مز 10:68). ألم يرتفع (الناسوت المتحد باللاهوت) إلى فوق السماوات؟! أليست هذه كرامة بلا قياس؟! لقد ارتفعت (طبيعتنا في شخص الإله المتجسد) فوق السماوات، وسمت فوق الملائكة. لقد عبرت فوق رؤساء الملائكة والشاروبيم، وحلقت فوق السيرافيم، عالية أكثر من كل القوات السمائية، واستراحت في العرش الإلهي الحقيقي وحده... إن سلوك جنسنا كان هكذا شريرًا في الماضي، حتى كان الأمر في خطر من أن يباد كل الجنس البشري عن وجه الأرض. والآن نحن الذي قبلًا حسبنا غير متأهلين للبقاء في الأرض رفعنا إلى السماوات. نحن الذين كان قبلًا غير مستحقين للمجد الأرضي، نصعد الآن إلى ملكوت السماوات، وندخل السماوات، ونأخذ مكاننا أمام العرش الإلهي. هذه الطبيعة التي لنا، التي كان الشاروبيم يحرس أبواب الفردوس منها، هوذا اليوم ترتفع فوق الشاروبيم! كيف يمكننا أن نعبر على حدث عظيم (عيد الصعود) هكذا عبورًا سريعًا؟! لأنه نحن الذين أسأنا إلى مثل هذه المراحم العظيمة، حتى صرنا غير مستحقين للأرض ذاتها، وسقطنا من كل سلطان وكرامة، بأي استحقاق نرتفع إلى كرامة علوية كهذه؟! كيف انتهى الصراع؟! لماذا زال غضب الله...؟ فإن هذا هو بحق عجيب: إن السلام قد حلّ، لا بعمل قام به الذين أثاروا غضب الله... بل الذي غضب علينا بحق هو نفسه يدعونا إلى السلام. إذ يقول الرسول: "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا" (2 كو 20:5). وماذا يعني هذا؟ أنه بالرغم من أننا أسأنا إليه، فإنه هو الذي يسعى إلينا ويدعونا إلى السلام. إنه حقا هكذا، فإذ هو الله، وهو الإله المحب يدعونا إليه . القديس يوحنا الذهبي الفم الأبمكسيموس المعترف القديس غريغوريوس النيسي |
|