عطية الحكمة: "ها أنت أحكم من دانيال. سِرّ ما لا يخفي عليك"[3]. وهبه الحكمة فكان أحكم من دانيال النبي، هذا الذي كشف له أسرار الملك وأحلامه الشخصية وتفاسيرها ليسنده في غربته. وكأن الله في معاملاته مع الشيطان قبل سقوطه قد كشف له أسرارًا كثيرة حتى قال: "سِرّ ما لا يخفي عليك". تعامل معه كصديق مؤتمن وموضع ثقة فلم يخفِ عنه سرًا ما بقوله له: "أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال" [12]. جعله أكمل خليقته السماوية وأجملها ليس منظرًا بل في الحكمة، لكنه إذ سقط في الكبرياء سقط من هذا العلو إلى الهاوية!
والإنسان أيضًا أكمل خليقة الله على الأرض، زيَّنه الله لا بجمال الجسد بل بما هو أعظم: جمال الحكمة، إذ خلقه "على صورته ومثاله" وأراد منه أن يكون سيدًا يسيطر على الخليقة الأرضية بروح الحكمة الإلهية، كما نزل الكبرياء بالملاك إلى شيطان، هكذا أحدر الكبرياء الإنسان إلى الطبيعة الفاسدة الشهوانية، جعله في أمور كثيرة يتصرف كأدنى من الحيوانات، حتى المفترسة.