رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في الأصحاح الرابع عشر تحدث عن مسئولية الإنسان الشخصية عما يرتكبه من آثام أو يفعله من برّ، فالنبي الكاذب إذ يضل يكون إثمه عليه، وكل فرد من الشعب يسأل نبيًا كاذبًا أو يرتكب إثمًا يحمل إثم نفسه. وأكد أنه متى عاقب الرب المدينة لشرها فإن وجد "نوح ودانيال وأيوب" يخلصون أنفسهم ولا يخلصون الشعب ولا حتى أبناءهم أو بناتهم. أما هنا فيتحدث عن التزام كل إنسان بما يفعله بغض النظر عن والديه وسلوكهما، أو ماضيه وما كان عليه، مقدمًا أمثلة لذلك: 1. المسئولية الشخصية: في هذا الأصحاح عالج الرب المثل الشائع بين الشعب اليهودي: "الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست" [2]. فقد شعروا أن ما يحل عليهم من غضب إلهي إنما هو ثمرة شر آبائهم الذين أدخلوا العبادة الوثنية إلى المقدسات الإلهية. لكن الرب أراد أن يؤكد أنه لن يجازي إنسانًا من أجل خطايا والديه. وأن ما يسمح به من تأديب فهو من أجل ما يصنعه الناس في ذلك الوقت. سبق أن عالجنا هذا الموضوع أثناء تفسير سفر الخروج، إذ يقول الرب: "لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ" (خر 20: 5). رأيناأنالله لا يعني بهذا أنه يُحمِّل جيلاً ما خطايا الأجيال السابقة، لكنه في محبته يطيل أناته على جيل وجيلين لعلهم يتوبون، فإن لم يتوبوا يحمِّل الجيل الثالث وأيضًا الرابع التأديب لأنهم لم يتوبوا عن طريق آبائهم، إذ يسميهم "من مبغضيَّ"، أما إذا تابوا عن طريق آبائهم فلا يحسبون أبناء للأشرار بل يصير الله نفسه أباهم، فينعموا بنعمته. *النفسالتي لا تسكن في الله هي مصدر شرورها، فتخطئ، والنفس التي تخطئ هي نفسها تموت . القديس أمبروسيوس ليس لدى الله محاباة، نفس الأب كنفس الابن، أو كما يقول: "ها كل النفوس لي. نفس الأب كنفس الابن، كلاهما لي. النفس التي تخطئ هي تموت" [4]... هنا نتساءل: أولًا: ألا يرث الإنسان شيئًا من ضعفات أبيه؟ ثانيًا: هل تموت النفس؟ أولًا: ألا يرث الإنسان شيئًا من ضعفات أبيه؟ لا يتجاهل الكتاب المقدس أثر الوالدين على حياة الإنسان، فالإنسان الذي يولد في بيت مقدس، يتربي بين أبوين تقيين، يجد إمكانية تساعد على نمو حياته الروحية، وانطلاق نفسه للحياة مع الله. وبالعكس إذا وجد أب شرير وأم شريرة إن لم يشجعا ابنهما على الخطيئة والشر فلا أقل من أن يقفا عثرة أمام نموه الروحي. ومع هذا فكثير من الأبناء أحبوا الشر بالرغم من تقوَى والديهم مثل ابني عالي الكاهن، وأيضًا من الأبناء من أحبوا البر بالرغم من شر آبائهم. البيئة التي يحيا فيها الإنسان قد تكون صالحة أو شريرة لكنها لا تلزمه بالصلاح أو الشر. بل إن الإنسان نفسه قد يبدأ حياته بالشر ثم يعود فيكمل طريقه مع الله، وقد يبدأ بالروح ليعود فيسقط في الشر ويعيش في الخطيئة. لهذا قدم لنا هذا الأصحاح أربعة أمثلة: من كان شريرًا لأب بار، ومن كان بارًا لأب شرير، ومن كان بارًا ثم انحرف أو العكس. وقد تم ذلك في ملوك يهوذا. فحزقيال الملك الصالح كان خادمًا مكرسًا "عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمله داود أبوه" (2 أي 29: 2) افتتححكمه بترميم الهيكل وتطهيره وأزال المرتفعات وطرح التماثيل... أما أبوه آحاز فقد تعلق قلبه بحب الأصنام من أول حكمه وأجاز ابنه في النار وذبح على المرتفعات (2 مل 16: 3-4)بل وأغلق أبواب رواق الهيكل وأطفأ السرج ولم يوقد بخورا ولا أصعد محرقة لله الحي (2 مل 29: 7). أمامنسى بن حزقيا فأضل شعبه عن الحق، وجعلهم يذبحون لكل جند السماء، وعملوا ما هو أقبح من كل الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (2 مل 21: 2-9) وإنكان في أواخر أيامه أصلح الكثير مما أفسده (2 أي 33: 1-20). ثانيا: هل تموت النفس؟ يميز القديس جيرومبين قول المرتل: "أي إنسان يحيا ولا يري الموت؟!" (مز 88/89: 49)،وماجاء في حزقيال النبي: "النفس التي تخطئ هي تموت" [4]، قائلًا: [إن هناك فارقًا بين رؤية الموت وتذوقه، فإن من يري، يري بالتأكيد لكنه لا يتذوقه، ومن يتذوقه بالضرورة يراه]. يقصد بهذا كل البشرية تري الموت، موت الجسد، لكن من كانت نفسه مقدسة في الرب يري موت جسده لكنه لا يذوق الموت إذ هو حامل قوة قيامة المسيح عاملة فيه. *كمايوجد موت الجسد يوجد موت للنفس... موت النفس على أي الأحوال ليس كموت الجسد، إنه مفزع للغاية. موت الجسد هو انفصال النفس عن الجسد، الواحد عن الآخر، فيعتق الإنسان من الاهتمامات المعلقة والأتعاب وينقل الآخر (النفس) إلى مسكن واضح. عندئذ إذ ينحل الجسد ويتحلل يعود فيجُمع من جديد في عدم فساد ويتقبل النفس التي له مرة أخرى. هذا هو موت الجسد، أما موت النفس فمخيف ومرعب. ففيه إذ يحدث انحلال لا تنتهي النفس كالجسد إنما ترتبط بالجسد مرة أخرى ولا تفني بل تلقي معه في نار لا تُطفأ. القديس يوحنا الذهبي الفم *هذاالموت (للنفس)ضده وعدوه ذاك القائل: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6). العلامة أوريجانوس *حسبالكتب المقدسة نحن نتعلم أنه يوجد ثلاثة أنواع من الموت:موت عندما نموت عن الخطيئة ونحيا لله. مبارك هو هذا الموت الذي به نهرب من الخطيئة ونتكرس لله، فيفصلنا عما هو مائت ويقدسنا لذاك الذي هو غير مائت. والموت الآخر هو الرحيل عن هذه الحياة كما مات الأب إبراهيم والأب داود ودفنا مع آبائهما، عندما تتحرر النفس من قيود الجسد. والموت الثالث هو ما قيل عنه "دعالموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22). بهذاالموتلا يموت الجسد فقط بل والنفس أيضًا، لأن "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 4) تموتعن الرب لا من خلال ضعف الطبيعة وإنما من خلال ضعف ارتكاب المعصية. هذا الموت ليس تركا لهذه الحياة بل هو السقوط في الخطأ. إذن الموت الروحي شيء، والموت الطبيعي آخر، والثالث هو الموت العقوبة. القديس أمبروسيوس يري القديس إكليمنضس الإسكندري أن الكلمات الواردة بهذا الأصحاح [4-9] "تحويوصفًا لسلوك المسيحيين، حيث يحثنا الله بنبل على الحياة المطوَّبة التي هي مكافأة حياة الصلاح، الحياة الأبدية" . فقد شمل هذا الوصف الجوانب الإيجابية والسلبية في حياة المؤمن: أ. يليق بالمسيحي أن يسلك في البر، يفعل الحق والعدل [5]، لا يأكل على الجبال التي تدنست بذبائح الوثنيين ولا يرفع عينيه إلى أصنامهم. هكذا يتقدس بالكلية، يتقدس في قلبه بالبر والحق والعدل، ويتقدس في أكله بامتناعه عن الاشتراك في الولائم الوثنية، بل ويتقدس في نظرات عينيه، فلا يرفع عينيه إلى أصنامهم. يتقدس بالعمل الايجابي الذي هو فعل البر وحب الحق والعدل، وسلبيًا بامتناعه عن كل ما هو شر... ب. المسيحي لا يُنجس امرأة قريبه ولا يقرب من زوجته متى كانت طامثًا، يحب القداسة في حياته الداخلية وفي جسده كما في الآخرين، إنه لا يشتهي امرأة أخيه... ج. لا يمارس ظلمًا ضد أحد لا بإعطائه الآخرين حقوقهم الشرعية فحسب، إنما يعطي الفقير حقه في مشاركته احتياجاته، ويهب العريان حقه في مشاركته ثيابه، ويقدم للمدين المحتاج حق الحب والرحمة فلا يطلب منه ربا، كما يقدم للآخرين حق مساندة المظلوم ضد الظالم، فلا يقف في سلبية بل "يجري العدل الحق بين الإنسان والإنسان" [8]. د. أما سر حياته البارة فهو دخوله في الوصية الإلهية، إذ يقول الرب: "سلك في فرائضي وحفظ أحكامي ليعمل بالحق فهو بار" [9]. 2. ابن شرير لأب بار: أول مثل قدمه الرب عن المسئولية الشخصية هو الابن الشرير للأب البار إنه "لا يحيا؛ قد عمل كل هذه الرجاسات فموتًا يموت. دمه يكون على نفسه" [13]. بر أبيه لا ينقذه من ثمر رجساته بل موتًا يموت. كتب القديس جيروم إلى الشماس سابنيانُس Sabinianus يحثه على التوبة هكذا: [ربما تغتر في نفسك أن الأسقف الذي سامك رجل قديس، فتظن أن استحقاقاته تكفر عن معاصيك. لقد سبق فقلت لك إن الأب لا يُعاقب عن ابنه ولا ابن عن أبيه. النفس التي تخطئ هي تموت ]. 3. ابن بار لأب شرير: لقد ظن الشعب في أيام الملك صدقيا أنهم أبر من الشعب في أيام الملك منسى فشعروا أنهم يتحملون إثم آبائهم، لكن الرب يؤكد هنا: "إن وَلد ابنا رأى جميع خطايا أبيه التي فعلها فرآها ولم يفعل مثلها... فإنه لا يموت بإثم أبيه، حياة يحيا. أما أبوه فلأنه ظلم واغتصب أخاه اغتصابًا وعمل غير الصالح بين شعبه فهوذا يموت بإثمه" [14-19]. إذ يرتكب الإنسان إثما يفقد حياته كقول القديس غريغوريوس النيصي: [الخطيئة ليست إلا تغربًا عن الله الذي هو الحياة الحقيقية وحده]. لكن ربما يتساءل البعض، كيف لا يحمل الابن البار إثم أبيه وقد قيل: "ليذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطيئة أمه" (مز 109: 14)؟ ُيجيب القديس أغسطينوس: [هل يفهم أنه يحل بالإنسان حتى إثم آبائه؟ الذين يتحولون في المسيح لا يحل عليهم إثم آبائهم، إذ لا يعودون بعد أبناء للأشرار لكونهم لم يتمثلوا بسلوكهم. لذلك يُضاف للكلمات: "افتقدذنوب الآباء في الأبناء... من مبغضيَّ" (خر 20: 5)،أيالذين يبغضونني كما أبغضني آباؤهم ]. 4. رجوع الإنسان عن شره: قلنا إن الرب أراد بحديثه هنا أن يدفع شعبه نحو التوبة، بعدم ارتباكهم بسبب خطايا آبائهم، بل وأيضًا عدم ارتباكهم بخطاياهم الشخصية السابقة أو الحالية إن قدموا توبة صادقة، إذ يقول: "فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقًا وعدلا فحياة يحيا. لا تموت" [21]. يعتبر البعض هذه العبارة هي مركز السفر كله، أثمن عبارة وردت فيه، إنها دعوة قوية للتوبة! "هل مسرةً أُسر بموت الشرير، يقول السيد الرب، إلا برجوعه عن طريقه فيحيا؟!" [23] إنه يفتح باب الرجاء على مصراعيه لكي لا تهلك نفس واحدة بروح اليأس القاتل. لقد وجد الآباء الكنسيون في هذا الأصحاح حقلًا خصبًا يدخل إليه كل ساقط يائس ليأكل من ثمر التوبة فيمتلئ رجاءً، كما يقدم تحذيرات واضحة للنفوس القائمة لئلا تفقد بتهاونها كل تعبها الماضي. وفيما يلي بعض تعليقات الآباء: *بالتشجيعيخفف من ثقل الخطايا ويقلل من الشهوات، باعثًا الرجاء في الخلاص. القديس إكليمنضس الإسكندري *منأجل الذين هم في خطر اليأس قدم لهم ملجأ الغفران، ومن أجل الذين هم في خطر الرجاء (الاستهتار)وهم يماطلون بالتأجيل جعل يوم الموت غير أكيد.القديس أغسطينوس *إنسمعوا هذا الصوت وآمنوا به يشفوا من اليأس، ويقوموا من الهوة التي لا نهاية لأعماقمها التي سقطوا فيها. القديس أغسطينوس *نحنلا نيأس من إنسان مادامت أناة الله تقتاد الأشرار إلى التوبة، فلا نطرده من هذه الحياة. القديس أغسطينوس *لاتيأس من الخلاص. تذكر ما هو مكتوب في الكتاب المقدس أن الساقط يقوم والضال يعود (إر 8: 4) والمجروحيشفي،والذي سقط فريسة للوحوش يفلت، والذي يقر بخطاياه لا يحتقر... إنه وقت للاحتمال وطول الأناة، وقت للشفاء والتصحيح، فهل تعثرت؟ قم! هل أخطات كف عن الخطيئة! القديس أغسطينوس *التوبةهي "حياة"أفضل من الموت... لتسرع إليها أيها الخاطئ، وتحتضنها كما يحتضن الغريق بعض العوارض فتنشلك من الغرق وسط أمواج الخطايا، وتحملك إلى الميناء الإلهي المملوء حنوًا. العلامة ترتليان * مادام ما يقوله الرب هو حق، عندما اتوب ينسي كل خطاياي الماضية وكل آثامي لماذا تخيفنني؟ الله يعدني بالغفران، فهل تسقطني أنت في اليأس؟ الأب قيصريوس أسقف آرل في الوقت الذي فيه فتح أبواب الرجاء بكل قوة أمام الخطاة لكي يتوبوا إذا به يحذر القيام لئلا يسقطوا، قائلًا: "وإذا رجع البار عن بره وعمل إثمًا وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير أفيحيا؟! كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي أخطأ بها يموت" [24]. وكما يقول القديس أنبا أنطونيوس: [ليتنا نثبت في تدريبنا كل يوم، عالمين أننا إذ نهمل لمدة يوم واحد لن يغفر لنا الرب من أجل الماضي، بل يحل غضبه على إهمالنا... فقد أفسد يهوذا جهاده الماضي بسبب ليلة واحدة]. ويقول القديس باسيليوس الكبير:[متى حدث تغير يصير تعب البار باطلاً كما لا يُلام الخاطئ وذلك بانحراف الأول عما هو حسن إلى ما هو أشر، وميل الثأني عما هو شر إلى ما هو أفضل ]. لكن ألا تعتبر هذه العبارة قاسية وعنيفة؟ القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد أظهر الله حتى في هذا الأمر عظمة حنو محبته، مقدمًا لنا هذه الأمور المرعبة لكي يقيمنا ويوقظ فينا شهوة الملكوت ] القديس إكليمنضس الإسكندري: [إن عقوبات الله هي للخلاص، والتأديب يقودنا إلى التوبة، إذ يشتاق الله إلى التوبة أكثر من موت الخاطئ ]. "لأني لا أُسر بموت من يموت يقول السيد الرب. فارجعوا واحيوا" [32]. هذه الكلمات ينطق بها الله لك إن كنت بائسًا: "لأني لا أُسر بموت شرير". حتى أن كنت تريد موتك، فأنا لا أريد ذلك. إنك لم تخلق نفسك، لكنك باليأس تهلك. على أي الأحوال، لقد خلقك الله حين لم تكن موجودًا، بعد ذلك هو بحث عنك عندما ضللت، ووجدك خلال دم ابنه وخلصك. هو نفسه يدعوك: ارجع من هاوية اليأس. تعال، فإنني لا أشاء موت الخاطئ بل أن يرجع ويحيا... لا تفقد الثقة بسبب اليأس من جهة خطاياك، وفي نفس الوقت لا تثق في طول الحياة. لذلك تب... لماذا لا تتب اليوم ؟ الأب قيصريوس أسقف آرل يري العلامة أوريجانوس في هذا الحديث الإلهي الخاص بإمكانية رجوع الخطاة إلى الله وبتحذير القائمين من السقوط، تأكيد خطأ القائلين بوجود طبائع مختلفة تخلق هكذا، موضحًا أنه يمكن للخاطئ أن يصير صالحًا والعكس بالعكس . من وحي حزقيال 18 لم تخلقني لأموت! *خلقتنيكملك أحيًا في العالم - قصري الملوكي! لم تخلقني لأموت، بل لأحيا بك ومعك! *عجيبأنت يا رب في حبك لي، فإنني حتى إن طلبت الموت أنت تُريد حياتي! أني لا أعرف ما هو لبنيأني ومجدي! أما أنت فتعرف كل ما هو لحياتي يا خالقي! *إنكلا تشاء موتي بل حياتي، لا تحاسبني على أخطاء آبائي، ولا تجرح مشاعري عن خطايا تركتها، انك عجيب في اهتمامك بي! *أنتمخلص النفوس من الفساد، أنت وحدك تقدر على تجديد طبيعتي يا مخلصي! |
|