منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17 - 01 - 2023, 03:45 PM   رقم المشاركة : ( 31 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي


مفهوم الشفاعة



في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطًا كفاريًا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة في السماويات، وذبيحة الفداء، إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير اسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12).

يتساءل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة، فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتَّفِق مع شفاعة القديسين؟
نجيب قائلين إن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلَّى الإنسان عن ذاتيته، لكي يُقَدِّم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص إخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين. هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح، التصقت بالحب نحو الآخرين، تُصَلِّي عنهم وتطلب خلاصهم؟
هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال إنه لا خلاص للإنسان خارج إخوته، فعلينا جميعًا كل منا يُصَلِّي عن الآخر. الآباء وهم ينصحون أولادهم، يطلبون خلاصهم مُصَلّين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة إننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقةٍ ما شفيع من أجل النعمة للآخرين .
إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه، نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (مت 9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها. إن الرب الذي يُحِبّنا بلا مقابلٍ يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين، ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.
هذا من جانب، أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل تواضعًا صادقًا، فنشعر أننا لسنا أهلًا للصلاة عن إخوتنا، بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يَعْلَم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات، يطلب صلوات شعبه (كو 4: 3) لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه. فهل كان الرسول بلا دالةٍ عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والتواضع!
يقول القديس جيروم هل يمكن للرسول بولس الذي كان يبذل كل جهده للصلاة والعمل من أجل تمتُّع الأمم كما اليهود بخلاص الربّ وتذوُّق عربون السماء، أن يتوقَّف عن الصلاة من أجل البشرية وهو في الفردوس؟
لا يمكن لذلك القلب الناري في الحب أن يقف في الفردوس غير مبالٍ بخلاص إخوته في البشرية.
مرة أخرى نتساءل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلًا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفّوا بالحب عن الصلاة من أجل إخوتهم؟ إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين، كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقًا وقوةٍ، سائلين الله من أجل خلاص العالم!
باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أية عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضوٍ. إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلام الآخرين، ويفرح ويُسرّ بمجد إخوته. سواء في جهاده على الأرض هنا أو وهو في مجد الفردوس. مشتهيًا أن تُشارِكه كل البشرية إن أمكن في هذا المجد.
 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:07 PM   رقم المشاركة : ( 32 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




سرّ شفاعتها




إن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام، ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وإخوتها، طالبة خلاص الجميع.
لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أمًّا لكل جسده الذي هو الكنيسة.
هذه الأمومة ليست لقبًا فخريًا، بل مسئولية عمل دائم.
هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلًا: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسكِ سيف" (لو 2: 35)، أمومة العذراء مريم التي قامت أولًا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر، والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها بتواضعها وحفظها للوصية الإلهية، جعل منها عضوًا يفوق كل عضوٍ في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبًا خلاص الكل!
* صلوات أمّه موضع سرور الابن، لأنه يشتاق أن يهب الكل ما قُدِّم لها لحسابها، وهكذا يرد لها ما قدَّمته له أي جسده.
البابا ثيؤفيلس السكندري
 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:10 PM   رقم المشاركة : ( 33 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




حدود شفاعتها




في قصة عُرْسِ قانا الجليل نستطيع أن نتفهَّم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدَّمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يُذَكِّره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثّه على الاهتمام بهم. لكن ربنا يسوع المملوء حبًا يُسرّ أن يجد في أمه وكل إخوته مشاعر الحب.
لقد توسَّلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب: "مالي ولكِ يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد" (يو 2: 4)، وهو لم يصدَّها إنما أراد أن يكشف لنا عن شفاعتها.

أولًا: كشفَ عن ثقة أُمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظرت منه أنه يجيبها بشيءٍ، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين: "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكَّدت أنه يعمل عملًا لأولاده الذين تطلب عنهم!

ثانيًا: بحديثها مع الخدام المحتاجين، كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، أنها ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلوبنا بطريقة سرِّية لتنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت: "مهما قال لكم فافعلوه".
إذًا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلُص بنعمة دم ابنها.

* لم يكن رب الملائكة خاضعًا للساعة، إذ هو الذي خلق فيما خلق الساعات والأزمنة. لكن لأن العذراء الأم رغبت في أن يصنع معجزة عندما فرغت الخمر، لذلك للحال أجابها بوضوح كما لو قال: "إني أستطيع أن أفعل معجزة تأتي من عند أبي لا من عند أمي". فإن ذاك الذي في ذات طبيعة أبيه صنع عجائب جاءت من أمه، وهو أنه يستطيع أن يموت. وذلك عندما كان على الصليب يموت. لقد عرف أمه التي عهد بها لتلميذه قائلًا: "هذه أمك" (يو19: 27). إذن بقوله: "ما ليّ ولك يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد" تعني "المعجزة التي ليست من طبيعتكِ لست أعرفكِ فيها. عندما تأتي ساعة الموت سأعرف أنكِ أمي إذ قبلت ذلك فيكِ أنني أستطيع أن أموت.
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:13 PM   رقم المشاركة : ( 34 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي






القديسة مريم مثال العذارى
يُمَثِّل آباء الإسكندرية اتجاهين مريميِّين: اتجاه لاهوتي وآخر نُسكي، ففي كل فترة يهدأ فيها الاضطهاد يلعب الجانب النسكي دورًا مرموقًا في حياة المصريين، فيُفَضِّل الرجال الحياة في الصحراء، بينما تسكن الفتيات في بيوت خاصة بالمدن. وكان من الطبيعي أن تُقدَّم القديسة مريم لهؤلاء الفتيات كمثالٍ عظيم يقتدين به. وكانت العذارى يُصوِّرن إيَّاها مثالًا لهن كعذراء العذارى.
وفي القرن الثاني نجد العلامة أوريجينوس يقول: [يبدو أنه من غير اللائق أن نحسب إنسانًا آخر غير العذراء كبكر للبتولية المسيحية .]

وفي خطاب ألكسندروس بابا الإسكندرية الذي أورده القديس أثناسيوس يخاطب العذارى قائلًا: [سلوك مريم كمثالٍ هو نموذج للحياة اللائقة بالسماء (أي البتولية) وصورة لها .]

وفي خطاب وجهَّه القديس أثناسيوسللعذارى، لا يزال محفوظًا بالقبطية يتحدَّث عن القديسة مريم كنموذج العذارى، مُقَدِّمًا وصفًا لحياتها أقرب إلى مثال لحياة العذراء، إذ يقول:
[كانت مريم عذراء نقية تحمل تفكيرًا منسجمًا. لقد أَحَبَّت الأعمال الصالحة..
لم تكن تريد أن يراها الرجال، بل سألت الله أن يختبرها..
كانت تلازم بيتها على الدوام، تعيش حياة العزلة مقتدية بالنحلة..
وزَّعت على الفقراء بسخاء كل ما تبقَّى لها من عمل يديها..
كانت تصلي لله في وِحدة لأمرين: لكيلا يوجد فكر رديء له جذر في قلبها، ولكيلا يكون قلبها متجاسرًا أو قاسيًا..
حديثها هادئ وصوتها خافت.. تشتاق أن تتقدَّم من يومٍ إلى يومٍ، وهكذا كان يحدث..
إذ تستيقظ كل صباحٍ، تسعى أن تُقَدِّم عملًا جديدًا عما سبق.
لم تكن تخاف الموت، بل بالحري كانت تتنهَّد حزينة كل يومٍ أنها لم تعبر بعد إلى مواضع السماء .]
وأشار القدّيس أمبروسيوس إلى رسالة القديس أثناسيوس للعذارى قدَّمت صورة جميلة للعذراء مريم كمثال للعذارى ، في كتابة "De Virginibus" فمدح فيها تواضعها وصمتها واعتدالها في الكلام، وخُلوتها، وغيرتها العذراوية لحفظ سمعتها، ووداعتها، ومثابرتها في قراءة الكتاب المقدس (التوراة)، واحترامها للآخرين، وعملها، وبصورة أخص إيمانها وورعها.
لقد ختم مقاله قائلًا: [هوذا أمام أعينكم صورة لحياة مريم البتولية التي تضيء ببهاء العفة وشكل الفضيلة كما من مرآة.]
ويروي القدِّيس غريغوريوس النزينزي في مقالٍ ألقاه عام 379 م. بالقسطنطينية، كيف أن القديسة الشهيدة والعذراء يوستينة إذ واجهت الموت مع الساحر كبريانوس الذي اِعتنق المسيحية على يديها، التجأت إلى السيد المسيح عريسها كحامي بتوليتها وتوسلت إلى القديسة مريم "كعذراء في خطر" تتطلع إلى شفيعة العذارى .
 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:17 PM   رقم المشاركة : ( 35 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




القديسة مريم والكنيسة





جاء في ثيؤطوكية الخميس:
[كل عجينة البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب،
هذا الذي تجسد منها بغير تغيير، ولدته كإنسانٍ، ودُعِي اسمه عمانوئيل.]
في لحظات البشارة أظهرت القديسة مريم خضوعها بكامل حريتها، وبذلك حقَّق الله تدبيره الإلهي للاتحاد بنا. صارت أحشاء القديسة مريم حجال لزيجة الكلمة مع الجسد المجيد. في الأحشاء وحَّد الكنيسة -أي جسده- مع ذاته، بهذا تحقَّق وجود الكنيسة السرِّي بكماله.
الآن نستطيع أن نتفهَّم كلمات القديس مار أفرآم السرياني: [كانت مريم بمثابة الأرض الأم التي أنجبت الكنيسة.]
علاوة على هذا كثمرة الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته، تقبَّلت مريم نوعًا آخر من الوحدة الروحية بين الله وبينها، اتحاد الشخص المُتمتِّع بالخلاص مع المُخَلِّص نفسه، الوحدة التي دُعِيَت الكنيسة كلها للتمتُّع بها. تقبلت القديسة نعمة الاتحاد مع الله هذه كممثلةٍ بطريق ما للكنيسة الجامعة، كعضوٍ أول فيها، العضو الأمثل السامي، لهذا قبلت النعمة في أعلى صورها.

 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:19 PM   رقم المشاركة : ( 36 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




القديسة مريم كنموذج للكنيسة


التسبحة الرئيسية التي تُرنَّم يوميًا في الشهر المريمي، شهر كيهك، قبل عيد الميلاد، تتكوَّن من مختارات من سفر المزامير تمدح الكنيسة كمسكنٍ للإله المتجسد. لم يكن هذا بغير معنى أن تمدح الكنيسة كل الشهر المريمي، لأن ما قبلته القديسة مريم كان لحساب الكنيسة كلها.
فالقديس مار أفرآم السرياني ينسب للكنيسة ما هو خاص بالقديسة، إذ يقول:
[مباركة أنتِ أيتها الكنيسة،
تحدث إشعياء عنكِ في تسبحته النبوية المفرحة، قائلًا: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا".
يا لسرّ الكنيسة المخفي .]
ويربط القديس كيرلس بابا الإسكندريةبين القديسة مريم والكنيسة قائلًا: [لنُمَجِّد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدسة. لنُسَبِّحها مع الابن العريس كلي الطهارة. المجد لله إلى الأبد[150].]
يؤكد القدّيس أمبروسيوس أن القديسة مريم هي "نموذج الكنيسة "، كما يُقَرِّر القديس أغسطينوس أن [مريم هي جزء من الكنيسة، عضو مقدس، عضو ممتاز، العضو الاسمى، لكنها تبقى عضوًا في الجسد الكلي (أي غير منفصلة عن بقية الأعضاء)[152].] في الحقيقة يمكننا أن نرى كل مراحل حياة القديسة مريم كأيقونة جميلة للكنيسة، فعلى سبيل المثال نذكر الآتي:
1. يرى القديس إيرينيؤس أن فرح مريم وتسبحتها أثناء البشارة، كانا عملين نبويِّين صُنِعَا بواسطة القديسة مريم باسم الكنيسة. ويُقَدِّم القديس يعقوب السروجي (446 م.) ذات الفكرة إذ يقول: [كانت العذراء الحكيمة فمًا للكنيسة، سمعت تفسير (التجسد الإلهي) من أجل خلقة العالم كله.]

2. زيارة القديسة لنسيبتها أليصابات تحمل رمزًا لإرساليات الكنيسة في العالم كله،لأن الكنيسة مثل القديسة مريم هي ابنة صهيون، عذراء فقيرة، أَمَة الرب، ممتلئة نعمة، تحمل كلمة الله روحيًا، يلزمها أن تلتهب بالرغبة في الالتقاء بقريبتها - أي الالتقاء بالجنس البشري، لتُعلِن لهم خلاص الله. "ما أجمل على الجبال قدميّ المبشر المُخبِر بالسلام.. القائل لصهيون قد ملك إلهكِ" (إش 52: 7). يشير القدّيس أمبروسيوس إلى هذه الإرسالية قائلًا عن القديسة مريم إنها ترنَّمت التسبحة الخاصة بـ"تُعَظِّم نفسي الرب.." وهي مُسرِعة عَبْر تلال يهوذا كرمز الكنيسة المسرعة على تلال القرون
3. عند الصليب يَكمل تمثيل القديسة مريم للكنيسة، كقول القدّيس أمبروسيوس: "ستَكون ابنًا للرعد إن كنتَ ابنًا للكنيسة (لمريم). ليقل لك السيد المسيح أيضًا من على خشبة الصليب: "هوذا أُمك" ويقول للكنيسة "هوذا ابنكِ". عندئذ تبدأ أن تكون ابنًا للكنيسة، إذ ترى المسيح منتصرًا على الصليب".
* وقفت أمه لا تبالي بالخطر الذي يحدق بها، وذلك من أجل غيرتها للتقوى. استهان هو بمخاطره، وقَدَّم لأمه صفوًا تقويًا. تعلمنا القراءة هنا أنه يلزم اتباع الحنو المادي، وتوقير الأبناء (لأمهاتهم)..
أعلن أن هذه التي ولدت الله بقيت عذراء. ومع ذلك فسُلمت بطريقة سرائرية ليوحنا، الأصغر (بين التلاميذ). هنا سرّ الكنيسة التي ارتبطت قبلًا بالمظهر، وليس عمليًا بالشعب القديم، ولكنها إذا ولدت الكلمة مزروعة في أجساد الناس وعقولهم خلال الإيمان بالصليب ودفن جسد الرب بوصية الله، اختارت أن تتبع الجنس الأصغر .
القدّيس أمبروسيوس
* لكي تتعلَّم بأكثر تدقيقٍ من الكتاب المقدس الإلهي أنه ليس فقط يُدعى "ابًا" من هو أب طبيعي بل وغيره أيضًا (الآباء الروحيين)، اسمع ماذا يقول الرسول؟ "لأنه وإن كان لكم ربوات من المُرشِدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون، لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1 كو 15:4). كان بولس أبًا للكورنثيين، ليس لأنه ولدهم حسب الجسد بل خلال التعليم، وولدهم مرة أخرى حسب الروح.
اسمع أيضًا أيوب: "أب أنا للفقراء". لقد دعا نفسه أبًا، ليس لأنه ولدهم جميعًا، بل من أجل اهتمامه بهم.
وابن اللٌه الوحيد نفسه عندما سُمِّر على الشجرة وقت الصلب لما نظر مريم أمه حسب الجسد ويوحنا تلميذه المحبوب جدًا من تلاميذه، قال له: "هوذا أمك". وقال لها: "هوذا ابنكِ"، مُعَلِّمًا إياها أن تصب حبها "الوالدي" فيه، شارحًا بطريقة غير مباشرة ما قيل في لوقا: "وكان أباه وأمه يتعجبان منه "، هذه الكلمات التي يتصيدها الهراطقة قائلين أنه وُلِد من رجل وامرأة.
فكما دُعِيَت مريم أمًا ليوحنا من أجل حبها الوالدي وليس لأنها أنجبته، هكذا دُعِي يوسف أبًا للمسيح من أجل عنايته بتربيته وليس لأنه أنجبه. إذ يقول الإنجيل: "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (مت 25:1).
القديس كيرلس الأورشليمي
* إنه الابن البتول الذي قبل الأم البتول ميراثًا من الرب .
القديس جيروم
* نال ذاك التلميذ مئة ضعف أكثر مما تركه عندما استلم أم ذاك الذي وهب كل شيءٍ .
القديس أغسطينوس

 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:23 PM   رقم المشاركة : ( 37 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




التشابه بين القديسة مريم والكنيسة



القديسة مريم بكونها العضو الأمثل في الكنيسة، والكنيسة بكونها تعتز بهذا العضو الفريد بين المؤمنين، هذا أوجد تشابهًا بينهما في جوانب كثيرة. هذا التشابه يمسّ حياتنا، إذ يحثنا على أن نطلب عمل الثالوث القدوس فينا لنحمل هذه السمات المشتركة بين القديسة مريم والكنيسة، كل حسب قياسه الروحي. أهم هذه السمات هي:

أولًا: كل منهما أم ولود وفي نفس الوقت كل منهما عذراء عفيفة. كل منهما حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادًا للابن الذي بلا عيبٍ. فالقديسة مريم هي أم الكلمة الإلهي ، ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائِه، ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته.
في هذا يقول القديس أغسطينوس: [كما وَلدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة. لأن الكنيسة هي أيضًا أم وعذراء، هي أم في أحشاء حبّنا، وعذراء في إيمانها غير المنثلم. هي أم لأممٍ كثيرة الذين يُمَثِّلون جسدًا واحدًا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد .] القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، والكنيسة يمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الإيمان، بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية.

يليق بالمؤمن أن يطلب من الله على الدوام لنفسه هذه السمة، فيعمل فيه روح الله القدوس وتكون حياته الداخلية وسلوكه الظاهري شهادة عملية لعمل الله فيه، يجتذب حتى بصمته المقدس وصلواته الخفية مع عفته وطهارته وحبه الناري الأبوي أو الأموي أو الأخوي نفوسًا كثيرة للربّ.

ثانيًا: تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي "حواء الجديدة". فالقديسة مريم ولدت "الابن المتجسد" واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبَّلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد.
يليق بنفوسنا أن تصير حواء الجديدة التي لا تتراخى أمام الحية مثل حواء الأولى، ولا تنصت لها لخداعها، بل تسلك على الدوام في جِدّة الحياة مثل القديسة مريم، أو كنيسة المسيح التي لن تشيخ خلال التراخي والتهاون.

ثالثًا: تشبه الكنيسة القديسة مريم بكونها "أَمَة الرب"،كأمَة الرب المتواضعة ترفض الارتباك بكل المجهودات البشرية الذاتية، وتطلب نعمة الله، الذي يعمل في تواضع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته!
سرّ امتياز كل من القديسة مريم والكنيسة تمتّعها بروح التواضع مع السلوك بروح العفة والطهارة، والتمتّع بالنمو الدائم في الربّ، فلن يُسمَح للكبرياء أن يتسلَّل خفية إليها. ونحن إذ نسلك بفكرٍ كنسيٍ صادق،ٍ ننشد مع القديسة مريم: "ها أنا أمة الربّ ليكن لي كقولك!"

رابعًا: لُقِّبَت كل من مريم والكنيسة "القديسة أو المقدسة". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء" (تث 33: 13)، كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة، إذ تقبَّلت كلمة الله النازل كندى السماء. يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلًا: [يمكن أن يُقَال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، وكفردوس البركة. أما الندى فهو الرب المُخَلِّص نفسه.]

خامسًا: العمل الرئيسي لكلٍ من القديسة مريم والكنيسة المقدسة هو الصلاة مع الحب العملي لله والبشر. بالتحام الصلاة بالحب يقف المؤمن شفيعًا خاصة في الخطاة.
شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة ولكل مؤمنٍ، حيث يلتزم أعضاء الكنيسة المجاهدون والمنتصرون الاقتداء بالقديسة مريم، مُصَلّين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع.
ونحن نلتزم بالصلاة الربانية، فتصرخ أعماقنا الداخلية: "أبانا الذي في السماء"، ونطلب من أب البشرية عمن نعرفهم ومن لا نعرفهم، عن المؤمنين وغير المؤمنين، المضطَهدين والذين يضطهدونهم.

 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:28 PM   رقم المشاركة : ( 38 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




خضوعه للقديسة مريم والقديس يوسف




تجسد كلمة الله وتأنس في أحشاء البتول لكي يُصلح ما أفسده آدم الأول وحواء. فقد كسرا الوصية الإلهية بإرادتهما الحرة، وفارقهما الروح القدس ولم يتأهَّل نسلهما لسكنى الروح القدس فيهم. وإذ قدَّم آدم الثاني حياته ذبيحة عن البشرية بالصليب، وهبنا إمكانية سُكنَى روحه القدوس فينا، وصرنا هيكل الله وروح الله ساكنًا فينا (ظ، كو ظ£: ظ،ظ¦).
من عمل الروح القدس الساكن فينا، أن يهبنا مغفرة خطايانا بالتوبة والرجوع إلى الله أبينا، كما يأخذ مما للمسيح ويهبنا إياه. بهذا نصير نحن أيقونة المسيح فكل شيءٍ. إنه يقودنا حتى يعبر بنا إلى السماويات.
من بين ما قَدَّمه لنا الروح القدس إمكانية تعاملنا مع والدينا وتعاملهم مع أبنائهما ليصير الكل أيقونة عملية لتعامل ربنا يسوع المسيح مع القديسة مريم والقديس يوسف، سواء في طفولته وصبوته وخلال نموه الجسماني حتى وهو مُعَلَّق على الصليب بل وحتى وهو في سماواته جالسًا على العرش.
التعامل المتبادل بين ربنا يسوع والقديسة مريم أمه يُعتبَر نموذجًا عمليًا لا لنقتدي به فحسب، وإنما لنختبر عمل الروح القدس فينا فنسلك كما سلك رب المجد مع القديسة مريم، وكما سلكت هي معه!

* يعلمنا أن نقدم توقيرًا فوق المعتاد لأمهاتنا. فعندما يقاومنا الوالدون بخصوص أمور روحية يلزمنا ألا نتمسك بما لنا. ماداموا لا يعوقونا، يلزمنا أن نُقَدِّم لهم وقارًا، وأن نُفَضِّلهم عن الآخرين، لأنهم ولدونا، وربّونا واحتملوا ربوات الأمور المرعبة من أجلنا.
القديس يوحنا الذهبي الفم

* لنتعلَّم يا أبنائي الخضوع لوالدينا.. خضع يسوع وصار قدوة لكل الأبناء في الخضوع لوالديهم أو لأولياء أمورهم إن كانوا أيتام.. إن كان يسوع ابن الله قد خضع لمريم ويوسف، أفلا أخضع أنا للأسقف الذي عيَّنه لي الله أبًا؟!.. ألا أخضع للكاهن المختار بإرادة الله؟
العلامة أوريجينوس

 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:31 PM   رقم المشاركة : ( 39 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




مفهوم الخضوع والطاعة للوالدين




يُقَدِّم لنا كلمة الله المتجسد مفهومًا للخضوع والطاعة للوالدين عمليًا. الالتزام بالخضوع ليس طاعة عمياء بلا فهمٍ ولا حكمةٍ بل بحُبٍ صادقٍ. فمع شهادة لوقا البشير أن ربنا يسوع كان خاضعًا لهما (لو ظ¢: ظ¥ظ،)، أبرز الإنجيل مفهوم الخضوع عمليًا بالآتي:

أولًا: التزام الوالدين بمساندة أطفالهما في تحقيق خطة الله في حياتهم. هذا ما فعلاه حين كان يتحدث مع المُعَلِّمين في الهيكل وهو في الثانية عشرة من عمره (لو ظ¢: ظ¤ظ©).
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن خضوع السيد المسيح لأمه لم يعقه عن إتمام رسالته، فقد قبل الصليب بإرادته وبمسرة (عب 12: 2) وإن كان قد اجتاز في نفسها سيف (لو 2: 35) بسبب آلامه وموته. هكذا يُقَدِّم الربّ للوالدين كما للأبناء علاقة الحب المتبادلة وإن كانت من القلب لكنها ليست على حساب تحقيق رسالة الله للأبناء.
* يليق به كمُعَلِّم أن يُقدِّم الرب نفسه مثالًا للآخرين، فهو يأمر وينفِّذ ما يأمر به. فإنه إذ يوصي بأنه إن لم يترك الإنسان أباه وأُمُّه لا يستحق ابن الله (مت 10: 37، لو 14: 26) أراد أن يكون أول من يخضع لهذه الوصيَّة، لا ليقاوم إكرام الأم اللائق، إذ سبق فقال إن من لا يُكرم أباه وأُمُّه موتًا يموت (خر 20: 2، تث 27: 6) وإنما كان عالمًا أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه أكثر من عواطفه نحو أُمُّه، فرباط الروح أقدس من رباط الجسد.
ما كان يجب على الذين يطلبون يسوع أن يقفوا خارجًا، لأن الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك (تث 30: 14، رو 11: 8). الكلمة تسمعها من الداخل، والنور أيضًا في الداخل، لذلك قيل: "اقتربوا إلىَّ واستنيروا" (مز 33: 6)، فإنه إن كان لا يعرف أهله إن وقفوا خارجًا، فكيف يعرفنا نحن إن وقفنا نحن في الخارج؟

القدّيس أمبروسيوس
إن كان السيِّد المسيح قد قدَّم درسًا علميًا ومثلًا حيًا للخضوع والطاعة للوالدين، فقد أعلن بكلماته "لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟" (لو 2: 49) أنه من حق الطفل أو الصبي أن يسلك في رسالته حسب مواهبه وإمكانيَّاته ولا يكون آلة بلا تفكير في يديّ الوالدين. بمعنى آخر يليق بالوالدين أن يتعاملا مع ابنهما لا كامتداد لحياتهما يُشَكِّلانه حسب هواهما وأمنيَّاتهما، وإنما يوجِّهانه لتنمية مواهبه وقدراته.. يعاملانه كشخص له مقوِّمات الشخصيّة المُستقلَّة وليس تابعًا لهما.

ثانيًا: سمح السيد المسيح لوالدته أن يجوز في قلبها سيف (لو ظ¢: ظ¥ظ£)، إذ لم يعمل على راحتها الجسدية، بل سمح لها أن تختبر عذوبة الألم والصلب معه فتُرَدِّد مع الرسول: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح فيَّ" (غل ظ¢: ظ¢ظ*).
يقدَّم لنا القدّيس أمبروسيوسمفهومًا آخر للسيف الذي يجوز في نفس القديسة مريم، ألا وهو "كلمة الله" التي يليق بنا أن نتقبَّلها في أعماقنا كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الشرّ عن الخير الذي يقوم.. [لم يذكر الكتاب ولا التاريخ أن مريم استشهدت، غير أن السيف المادي لا يجوز في الروح بل في الجسد، إنما كلمة الله قويّة وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارقة إلى النفس والروح (عب 4: 12).]

إن كان السيد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تُمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. إذ يقول: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلَن أفكار من قلوب كثيرين" (لو 1: 35). وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المُقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوع لما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.] وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مُخلِّص العالم على الصليب مُعَلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.]

ثالثًا: لم يُمارِس خضوعه لها بكلماتٍ معسولة، إنما برعايته العملية لها، لذلك سلَّمها لتلميذه البتول المحبوب يوحنا كابنٍ لها، يهتم بها بعد موته على الصليب.
برز خضوعه لأمه حتى وسط آلام الصليب، إذ عهد بها لتلميذه المحبوب يوحنا كابنٍ لها يسندها وسط آلامها، وعهد بتلميذه لها ليختبر عذوبة أمومتها للمؤمنين.

رابعًا: كشف لها أن الخضوع الحقيقي للوالدين لا يعني انغلاق القلب في حدود الأسرة، إنما يفتح باب القلب للبشرية خلال الطاعة لكلمة الله. هذا ما عناه من قوله إن كل من يسمع للوصية الإلهية هو أخاه وأخته وأمه (متظ،ظ¢: ظ¤ظ¨).

خامسًا: يليق بالوالدين أن يدركوا أن أبناءهم هم هبة الله لهم؛ وإن كانوا أصغر سنًا وأقل خبرة من والديهم،لكن يليق بنا أن نشتهي دومًا أن يكون أبناؤنا قادة أكثر معرفة ونجاحًا وتقوى منا. بهذا تتمتَّع الكنيسة بالنمو الدائم، فنتطلَّع بكل تقدير لكنيسة المستقبل ونطلب ألاَّ يسقط أبناؤنا في ضعفاتنا وسقطاتنا بل نشتهي لهم أن يحتلّوا مركزًا أعظم في السماويات، ويدركوا مفاهيم روحية أعمق منا.
أدركت القديسة مريم من هو هذا القدوس الذي تجسَّد منها وهي بتول. في صمتٍ كانت دائمة التفكير فيه والتأمل في تصرفاته (لو ظ¢: ظ¥ظ،) بروح الخضوع لخالقها المتواضع والعجيب في حُبِّه. ومن جانبه كان خاضعًا لها وللقديس يوسف (لو ظ¢: ظ¥ظ،).
* لكي تتأكَّد من احترامه العظيم لأمه استمع إلى لوقا كيف يروي أنه كان "خاضعًا لوالديه" (لو 2: 51)، ويعلن الإنجيلي (يوحنا) كيف كان يُدَبِّر أمرها في لحظات الصلب عينها. فإنه حيث لا يُسَبِّب الوالدان أية إعاقة في الأمور الخاصة بالله فإننا ملتزمون أن نُمَهِّد لهما الطريق، ويكون الخطر عظيمًا إن لم نفعل ذلك. أما إذا طلبا شيئا غير معقول، وسبَّبا عائقًا في أي أمر روحي فمن الخطر أن نطيع! ولهذا فقد أجاب هكذا في هذا الموضع، وأيضًا في موضع آخر يقول: "من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟" (مت 12: 48)، إذ لم يفكروا بعد فيه كما يجب. وهي إذ ولدته، أرادت كعادة بقية الأمهات أن توجهه في كل شيء، بينما كان يلزمها أن تكرمه وتسجد له، هذا هو السبب الذي لأجله أجاب هكذا في مثل هذه المناسبة
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم تكن القوانين والشرائع الدينيّة أو المدنيّة حتى اليهوديّة في ذلك الحين تُعطِي الطفولة حقًا للحياة بما لكلمة "حياة" من معنى إنساني حُرّ، إنما كانت بعض القوانين تبيح للوالدين أن يقتلا الطفل أو يُقَدِّماه مُحرَقة للآلهة، كما كان يفعل عابدي الإله ملوك أو ملوخ..
* لم يقل هذا كمن يجحد أمه، إنما ليُعلِن كرامتها التي لا تقوم فقط على حملها للمسيح، وإنما على تمتُّعها بكل فضيلة
الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا
* يضيف النص: "وكانت أُمُّه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" [51]. لقد عرفت مريم أن هناك أشياء تفوق ما للإنسان الطبيعي فحفِظت في قلبها كل كلمات ابنها.. كانت تراه ينمو ويتقوَّى في النعمة أمام الله والناس.. كان يسوع ينمو في الحكمة، وكان يظهر أكثر حكمة من سنة إلى أخرى
العلامة أوريجينوس

 
قديم 18 - 01 - 2023, 01:36 PM   رقم المشاركة : ( 40 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي

كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي - القمص تادرس يعقوب ملطي




اهتمام الأبناء بخلاص والديهم




حقًا إن الآباء ملتزمون بالعمل لأجل خلاص أبنائهم بالمسيح يسوع المصلوب؛ غير أننا كآباء يلزمنا أن ندرك حاجتنا إلى صلوات أبنائنا لبنيان نفوسنا والتصاقنا بالربّ، ففيما كان يسوع المسيح خاضعًا للقديسة مريم، كان هو مُخَلِّصها وفاديها. إن ما يشغله في علاقته بها أن تتمتَّع بالخلاص وأن تعمل لأجل خلاص إخوتها وبنيانهم الروحي. هذا ما نراه بقوة في حياة الأطفال الشهداء. عندما أنكر والد القديسة دميانة إيمانه، تحدثت معه بجرأة وردَّته إلى الإيمان الحقيقي.
* فمع كونه حريصًا على تكريم أمه، إلا أنه كان بالأكثر مهتمًا بخلاص نفسها، ويصنع ما هو صالح للكثيرين، الأمر الذي لأجله أخذ لنفسه جسدًا. كلماته إذن لم تكن صادرة عمن يتكلم بجفاءٍ مع أمه، بل بمن هو حكيم في تدبيره، فيدخل بها إلى الفكر السليم، ولكي يجعل معجزاته تُقبَل بالكرامة اللائقة بها



القديس يوحنا الذهبي الفم

 
موضوع مغلق


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
صعود جسد القديسة مريم القمص تادرس يعقوب ملطي
أمومة القديسة مريم والتجسد القمص تادرس يعقوب ملطي
- القديسة مريم والكنيسة القمص تادرس يعقوب ملطي
من كتاب "القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى" للقمص تادرس يعقوب ملطى
القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى


الساعة الآن 04:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024