القديسة فوستينا
معرفة أكثر عمقاً بالله ورعب النفس
أعلن الله ذاته منذ البدء أنه قداسة وعدالة وصلاح أيّ رحمة. ولا تعرف النفس هذا كله مرّة واحدة بل على دفعات وإشراقات متتابعة وذلك عندما يقترب من الله. ولا يطول ذلك كثيراً لأن النفس لا تستطيع أن تتحمّل من هذا النور. تختبر النفس وقت الصلاة هذه الإشراقات فيستحيل عليها آنذاك أن تصلّي كما في الماضي. كلّ محاولة صلاة كما في الماضي تفشل. ولا تتمكّن قطعيّاً متابعة الصلاة كما كانت من قبل تقبّل النور. يعيش هذا النور في داخل النفس التي لمسها ولا شيء يستطيع أن يُطفئه أو يُضعفه. إشراقات معرفة الله تجذب النفس وتُشعل الحبّ له.
ولكن هذا الإشراق، يسمح للنفس في الوقت عينه أن تعرف ذاتها كما هي. فترى النفس كلّ داخلها على ضوء سماويّ فتستفيق خائفة مرتعدة. ولكن لا تبقى تحت وطأة الرعب بل تبدأ بتنقية ذاتها وتتواضع وتُذلّ ذاتها للرب. وتزداد هذه الإشراقات قوّة وتكرارًا ويعمق ولوجها النفس بقدر ما النفس تزداد تنقية. وإذا ما تجاوبت النفس بأمانة وشجاعة مع هذه النِعم الأولى، فإن الله يملأها بتعازيه ويعطيها ذاته بشكل ملحوظ. وفي بعض الأحيان تدخل النفس كما هي في مودّة مع الله فتبتهج جدّاً وتعتقد أنها بلغت درجة الكمال المُعدّ لها، لأن نقائصها وأخطاءها تنام في داخلها فتظنّ أنها لم يعد للأخطاء والنقائص وجود.
فلا يبدو شيءٌ صعب عليها. فهي مستعدّة لكل شيء وتبدأ الغوص في الله وتتذوّق الأنوار الإلهيّة وتؤخذ بالنعمة ولا تحسب أن وقت التجربة والامتحان سيعود. ولكن بالفعل لا يدوم هذا التذوّق طويلًا وستأتي أوقات أخرى. إنما أضيف هنا أن النفس ستتجاوب بأمانة أكبر مع النسمة الإلهيّة إذا التجأت إلى معرّف واسع الاطلاع وباحت له بكل شيء.