منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 18 - 09 - 2022, 06:42 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

يد الرب إلهي عليَّ




يد الرب إلهي عليَّ!

إن كان سفرًا عزرا ونحميا اللذان في الأصل هما سفر واحد، يصلحان لكل العصور، فهما بالأكثر يناسبان المؤمنين في بداية القرن الواحد والعشرين، إنه سفر المؤمن المعاصر!
الجالس على العرش يحرك كل العروش

يقف الإنسان المعاصر في حيرة، لا يستطيع أن يتنبأ ماذا يحدث في المستقبل القريب أو البعيد. حتى رجال السياسة في العالم صاروا يخشون المستقبل. وكأن العالم قد صار ألعوبة في أيدي أناسٍ مجهولين.
سفر عزرا يقدم للمؤمن طمأنينة، أن فوق كل العروش والسلاطين والقادة والمتآمرين، سواء كانوا الظاهرين أو الخفيين، يوجد صاحب العرش، ضابط العالم، في يده التاريخ كله. فبحسب الفكر البشري لم يكن ممكنًا للشعب المسبي أن يصدق بأن وثنيًا يعتقد أن الرب إله السماء قد دفع إليه جميع ممالك الأرض وأوصاه أن يبني له بيتًا في أورشليم. نقف في هذا السفر في دهشة أمام يد الله العجيبة الصالحة التي عملت في كل الاتجاهات بما لم يكن يتوقعه أحد قط!
يد الرب إلهه عليه!

سرَّ قوة عزرا ونجاحه في مهمته الشاقة تلك العبارة التي كثيرًا ما تكررت: "يد الرب إلهه عليه" (7: 6، 9، 28؛ 8: 22، 31). فكان عزرا يثق بأن الرب إلهه أمين في وعوده، رحوم نحو مؤمنيه، قدير وصالح، يُخرج من الأحداث المرة عذوبة لشعبه ومؤمنيه، يحميه تحت يده الإلهية، فلا يقدر أن يقترب إليه أحد بدون سماحه الإلهي.
إنه سفر انفتاح عيني المؤمن، ليدرك أنه لا يعمل وحده، بل يد الرب إلهه عليه، تسنده، وتعمل به وفيه، وتحقق أهدافه التي خلقه الله ليحققها.
عاش الكاتب العظيم رجل الكتاب المقدس عزرا، كما في حضن الله القدوس، يؤمن بالعمل الجماعي خلال شعبٍ طاهرٍ لا يطيق الخطية. جاد في مواجهتها، ليختبر بالحق عربون السماء بالحياة المقدسة المتهللة في الرب.
إنه الرجل الشجاع الذي لا يُداهن أحدًا، حتى رئيس الكهنة وكل القيادات. يعمل بروح التواضع، لكن بدون مداهنة على حساب الحياة المقدسة.
قائد ناجح

لعل من أبرز ما اتسم به هذا القائد الشجاع القديس أنه حسب حياته جزءً لا يتجزأ من خطة الله العاملة عبر التاريخ، فلم يفصل عمله عن عمل الله مع سابقيه، ولا استخف بالقيادات التي جاءت لاحقة له. فيكتب بكل قوةٍ واعتزازٍ عن عمل الله مع القائدين السابقين له زربابل الوالي ويشوع الكاهن، كما يقف بجوار الوالي الجديد بعده نحميا يعمل معه بقوة!
بالحق قدم عزرا نفسه درسًا عمليًا للقادة كما للشعب.


سفر العودة إلى أورشليم

في أرض السبي

بسبب الخطايا سقط الشعب اليهودي تحت السبي البابلي، فسكنوا في مستعمرات في مملكة بابل، مثل تل أبيب (حز 3: 15) وهي غير تل أبيب الحالية، وتل ملح وتل حرشا (عو 2: 59)، وكسفيا (عز 8: 17). لقد عانت الغالبية العظمى من أتعاب العبودية ومشقاتها. لكن البعض أقاموا مشاريع تجارية ومؤسسات وجمعوا أموالًا وفيرة (عز 2: 65، 69؛ زك 6: 10-11)، وبنوا بيوتًا، وغرسوا جنات (إر 29: 5)، واقتنوا عبيدًا وإماء (عو 2: 65).
العبادة أثناء السبي

تهدم هيكل سليمان، وخربت مدينة الله أورشليم، وتحولت إلى قفرٍ. أما في أرض السبي فلم يكن ممكنًا لهم إقامة هيكل لله هناك. بحكم الناموس، إذ تُعتبر الأرض التي يسكنون فيها نجسة (عا 7: 17)، لم يكن أمام اليهود من الطقوس الهامة سوى حفظ السبت وممارسة الختان.
خروج جديد

قصة خروج شعب الله من عبودية فرعون وانطلاقهم إلى أرض الموعد محفورة في قلب كل مؤمنٍ، يحتفل بها مع كل الشعب سنويًا في عيد الفصح، بل ويحتفل بها في كل عبادته يوميًا. إنها قصة حياة الشعب المتحرر من العبودية، وقصة حياة كل عضوٍ فيها. أما قصة العودة من أرض السبي إلى أورشليم فهي خروج جديد، والقائد الحقيقي الخفي هو الرب نفسه أيضًا.
ربما يبدو أن الرب قد تأخر على شعبه حين تركهم تحت التأديب في السبي لمدة سبعين عامًا، لكنه هو بنفسه سبق فوعد بأفواه أنبيائه عن هذا الخروج. لقد حدد المدة بسبعين عامًا كما جاء في إرميا (29: 10-13). وسبق فأعلن اسم الملك كورش الذي مسحه، وهو وثني لتحقيق هذا الهدف قبل تحققه بحوالي قرنين (إش 45: 1، 13).
كلٍ من الخروج الأول والخروج الثاني هو رمز للخروج الذي نتمتع به خلال العهد الجديد. فقد جاء كلمة الله متجسدًا، هذا الذي يقول: "من عند الآب خرجت" (يو 16: 30). خرج إلينا ليحملنا فيه، فيخرج بنا من البنوة لآدم الساقط إلى البنوة لله الآب السماوي خلال نعمة التبني.
القائد الحقيقي في الخروجين هو الرب، الذي أكد لموسى النبي: "أنا أكون معك"، وأكد في لقائه أفواج الراجعين من السبي أن يده الصالحة على ملك كورش وعلى القادة، كما نبه روح الرب الملك ومن حوله، والقادة والكهنة والشعب. إنه العامل في الجميع.
تم الخروج الأول دفعة واحدة تحت قيادة موسى النبي، وتم الخروج الثاني على ثلاث دُفع تحت قيادة كثيرين، فهو العامل بكل الطرق حسب خطته الإلهية الفائقة. فالتحرر من فرعون القاسي القلب كل أصعب بكثير من خروجهم بأمرٍ كورش الفارسي المتسامح، ومع هذا فالخروج الأول ثم دفعة واحدة، ليؤكد أن الرب هو القائد القدير، أما الرجوع من السبي، فمع سهولته بالنسبة للعمل الأول لكن الله وضع خطة محكمة لصالح الشعب.
يعمل الله بالفرد أو القائد الواحد، كما يعمل بالجماعة حيث يوجد أكثر من قائد!
الخروج الأول يرمز إلى خروجنا من عبودية إبليس إلى البرية على يد مسيحنا لننطلق إلى كنعان السماوية، على يد مسيحنا بالصليب.
والخروج الثاني يرمز إلى تحديدنا وإعادة خلقتنا بذات الرب المُصلح الحقيقي للإنسان، والمجدد له بروحه القدوس.
سبعون سنة وتسبيت الأرض

قبل السبي بحوالي 490 عامًا شعر الشعب بأن تقديم سنة كاملة كل سبع سنوات كسبتٍ للرب حتى تستريح الأرض وتسترد خصوبتها هو مضيعة للطاقات والإمكانيات التي بين أيديهم. ظنوا أنهم قد انتفعوا بسبعين سنة خلال الـ490 عامًا، فكان لزامًا أن يتحقق تسبيت الأرض بغير إرادتهم، حيث يحملون إلى أرض السبي، وتترك أراضيهم خرابًا، يسكنها الأعداء، وترعى فيها الحيوانات. كأن الأرض صرخت تطلب راحة من عدم حكمة الشعب في ذلك الحين، فسمع الرب لصراخها الخفي. قيل: "وسُبي الذين بقوا من السيف إلى بابل، فكانوا له ولبنيه عبيدًا إلى أن ملكت مملكة فارس، لإكمال كلام الرب بفم إرميا حتى استوفت الأرض سبوتها، لأنها سُبتت في كل أيام خرابها، لإكمال سبعين سنة" (2 أي 36: 20-21).
يظن الإنسان أنه أكثر حكمة من شريعة الله، وإذا به يجلب الخراب والمرارة لنفسه.
قديسون في أرض السبي

لم يروِ لنا الكتاب المقدس تاريخ الشعب في أرض السبي بالتفصيل، ولا تحدث عن ظروفهم الدينية والنفسية والاقتصادية والتعليمية، لكنه ركز على أحداث العودة من السبي، كما قدم صورة ساطعة لشخصيات قيادية ومن الشعب عاشت أمينة له في أرض السبي، بل وقدمت بطولات فائقة رائعة ونادرة. إنه يود أن يؤكد لنا حقيقتين:
ا. ما يشغل الله حتى في لحظات التأديب هو العودة من السبي؛ أي عودة النفس من سبي إبليس إلى الأحضان الإلهية في أورشليم العليا.

* ستذهبون إلى السبي، يا شعب صهيون، تُرحَّلون إلى بابل، ولكن بعد سنوات تعودون من هناك، ليس بجندي يُسرع بكم، وإنما بذاك القائد الذي بصعوده إلى السماء جعل من السبي أسيره. إنكم ستتبعونه مع رفقاء بولس في جيشه ورؤساء جيشنا، هؤلاء الذين يأسرون أذهاننا لحساب المسيح .
القديس مار أفرام السرياني
ب. ظهور أبطال وسط الضيق: بلا شك حمل الأسْر الكثير من المرارة، خاصة من الجانب النفسي، حيث عانى الغيورون من الحرمان من هيكل الرب بكل ما يرافقه من عبادة لله الحي، ومن الكيان السياسي لدولتهم، بجانب الحرمان من أمور كثيرة اجتماعية، وقد عبّر سفر حزقيال عن هذه المرارة. وسط هذا المرّ ظهر جبابرة إيمان يصعب أن نجدهم في أيام الفرج.
سقطت إسرائيل ثم يهوذا تحت السبي للتأديب؛ وفي أرض السبي وُجد قديسون على كل المستويات، من بين هؤلاء ننعم بالشخصيات التالية، التي حملت سمات متنوعة، كل منهم له شخصيته المتباينة عن غيره، لكنها تكمل بعضها البعض، وتسند بعضها البعض.
1. دانيال: أُخذ أسيرًا في سبي يهوذا. وهو الرجل المحبوب جدًا لدى الله كشهادة رئيس الملائكة جبرائيل (دا 10: 11، 19). هزّ قلوب أباطرة! وتحول جب الأسود الجائعة إلى سماء، حيث رأى ملاك الرب يسد أفواههم، ويتحدث معه. انفتحت عيناه الداخليتان ليرى المستقبل، خاصة مجيء المسيا ليخلص البشرية، ومجيئه الأخير في انقضاء الدهر.

يعلق القديس جيرومعلى تعبير: "المحبوب"، قائلًا: [إنه تعبير لائق، فإن كل قديس يحمل جمالًا في نفسه، وهو محبوب من الرب ]
2. الثلاثة فتية: كانوا أمناء لله، فحوّل لهم أتون النار إلى ندى، إذ صاروا في صحبة كلمة الله. جاء في تسبحتهم وهم في الأتون:
"باركوا الرب يا حنانيا وعزريا وميصائيل،
سبحوه وارفعوه إلى الدهور.
لأنه أنقذنا من الجحيم، وخلصنا من يد الموت،
وانتشلنا من وسط أتون اللهيب المضطرم،
ومن وسط النار انتشلنا" (دا 3: 88).
* نزل حنانيا ورفقاؤه إلى بركة روحية توهب لجميع القدِّيسين والتي نطق بها إسحق عندما قال ليعقوب: "ليعطك الله ندى من السماء" (تك 27: 28)، أعظم من الندى المادي الذي أطفأ لهيب نبوخذنصر؟!
* الآن أيضًا ينطق نبوخذنصر بنفس الكلمات التي لنا، فإننا نحن العبرانيون الحقيقيون عبرانيو الحياة العتيدة (عب 11: 13)، نختبر الندى السماوي الذي يطفئ كل النيران عنا وبنفس الجانب الأسمى لنفوسنا نقتدي بهؤلاء الفتية .
العلامة أوريجينوس
* الثلاثة فتية الأبطال الطوباويون الذين جربوا في بابل. حنانيا وميصائيل وعزاريا، عندما صاروا في أمان وأصبحت النار بالنسبة لهم مثل الندى، شكروا الله مسبحين إياه وممجدينه.
وأنا أيضًا كتبت إليكم يا إخوتي، واضعًا هذه الأمور في ذهني، لأن الله إلى أيامنا هذه لا يزال يصنع أمورًا هي في نظر البشر مستحيلة. وما لا يستطيع البشر أن يفعلوا، مستطاع لدى الله... ألا وهو أن يُحضرنا إليكم، ولا يسلمنا كفريسة في فم أولئك الذين يريدون أن يبتلعونا .
القديس أثناسيوس الرسولي
3. حزقيال: كاهن لم يمارس العمل الكهنوتي قط، أراه الله هيكل الرب الفائق في رؤيا، وانفتحت أمامه أبواب السماء ليرى العرش الإلهي، وانفرد برؤية المدينة المقدسة السماوية، مقدمًا نبواته العجيبة، خاصة عن هيكل العهد الجديد.
4. زرُبابل: قاد أول دفعة إلى إسرائيل (عز 2:2)، واشترك مع يشوع رئيس الكهنة وإخوته الكهنة في بناء المذبح لتقديم المحرقات وتنظيم العبادة (عز 1:3-9). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أقيم واليًا، ووضع أساس الهيكل (زك 6:4-10). سعى في إعادة بناء الهيكل، لذا دُعي هيكل زرُبابل، وظل البناء قائمًا حتى سنة 20 ق.م، حيث قام هيرودس بإعادة بنائه من جديد.
دُعي شيشبصر (عز 1: 8) ومعناه "الفرح وسط المتاعب". فقد رأى فيه الملك ورجال الدولة والقادة حتى الشعب الفارسي صورة رائعة للإنسان المتهلل داخليًا حتى في أرض السبي ووسط المتاعب
5. مردخاي: مسبي مجهول يعمل في القصر، أنقذ الملك من مؤامرة ضده، وأنقذ شعبه كله بإيمانه العجيب بالله مخلص شعبه وانسحاق قلبه وشجاعته ومساندته لأستير الملكة.جاء في صلاته:
"أنت تعرف كل شيءٍ.
أنت تعلم يا رب، إني لا إفراطًا ولا تكبرًا ولا زهوًا فعلت هذا: عدم السجود لهامان المتكبر،
فإنه يطيب لي أن أقَّبل أخمص قدميه لإنقاذ إسرائيل، لكني فعلت هذا لكيلا أضع مجد إنسانٍ فوق مجد الله.
ولا أسجد لأحدٍ سواك يا رب، ولن أفعل هذا تكبرًا" (أس 4: 17).
6. أستير: فتاة مسبية يتيمة الوالدين، صارت ملكة، لكنها لم تشتهِ قط أن تجلس على المائدة الملوكية. جاء في تكملة أستير أنها صلت لا بتذللٍ ونسكٍ فحسب، وإنما أعلنت في صلاتها كيف كانت تكره الأبهة كخرقة الطامث؛ ولا تلذذت بالقصر وولائمه، بل بالرب وحده.
أطاعت مردخاي ووضعت عنقها لتفتدي شعبها، لا بروح العجرفة، بل بالتواضع مع الصوم والصلاة. جاء في صلاةأستير:
"إنك تعرف كل شيء، وتعلم بأني أبغضت مجد الذين لا شريعة لهم، وبأني أكره مضجع الغُلف وجميع الغرباء.
أنت عالم بحاجتي، وبأني أكره شارة عظمتي التي على رأسي أيام ظهوري، وأمقتها مقت منديل (خرقة) الحائض، ولا أحملها في أيام راحتي.
لم تأكل أمتك على مائدة هامان، ولم أحبذ مأدبة الملك، وما شربت خمر السُكب". (أس 4: 17)
7. عزرا: كان محبوبًا من الإمبراطور الفارسي الذي وثق فيه، فسمح لليهود بالعودة إلى أورشليم، وإقامة حكم ذاتي مع خضوعهم سياسيًا للفرس. وهو كاهن غيور عاد إلى أورشليم مع جماعة من الكهنة لممارسة العبادة في الهيكل، واهتم بتأسيس الهيكل. عاد ثانية إلى بابل، ثم رجع إلى إسرائيل عندما صار نحميا واليًا عليها. أحب كلمة الله وجمع أسفار الكتاب المقدس. كما اهتم بتنقية الدم اليهودي وإبعاد الزوجات الأجنبيات مع أبنائهم، ووجد استجابة لدى الشعب. إنه يمثل الكاهن الذي يهتم بروح العبادة، مع التمتع بكلمة الله والحياة المقدسة، دون تجاهل الجوانب الأخرى من الحياة.
8. نحميا: قائد حي، مركزه السامي كساقي الملك لم يشغله عن الاهتمام بشعبه وبلده. لم يكن وهو في السبي قائدًا دينيًا ولا مدنيًا ولا عسكريًا لشعبه، لكنه قام بدور هذه القيادات خلال حبه لله وممارسته للتوبة وشخصيته الروحية الفريدة، مع إيمانه الحي بوعود الله: "اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك..." (نح 8:1).
الأسر والرؤى

حينما يُطرد المؤمن الحقيقي من أرضه يجد أبواب السماء مفتوحة أمامه، خلالها يتعرف على أسرار الله ويجد له موضع راحة. فلا نجد في العهد القديم أنبياء تمتعوا بالرؤى السماوية مثل دانيال وحزقيال في أرض السبي، وفي العهد الجديد مثل القديس يوحنا الحبيب في منفاه.
العودة إلى أورشليم

كما أن يهوذا سُبي على ثلاث مراحل (605، 597، 586 ق.م.) عاد اليهود من السبي إلى أورشليم على ثلاث مراحل:


يد الرب إلهي عليَّ




كأن الله يدفع شعبه دفعًا للعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل، أحيانا بواسطة ملوك وثنيين، وكان كثيرون قد استقروا في بابل، وأقاموا مشاريع تجارية ضخمة، فلم يرغبوا في العودة. حتى الذين عادوا إلى أورشليم انهمك بعض الأغنياء منهم في بناء بيوتهم، مقدمين أعذارًا كثيرة بأنه لم يحن بعد وقت بناء الهيكل بسبب المقاومة الخارجية من السامريين وغيرهم من الشعوب.
في هذا العصر اجتذب بوذا في الهند (560-480 ق.م.) بأفكاره السلوكية البحتة كثيرًا من الهنود إليه، وأيضًا كونفشيوس في الصين (551-479 ق.م) ليقيموا منهما إلهين! واجتذب سقراط بأفكاره الفلسفية كثيرًا من اليونانيين (470-399 ق.م.) ليعشقوه، بينما لا يريد شعب الله الالتصاق بالله الحقيقي، والتمتع بسكناه في وسطهم.
الموقف السياسي بعد العودة

لقد عاد اليهود من السبي ولكن بلا ملك. زال عنهم نير السبي، وتحسنت أحوالهم، وسُمح لهم ببناء الهيكل، لكنهم كانوا تحت رعوية ملك فارس ونيره. إذ كان يقيم لهم واليًا يحكم أورشليم وما جاورها. كانت الشعوب المحيطة بهم تكيل لهم العداء، يغتنمون كل فرصة لاتهاماتهم بالخيانة والتمرد على ملك فارس. وكان الشعب ملتزمًا بتقديم جزية للملك وخراج للوالي وخفارة للإدارة المحلية (عز 7: 24، نح 5: 4).
كان أغلب السكان فقراء، عاجزين عن دفع الجزية والخراج والخفارة.
مقدمة في سفر عزرا

رجل الشريعة

عزرا كاهن بالميلاد، من نسل حلقيا رئيس الكهنة الذي وجد نسخة من الشريعة أثناء حكم يوشيا (2 أي 14:34). لم يمارس عمله الكهنوتي، إذ نشأ في السبي. أحب كلمة الله، وعكف على دراسة الشريعة (10:7) بغيرة وتقوى. أقامه الله لتعليم الشريعة وجمع أسفار الكتاب المقدس وترتيبها. جاء في التقليد أنه أنشأ مجمعٍ السنهدريم، يتكون من 120 شخصًا، وكان رئيسًا للمجمعٍ، وضع المجمعٍ قانون أسفار العهد القديم.
اهتم بالعبادة تحت قيادته في أرض السبي. وإذ كان الهيكل مهدمًا والشعب مشتتًا، أقيمت مجامع للعبادة استمرت حتى بعد العودة إلى أورشليم بجانب المجامع التي في أرض الموعد.
دُعي بالكاتب لأنه كان موظفًا في البلاط الفارسي ومستشارًا للإمبراطور أرتحشستا الفارسي في الشئون اليهودية للطائفة المقيمة ما بين النهرين. لكن الملك تأثر جدًا به، إذ لمس من حياته أنه ليس كبقية الكتبة الذين في بلاطه الملكي، إنما يحمل مسحة سماوية فريدة. لهذا كان يلقبه: "كاتب شريعة إله السماء الكامل" (عز 7: 12، راجع عز 7: 21). وجاء في كتابات الملك عن إله إسرائيل أنه "إله السماء" (7: 23).
كان عزرا غيورًا، حتى حسبه اليهود زعيمًا في مقام موسى النبي، مؤسسًا للنظم اليهودية المتأخرة (القرن 5 ق.م).
سفر عزرا

تناول تاريخ نحو 80 عامًا تبدأ بصدور أمر كورش الفارسي بعودة اليهود إلى أورشليم تحت قيادة زرُبابل (شيشبصر) من نسل داود لبناء الهيكل. لكن في أيام قمبيز أوقف العمل بتحريض من السامريين وغيرهم من الأمم غرب نهر الأردن. وفي أيام داريوس هستاسيس ظهر النبيان حجي وزكريا اللذان شجعا القادة والشعب على إعادة البناء، وقام الملك بمساعدتهم على تحقيق هذا.
أخيرًا استطاع عزرا بعلاقاته الطيبة والقوية أن يرجع إلى أورشليم ومعه الفوج الثاني من اليهود، يحملون المال والمجوهرات. وكان تركيزه بالأكثر على "شريعة الله" كسرّ العبادة لله وبناء الهيكل الداخلي.
كورش

رجل وثني، ملك على فارس 20 سنة، ثم احتل بابل في سنة 539/538 قبل الميلاد. جاء في سفر دانيال أنه لما بدأ بيلشاصر الملك يستخدم آنية بيت الله في الشرب وهو سكران مع عظمائه دخل كورش ملك فارس، واستولى على بابل وهم في حالة سُكْر (دا 5). وكان دانيال قد شاخ، ولعله مع غيره من أتقياء اليهود، قدموا للملك ما تنبأ عنه إشعياء النبي منذ قرنين (إش 28:44؛ 1:45-4)، وما تنبأ به دانيال نفسه، منها الآتي:
1. ذكر إشعياء كورش بالاسم، مؤكدًا أن قيامه بسماح إلهي، وأن غلبته على بابل العظيمة من قبل الله. يدعو الله كورش "مسيحه" (1:45)، ويفتح أمامه الأبواب المغلقة، وتنهار قدامه الحصون، وينال كنوز بابل الخفية.
يعلق القديس باسيليوس الكبير على وعد الله لكورش: "وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ" (إش 45: 3)، بأن الله كشف له أعماق مخازن الله، وتعرف على أسرار النبوات ومعانيها. هذه المخازن التي تتجدد معرفتنا لها يومًا فيومًا، كمن يأخذ خمرًا جديدًا من الكرمة الجديدة توضع في أوانٍ جديدةٍ، كما قيل في الإنجيل(6).
* مع أن كورش نفسه كان عبدًا لخطأ الوثنية، نال الملوكية من إله المسكونة، وتمتع بعونٍ عظيم منه، ولم يدرك سرّ هذه المزايا. مع هذا حسبه الله أهلًا، لذلك بالرغم من خطئه، عينه أداة لتأديب البابليين وتحرير إسرائيل.
* لقد أعطى كورش لقب "مسيحي" ليعلن أنه هو الذي يختاره ملكًا بطريقة بها يهزم إمبراطورية البابليين، ويضع نهاية لسبي اليهود وإقامة هيكل الله.
* بهذا كله كأنه يقول إنه اختار كورش ملكًا، وأعطاه السلطان اللازم ليوجه إمبراطوريته بإرادة صالحة، ويلطف من الأمور الصعبة ويسهلها. هذا ما تعنيه العبارة: "الجبال أمهد، أكسر مصراعيّ النحاس" (إش 45: 2)
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
2. تنبأ دانيال النبي عن اتحاد مملكتي فارس ومادي بكل وضوح وصراحة.
هذا ما دفع كورش نحو إصدار منشوره بعودة اليهود لبناء الهيكل. استجاب للمنشور أقل من خمسين ألف يهوديٍ انطلقوا إلى أورشليم كفوجٍ أول تحت قيادة زرُبابل، حيث ساروا أكثر من 700 ميلًا ليبلغوا المدينة الخربة في ذلك الحين.
لا نعرف ما في ذهن كورش، لكن خطابه عجيب لا يقف عند إعطاء السماح بالرجوع إلى أورشليم فحسب، بل كان يحث اليهود على ذلك. لقد أمر المسئول عن خزائن القصر أن يُخرج آنية بيت الرب التي أخذها نبوخذنصر، ويسلمها كلها ويُرجعها إلى أورشليم، كأنها كانت محفوظة لهذا اليوم. كما دعا إلى التبرع لبيت الرب. تعهد كورش بنفسه هذا العمل إذ قال: "هو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا" (عز 2:1).
حقًا قصة كورش تبرز أن الله ضابط التاريخ أو إله التاريخ أو ضابط الكل، هو إله المستحيلات، أو صانع العجائب. شهد إرميا هذا المنظر قبل حدوثه، وتكلم عنه بكل صراحةٍ (إر 10:29-14).
بين كورش والسيد المسيح

بالرغم من أن كورش وثني، لكنه كان رمزًا للسيد المسيح من بعض جوانب، مثل:
1. كلمة كورش تعني شمس، وكان يعتبر نفسه الشمس التي أشرقت على البلاد، وكان رمزًا للسيد المسيح، شمس البرّ (مل 4: 2).
2. قال كورش إن الرب دفع إليه جميع ممالك الأرض (عز 1: 2)، لأنه استلم ورثة نبوخذنصر الذي كان يحسب نفسه ملك الأرض كلها. والسيد المسيح هو ملك الكنيسة الممتدة في العالم كله من آدم إلى آخر الدهور.
3. حسب كورش أن عمله هو أن يبني بيت الرب وهيكله(عز 1: 3)، وجاء السيد المسيح ليقيم كنيسته بيت الرب الروحي، ولكي يبني هيكله في داخل كل قلبٍ.
4. حرر كورش الشعب، وطلب منهم أن يتركوا الأراضي إن أرادوا، والمسيح أيضًا هو المحرر. "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36).
5. لم يُلزم كورش الناس بالتحرر من السبي قهرًا، إنما حثهم عليه. والسيد المسيح أيضًا لا يُلزم الناس بالخلاص بغير إرادتهم.
6. طلب كورش أن يستخدموا الذهب والفضة والأمتعة لحساب بيت الرب (عز 2: 69)، والسيد المسيح يريدنا أن نقدم مواهبنا وإمكانياتنا وقدراتنا لحساب مملكة المسيح.
7. تنبأ إشعياء عن كورش، وتنبأ الأنبياء ومن بينهم إشعياء عن السيد المسيح.
8. جاء كورش في الزمن المعين للعودة من السبي، وجاء السيد المسيح في ملء الزمان.
هل كان كورش يؤمن فعلًا بإله إسرائيل؟

وُجدت في ملفات كورش مخطوطات له ينسب انتصاراته لمردوخ الإله البابلي، فهو لم يترك الوثنية، إنما توجد احتمالات كثيرة:
1. لما دخل بابل قدم له دانيال ومن معه نبوة إشعياء، وأدرك أن ما ناله من نصرة هو من قبل هذا الإله، فأراد أن يتمم النبوة، واعتبر نفسه مدينًا لهذا الإله بالنصرة.
2. كان يؤمن بالإله البابلي، لكنه كان يحترم جميع الآلهة. لذا أعطى تصريحًا لجميع الشعوب أنه إن كل أحد يرغب في الرجوع إلى بلده يأخذ آلهته معه، أما اليهود فليست لهم آلهة ولا أصنام يأخذونها، لذا أعطاهم آنية بيت الرب.
3. أراد أن يكسب الشعوب فبدلًا من أن يتركهم في بابل ويضغط عليهم، سمح لهم أن يسكنوا في بلادهم، ويأخذ منهم الجزية، فلا يشعروا بالضيق ولا يُحرموا من ثقافتهم وعلمهم وأرضهم ماداموا خاضعين له عسكريًا. وقد انتهج كثير من الملوك العظماء هذا الطريق خاصة في الدولة الرومانية.
كاتب السفر

كاتب السفر غالبًا عزرا. يُقال إنه بدأ السفر وهو في بابل، وأكمله في أورشليم.
وكلمة "عزرا" قريبة من كلمة لعازر، ومعناها "إلهي معيني". و"عزرا" تعني "الله عوني" أو "الله راحتي".
كان عزرا من سبط هارون من أصل كهنوتي، وُلد في السبي، ولم يمارس عمله الكهنوتي، ولكن كان في دمه اشتياق شديد لإعادة مجد إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل، والرجوع إلى العمل الكهنوتي والشريعة بكل أنواع طقوسها وخاصة الذبائح.
من الصعب أن نفهم في الوقت الحالي مشاعر عزرا ككاهنٍ يهوديٍ محرومٍ من ممارسة عمله الكهنوتي. فالكاهن بالنسبة لهم الشفيع، والإنسان المختار من قبل الله ليكون عوض الشعب كله، وله إمكانية دخول الهيكل في أوقات معينة. وأيضًا من فمه تُطلب الشريعة، وكان يأخذ العشور من الشعب، لأنه يمثل الله. وله أجزاء مخصصة من الذبيحة، لا يستطيع أن يأخذها غيره، وهو يمثل الأبكار نصيب الرب. وُلد عزرا في السبي وكان محرومًا من كل هذه البركات، فشغل نفسه بدراسة الكتاب المقدس. فكانت كلمة الله تمس أعماقه، لذلك يُقال إنه كاتب المزمور 119 الذي يتكلم عن الكتاب المقدس، وكل مقطع مكون من 8 آيات، وهو مرتب حسب الحروف الأبجدية العبرية.

وهو أيضًا كاتب سفري أخبار الأيام الأول والثاني، وأيضًا سفر عزرا، ويقال أنه كاتب سفر نحميا الذي أكمل سفر عزرا. يرى الدارسون السمات المشتركة بين سفري أخبار الأيام الأول والثاني وسفر عزرا، مثل:
أ. الاهتمام بالطقوس الدينية، مثل حفظ الأعياد (عز 3: 4، 6، 19، 22)؛ وخدمة اللاويين (عز 2: 40؛ 8: 15-19؛ 9: 1؛ 10: 5)؛ وآنية الرب (عز 1: 7-11)؛ وفرق الكهنة (عز 6: 18).
ب. الاهتمام بالإنسان (عز 8: 1-20؛ 10: 18-44).
ج. يد الله ضابط التاريخ (عز 8: 22).
واستطاع عزرا أن يكون قائدًا، وسر قوة قيادته اللهيب الذي في داخل قلبه والشوق لإقامة بيت الله. آمن بالنبوات وبوعود الله أنه يعيد شعبه من السبي ويعيد بناء الهيكل، كما كان أيضًا حريصًا على تقديس كل وقته، فكان الكتاب المقدس أمامه باستمرار ليشبع من كلمة الله.
قيل إنه وهو في السبي جمع أسفار الكتاب المقدس ونسقه، فهو الكاهن والكاتب والقائد لشعبه.
سفرا عزرا ونحميا

في الأصل هما سفر واحد يروي قصة عودة الشعب من السبي، كأهم حدث في تاريخ اليهود بعد خروجهم من أرض مصر أو على قدم المساواة معه، لهذا يدعى الخروج الثاني. في ترجمة الفولجاتا اللاتينية التي قام بها القديس جيروم سنة 400 م. قُسم سفر عزرا إلى قسمين: عزرا ونحميا. وفي الترجمات العربية كانا يُدعيان: الكتاب الأول لعزرا والكتاب الثاني لعزرا.
يشترك السفران في أمور كثيرة، نذكر منها الآتي:
1. مركز كل سفر منهما هو الرب القدير والمحب العامل في إنسان الله بالرغم من عدم إمكانياته للعمل. لكي يدرك كل مؤمنٍ أنه بالله القدير يتحقق الخلاص. وكما جاء في زكريا:"هذه كلمة الرب إلى زربابل قائلًا: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود" (زك 4: 6).
2. يبدأ كل سفر منهما بمنشور من ملك فارس الوثني بالعودة. فإن الله هو ضابط التاريخ، العامل بالجميع، حتى بالوثنيين والملحدين لبنيان كنيسته.
3. انتهى كل سفر منهما بأورشليم، أورشليم العليا. حياتنا رحلة عمل مفرحة. تكلم نحميا عن الفوج الأخير فقط بينما تكلم عزرا عن الفوجين الأول والثاني.
4. موضوعهما بناء للهيكل والعودة إلى العبادة فيه أو السور مع بناء الجماعة من كل جوانبها. موضوع كل من السفرين هو البناء والعمل. يقول ربنا يسوع: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). ونحن كأبناء له نعمل به لحساب ملكوته. اهتم نحميا ببناء الأسوار الخارجية، واهتم عزرا بالحديث عن بناء للهيكل والعودة إلى العبادة فيه. بدأ الكتاب المقدس بعزرا ثم تكلم عن نحميا. كنا نتوقع إن يبدأ بالعمل في السور، ثم يُبنى الهيكل، لكن العجيب أن عزرا تكلم عن الهيكل وجاء بعده نحميا يتكلم عن السور. هكذا يبدأ من الداخل وليس من الخارج. للأسف نهتم بالشكل الخارجي وننسى الداخل، ننسى أن ندخل إلى العمق حيث مجد ابنة الملك من الداخل.
5. في الأصحاح التاسع من كلا السفرين نجد صلاة جماعية واعتراف جماعي، فمع إبراز دور الأشخاص كزرُبابل وعزرا ونحميا وغيرهم، لكن العمل الإلهي يتحقق من خلال الجماعة، خاصة بالصلاة بروح التوبة.
6. انتهى كل من السفرين بتطهير الشعب وتقديسه، أي الإصلاح الداخلي الروحي. فغاية رحلتنا على الأرض هي التمتع بنقاوة القلب حتى يمكننا معاينة الله أبديًا" (مت 5: 8).
7. اهتم الأول بالجانب الكنسي وبناء الهيكل، والثاني بالجانب المدني وبناء السور.
8. يخبرنا كلاهما عن قصة تذكير الله بالمواعيد الإلهية. فإنه وإن أبطأ، لكنه حتمًا يتمم ما وعد به في الوقت المعين لديه. وكما تنبأ إرميا: "لأنه هكذا قال الرب: إني عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأُقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع... وأرد سبيكم، وأجمعكم من كل الأمم" (إر 10:29، 14).
ظهر في أيام عزرا زكريا وحجي النبيان وظهر في أيام نحميا ملاخي.
أهمية سفر عزرا

غاية هذا السفر كيف يُصلح الله من شأن شعبه أثناء السبي، وأن وعود الله لا بُد أن تتحقق بغض النظر عن الأشخاص، وكيف أن الله يقيم قيادات في أحلك الظروف الصعبة. كما كشف أيضًا عن حركات الإصلاح وصوَّر رب المجد يسوع كمصلحٍ.
شخصية عزرا

1. رجل متعبد: كان يحب المذبح، بالرغم من حرمانه منه في أرض السبي، ومحب للعبادة الشخصية والجماعية (عز 8: 35؛ 9: 6 إلخ).
2. يثق في وعود الله: متمسك بإيمانه أن الله قادر أن يحقق وعوده.

آمن بالله القادر أن يحفظه، فلم يطلب من الملك حراسة عند رحيله إلى أورشليم، مهتمًا بالصوم والصلاة لكي تتحرك السماء لحمايته هو وكل الفوج. "وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا. لأني خجلت من أن اطلب من الملك جيشًا وفرسانا لينجدونا على العدو في الطريق، لأننا كلمنا الملك قائلين إن يد إلهنا على كل طالبيه للخير، وصولته وغضبه على كل من يتركه. فصمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا" (عز 8: 21-23).
3. منكر ذاته: يعطي المجد لله: "مبارك الرب إله آبائنا الذي جعل مثل هذا في قلب الملك لأجل تزيين بيت الرب الذي في أورشليم، وقد بسط عليَّ رحمة أمام الملك ومشيريه وأمام جميع رؤساء الملك المقتدرين، وأما أنا فقد تشددت حسب يد الرب الهي علي، وجمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا معي" (عز 7: 27-28).
4. رجل صوم وصلاة وبكاء وتذلل (21:8)، وقد طلب مشاركة معه في هذا.ناديت هناك بصوم على نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقًا مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا" (عز 8: 21).
5. رجل إيمان، لا يتكل على ذراع بشرٍ، بل على ذراع الله. "ثم قام عزرا... فانطلق إلى هناك ولم يأكل خبزًا" (6:10). يثق في الله لكنه يتذلل أمامه وينكر ذاته. لم يقل في ذاته إني صاحب سلطان وقائد، بل بكى ودخل المخدع وصلى (عز 10: 6).
6. مصلح لطيف مؤمن بعمل ربنا؛ رجل مذلة ورجل دموع يتكل على ذراع الله لا على ذراع بشر، لكنه حازم. "وأطلقوا نداء في يهوذا وأورشليم إلى جميع بني السبي لكي يجتمعوا إلى أورشليم. وكل من لا يأتي في ثلاثة أيام حسب مشورة الرؤساء والشيوخ يُحرم كل ما له وهو يفرز من جماعة أهل السبي" (عز 10: 7-8).
7. يسلم قلبه للروح القدس: يسلم قلبه لكي ينقش الروح القدس الكلمة في داخل قلبه.
8. رجل الكتاب المقدس: لم ينشغل عزرا بعلوم الكلدانيين الذين اهتموا بالآداب والفنون والفلك، لكنه كان مشغولًا بالمعرفة الحقيقية، مهتمًا بالأسفار الإلهية. أحبها بكونها كنز الوعود الإلهية، ويؤمن بقوة الكلمة في حياته. الشريعة بالنسبة له وعد، قد يطيل الله أناته ولكن لا بُد أن يحقق الله الوعد. سفر عزرا هو دراسة لكلمة الله من الجانب العملي.
هيأ عزرا قلبه للكلمة الإلهية، أي لطلب شريعة الرب، يبحث عنها ويتعلمها ويعمل بها ويعلم بها (عز 10:7).
بين عزرا والسيد المسيح

1. كان عزرا كاهنًا من سبط لاوي، والسيد المسيح هو رئيس كهنتنا الأعظم (عب 4: 14).
2. دُعي راعيًا (إش 44: 28)، والسيد المسيح هو الراعي الصالح.
3. صلى عزرا وبكى من أجل خطايا الشعب، وبكي السيد المسيح على أورشليم، وحمل خطايا العالم.
4. عاد عزرا مع المسبيين إلى أورشليم، وردّ السيد المسيح الذين سباهم إبليس ودخل بهم إلى أورشليم السماوية.
5. دعا الرب عزرا "مسيحي" (إش 45: 1)؛ و"رجل مشورتي" (إش 46: 11)؛ "قد أحبه الرب" (إش 48: 14)؛ "كل مسرتي يتمم" (إش 44: 28).
موسى النبي وعزرا الكاتب

* قاد موسى النبي الخروج الأول من مصر، وقاد عزرا الكاتب الفوج الثاني من الخروج الثاني من بابل إلى أورشليم.
* كان كل منهما قائدًا روحيًا، ومدبرًا لشئون الشعب.
* استلم الأول الشريعة واهتم بالوصية الإلهية، وجمع الثاني الكتاب المقدس واهتم بالشريعة.
* اهتم كل منهما بالتعليم.
* حقق كل منهما خطة الله للتمتع بالحرية.
* اتسم كل منهما بالحزم مع الحب.
ملوك فارس

1. كورش Cyrus 538-529 ق.م. مؤسس دولة مادي وفارس، سمح لليهود بالعودة إلى أورشليم. [الأحداث الواردة في عزرا الأصحاح الأول حوالي سنة 538].
2. قمببز (كامبيس) Cambyses (أرتحششتا) 529-522. ابن كورش، نجح الوشاة في إقناعه بوقف العمل في بناء المدينة والهيكل، فأصدر أمرًا بذلك (عز 4: 17- 25)، قُتل أثناء حربه مع مصر.
3. سمرديس 522-521 ق.م. تولى سمرديس أخو قمببز الحكم أثناء غيابه في الحرب. لكن محتالًا يشبهه تملك بدلًا منه لمدة 7 شهور.
4. داريوس هستاسيس الأول 521-486 ق.م.: صهر كورش، قتل المحتال وتولى العرش. واتسعت في أيامه المملكة من الهند إلى نهر الدانوب في أفريقيا. في أيامه ظهر النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب على العمل في بناء الهيكل (عز 4: 24). حكم 36 عامًا، ومات سنة 486 ق.م.
5. أحشويرش الأول (زركسيس الأول أو أكسركيس) 486-465 ق.م. هو زوج إستير. جمع جيشًا عظيمًا، بلغ قوامه 5 مليون ومائتين ألفًا. كثرة العدد أدت إلى هزيمته في سلاميس سنة 480 عند محاولته غزو اليونان. كان مستهترًا، أغتيل عام 465 ق.م.
6. أرتحشستا الأول (لونجيمانوس) 465-424 ق.م. أي طويل اليد، لاطف اليهود، وسمح لعزرا أن يذهب إلى أورشليم مع عدد من اليهود، ولنحميا ببناء أسوار أورشليم (عز 7: 11- 13، نح 2: 1-10).
7. أحشويرش الثاني (زركسيس الثاني أو أكسركيس) 424-423 ق.م.
8. داريوس الثاني (نوتوس) 423-404 ق.م.
9. أرتحشستا الثاني (بينومن) 404-359 ق.م.
10. أرتحشستا الثالث (أدخوس) 359-338 ق.م.
11. آخرهم داريوس الثالث (قدمانوس أو كودومانوس) 388-331 ق.م، الذي انتصر عليه الإسكندر الأكبر سنة 331 ق.م.، حيث بدأت الإمبراطورية اليونانية.
الله في سفر عزرا

يقدم لنا هذا السفر الله بكونه إله السماء والأرض (1: 2؛ 5: 11)، يتعرف عليه شعبه ويتكل عليه.
1. حافظ الوعود (1: 1).
2. يتمم أهدافه ويحققها في الوقت المعين (1: 5).
3. القدوس، يطلب أن يقدس المؤمنين (4: 3؛ 9: 15).
4. الله صالح ورحوم (3: 11)، يحول الأحداث المرة إلى أحداث لنفع مؤمنيه، أي بصلاحه يجعل كل شيء صالحًا لهم (5: 3-6: 12).
5. يؤكد هذا السفر أن الله لا يترك الحكام حتى الأباطرة يعملون حسب هواهم بلا ضابط. إنه يحرك العروش والقلوب أو يسمح لها بالتحرك، ويحول تصرفاتهم لبنيان شعبه (7: 27-28).
6. حافظ شعبه وحارسهم (8: 22-23): لن ينساهم. إنه يؤدبهم على خطاياهم، لكنه، يبعث لهم قادة عظماء كزرُبابل وعزرا ونحميا، وأنبياء، حتى وهم تحت التأديب في السبي، يدفعونهم إلى التوبة.
7. سامع صلوات المتواضعين (8: 23، 31).
8. ما يطلبه الله من الإنسان كفردٍ أو البشرية كجماعةٍ هو الرجوع إليه بالتوبة.
سمات كنيسة الله

1. يعتز الله بالعمل الكنسي الجماعي، دون تجاهل دور كل عضوٍ فيها (3: 1).
2. الكنيسة مجتمع متهلل بالروح (3: 11-13، 6: 16).
3. يليق بالكنيسة ألا تسلك بأنصاف الحلول (4: 1-3، 6: 21).
4. الكنيسة مجتمع تائب وراجع إلى الله (6: 17).
5. تتسم الكنيسة الحقيقية بروح الطاعة (3: 2، 6: 18).
6. ليس كل من يسجل اسمه كعضوٍ في الكنيسة يُحسب عضوًا حقيقيًا. فعندما فتح الرب الأبواب للكنيسة اليهودية أن ترجع إلى أورشليم وتبني مذبح الرب وهيكله ومدينته وأسوارها، لم يغتنم الكل هذه الفرصة بالرغم من اعتزازهم أنهم شعب الله، أبناء الموعد، وأبناء إبراهيم.
موقفنا من الخطية

1. الجدية في مقاومتها (9: 3-4؛10: 6).
2. لا مهادنة مع الخطية (4: 1-3؛ 9: 1-3).
3. الحاجة إلى اعتراف صادق دون تبرير للنفس (9: 5-15).
4. ليس من علاج لها سوى الالتجاء إلى مراحم الله (9: 13).
5. أخذ خطوات عملية للخلاص منها (10: 7-17).
الخطوط العريضة لسفر عزرا


القسم الأول: الفوج الأول [1-2]، إقامة الهيكل [3-6]

يؤرخ 22 سنة [538-516 ق.م.]
العودة تحت قيادة زرُبابل وبناء الهيكل ص 1-6
يرى عزرا الكاتب أن العودة إلى أورشليم وبناء الهيكل وممارسة العبادة هو تحقيق لكلمة الله، غايته ارتباط الشعب بكلمة الله ووصيته. لذلك كثيرًا ما يذكر "كلمة الله" معلنًا دورها في حياة شعب الله الدينية، والاجتماعية والمدنية.

عزرا 1: الجالس على العرش يحرك العروش الأرضية
تحقيق كلمة الله بالعودة من السبي: إعلان بالسماح لعودة اليهود، بعد أن قرأ دانيال ما كتب على الحائط بخصوص سقوط بابل في يد فارس وتحقق في نفس الليلة (دا 5: 25-31). يحتمل أن دانيال أظهر لكورش النبوات التي تحققت (إر 25: 11-12؛ 29: 10؛ إش 44: 26-28؛ 45: 1، 13) وقد ذكر اسم كورش قبل مجيئه بحوالي قرن ونصف (إش 44: 26-28)، وفي عهده يرجع اليهود ويعيدون بناء أورشليم.

عزرا 2: موكب المتهللين
لقد سجل أسماء الذين عادوا ليضعوا أساسات الهيكل، فمن يهتم بسكنى الله وسط شعبه يهتم الله بهم وبأسمائهم.
[كل إسرائيل 2: 70؛ 6: 17؛ 8: 35]. لم يعد بعد السبي مملكتان أو شعبان بل شعب واحد واثنا عشر سبطًا (لو 22: 30؛ أع 26: 7؛ يع 1:1).

عزرا 3: ذبيحة وهيكل وأعياد!
تحقيق كلمة الله ببناء المذبح والهيكل: اجتمع الشعب كرجلٍ واحدٍ (1:3)، وبنوا مذبح الرب قبل أن يهتموا ببيوتهم. اهتموا بالمذبح بكونه قلب الهيكل، كما أن الصليب هو قلب الكنيسة، مقدمين قلوبهم مع هذا العمل.
في الشهر 7 من السنة 1 من العودة: بُنيَ المذبح، وحُفظ عيد المظال بابتهاج وشكر لله، بالرغم من أن الوقت كان صعبًا.
في شهر 2 من السنة 2 وضعت أساسات الهيكل. اختلط حزن الذين رأوا الهيكل الأول، بفرح الصغار بتعيين زربابل حاكمًا على اليهودية. من يركز عينيه على الماضي وحده، لا يتمتع بأمجاد المستقبل (في 3: 12-14). يمكن أن يكون الماضي دفة تدفع سفينة حياتك للعمل، أو مرساة تشل حركتها.

عزرا 4: مقاومة عنيفة
مقاومة الأعداء لهم: ما أن يبدأ الرب يبارك في العمل، حتى يثب العدو للمقاومة. استخدم إبليس عدة وسائل خطيرة:
الوسيلة الأولى: بالخداع أنهم يساعدونهم.
الوسيلة الثانية: الإرهاب والتخويف. عندما تشعر بالخوف ارجع إلى إش 12: 2.
الوسيلة الثالثة: بتثبيط الهمم.
الوسيلة الرابعة الالتجاء إلى السياسة، فيُحسب كل بنيان هو تمرد وخيانة ضد الحكام والدولة، مع استئجار بطالين. اعتراض الجيران الذين استولوا على أراضي اليهود [توقف 15 سنة حتى حكم داريوس].
الوسيلة الخامسة: الزواج بوثنيات يفسدن قداستهم (خر 12: 38، عد 11: 4).

عزرا 5-6: استئناف بناء الهيكل في أيام داريوس
ظهور النبيين حجي وزكريا: في السنة الثانية، بعد 16 سنة من عودة اليهود ما بين 4: 24 و5: 1. أعد الله نبيين هما حجي وزكريا لتجديد الإرادة للعمل وتقويتهم، وذلك خلال كلمة الله وتذكيرهم بوعوده الإلهية. حين نتمسك بكلمة الله، عينا الله تكون علينا (5: 5)، والعمل ينجح ويزدهر (6: 14، يش 1: 8، مز 1: 1-3). فكما يثير عدو الخير الأشرار ضد العمل الإلهي يرسل الله رجاله الأتقياء للمساندة.
تأثر داريوس بشجاعتهما، فطلب منهما الصلاة لأجله ولأبنائه. تم البناء في أربع سنوات (520-516ق. م)، ودُشن بفرحٍ عظيم. بدأ العمل بخليطٍ من الهتاف والصراخ المُر (3: 8-13)، وانتهى بالبهجة (6: 16-22).
لسبب أو آخر بعد إتمام بناء الهيكل، صار تجديد المدينة مستمرًا لمدة 70 عامًا.
كان هيكل زرُبابل بسيطًا ليس في عظمة هيكل سليمان. حزن الشيوخ الذين عاصروا هيكل سليمان وبكوا بصوتٍ عالٍ، لكن الشعب شكر الرب على عمله معهم.
القسم الثاني: الفوج الثاني [7-8]، الإصلاح الروحي [9-10]


يؤرخ سنة واحدة [458/457 ق.م.]
العودة تحت قيادة عزرا وإصلاح الشعب ص 7-10
توجد فترة حوالي 60 عامًا ما بين الأحداث فنهاية الأصحاح السادس والأحداث مع بداية الأصحاح السابع، أي بين ظهور النبيين والعودة من السبي تحت قيادة عزرا. في هذه الفترة تحققت الأحداث الواردة في أستير.

عزرا 7: رسالة الملك لعزرا
إرسال الملك لعزرا: بعث الملك برسالة رائعة لعزرا تكشف عن مدى حب الملك له، وتأثره به وتشجيعه للشعب للعودة والتبرع لبيت الرب، والاهتمام بإرضاء الرب بكل حبٍ، وخضوعه لشريعته. بعد 13 سنة أعطى نفس الملك نحميا حق بناء أسوار أورشليم. الملوك الفارسيون الأحباء جدًا لليهود هم كورش وداريوس وأرتحشستا.
تحققت الرحلة عام 457 ق.م. في أيام أرتحشستا الأول ابن زوج الملكة أستير، بعد حوالي 60 عامًا من إتمام بناء الهيكل و80 عامًا من عودة أول فوج من اليهود إلى أورشليم. وصل عزرا إلى أورشليم، وللأسف كان الشعب قد انحدر إلى الخطية. وكان دور عزرا هو ردهم إلى الرب.
كان عزرا إنسانًا موهوبًا لكنه يعجز عن العمل بدون أن تكون يد الله عليه (7: 6، 8: 18)، اليد الحامية (8: 22، 31)، اليد المشجعة (7: 28)، اليد القائدة (7: 9).
كانت كلمة الله في قلب عزرا، كما في يده (7: 10). درس عزرا كلمة الله، وأطاعها، وعلَّم بها.

عزرا 7-8: رحلة عزرا إلى أورشليم
حملت أيدي اليهود الكنوز إلى الهيكل، أما الاستعداد للرحلة فهو:
ا. اجتماع الرؤساء، عند النهر (المعمودية).
ب. الصلاة.
ج. الصوم وتقديم ذبائح .
كان عزرا كاهنًا، جاء ليعلم يهوذا شريعة الله، ويقوم بتجميل الهيكل واستعادة خدمة الهيكل. أسس مجمع السنهدريم وكان أول رئيسٍ له.

عزرا 9: إصلاح الموقف بسبب الزواج بالوثنيات
إذ عاد عزرا إلى أورشليم وجد الأمور أسوأ مما كان يتوقع سواء على مستوى الشعب أو القيادات المدنية، فمزق ثيابه ونتف شعره في مرارة. وتذلل أمام الله، معترفًا بخطايا الشعب حاسبًا نفسه خاطئًا معهم.
سقط عزرا في حيرة (9: 1-4): أولًا كان يليق بالبقية أن تطيع كلمة الله من جهة الزواج وأن يتعلموا من تأديبهم بالسبي، ومن أحداث الماضي. وسقط في خجل (9: 5-9)، فقط صار الشعب ثملًا بسبب الخطية (9: 8).
قدم تحذيرًا (9: 10-15) فقد أعلن لهم كلمة الله، وهم لم يطيعوها. سبق فأدبهم ولم ينتفعوا من التأديب، لم يعد من طريق سوى العقوبة الأكثر مرارة. إذ صلى عزرا ارتعب (9: 4)، وركع (9: 5)، وانحنى (9: 6)، إذ لا يقدر أحد أن يقف أمام الله (9: 15، مز 130: 3).

عزرا 10: شعاع الرجاء وسط الظلمة
شجع شكنيا (وهو ابن يحبئيل الذي تزوج امرأة وثنية) الشعب على الاعتراف بخطاياهم والطاعة للكلمة. ربما كان يفكر في وعود الله في خر 34: 6: 7؛ إش 55: 6- 7؛ إر 3: 11-13. المؤمنون اليوم يرجعون إلى يو 1: 9.
الاعتراف لا يتم بطريقة حرفية قاتلة بالشفاه وحدها، إنما بإدراك مهابة كلمة الرب (عز 9: 4؛ 10: 3؛ إش 66: 2)، فيتمتع المؤمن بالقلب المنكسر (مز 51: 16-17).
لم يقبل الكل أن يطيعوا (10: 15)، لكن الذين أطاعوه اعترفوا بخطاياهم علانية، وقدموا ذبيحة، وتركوا الوثنيات.
كان الأمر مؤلمًا بالنسبة لهم، لكن لم يكن يوجد طريق آخر للتمتع بالطهارة. ليس من طريق سهل للتعامل مع الخطية.
انسحاق عزرا أثمر انسحاقًا وسط كل الشعب الذي اعترف بخطاياه وبكى بكاءً مرًا، وأعلنوا رغبتهم في تنفيذ كل ما ينطق به عزرا، وعزل النساء الغريبات(10). هكذا خُتم سفر عزرا ببناء بيت الرب في قلوب الشعب بالاعتراف والتوبة العملية الصادقة.
أقسامه

يمكن تقسيمه إلى قسمين:
1. عودة الشعب من بابل تحت قيادة زربابل
1 - 6.
2. عودة الشعب من بابل تحت قيادة عزرا
7 - 10.



يد الرب إلهي عليَّ


يُلاحظ في سفر عزرا أنه ذُكر اسم "أرتحشستا" أحيانًا "أرتحششتا"، ولعل السبب في الاختلاف هو نطق الاسم تارة بحرف الشين، وأخرى بحرف السين.




عودة الشعب من بابل تحت قيادة زرُبابل



عزرا 1-6
تقدم لنا الأصحاحات الستة الأولى صورة عن الأحداث ابتداء من العودة من السبي من بابل (عز ا) وتنتهي بإصلاح الهيكل (عز 6).
العودة البدائية في بدء حكم كورش حيث استولى على بابل، كانت تحت قيادة شيشبصر "رئيس يهوذا" (1: 8)، غالبًا هو نفسه زرُبابل الأمير الملكي، ومعه يشوع الكاهن. وقام داريوس الملك الفارسي فيما بعد بمساندتهما على إتمام إعادة بناء الهيكل.
ما ورد في هذه الأصحاحات كان مدعمًا بمستندات، فذُكرت أسماء الأشخاص والأماكن والتواريخ والتقدمات والمراسيم الملكية مثل مرسوم كورش، والمراسلات بين رجال الدولة في غرب نهر الفرات والأباطرة الفارسيين.
غطت هذه الأصحاحات فترة حوالي 22 سنة، من سنة 538 ق.م. (مرسوم كورش) إلى تدشين الهيكل عام 516 ق.م.، وإن كان الكاتب قد تجاهل الإشارة إلى جوانب كثيرة من الحياة خلال العودة والإصلاح.

الجالس على العرش

يحرك العروش والقلوب

يبدأ السفر بإبراز عمل الله لأجل شعبه، أو بالكشف عن يد الله الصالحة التي تعمل المستحيلات. فينبه روح كورش ملك فارس ليطلق نداء في كل مملكته كما بالكتابة بالسماح بعودة اليهود المسبيين إلى وطنهم. كما نبه الرب الكهنة واللاويين ورؤساء الشعب من يهوذا وبنيامين ليعدوا أنفسهم للعودة، وإن كان الله لم يُلزم أحدًا بالعودة قسرًا.
تنبأ إرميا أن الرجوع من السبي البابلي يتحقق بعد 70 عامًا (إر 25: 12؛ 29: 10).

عندما فتح كورش بابل التقى به دانيال النبي وقدم له نبوات إشعياء وإرميا، فاهتز قلب الملك أن ما يحدث معه قد أُعلن لليهود منذ قرنين، وأن إله السماء دفع إليه ممالك الأرض، ودعاه مسيح الرب. هنا يقدم الملك الوثني المستعمر ما يستحيل توقعه منه:
1. آمن بإله السماء (وإن كان قد حسبه أحد الآلهة).
2. حث الوثني الكهنة والشعب للتحرك والعودة.
3. قدم آنية بيت الرب التي استولى عليها نبوخذنصر، ولم يقم ملوك بابل طوال عشرات السنين بصبها تماثيل لآلهتهم. يا للعجب روح الله يحرك الملك الوثني ويقيم قادة قديسين ويحرك قلوب الكهنة والشعب، بل ويحرك الشعب الوثني لتقديم هبات لإقامة هيكل إله السماء في أورشليم! هذا عمل الله ضابط التاريخ في حياة الكنيسة، كما في حياة كل مؤمن يتكئ على صدره! إنه يقدم لنا ما يبدو لنا مستحيلًا!
يسجل لنا الأصحاح الأول منشور الرجوع من السبي في السنة التي فيها غلب كورش بابل. نلاحظ أمانة الله الذي سمح بالتأديب إلى حين لأجل الإصلاح.
تظهر بعض النقوش المعاصرة لهذا الحدث أن كورش سمح لأممٍ أخرى أن ترجع إلى وطنها ومعها أصنامها. وإذ لم يكن لليهود أصنام يتعبدون لها لكي يأخذوها معهم عند عودتهم، أُعطيت لهم الأواني المقدسة التي للهيكل (1: 7؛ دا 5: 2).
كان يمكن لأي إنسان أن يعود، لكن لم يفعل الكل هكذا. فقد استقر البعض في بابل وازدهرت حياتهم، بينما كانت الحياة في اليهودية قاسية. ففضلوا أن يدفعوا الآخرين للرجوع بتقديم تبرعات لبناء بين الرب، دون أن يرجعوا.


















1. تحقيق الوعد الإلهي

جاءت فاتحة هذا السفر تطابق خاتمة سفر أخبار الأيام الثاني (2 أي 36: 22-23). إذ لم يرد كاتب سفر أخبار الأيام الثاني أن يختم السفر بأحداث مؤلمة ومرة، وإنما أراد تأكيد أن الله لا ينسى شعبه حتى وإن طالت مدة التأديب. لقد سبق فوعد الله بأرميا النبي أن السبي لن يدوم أكثر من 70 عامًا (إر 25: 12؛ 29: 11). وجاء سفرًا عزرا ونحميا يسجلان تحقيق هذا الوعد الإلهي حرفيًا وبدقة.
سبق أن وهب الله دانيال فهمًا للأحداث وتعَّرف مدة السبعين عامًا، فانسكب في صلاة بتذلل يعترف بخطاياه وخطايا شعبه التي سببت هذا السبي: "أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم. فوجهت وجهي إلى الله السيد طالبًا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمُسح والرماد، وصليت إلى الرب إلهي واعترفت وقلت..." (دا 9: 2-4).

وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا،
نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلًا: [1]
لا تعني السنة الأولى من ملكه في فارس (إيران)، بل السنة الأولى من ملكه على بابل؛ أي سنة 538 ق.م. لأنه لم يكن له سلطان على بابل (العراق) المدينة العظيمة، ولم يتخيل أحد إن فارس تحتل بابل، لأن نبوخذنصر اعتبر نفسه ملك الأرض كلها، وفارس كانت دُوَيلة صغيرة.
على خلاف ملوك بابل الذين كانوا يجدون مسرتهم في إذلال الشعوب المسبية، فكانوا يحملون آلهتها إلى بابل ويقيموها كأنصبة تذكارية، كنوعٍ من الإعلان عن عجزها وهزيمتها، وكافتخار لبابل غالبة الشعوب كان ملوك مادي وفارس، خاصة كورش، يحترمون الآلهة، كما يحترمون الشعوب ما دامت تدفع الجزية وتخضع لهم سياسيًا.
إذ قدم دانيال النبي النبوات لكورش، معلنًا له أن نصرته من قبل الرب، وأن ما تم سبق فتنبأ عنه الأنبياء، إلا أن عزرا يرى اليد الخفية العاملة في قلب كورش، فيقول: "نبه الرب روح كورش ملك فارس"، وكما يقول سليمان الحكيم: "قلب الملك في يد الرب، كجداول مياه حيثما شاء يميله" (أم 21: 1). الله الذي سمح لنبوخذنصر بالاستيلاء على أورشليم وهدم الهيكل وسبي الشعب لتأديب إسرائيل، هو الذي تكلم في قلب كورش ليصدر أمره بالعودة لمن يشاء، وبناء المدينة والهيكل. يقول دانيال النبي: "الذي له الحكمة والجبروت، وهو يغير الأوقات والأزمنة، ويعزل ملوكًا وينصب ملوكًا" (دا 2: 20-21). كما يقول الحكيم: "للهدم وقت، وللبناء وقت" (جا 3: 3), فقد سبق فكان وقت للهدم، والآن جاء الوقت المناسب للبناء.
بعث الملك نداءً في كل مملكة، يعلن عن رغبته في بناء بيت الرب في أورشليم، شفاهًا وكتابة. كما احتفظ بنسخة من هذا المنشور في سجلات الدولة الرسمية، هذه التي ظهرت قيمتها بعد في أيام داريوس الملك (عز 6: 1).
كورش: وُلد في عيلام سنة 590 ق.م، وملك في عيلام سنة 558، وفتح مادي سنة 549، وفارس سنة 548، ولود سنة 540، وبابل سنة 538، ولأن فارس كانت أهم أجزاء مملكته لُقب "ملك فارس"، وكان من أفضل الملوك القدماء في أخلاقه، كما في اقتداره في الحروب، وعُرف بسماحته الدينية.


هل آمن كورش بإله إسرائيل؟

لا نعجب من أن كورش ينسب نفسه للرب إله السماء، فإن كان قد عرف أنه توجد نبوة منذ حوالي قرنين بأن يبني لله إله السماء بيتًا في أورشليم (إش 44: 28 ، 45: 1)، فلا يعني هذا أنه قبل الإيمان بالله الواحد، إنما كان يحترم جميع الديانات والآلهة. لذلك أصدر مراسيم مكتوبة لشعوب كثيرة خاضعة له كي يردوا الآلهة إلى بلادها في كرامة. وقد وجد بين حفريات هورمزد راسام Hormuzd Rassam لبابل سنة 1879- 1882 قطعة من الطين على شكل برميل، منقوش عليها مرسوم مشابه لما ورد هنا(7).
"وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا": أصدر منشورًا مكتوبًا كوثيقة قانونية تُحفظ في سجلات الحكومة.
70 سنة السبي: يرىالبعضبدأ السبي في السنة الرابعة ليهواقيم ملك يهوذا أي سنة 605 ق.م.، وجاء النداء بالعودة إلى أورشليم عام 538، فتكون مدة السبي حوالي 70 عامًا. ويرى البعض أن سبي يهوذا تحقق بالكامل سنة 568 ق.م. حيث تهدم لهيكل وأعيد بناؤه سنة 516 ق.م.، فتكون مدة السبي 70 عامًا تمامًا.
هَكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ:
جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ،
وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا [2].
يرى يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن دانيال أطلع كورش على ما ورد في سفر إشعياء عن مجيء كورش ليبني بيت الرب ويطلق المسبيين (إش 45: 13). شعر كورش أن ما بلغه من نجاح هو من قبل الله، وليس بقدرته الشخصية، وشعر بالالتزام والمسئولية في تحقيق رسالته.
يرى إشعياء النبي في عودة الشعب من بابل خروجًا ثانيًا، إذ قيل: "اخرجوا من بابل، اهربوا من أرض الكلدانيين، بصوت الترنم أخبروا نادوا بهذا، شيعوه إلى أقصى الأرض، قولوا قد فدى الرب عبده يعقوب" (إش 48: 20). كان كورش رمزًا للسيد المسيح الذي أرسله الآب ليبني كنيسة الله، بيته.
امتدت مملكة فارس في أيام كورش، فكانت تضم إثيوبيا جنوبًا، وقبرص ومصر غربًا، وتسيطر على الماديين والفارسيين والأرمن والسريان والآشوريين والعرب والكبادوك وسكان فيرجينا وليديا وفينيقية والهند وكيلكيا وشعوب أخرى كثيرة(8).
ما يجب ملاحظته أن الأسفار التي وردت بعد السبي غالبًا ما تلقب الله "إله السماء" بينما التي سبقت السبي غالبًا ما تدعوه: "رب الجنود"(9).
يرى البعض أن الله تدخل عن طريق رؤيا أو حلم لتأكيد أن ما حدَّثه عنه دانيال من نبوات إنما هو من الله إله السماء.
يشعر المؤمن أنه بالحق قد صار ملكًا صاحب سلطان، ليس لعدو الخير أن يقتحم أعماقه. وأمام هذه العطية الإلهية يلتزم أن يبني لله بيتًا في قلبه، أورشليم الداخلية، بعمل روح الله القدوس. يقول الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو 3: 16-17). "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم... الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1 كو 6: 19).
* هيكل الله مقدس، لكن من يرتكب الزنا فهو يدنس المقدسات.
القديس يوحنا الذهبي الفم

* في النظرة الأفلاطونية الجسد سجن، أما نظرة بولس له أنه هيكل الله، لأنه في المسيح.
العلامة ترتليان
* إنه ساكنٌ في السماء جالسٌ عن يمين العظمة، ولكنه أيضًا على الأرض متحدٌ بجميع القديسين اتحادًا وثيقًا وساكنٌ فيهم. هو في العلا، ولكنه أيضًا مع السفليين.
* والآن، إذن، يا أبنائي الأحباء، اقتنوا هذه الحرارة الثانية (الروحية) لكي يصير كل شيءٍ خفيفًا عليكم. ففي الحقيقة إنّ هذه الحرارة التي بحسب الله تطرح إلى خارج كل هوى، وتطرد من الإنسان كل ثقلٍ (أي همٍّ أو ضجر)، وتجعل اللاهوتية تُسكنه بحيث يصير هيكلًا لله، كما هو مكتوبٌ: "سأسكن فيهم وأسير بينهم" (2 كو 6: 16).
القديس مقاريوس الكبير
* احترس من داخل ومن خارج لكي لا تَدِينْ أحدًا، ولا تلُوم أحدًا.
لأن رجل الصلاة هو الذي يقف مصلِّيًا أمام الله، فهو يناجيه ويسبِّحه، إذ إنه يتفرَّغ لله ويمجِّده كل حين. مشدود الحقوين، يحمل مصباحه، وله في أوعيته زيتًا. إنه متشدِّدٌ بقوته، فهو قوي بالله. يحارب مقابل الشياطين ويحمل ثمرًا لله. قلبه نقيٌّ. وهو هيكلٌ لله ومسكن للروح القدس. وهو بيت مبني على الصخر. إنه طويل الأناة، وديعٌ يقظٌ.
القديس إسطفانوس الطيبي
* لا تجعل جسدك في القلاية بينما قلبك في مصر! لكن اجعل جسدك هيكلًا لله، ووجِّه أفكارك واقتنِ لك فكرًا ثابتًا.
رسالة أنبا بولا
* إن قال أحدٌ إنّ له محبة فلا يكن له شيء مكروه عند المسيح إطلاقًا. دعنا نهتم بتنقية قلوبنا من أوجاع الإنسان العتيق التي يُبغضها الله، لأننا نحن "هيكل الله" (2 كو 6: 16)، واللاهوت لا يسكن في هيكل ملوث بالأوجاع. فلندخل، إذن، ونتمِّم هدوءنا القليل، لأنه يكفي ما عُمِل. ولنصلِّ طالبين أن تكون حياتنا الهادئة حسب مشيئته، ممجِّدين ثالوثه القدوس الذي بلا عيب.
القديس برصنوفيوس


مَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ لِيَكُنْ إِلَهُهُ مَعَهُ،
وَيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا،
فَيَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ.
هُوَ الإِلَهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [3]
جاء أمر كورش يحترم إرادة الإنسان وحريته، فترك للمسبيين كامل الحرية للبقاء في أماكنهم أو العودة إلى وطنهم.
نحن نعلم أن أورشليم قائمة على جبال مرتفعة، فمن يرغب في الذهاب إليها يصعد، "َيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا". وكما يقول المرتل: "أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة وردية، تعود فتحيينا، ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا" (مز 71: 20).
إن كان كورش يدعو المؤمنين أن يصعدوا إلى أورشليم، فقد جاء سفر المزامير يحمل قسمًا يُدعى "مزامير المصاعد"، يضم المزامير 120 إلى 134. وكان هذا التجميع يستخدمه الزائرون القادمون إلى أورشليم في الأعياد العظمى، حيث كان الصاعدون إلى أورشليم يعطون ظهورهم للعالم ويتمتعون بجبال أورشليم المقدسة وهيكل الرب المقدس، فتتهلل نفوسهم. إنه صعود إلى عربون السماء.
في هذا الصعود يشعر المؤمن أنه كفطيم على صدر أمه (مز 131: 2). يشعر أن سرّ راحته هو سكنى الله وسط شعبه (مز 132)، واجتماع الكهنة مع الشعب في شركة صادقة. يتغنى القادمون للرب، ويسبحونه حتى بالليالي (مز 134).
كانت هذه المزامير الخمسة عشر يطابقها درجات السلم للهيكل (7 درجات في الخارج و8 درجات في الداخل). وكأنه يليق بمن يود الدخول إلى هيكل الرب أن يصعد على هذه الدرجات.
* من كان لا يزال في أدنى الدرجات فليثبت عينيه نحو أعلى الدرجات، أي الدرجة الخامسة عشرة. من بلغ الدرجة الخامسة عشرة، فقد بلغ ردهة الهيكل. هذا هو الهيكل الذي نراه الآن في خرابٍ، لأنه أخطأ ضد الرب. ماذا يقول الرب؟ "قم، لنصعد من هنا... تأملوا إلى لحظة كيف أن الهيكل الأرضي هو رمز للهيكل السماوي .
القديس جيروم
هذا الصعود يصاحبه صعود روحي لا يمكن تحقيقه ما لم يرافقه صاحب المدينة والبيت: "ليكن إلهه معه"، فقد نزل إلينا إلهنا لكي بصعوده يحملنا معه إلى أورشليم العليا، ونستقر في الهيكل السماوي.
*الآن (في عيد الصعود) نحن الذين قبلًا حُسبنا غير أهلٍ للبقاء على الأرض رفعنا إلى السماوات.
نحن الذين كنا قبلًا غير مستحقين للمجد الأرضي، نصعد الآن إلى ملكوت السماوات، وندخل السماوات، ونأخذ مكاننا أمام العرش الإلهي.
هذه الطبيعة التي لنا، التي كان الشاروبيم يحرس أبواب الفردوس منها، هوذا اليوم ترتفع فوق الشاروبيم!
كيف يمكننا أن نعبر على حادث عظيم هكذا عبورًا سريعًا؟!
لأننا نحن الذين أسأنا إلى مثل هذه المراحم العظيمة، حتى صرنا غير مستحقين للأرض ذاتها، وسقطنا من كل سلطان وكرامة، بأي استحقاق نرتفع إلى كرامة علوية كهذه؟!
كيف انتهى الصراع؟!
لماذا زال غضب الله؟
فإن هذا هو بحق عجيب: إن السلام قد حلّ، لا بعمل قام به الذين أثاروا غضب الله، بل الذي غضب علينا بحق هو نفسه يدعونا إلى السلام. إذ يقول الرسول: "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا" (2 كو 5: 20). وماذا يعني هذا؟ أنه بالرغم من أننا أسأنا إليه، فإنه هو الذي يسعى إلينا ويدعونا إلى السلام. إنه حقًا هكذا، فإذ هو الله، وهو الإله المحب يدعونا إليه...
انظروا إلى طبيعتنا كيف انحطت ثم ارتفعت. فإنه ما كان يمكن النزول أكثر مما نزل إليه الإنسان، ولا يمكن الصعود إلى أكثر مما ارتفع إليه المسيح. ويوضح بولس ذلك إذ يقول: "الذي نزل هو الذي صعد أيضًا". وأين نزل؟! "إلى أقسام الأرض السفلى"، وصعد إلى "فوق جميع السماوات" (أف 4: 9-10).
افهموا من هذا الذي صعد؟!

إنني أتأمل في عدم استحقاق جنسنا حتى أدرك الكرامة التي نلناها خلال مراحم الرب المملوءة حنوًا. فإننا لم نكن سوى ترابًا ورمادًا... لكن اليوم ارتفعت طبيعتنا فوق كل الخليقة!
القديس يوحنا الذهبي الفم
"يبني بيت الرب إله إسرائيل"، إذ لم يعد الشعب منقسمًا إلى مملكتين أو شعبين: إسرائيل ويهوذا، إنما انضم الشعبان معًا، أو عادت الوحدة إلى الشعب وهم تحت التأديب.
وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ فِي أَحَدِ الأَمَاكِنِ حَيْثُ هُوَ مُتَغَرِّب،ٌ
فَلْيُنْجِدْهُ أَهْلُ مَكَانِهِ بِفِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ،
مَعَ التَّبَرُّعِ لِبَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [4]
في الخروج الأول طلب اليهود من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا (خر 12: 3)، أخذها العبرانيون معهم عند تركهم مصر. أما هنا فقد أصدر ملك فارس نفسه أمرًا، طالبًا من شعبه، سواء كانوا يهودًا أو من الأمم أن يساهموا في تحقيق رغبته: بناء بيت الرب. بقوله: "فلينجده" يبرز أن هذا العطاء عمل إنساني كريم فيه نجدة للعائدين لبناء هيكل الرب.
إذ كان بعض اليهود محبوبين من أهل الأماكن الوثنية، حث كورش هؤلاء الوثنيين على مساندة اليهود بالفضة والذهب والأمتعة والبهائم مع التبرع لبيت الرب في أورشليم، وكما جاء في (رؤ 12: 16) أن الأرض أعانت المرأة (الكنيسة).
كل خليقة الله صالحة، الفضة والذهب والأمتعة والحيوانات، يُمكن استخدامها فيما هو للخير، أن أحسنا استخدامها. أما إن تعلقت قلوبنا بها لا بالخالق فنسيء استخدامها وتصير عثرة لنا في طريق خلاصنا.
* لا تظن أن الفضة أو الذهب يجب أن يُلاما بسبب الجشعين، ولا الطعام والخمر بسبب النهمين والسكارى، ولا الجمال النسائي بسبب الزناة والفاسقين. وهكذا في كل الأمور الأخرى، خاصة حينما ترى طبيبًا يستخدم نارًا بطريقة صالحة بينما قاتل يستخدم خبزًا به سم لتنفيذ جريمته.
* إذ فقد أيوب كل غناه وبلغ إلى أقصى الفقر، احتفظ بنفسه غير مضطربة، مركزًا على الله ليظهر أن الأمور الأرضية ليست بذات قيمة في عينيه، بل كان هو أعظم منها، والله أعظم منه. فلو أن رجال أيامنا هذه لهم ذات الفكر، لما كنا مُنعنا بإصرارٍ في العهد الجديد من امتلاك هذه الأشياء لكي ما نبلغ الكمال. لأن امتلاكنا مثل هذه الأشياء دون التعلق بها لشيء جدير بالثناء أكثر من عدم امتلاكها نهائيًا.
* إن أردنا أن نرجع إلى بلدنا الأصلي حيث توجد سعادتنا، يلزمنا أن نستخدم هذا العالم، لا أن نتمتع به، لكي ما نرى "أمور الله غير المنظورة مُدركة بالمصنوعات" (رو 1: 20). بمعنى أننا ندرك الأبدي الروحي من خلال ما هو جسدي وقتي.
القديس أغسطينوس

2. الرب ينبه روح الشعب

فَقَامَ رُؤُوسُ آبَاءِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ،
مَعَ كُلِّ مَنْ نَبَّهَ اللهُ رُوحَهُ،
لِيَصْعَدُوا لِيَبْنُوا بَيْتَ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [5]
روح الله الذي أشرق بنور المعرفة على الأنبياء،: إشعياء وإرميا ودانيال ليروا العودة بروح النبوة هو نفسه الذي حرك روح كورش لإصدار الأمر بالعودة، وهو بنفسه حرك روح رؤساء آباء يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويين وغيرهم ليصعدوا لبناء بيت الرب دون اعتبار لمقاومة الأعداء أو للمخاطر التي تقابلهم سواء في الطريق أو في أورشليم نفسها. وإن كان البعض صمم على البقاء في أماكنهم من أجل مكاسبهم المادية. لم يكن قرار العودة إلى أورشليم سهلًا، فالمدينة محروقة بالنار، وبلا أسوار، والأعداء محيطون بها، والطريق شاق، مملوء بالمخاطر وغير معروف لديهم. أكثرهم لم يروا أورشليم من قبل، والبعض رأوها وهم أطفال صغار. هذا ومن الصعب عليهم أن يتركوا مصالحهم في بابل من أراضٍ وأموال وعبيدٍ ومغنين ومغنيات (عز 2: 65). هؤلاء كانوا في حاجة أن ينبه الله أرواحهم لينطلقوا إلى أورشليم.
الذين تجاوبوا مع روح الله ترنموا قائلين: "إن نسيتك يا أورشليم تُنسى يميني، ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك. إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي!" (مز 137: 5-6). هذه هي أغنية كل مؤمنٍ حقيقي يشتهي الانطلاق إلى أورشليم العليا لينعم بالوجود في الأحضان الإلهية، ويتمتع بالأمجاد السماوية.
يرى القديس جيروم في هؤلاء الصاعدين من بابل لبناء بيت الرب، الخطاة الذين يذكرون حياتهم الماضية المقدسة، ولا ينسونها، بل يطلبون أن يعملوا العمل الروحي كما بأياديهم اليمنى، ويردد لسانهم عمل الله معهم، لكي يرجعوا إلى حياتهم الأولى المقدسة(19).
وَكُلُّ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ أَعَانُوهُمْ،
بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ وَبِتُحَفٍ،
فَضْلًا عَنْ كُلِّ مَا تُبُرِّعَ بِهِ. [6]
حين يركز الإنسان على أورشليم العليا، يستخف بكل الزمنيات، فإذا بها تجري وراءه وتلتصق بقدميه. وكما قيل عن الرسل أن أصحاب الحقول أو البيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل (أع 4: 24-35).

3.عودة آنية بيت الرب

وَالْمَلِكُ كُورَشُ أَخْرَجَ آنِيَةَ بَيْتِ الرَّبِّ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ،
وَجَعَلَهَا فِي بَيْتِ آلِهَتِهِ [7]
يمثل كورش الإنسان الجاد، يقرن كلماته بالعمل. فقرن كورش أمره بإخراج آنية بيت الرب التي سبق نبوخذنصر فسلبها (2 مل 25: 13-15). والعجيب أن تبقى هذه الآنية نحو 70 عامًا ولم يفكر أحد من الملوك بابل في صهرها واستخدامها كحلي أو صنع تماثيل لهم أو لآلهتهم.
أَخْرَجَهَا كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ عَنْ يَدِ مِثْرَدَاثَ الْخَازِنِ،
وَعَدَّهَا لِشِيشْبَصَّرَ رَئِيسِ يَهُوذَا. [8]
مثرداث: اسم فارسي معناه "مُعْطَى مِن مثرا Mithra أي إله النور أو إله الشمس". كان خازن كورش، وكان مُستأمنًا على آنية الهيكل.
شيشبصر: يرى البعض أنه شخصية أخرى غير زربابل، لكن الرأي السائد أنه هو زربابل نفسه، اسمه البابلي شيشبصر، ومعناه "الفرح وسط المتاعب(20)" أو "إله الشمس" ويرى البعض أنه يعني "عابد النار(21)". ويرى آخرون أنه اسم أكادي معناه "ليت سن (إله القمر) يحمي الأب". أما اسمه العبراني "زربابل" ومعناه "المولود أو المزروع أو الغريب(22) في بابل". وذلك مثل دانيال والثلاثة فتية، كانت لهم أسماؤهم العبرية، وأعطاهم البابليون أسماء كلدانية. زربابل هو ابن شالتيئل الابن الأكبر للملك يهوياكين الذي مات بدون ذرية، فتزوج أخوه الأصغر من امرأته، وأنجب له نسلًا حسب الشريعة (تث 25: 5-6). فيحسب الشريعة زربابل هو ابن شالتيئيل (عز 3: 2)، ويحسب الطبيعة هو ابن فدايا (أي 3: 9).
وَهَذَا عَدَدُهَا: ثَلاَثُونَ طَسْتًا مِنْ ذَهَبٍ،
وَأَلْفُ طَسْتٍ مِنْ فِضَّة،ٍ
وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ سِكِّينًا [9]

حفظت آنية بيت الرب في هيكل للأوثان، وربما استخدمت هناك، لكنها كأوانٍ للكرامة تبقى عين الرب ساهرة لردها إلى بيته، فإن الرب يعلم الذين هم له (2 تي 2: 19).
وَثَلاَثُونَ قَدَحًا مِنْ ذَهَب،ٍ
وَأَقْدَاحُ فِضَّةٍ مِنَ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَة،ِ
أَرْبَعُ مِئَةٍ وَعَشَرَةٌ وَأَلْفٌ مِنْ آنِيَةٍ أُخْرَى. [10]
ردّ الآنية الذهبية والفضية أعطى الراجعين دفعة قوية لبناء بيت الرب، فقد حملوا مقدسات ثمينة، ليس فقط من جهة قيمتها المادية، وإنما كمقدسات ثمينة خاصة ببيت الرب.
جَمِيعُ الآنِيَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَمْسَةُ آلاَفٍ وَأَرْبَعُ مِئَةٍ.
الْكُلُّ أَصْعَدَهُ شِيشْبَصَّر،
عِنْدَ إِصْعَادِ السَّبْيِ مِنْ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ [11]
واضح أننا إذا جمعنا الآنية الواردة في العددين 9 و10 لا تبلغ 5400 آنية. غالبًا ما سجل في العددين 9 و10 الآنية الكبيرة، وهنا يذكر المجموع كله من آنية كبيرة وصغيرة.
من وحي عزرا 1

لتُقم مسكنك في داخلي!


* نفسي تئن مع المسبيين في بابل.

علقت قيثارتي على شجرة الصفصاف.
كيف أسبح لك، وأنا في أرض الخطية؟
كيف أتهلل ونفسي مُستعبدة للعدو؟
أنت تعلم الذين هم لك،
ها أنا لك، لا تتركني في بابل العنيفة!
* قلبي يصرخ: ردني إلى أورشليمك.
ارفعني من المزبلة، وضمني إلى حضن أبيك!
قُدني في مواكب الإيمان المتهللة!
أصعدني إلى مقدساتك السماوية.
* تسبحك نفسي من أجل كل عطاياك!
لكن تبقى في عطش إليك وحدك!
عطاياك تشهد لحبك لي،
فلست أود أن يمتلكني العالم الذي خلقته لأجلي.
بل أنت وحدك تمتلكني يا ملك الملوك.
حررني من كل شهوة زمنية،
ولتصب كل شهواتي فيك.
أنت هو حياتي وإكليلي!




رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أستجبني يا إلهي تحنن عليَّ
يا إلهي أغدق عليَّ بالمزيد، المزيد من الكدح
ليت الرب يسوع، ابن الله، يمنّ عليَّ بنعمة سحق روح الشر
روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق،
روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين ... ( لو 4: 18 )


الساعة الآن 11:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024