نمو سلطان الكنيسة الغربية: أملاك الباباوية وسلطانها
بعد أن نجح اللمبارديون في غزوهم شمال إيطاليا واستقرارهم هناك في القرن السابع الميلادي، وقضوا بذلك على الوحدة الإيطالية التي اجتهد الإمبراطور جستنيان Justinian I نفسه في أحيائها، ظلت إيطاليا حتى القرن 19 مجرد إصلاح جغرافي دون أن تكون لها وحدة سياسية تنظم أمورها، وهنا وقعت إيطاليا بين ثلاثة قوي: اللمبارديون والدولة البيزنطية والبابوية، وكانت البابوية هي القوة الأكثر استفادة في هذا التناهر.
فالبابوية وازدياد سلطانها السياسي إلى جانب سلطانها الديني غدت تمثل إحدى القوي الحاكمة في إيطاليا، وخير ما يوضح نفوذ البابوية في هذه الفترة هو تضاعف ممتلكاتها الكنسية، تلك الممتلكات التي لم تضمن للبابوية موردًا ماليًا ضخمًا فحسب بل حققت لها نوعًا من النفوذ المادي والمعنوي في البلاد.
ذلك أن أساقفة إيطاليا استغلوا فرصة الفوضى السياسية والاجتماعية التي سادت إيطاليا آنذاك واخذوا يمتلكون الأراضي، ويتخذون لأنفسهم صفة الحكام العلمانيين، وقد ساعد رجال الكنيسة على تحقيق أغراضهم هذه ومطامعهم في الاستيلاء على الأراضي، أن صغار الملاك في إيطاليا بحثوا عن سلطة قوية يدخلون تحت حمايتها، فلم يجدوا وسط الفوضى الناجمة عن النزاع بين اللمبارديين والبيزنطيين سوي الكنيسة درءًا لهم وملاذًا، فسلموها أراضيهم مختارين وأصبحوا شبه مستأجرين لها، مقابل حصولهم على نوع من الحماية والأمان وأمام زيادة رقعة أملاك الكنيسة وعلي رأسها البابا فقد ازداد مركز إيرادات البابا في روما، بل وزودها أيضًا بوسيلة تمارس بها الكنيسة نفوذها الأدبي والمادي في كل أرجاء إيطاليا، إذ كان للكنيسة منذ عهد قسطنطين الحق القانوني في حيازة الأملاك، وظلت هذه الأملاك في ازدياد مستمر بسبب وصايا أغنياء المسيحيين لها بالأموال، وما كان يهبه لها أشراف روما من أراضي، وقد بلغت هذه السطوة ذروتها في عهد البابا جريجورى الكبير (العظيم)، حيث كانت له رسائله إلى أعوان من الأساقفة تدل على كيفية تنظيمه أدارته لتلك الممتلكات، بل وتظهر الدور الذي لعبة جريجوري نفسه في تنمية موارد الكنيسة، حيث بذل فيما وجهه من تعليمات إليهم حتى وصلت إلى قساوسة الإيبارشيات.
وكانوا آنذاك يعتبرون موظفين كنسيين يجمعون في عملهم بين واجبات حكام الأقاليم والقضاة والموكلين بتوزيع الصدقات في أماكنهم وبين أعمالهم الروحية وأن كانت ضعيفة إذ نجد التعاليم تشمل أصول تربية المواشي وتنظيم الإيجار وحيازة الرقيق، وجميع الأمور التي تهم كل مالِك أرض، وتنظيم الاستيراد. وكانت السروج تأتي من كامبانيا وعروق الخشب من بروتيوم لتستخدمها كنيسة روما، أما صقلية التي كانت فيها اغني الأوقاف وأوسعها مساحة فكانت ترسل إليهم القمح ليفي بحاجة روما.
هذا يدل على أن نشاط الكنيسة قد حل محل الحكومة الإمبراطورية في روما نفسها، وكانت الإيرادات الضخمة التي يحصل عليها البابا من هذه الطرق تستخدم في:
1- افتداء الأسري.
2- تخفيف ضائقات المجاعات وصيانة المستشفيات والأنفاق عليها.
3- إعانة مختلف الكنائس التي تعرضت لغارات اللوبياردين.
4- كما كانت تقدم منها الرشاوى على البلاط الإمبراطوري ومختلف الموظفين البيزنطيين الذين يعتبر تعاونهم مع روما أمرا ضروريًا.
هذا في أول الأمر إلا أن الوضع تغير لمصلحة الباباوات الشخصية كما سنرى بعد هذا إلا أن الكنيسة بلغت اكبر مساحة لها من النفوذ في عهد هذا الرجل.