حقوق الكنسية الغربية تجاه الدولة الرومانية
أخذت كنيسة روما تحصل -بصفتها راعية الديانة الرسمية للإمبراطورية- على امتيازات خاصة من الحكومة، وكان أهم هذه الحقوق:
حق الحصول على الهبات، والإعفاء من الضرائب – فضلًا عن قيام الأساقفة بالفصل بين المنازعات التي تنشأ بين المسيحيين، ولم يلبث أن ازداد نفوذ هؤلاء الأساقفة تدريجيًا في أقاليمهم بفضل مكانتهم الدينية من جهة، وما جمعوه من أموال الصدقات والهبات من جهة أخرى، ولاسيما الصدقات التي جاء بها الخيرون والتي كان يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين عن طريق الأسقف نفسه، مما أوجد طبقة من الفقراء مستعدة لتنفيذ أوامر رجل الدين.
وهكذا أخذت ثروة الكنيسة الغربية في الازدياد، حتى امتلكت الأراضي والضياع الواسعة التي قام العبيد بفلاحتها، فضلًا عن الهبات التي أغرقها عليها الأباطرة بسخاء من جهة، والتبرعات التي كان يقدمها الأهالي عن طيب خاطر من جهة أخرى في شكل العشور تنفيذًا لأوامر الرب في الكتاب المقدس.
ولكن يلاحظ أنه إذا كان هذا التطور الذي مرت به الكنيسة في القرن الرابع الميلادي امتاز بعمقه وسرعته.
حتى أدى إلى تحويلها من منظمة بسيطة ديمقراطية، إلى هيئة وراثية ذات إدارة بيروقراطية مركزة، إلا أن الكنيسة دفعت ثمنًا باهظًا مقابل ما أحرزته من عظمة كلفتها التخلي عن سياسة التسامح من جهة، وانتشار الفساد والرشوة والمحاباة من جهة أخرى.
ذلك أن النعمة الكبيرة التي تمرغ فيها رجالها أنشأت فجوه بين الإكليروس والشعب، وبعبارة أخرى فإن ازدياد ثروة رجال الدين أدي إلى اختفاء روح الأخوة والمحبة والبساطة والمساواة، وهي الروح التي ميزت الكنيسة الأولى، وحلت محلها مسحة التعالي والتباعد ثم النفور، فتباعد الأساقفة عن رعاياهم، وصار الواحد منهم يجلس على عرشه الأسقفي كما كان يفعل الحاكم الروماني.
ولم يلبث أن تضاءل قصر حاكم الولاية أمام القصر الأسقفي بعد أن تشبه الأساقفة بالأمراء. أحاطوا أنفسهم بالحشم والأتباع والموظفين.