ها أنذا
عندما حانت الساعة، وفي ملء الزّمن، تجسّد الله في أحشاء البتول مريم الطّاهر.
تجسّد بعد أن تعاظمت آلامه من جرّاء نِفاق الشّعوب وتقادمهم الكاذبة من الذّبائح والغلال على مذابحه، بُغية إرضائه والتكفير عن معاصيهم.
تجسّد لأنّه لم يرَ في نفوسهم مكانًا للخير ولا للتّوبة، بل على العكس كانت الصلوات وما يرافقها، ظاهريّة فارغة متعلّقة باللّسان لا بالقلب ولا بالفكر ولا بالإرادة.
وهنا انسلخ من قلب الآب، ابنه الوحيد، يسوع المسيح، وقال "ها أنذا" وتجسّد، وكأنّه يحاكي أباه: "ما أردتَ ذبيحةً ولا قربانًا، لكنّك هيّأت لي جسدًا، لا بالمحرقات سُررت ولا بالذّبائح كفّارةً للخطايا. فقلتُ: ها أنا أجيء يا الله لأعمل بمشيئتك"(عب10:5-7)...
بكلّ طواعيّةٍ لإرادة الآب أتى الإبن بيننا، مقرّبًا ذاته كتقدمةٍ فاقت كلّ التقادم وكلّ ما يمكن للعقل تصوّره! تقدمةً كتبت معاهدة مصالحة أبديّة بين الله والبشر، بدم الإبن الّذي جعل منّا إخوةً له وأبناءً للآب.
وتمّت الآية في ال"ها أنذا" الثّانية، لمريم الأمّ البتول، عاكسةً قبول الإبن بالتجسّد، فتكامَلتا في فعلٍ واحد، فعل المحبّةٍ الكاملة، وثمرته الخلاص الأبديّ لكلّ من آمن بسر الله ومحبّته.... هي مريم، تلك الفتاة اليانعة، ذات القلب البريء والعواطف الصّادقة، أدركت أنّ القرابين الحقيقية لله كي تشكره، ليست في المادّيات بل في القلب وفعل الإرادة الخيِّر.
هو الإستعداد الدّائم لعمل مشيئة الآب.
وهكذا تمّ اختيار الرّب لها، فجاهرت بإيمانها، معلنةً مشاركتها في مشروع الخلاص، كانت بذلك أولى أتباع يسوع.
اليوم،الكثير منّا، وخاصّة الشبيبة، يقول "ها أنذا"، ولكن لمن ولماذا؟...