الطاسُ في عِدلِ بنيامين
«وُجِدَ الطَّاسُ فِي عِدْلِ بِنْيَامِينَ. فَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ »
( تكوين 44: 12 ، 13)
نادرًا ما نرى إنسانًا يقبل إعلان الله عن ابنه وعن صليبه قبل أن يقتنع برداءة طبيعته الشريرة. والإنسان الذي نزل إلى بيته مُبرَّرًا، كان قبيل نزوله يقرع على قلبه ندمًا، ويطرق بوجهه خزيًا وخجلاً، وفي انسحاق وشعور بمذلة الخطية كان يطلب الرحمة ( لو 18: 13 ، 14). وهذه هي طريقة الله، فهو يُزلزل النفس ويُطلعها على شناعة جرمها، وبشاعة تعديها، ورهبة القضاء العتيد أن ينزل بها إلى أبدية مُرَّة وسوداء.
كان هذا بالتمام هو الدور الذي لعبه طَاس يوسف في المشهد الذي يُصوّره لنا أصحاح تكوين 44. إن أحشاء يوسف كانت تضطرم فيه، وكان قلبه يحنّ إلى أن يُعلِن ذاته لإخوته. لكن هذا لم يكن ممكنًا قبل أن تتزلزل قلوبهم، وتتنبه ضمائرهم، إلى خطيتهم. وهذا ما حدث عندما “وُجِدَ الطَّاسُ فِي عِدْلِ بِنْيَامِينَ”. ويهوذا الذي باع يوسف في تكوين 37: 26، 27 نراه في تكوين 44: 18-34 يتوسل إلى يوسف ويستعطفه، وعبارات التوسل والاستعطاف تخرج من فمه، ويكاد القارئ يحس بالمرارة الممزوجة بها.
لكن هناك أمر آخر؛ فإن بنيامين لم يكن مع إخوته عندما تآمروا على يوسف. كان بنيامين بريئًا من كل ما فعلوا وما مكروا به. ولكن “الطَّاسُ وُجِدَ فِي عِدْلِ بِنْيَامِينَ”، وحُسِبَ بنيامين مجرمًا في حق يوسف، وشبح الدينونة ألقى ظلمة على بنيامين البريء فترة من الزمن، وهكذا «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» ( 1بط 3: 18 ). وهكذا صليب المسيح البار «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»، هو الذي في نوره نكتشف كم نحن خطاة. وكل توبة أو ندامة على الشر في غير ضوء الصليب، وبدون الارتباط بمضامينه، إنما هي ندامة وقتية عابرة، لا تلبث أن تضيع قوتها وتضمحل، وتعود النفس إلى ما كانت عليه.