الحكام في مصر - خلافة الخليفة احمد بن طالون سنة 870 م
لما علم أن الأقباط هم أرباب الفنون في مصر طلب إليه مهندسًا قبطيًا ماهرًا فكان ابن كاتب الفرغاني وطلب منه أن يوصل المياه إلى المدينة التي بناها بمصر القديمة.
وفكر بن طالون بعد ذلك في بناء جامع يكون أعظم ما بني من الجوامع في مصر إلى ذلك الحين يقيمه على 300 عمود من الرخام فقيل له أن مثل هذا العدد من الأعمدة لا يمكن الحصول عليه إلا إذا هدمت كنائس ومعابد النصارى وإذا كان يومًا يسمع القران علم بعدم جواز استعمال أدوات مسروقة في بناء الجوامع فشق ثيابه وصاح قائلًا: "أنه يستحيل على تشييد الجامع بدون نهب مواده من الكنائس فأنى ما سمعت من يوم وجودي أن جامعًا بني أن تؤخذ أعمدته من كنائس المسيحيين.
ولما سمع ابن كاتب الفرغاني وهو في السجن ما كان من رغبته ابن طولون وتردده كتب إليه عريضة وهو مسجون يفيده أنه قادر على إتمام مشروعه ومستعد لتنفيذ مرغوبة بغير احتجاج لأكثر من عمودين يجعلها في القبلة.
فلما قرأ العريضة تذكره وأمر بإطلاقه من السجن واستحضره أمامه وعهد إليه في بناء الجامع بالكيفية التي رسمها فشيد جامعا فخما لم يسلب له ولا عامود واحد من الكنائس.
بل كان يوجد في الكنائس قديما حوض للاغتسال في يوم الخميس العهد فكان المسلمون ينقلون هذه احواض إلى المساجد لتكون لهم (ميضة) للوضوء فوضع المهندس القبطي البارع ميضة جميلة لجامع ابن طالون وتم الجامع على ما يرام وخلع ابن طالون على المهندس المسكين باعتناقه الدين الإسلامي فآبى فقطعت رأسه.
والغريب أن ابن طالون بعد ما اضطهد الأقباط وبطريركهم اضطهادا قاسيا طلب في مرضه الأخير من أساقفتهم وقسوسهم أن يحملوا الأناجيل ويشتركوا مع رؤساء الدين الإسلامي بعده ابنه خماروية سنة 884 م. وكان صديقا للأنبا باخوم أسقف طحا فأحسن للأقباط ورفع عنهم الجزية وأعطاهم صكا بذلك حتى لا يعود أحد إلى مطالبتهم بها، وقيل أن خماروية هذا كان ميالا للمسيحية والمسيحيين حتى أنه طكان يصرف ساعات من النهار واقفا أمام صوره في كنيسة الأورام بالقصير بهيئة التعبد والخشوع، وكان هو صديقا حميما للرهبان في القصير ونظرا لميله ومحبته في البقاء معهم ابتنى لنفسه غرفة وسط صوامعهم لكي يتمكن من مشاهدتهم وقت العبادة والتمتع برؤية الصور المقدسة.