ارجعوا إليَّ واخلصوا
- عبارة "ارجعوا إلي "تحمل معني عاطفيًا آخر وهو:
إن الله يريدنا أن نسير معه بكامل إرادتنا، من كل القلب، وبكل الحب، لذلك يقول "ارجعوا إلي".
وكأنه يقول: أنا لا أرغمكم علي محبتي، ولا أضطركم علي تكوين علاقة معي. إنما الأمر متعلق بإرادتكم أنتم. إن أردتم أن أرجع إليكم، فإني أرجع إليكم. وإن لم تريدوا، اسلكوا حسب حريتكم..
ولعل إنسانًا يقول: أريد ولكني ضعيف..
يكفي أن تريد، والله سيكمل معك. وكما قال أحد القديسين: [إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير]..
إن الله عبر التاريخ، هو الذي بدأ العلاقة مع البشر..
فاطمئن إذن إلي رغبة الله في رجوعك إليه. ولكن في نفس الوقت ينبغي معه في الرغبة والعمل..
ينبغي أن تؤمن تمامًا بلزوم الله لك في الحياة، وأنك بدونه لا تقدر أن تعمل شيئًا (يو 15: 5). وينبغي أن تدرك من أعماقك حلاوة العشرة مع الله، وسمو وجمال الحياة الروحية، والرجوع إلي صورة الله التي كانت لآدم النقي البسيط..
ينبغي أن تذكر نذورك التي نذرتها لله في المعمودية..
حينما نذرت أن تجحد الشيطان وكل أعماله الردية، وكل شروره وكل حيله.وقتذاك بدأت بداية طيبة، وولدت من الله، ولبست المسيح (غل 3: 27). وخلعت الإنسان العتيق، وعشت في جدة الحياة (رو 6: 4، 6). وصرت نقيًا من كل خطية..
وشيئًا فشيئًا، نسيت نذورك، ونسيت بنوتك لله، وتركت نقاوتك، وانفصلت عن الله. وتود الآن أن ترجع إليه..
ولكي ترجع إلي الله، أذكر أنك ملك له..
أنت لست ملكًا لنفسك، حتى تتصرف فيها كما تشاء. إنما أنت ملك لله الذي خلقك، والذي فداك. وهوذا القديس بولس الرسول يقول لنا".. إنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 19، 20).
إن الشيطان قد سلبك من الله. ولكن الله - من حبه لك - يتمسك بملكيته لك، ويقول: "ارجعوا إلي".
ارجعوا إلي نقاوتكم، التي كانت لكم وأنتم ثابتون فيَّ.
ارجعوا إلي راحتكم، فلا راحة لكم إلا فيَّ.
كل الذين بعدوا عن الله، أو انفصلوا عنه، لم يجدوا راحة لأنفسهم، وعاشوا في تعب واضطراب. ولقد اختبر أوغسطينوس هذا الأمر فقال للرب: [ستظل قلوبنا قلقة، إلي أن تجد راحتها فيك].
والرب الذي يريد لنا الرجوع، يقول لنا، ونحن في تعب العالم وهمومه "تعالوا إلي جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت 11: 28).
إن رجعت إلي الله تنحل كل مشاكلك..
بل تعيش بلا مشكلة لأن المشكلة الوحيدة الحقيقية في حياتك هي الانفصال عن الله. وكل المشاكل الباقية قد تكون نتيجة لها. فإن رجعت إلي الله، تحيا في سلام.. في سلام مع الله، وسلام مع نفسك وداخل قلبك. "لأنه هكذا قال السيد الرب:
"بالرجوع والسكون تخلصون. بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم" (أش 30: 15).
لذلك ارجع إلي الرب. ارجع إلي النور، فلا تسلك في الظلمة. ارجع إلي الروح، فلا تحيا للمادة، ولا حسب الجسد. ارجع إلي الحياة، فالخطية موت..
وبهذا يتجدد مثل النسر شبابك (مز 103: 5).
وتشعر بالعزاء في حياتك الروحية، وتدب الحرارة في حياتك، ويصير لحياتك طعم، ويصير لها هدف. وتشعر أن الله داخلك، وأنه معك، وتذوق ملكوته، وتختبر حلاوة العشرة معه، وتعرف معني عبارة "الالتصاق بالرب" (مز 73: 28).
إن الله يريدنا أن نرجع إليه. يريد لنا الخلاص، ويريد منا أن نحبه كما أحبنا..
لذلك هو يقول "ارجعوا إلي بكل قلوبكم" (يوئيل 2: 12). ويسجل لنا الوحي الإلهي هذه العبارة الجميلة "هل مسرة أمر بموت الشرير - يقول السيد الرب - إلا برجوعه عن طريقه فيحيا" (خر 18:23).
إن الله يريدنا أن نرجع إليه، لنحيا.. ذلك لأن الخطية حالة موت روحي علي الأرض، ونتيجتها الموت الأبدي..
إذن فالله يريدنا أن نرجع، من أجل صالحنا..
يضاف إلي هذا حنوه ومحبته، لأنه لا يسر بموت الخاطئ. إن موت الخاطئ أمر يحزن قلب الله بلا شك. ولهذا فإنه إذا رجع الخاطئ "يكون فرح في السماء" (لو 15: 7).
ولقد فرح الرسل وبشروا التلاميذ برجوع الأمم (أع 15: 3).. واستخدم الكتاب عبارة "رجوع "بالنسبة إلي الأمم، ذلك لأن الإيمان هو الوضع الآصلي للبشرية عمومًا، قبل أن ينفصل الأمم عن هذا الإيمان وعن الله. فلما اَمنوا أعتبر هذا رجوعًا إلي الله..