البشارة، إلى يوسف.
18. ومولدُ يسوعَ المسيح هكذا كان: لمّا خُطبَت مريم أمُّه ليوسف. لا خطبة مجرَّدة كما ارتأى إيلاريوس* هنا وأوريجانوس* في ميمر 1 وباسيليوس* وإبيفانيوس* بل زيجة حقيقيَّة وصحيحة. فإنَّ النسخ اليونانيَّة واللاتينيَّة والسريانيَّة تدعو في آ19 وآ20 هنا مريم امرأة يوسف، ويوسف رجل مريم، وكيف يهمُّ بتخليتها إذ لم يكن بعد اتَّخذها امرأة، فضلاً عن أنَّها لو لم تكن متزوِّجة، لاعتبرها اليهود زانية عند رؤية كبر بطنها ولحكموا عليها بالرجم. وكان يليق بالمسيح أن يولد من مزوَّجة لئلاّ يحسبه اليهود نغلاً. كذا ارتأى إيرونيموس* وفم الذهب* في ميمر 4 وأمبروسيوس* في ك 2 في لوقا وتاوافيلكتوس* والسواري* وغيرهم. والزيجة بموجب مبدأ الفقهاء يقيمها الرضى لا الجماع ولا يضرُّ بصحَّتها نذر العفَّة، كما كانت مريم نذرت. ويقرب من التصديق أنَّها كانت كشفت هذا النذر ليوسف قبل الزواج فارتضى به. فمن قبْل أن يتعارفا، يعني قبل مباشرة فعل الزواج، لا كأنَّهما تعارفا بعد ذلك كما نتج ألبيديوس* النجس الذي أنكر كون مريم لبثت عذراء بعد ولادة المخلِّص، وزعم أنَّها ولدت بعد ذلك أولادًا من يوسف وهم الذين يسمِّيهم الإنجيل إخوة الربّ. وقد فنَّد مار إيرونيموس* ضلاله ببراهين عديدة من جملتها قوله: إذا قلنا إنَّ البيديوس* قبل أن يتوب مات، فهل يُفهم به أنَّه تاب بعد موته. وقال مار إيرونيموسُ* ضدَّه أيضًا إنَّ الإخوة يسمَّون إخوة من أربعة أوجه أي الطبيعة والأمّة والقرابة والمودَّة.
فإخوة المسيح من أقارب أمِّه. وجدت حبلى من روح القدس. نسب الإنجيليّ الحبل بالمسيح إلى الروح القدس، لا كأنَّه لا اشتراك للآب به، فهذا من أفعال الثالوث الخارجيَّة فينسب إلى الثلاثة الأقانيم، ولكن خصَّه بالروح القدس لأنَّه كما تختصُّ القدرة بالآب والحكمة بالابن فكذا تختصُّ المحبَّة والجودة والنعمة بالروح القدس، وسرُّ التجسُّد يُظهر هذه الصفات بنوع عجيب.
19. وأمّا يوسفُ رجلُها فكان صدِّيقًا ولم يُرِدْ أن يَشهرَها وهمَّ بتَخليتِها سرًّا. إنَّ يوسف قد انذهل إذ رأى العذراء حبلى بعد رجوعها من عند إليصابات، وعرف حبلها من كبر بطنها ولم يمكنه أن يرتاب بأنَّ الجنين ليس منه، وافتكر أنَّ العذراء أجبرها أحد خلوًا من الذنب لها، ولم يُرد أن يسألها لئلاّ يحزنها أو يخجلها بسؤاله لهاُ ولا أن يشهِّر أمرها ويقدِّم الدعوى إلى الحكم، فإنَّ الشريعة وإن سمحت بذلك للأزواج فلم تأمرهم به. فبينما كان يردِّد هذه الأفكار في نفسه كان يتبصَّر بحفظ سمعته وسمعة امرأته بالهجر الخفيّ وغيرهما. ولم تُطلع العذراء زوجها على سرِّها، ربَّما لأنَّها كانت تفتكر أنَّه لا يمكنها إقناعه من ذاتها، أو أرادت بالحريّ أن تخفي عظم شأنها باتِّضاعها السامي مؤكِّدة أنَّ الله يعتني بذلك كما أعلنه لإليصابات نسيبتها، والله أراد بذلك أن يعطي نموذجًا ساميًا بسكينة الضمير للأزواج أصحاب الظنون الفاسدة ومثالاً للثقة بالعناية الإلهيَّة.
20. وفيما هو مفكِّرٌ بهذا وإذا بملاكِ الربِّ قد ظهرَ له في الحلم قائلاً له: يا يوسف ابنَ داود، لا تخفْ من أن تأخذَ. أي من أن تبقى آخذًا مريم امرأته، ويبقى عائشًا معها دون انفصال إذ كان اتَّخذها امرأة كما تقدَّم في آ18. لأنَّ الذي وُلد بها هو من روح القدس. قد علَّم مار توما** في قسم 3 بحث 33 أنَّ جسد المسيح حالَ الحبل به وُجد مكوَّنًا بكامل أعضائه ومتنفِّسًا بالنفس الناطقة متَّحدة بالكلمة ومملوءة من الحكمة والنعمة ومعاينة الله بالمشاهدة الطوباويَّة ومزيَّنة بالعلم المفاض خارجًا عن المشاهدة الطوباويَّة أيضًا، ولذا قال الإنجيليّ: الذي وُلد بها، كما في النسخ اليونانيَّة واللاتينيَّة والسريانيَّة.
21. فستلدُ ابنًا وتدعو اسمَه يسوع. إذا كانت العذراء ولدت يسوع الذي هو الله معنا، فهي إذًا والدة الله كما رسم المجمع الأفسوسيّ ضدَّ نسطور*. ويتفنَّد أيضًا زعم والنتينوس* أنَّ المسيح أتى بجسده من السماء واجتاز بالعذراء كالماء بالميزاب. فعلى ذلك لا يقال إنَّ مريم ولدته. ومعنى لفظة يسوع بالعبرانيَّة المخلِّص كما فسَّرها بقوله. لأنَّه يخلِّص شعبه من خطاياهم.
22. هذا كلُّه كان ليتمَّ ما قيل من الربِّ بالنبيّ (أش 7: 14). إنَّ اللام في قوله ليتمَّ ليست للتعليل، لأنَّ النبوءات ليست علَّة لما تنبئ عليه بها، بل ما تنبئ عليه هو علَّة للنبوءة، بل هذه اللام للحدوث والنتيجة وقد وردت بهذا المعنى متواترًا فكأنَّه يقول إنَّه بحبَل العذراء وولادتها قد حدث أو نتج أن يتمَّ ما قاله النبيّ. وإن أمكن أن يقال أيضًا إنَّ من تنبّأ على أنَّ أمرًا عتيد أن يكون وهو الذي رسم بصنعه أو السماح به فهو نفسه يصنعه أو يسمح به في وقته لنبوءته عليه أي ليظهر أنَّه صادق لا كاذب وبهذا المعنى تكون النبوءة علَّة لما تنبئ عليه.
23. ها هوذا العذراءُ تحبلُ وتلدُ ابنًا ويدعون اسمَه عمّانوئيل المترجَمَ إلهُنا معنا. وفي اللاتينيَّة المترجَم الله معنا وليس في لفظة عمّانوئيل الضمير الذي في إلهنا. فالملاك ينبِّه يوسف بهذه الآية إلى أنَّ هذه النبوءة قد تمَّت بامرأته. ولذلك،
24. إذ قام يوسف من نومِه صنع كما أمرَهُ ملاكُ الربِّ واتَّخذَ امرأته. أي استمرَّ متَّخذًا إيّاها ولم ينفصل عنها كما كان افتكر.
25. ولم يعرفها، أي أنَّ يوسف لم يباشر معها فعل الزواج، حتّى ولدت ابنها البكر ودعت اسمه يسوع. إنَّ أبيّون* وألبيديوس* ويوفنيانوس* كانوا ينتجون من هذه الآية ومن آ18 أنَّ مريم العذراء لم تلبث بتولاً بعد الميلاد. فأجيبُ مع مار إيرونيموس* أنَّ الكتاب المقدَّس يدعو بكرًا كلَّ من لم يولد قبله أخ له وإن كان وحيدًا، كما يظهر من سفر الخروج (13: 2) حيث أمر أن يقدَّم لله كلُّ بكر،ٍ ولا غرو أنَّه يدخل بذلك الوحيدون أيضًا. وحتّى تدلّ على ما قبل الولادة فقط لا على ما تمَّ بعدها، فقد ورد في مزمور 110: "اجلس عن يميني حتّى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك". وفي سفر الملوك الثاني (6: 23) قيل عن ميكال ابنة شاول إنَّها "لم تلد حتّى ماتت"، وقيل في مت 28: 20: ها أنا معكم حتّى انقضاء العالم. فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين أبيه بعد وضعه أعداءه تحت موطئ قدميه؟ أو هل ولدت ميكال بعد موتها؟ أو هل ينكف المسيح أن يكون مع رسله بعد انقضاء العالم؟ فإذًا مريم قد لبثت بتولاً دائمًا، وهذا يتأكَّد أيضًا من بشارة لوقا (1: 34) ومن نبوءة حزقيال (44: 2) ومن الرأي العامّ في الكنيسة والتقليد الرسوليّ.