رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة بعد أن أوضح السيد المسيح أنه لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء، وأنه ما جاء لينقض بل ليكمل. أكد هذه الحقيقة بقوله: “فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت5: 18). ورد فى إنجيل القديس يوحنا قوله أن “الناموس بموسى أعطى وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يو1: 17). استلم موسى النبى الوصايا العشر المكتوبة بأصبع الله على لوحين من حجارة. وأعطاه الرب تعاليم أخرى كثيرة تظهر قداسة الله ومقاصده وتدابيره من نحو البشر. وكانت الوصايا والتعاليم المعبّرة عن المقاصد الإلهية هى بإلهام من الروح القدس. وهذا الإلهام هو أمر فائق للطبيعة يتجاوز قدرات الإنسان الطبيعية، ويتجاوز اعتبارات الزمان والمكان “لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط1: 21). وكانت الكلمات الموحى بها من الله تحمل فى طياتها مسائل غاية فى الدقة والإتقان. وبالرغم من أن كتبة الأسفار المقدسة قد استخدموا اللغة التى يفهمونها، والمعرفة التى تلقونها.. إلا أن الروح القدس قد أوحى بما سجلوه من كلمات فى اللغات الأصلية للكتب المقدسة لكى تعبر تعبيراً دقيقاً عن مقاصد الله. لذلك فكل كلمة، وكل حرف، وكل نقطة لها مغزاها ومعناها الكبير. خاصة عند كتابة أسفار بلغة يتغير فيها المعنى بتغيير النقاط التى فوق أو تحت الحروف. وهذا معروف فى اللغة العبرية، كما هو معروف فى اللغة العربية. ومن أمثلة أهمية دقة التعبير فى الكتاب المقدس، ما أشار إليه القديس بولس الرسول فى قوله: “وأما المواعيد فقيلت فى إبراهيم وفى نسله. لا يقول وفى الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد. وفى نسلك الذى هو المسيح” (غل3: 16). هنا يشير معلمنا بولس الرسول إلى وعد الله لإبراهيم المدون فى سفر التكوين “ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك22: 18). ومن الواضح أن الكلمة كما وردت فى النص الأصلى بصيغة المفرد “نسلك” وليس فى صيغة الجمع “الأنسال”. ويؤكد القديس بولس أن المقصود هو شخص السيد المسيح على وجه التحديد وليس كل نسل إبراهيم. كذلك فى نبوة إشعياء النبى “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (إش7: 14). وردت الكلمة فى النص العبرى لتعنى “عذراء” وليس مجرد “فتاة” أو “شابة”. والكلمة مقصودة لتشير إلى الحبل البتولى بدون زرع بشر للسيدة العذراء فى السيد المسيح كقول الملاك ليوسف خطيبها: “أن الذى حُبل به فيها هو من الروح القدس” (مت1: 20). وبالرغم من غرابة التعبير فى وقت كتابته فى زمن إشعياء النبى إلا أن الروح القدس قد قصد ذلك بصورة مؤكّدة. لقد تحققت جميع أقوال الله فى الكتب المقدسة، وكان الناموس ضرورياً للتمهيد لمجيء السيد المسيح كقول القديس بولس: “إذاً قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكى نتبرر بالإيمان” (غل3: 24). فعلاً لم تتحطم الأقوال التى أعلن بها الله مقاصده فى الناموس ولذلك قال السيد المسيح: “إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت5: 18). أى سوف تتحقق كل أقوال الناموس ولن تزول حتى تتحقق. فعبارة “حتى يكون الكل” تُعنى حتى يتحقق كل ما قيل فى الناموس، وكل ما أشار إليه الناموس من رموز تشير إلى مجيء السيد المسيح وعمله فى خلاص البشرية حتى نهاية الدهر. لم يكن عبثاً على الإطلاق ما دوّنه موسى فى أسفاره الخمسة وسوف تظل أقوال الله مصدراً للإلهام على مدى الأجيال. وها نحن نقف فى إنبهار أمام كلمات داود النبى والملك “اكشف عن عينى فأرى عجائب من شريعتك.. طريق وصاياك فهمنى فأناجى بعجائبك.. دربنى فى سبيل وصاياك لأنى به سررت.. أتلذذ بوصاياك التى أحببت. وأرفع يدى إلى وصاياك التى وددت وأناجى بفرائضك.. شريعة فمك خير لى من ألوف ذهب وفضة.. لكل كمال رأيت حداً. أما وصيتك فواسعة جداً” (مز118). |
|