رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح رجاء الأمم
يُعاني العالم اليوم انعدام الرّجاء بغدٍ أفضل. وإذ ليس هناك أمل كبير في معالجة هذه المشكلة، فمن المجدي للنّاس العودة إلى الإنجيل المقدّس ليروا الرّجاء الّذي يُقدّمه. العالم اليوم في كرب وحيرة، والنّاس في مخاوف ويأس، وكثيرون هم المتألمّون والمتوحّدون واليائسون. ولا تبدو مشاكل العالم قابلة للحلّ في وقت قريب؛ فهل من رجاء للعالم؟ بعض النّاس لا رجاء له. والكثير من "الواقعيّين" لا يؤمنون بالرّجاء، ويقولون إنّه دواء الضّعفاء الّذي يُعينهم على اجتياز المراحل الصّعبة من دون أن يُساعدهم على تغييرها. قال وليام شكسبير: "البائس اليائس ليس عنده دواء سوى الرّجاء". وبالفعل، يبقى التّفاؤل الّذي يعتمد عليه النّاس رجاءً وهميًّا لا يُفيد كثيرًا، كما عبّر فرانسيس بايكون: "الرّجاء هو فطور طيّب وعشاء سيّئ". فهو يبدو مُشجّعاً في بدايته؛ أمّا نهايته، فهزيلة إذا لم نقل مأساويّة. أمّا الرّجاء الّذي يُعطيه الله ("إله الرّجاء" بحسب رومية 15: 12) فليس كالمُسكّن الوقتيّ، إنّما هو قادر على أن يعمل بقوّة في وقت فقدان الأمل واليأس. وتكون كلّ وعود المسيح والكتاب المقدّس وهميّة وكاذبة، إن كان الله غير قادر على إعطاء الرجاء الفعليّ. يعترف الرسول بولس بأنّ المسيح هو "رجاء الأمم" الّذي يُعطي الرّجاء الأكيد والثّابت والقويّ في كلّ ظروف الحياة، وحتّى عند الموت؛ فلا يحزن المؤمن كالّذين لا رجاء لهم، بل تكون له تعزية وسرور وسلام. لكن، للأسف، لا يستفيد جميع النّاس من إله الرّجاء هذا. وإذ الوحي المقدّس يتكلّم على المسيح كَ "رجاء الأمم"، نتساءل: ومن هي هذه الأمم التي تتّخذ المسيح رجاءً لها؟ المسيح رجاء الأمم الّتي ترجو رحمته إنّ عمل المسيح مدفوع بمحبّة الله، وذلك ليقود الإنسان إلى اختبار الرّحمة وتمجيد الله. وهكذا، يصير المسيح رجاء الّذين اختبروا رحمة الله (رومية 15: 9). هؤلاء ليس من دينونة عليهم فيما بعد (رومية 8: 1)، فخطاياهم قد غُفِرت وهم قد رُحِموا (ميخا 7: 18-19). ويُسأل: أيّ رجاء للإنسان، إن كان يموت في خطاياه؟ يُخبرنا يسوع عن رجل غنيّ كان مُطمئنًّا إلى ثروته، هذا جاءه الله على غفلة من أمره، وفي وقت لم ينتظره، وقال له: اللّيلة تؤخذ نفسك منك، وهذه الّتي أعددتها لمن تكون؟ فهلك بعدها ولم يستطع رجاؤه في الممتلكات أن يخدمه طويلاً (لوقا 16: 19-31). يُخبرنا الكتاب المقدّس أنّ كلّ النّاس خطاة ويستحقّون العقاب الأبديّ. لكن، في الوقت ذاته يُعلِن أنّ الله عظّم الرّحمة على الحقّ وقدّم غفرانًا أبديًّا يستفيد منه جميع النّاس، إن عادوا إليه مُعترفين بخطاياهم. وعندما يتوبون، يقبلهم المسيح ويصير رجاءهم. وما هو رجاء الخاطي في الحياة إلاّ أن يقبله الغفور، كما قبِل الأب الحنون ابنه الضّالّ العائد إليه. يقف المسيح مناديًا الأمم والشّعوب والأفراد الهالكين بخطاياهم: "التفتوا إليَّ واخلصوا يا جميعَ أقاصي الأرضِ، لأنّي أنا اللهُ وليسَ آخر" (أشعياء 45: 22). ويعِد الآتين إليه: "من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجاً" (يوحنا 6: 37). من يدرس الكتاب المقدّس بدقّة، يجِد أنّ المسيح هو "إله الرّجاء" و"مخلّص العالم" و"رجاء الأمم". لذا، خلاصنا الأبديّ يستند إلى الرّجاء فيه، "لأنّنا بالرّجاءِ خَلَصْنا" (رومية 8: 24). ولا رجاء لخلاص أحدٍ إلاّ بالمسيح يسوع (كولوسي 1: 27). المسيح رجاء الأمم التي تخضع لسيادته يعترف النّبيّ إشعياء ومعه الرّسول بولس بأنّ المسيح هو "القائمُ ليسودَ على الأممِ" (أشعياء 11: 10؛ رومية 15: 12-13). ومن هي الأمم الّتي يسود عليها المسيح؟ إنّها جموع المؤمنين الّذين قبلوه كربّ وملك، ويبقى خارجهم الّذين رفضوا سيادته عليهم. لذلك، لا يرتبط المسيح بالأمم الّتي ترفضه، وبالتّالي هذه تبقى بلا رجاء وبلا إله في العالم (أفسس 2: 12). هكذا نرى ارتباط الرّجاء بالإيمان بالمسيح. فالّذي يقبل المسيح مخلّصاً ويخضع له ربّاً، يصير المسيح له رجاءً أكيداً. النّاس، كما قادة الأمم، يتساءلون: "من يُرينا خيراً؟" (مزمور 4: 6). فيعقدون المؤتمرات للنظر في المشاكل العالميّة. لكن، غالباً ما يعجزون عن الخروج بشيء أفضل. أمّا المسيح، فيملك على شعبه بالعدل والإنصاف والبرّ والأمانة "فيَسكُن الذّئبُ مع الخروفِ، ويربُضُ النّمرُ معَ الجدي، والعجلُ والشّبلُ والمُسمّنُ معاً، وصبيٌّ صغيرٌ يسوقُها". وفي أيّام ملكِهِ، لا يعود هناك فساد، إذ الأرض تمتلئُ من معرفةِ المسيح الّذي يرتفع علمُهُ بين الأممُ، ويكونُ محلُّهُ مجداً (أشعياء 11: 1-10) . قليلون يعرفون أنّ المسيح سيأتي في آخر الأيّام، وهي قريبة، وسيملك على الأرض لألف سنة، وستنعم الأرض بفترة لم ترَ مثلها في التّاريخ (رؤيا 20: 1-6). لذلك، من الأفضل للأمم أن تلتحق بالمسيح، فيحكم عليها بالعدل، فتسعد وتهنأ تحت ظلّه (رومية 15: 10). الاستفادة من هذا الرّجاء تتوقّف على الانتماء إلى ملكوت الله الّذي يصير بالولادة الثّانية من الرّوح القدس (يوحنا 3: 3 و 5)، وبالإيمان بالمسيح الّذي به يدخل الإنسان إلى نعمة الله حيث يفتخر "على رجاءِ مجد اللهِ" (رومية 5: 2). اليوم لن يطول، وستسير جموع المُخلّصين في المدينة السّماويّة تحت راية المسيح "رجاء الأمم". المسيح هو رجاء الأمم الّتي تعبد اسمه يؤكّد بولس الرّسول أنّ التّنعّم برجاء المسيح يتوقّف على العلاقة التّعبّديّة التي تربط الإنسان بالمسيح (رومية 15: 9-13). وفي واقع الحال، كثيرون من الّذين يدّعون معرفة المسيح أو الإيمان به يُخفِقون في المحافظة على حياة تعبديّة حارّة ووثيقة مع المسيح، وبسبب هذا التّعثّر، قليلون يختبرون الرّجاء. فمن لا يؤمن بالمسيح إيمانًا مُطلقًا، لا يقدر على أن يُسلّم له بالتّمام. ومن لا يستسلم له بالعبادة، لا يختبر رجاءه. يُحكى عن اجتماع جرى في إحدى الكنائس لمعالجة وضع مأساويّ؛ فابتدأ أحدهم بالصّلاة: "يا ربّنا الإله الأزليّ الّذي تكفي نعمتك كلّ موقف..." وعندما ابتدأ المُصلّي بشرح المشكلة، قال: "يا إخوتي، وضعنا اليوم يائس جدًّا، ولا أظنّ أنّنا نستطيع أن نفعل شيئاً". لقد كان هذا القائد غير قادر على أن يُلقي همّه على الرّبّ وينتظر تدخّل العليّ. فأكله اليأس وقتل معه كلّ رجاء في النّجاة. أمّا الرّسول بولس الّذي كان في سفينة تغرق، فكان، على عكسه، مملوًّا بالرجاء وقال: "سلّمنا، فصرنا نُحمل" (أعمال 27: 15). يحتاج المؤمن إلى أن يتعلّم ممارسة التّسليم بالإيمان، وذلك عبر عبادة حيّة حقيقيّة، فيها يضع نفسه بين يديّ الله بثقة تامّة، ليُعطيه الرّبّ أن ينعم بالرّجاء. من يدرس الإنجيل المقدّس، يعرف أنّ الرّجاء ملازم للإيمان بالمسيح (عبرانيين 11: 1). ومن يُخصّص عبادته للمسيح، ينال منه فيض الرّجاء (رومية 15: 12-13). لكنّ الناس بمعظمهم لا يختبرون قوّة الرّجاء الآتي من المسيح، لأنّهم لا يُلقون همّهم عليه، بل على قواهم الذّاتيّة، وبشكل خاص على مالهم. أمّا كلمة الله، فتُحذّرنا من الاعتماد على الغنى غير المضمون، وليس على اللهِ الحيِّ الّذي يمنحُنا كلَّ شيءٍ بغنىً للتّمتُّع (1 تيموثاوس 6: 17). أمّا من يُلقي همّه على المسيح، فيُبارَك: "مباركٌ الرّجلُ الذي يتّكِلُ على الرّبِّ، وكانَ الرّبُّ مُتكلَهُ، فإنّهُ يكونُ كشجرةٍ مغروسةٍ على مياهٍ، وعلى نهرٍ تمُدُّ أُصولُها، ولا ترى إذا جاءَ الحرُّ، ويكونُ ورقُها أخضرَ، وفي سنةِ القحطِ لا تخافُ، ولا تكُفُّ عن الإثمارِ" (أرميا 17: 7-8). المسيح رجاء الأمم التي تمتلئ بروحه يصف بولس الرّسول الله "بإله الرّجاء" ويُشجّع المؤمنين على الامتلاء بالسّلام والفرح بالرّوح القدس (رومية 15: 13). أمّا السّلام، فيملأ القلب عندما يملأه الرّوح القدس. ويقبل الإنسان روح الله في حياته لحظة تسليم حياته للرّبّ (أعمال 19: 2؛ أفسس 1: 13-14). الموضوع إذاً ليس موضوع إيمان ذهنيّ بيسوع، بل موضوع اختبار علاقة حقيقيّة بيسوع. هذه العلاقة لا تبدأ إلاّ لحظة قبول الرّوح القدس، ولا تستمرّ إلاّ به. قبيل صعوده إلى السّماء، وعد المسيح التّلاميذ بأنهم يُلبَسون قوّة من الأعالي متى حلّ الرّوح القدس عليهم (أعمال 1: 8). وهم نالوا هذا الاختبار المجيد يوم الخمسين، فعرفوا أنّ الله معهم، ولم يخافوا من المستقبل إذ سكن فيهم الرّوح القدس الّذي صار يُعزّيهم كما كان يفعل يسوع في أيّام وجوده بينهم في الجسد. وعند لحظة دخول الرّوح القدس إلى حياة الإنسان، ينال المؤمن رجاء الخلاص الّذي يُعطيه المسيح (رومية 8: 24). لقد عرف تلاميذ الرّبّ، بوساطة عمل الرّوح القدس في داخلهم، أنّهم أولاد الله بالتّبنّي ولهم رجاء وسلام وإرشاد إلهيّ (رومية 8: 14-16). وهكذا، كلّما امتلأوا من روح الله وقوّته (أفسس 3: 16؛ 5: 18)، تقوّوا بالرّجاء لمتابعة المسير في وسط العالم، إلى أن يلتقوا بالمسيح "إله الرّجاء" (رومية 15: 13). وحده المؤمن المملوء من الرّوح القدس يتيقّن أن الله مُتمّم الوعود المرجوّة (رومية 5: 1). لا يُمكن للّذي يحيا حياة جسديّة باردة روحيًّا أن ينعم بالرّجاء الّذي يُعطيه الرّوح القدس. أمّا الّذي يمتلئ من روح الله، فيتوقّع الرّجاء وينعم به في حياة الإيمان (غلاطية 5: 5). طوبى للمملوئين من روح الله إذ لهم رجاء لا يُخزي (رومية 5:5). هل لك المسيح "رجاء الأمم"؟ المثقّفون الوثنيّون في القديم، والكثير من المفكّرين في عالمنا اليوم، يعتبرون أنّ الرّجاء هو وهم جميل، لكنّه غير حقيقيّ، لذا يعيشون "بلا رجاء"، كما يصفهم بولس الرّسول، الّذي يشرح أنّهم كذلك لأنّهم بلا مسيح وبلا إله في العالم (أفسس 2: 12). ولأنّهم بلا رجاء، يُسيطر على حياتهم حزن غير منقطع، ويُواجهون الموت يائسين (1 تسالونيكي 4: 13). وبالإمكان وصف حقبتنا الحاليّة بأنّها حقبة سوداء انتُزِعَ، فيها، كلّ رجاء بالنّجاة من قلوب النّاس. لكنّ الحقيقة هي أنّه حيث الله هناك الرّجاء الحقيقيّ. والرّجاء لا يعتمد على ما يملكه الإنسان أو ما يُمكن عمله، أو على الشّعور بالرّجاء بشكل عامّ. بل يعتمد على الإيمان بالله الّذي أقام المسيح من الأموات (1 بطرس 1: 21). ففي المسيح فقط الرّجاء الصالح (2 تسالونيكي 2: 16) والرّجاء الحيّ (1 بطرس 1: 3) والرّجاء المبارك (تيطس 2: 13) الّذي "لا يخيب" (رومية 5: 5) ويبقى "إلى النّهاية" (عبرانيين 6: 11). ويتساءل بعض النّاس إن كان الله أهلاً للثّقة والرّجاء؟ أمّا الكتاب المقدّس، فيؤكّد أنّ المسيح هو "إله الرّجاء" وأهل للثّقة إذ هو "الإله القادر على كلّ شيء الّذي كان والكائن والّذي يأتي" (رؤيا 4: 8). وهو الإله الّذي خلق الكون وكلّ ما فيه في الماضي، وما يزال يرعى الكون في الحاضر، وعنده خطّة أفضل لهذا الكون في المستقبل. على هذا الإله يُلقي المؤمنون رجاءهم (2 كورنثوس 1: 9 - 10). إنّهم لا يُلقون رجاءهم على رجاء وهميّ ذي قوّة إيجابيّة، بل على شخص قادر على أن يمنحهم الرّجاء الفعليّ. قال فالكلاف هافيل: "الرّجاء ليس التّفاؤل بالغد الأفضل، بل اليقين بالغد الأفضل". الّذي عنده المسيح "رجاء الأمم" يتيقّن أنّ رجاءه أكيد ومضمون، وهو كمِرساة للنّفس مؤتمنة وثابتة (عبرانيين 6: 19). فعند اختبار الإيمان بالمسيح، يعلم المؤمن ما هو رجاء دعوته الحاليّ والمستقبليّ (أفسس 1: 18) وإن كان رجاء المؤمن موضوعًا أمامه في السّماء الآن (كولوسي 1: 5)، إلاّ أنّه سيتحقّق بالكامل عندما يُستعلن المسيح في رجوعه الثّاني (1 بطرس 1: 13) إن كنت تعيش في ناحية مليئة بالعواصف، وخاب رجاؤك في الحياة، اسمح للمسيح، رجاء الأمم، أن يدخل حياتك الآن، فهو أفضل من يتعهّدك في الحياة وفي الأبد، إذّاك تشهد مع المرنّم ملحم ذهبيّة: رجاءُ قلبي راسخٌ أساسُهُ بِرُّ المسيح وليسَ شيءٌ غيرَهُ قلبي إليهِ يستريح عليكَ يا صخرَ الأزل أُلقي رجائي والأمل في عهدِهِ المختومِ بال دمِ الثّمينِ لي الرجا إن تعصُفِ الأنواءُ حو لي لا أخافُ اللُّججا عليكَ يا صخرَ الأزل أُلقي رجائي والأمل |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يسوع المسيح والرجاء المسيحي |
تأثير كلام المسيح فيهما حيث بعث في قلبيهما الفرح والرجاء |
وعد الثقة والرجاء |
حوار المسيح مع السامريه ( الاحتياج والرجاء ) |
في المسيح لك الحياة والرجاء والنصرة |