إنهما يومان. كانا من جهة المشاعر البشرية علي طرفي نقيض: يوم الجمعة 14 نيسان، ويوم الأحد 16 نيسان سنة 34 م.
كان يوم الجمعة كئيبًا بالنسبة إلي كل تلاميذ وأتباع المسيح. بل كان مفاجأة مذهلة ما كانوا يتوقعونها إطلاقًا لمعلمهم العظيم..!
المؤامرة التي تمت، وسكبت بسرعة عجيبة. والشعب الذي يهتف بغير وعي "اصلبه. اصلبه". والتلميذ الذي خان من أجل ثلاثين من الفضة والإهانات المتلاحقة التي يتعرض لها السيد، من سب واستهزاء وتهكم ولطم وبصاق، مع آلام الشوك والجلد، ثم تسميره علي الصليب!!
أحقًا بهذه السرعة قد انتهي كل شيء؟!
وصاحب المعجزات العظيم المعلم الذي بهر الكل بتعليمه، أصبح في نظر الرسمين مضلًا، يصلبونه بين لصين!!
والذين انتفعوا بحبه وإشفاقه ومعجزاته لم يعد لهم وجود علي ساحة الواقع. وحتى تلاميذه تفرقوا وهربوا وتركوه وحده! وانطبق عليهم قول الكتاب "اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية" (متى 26: 31) (زك 13: 7). وإذا ببطرس المتحمس أكثر من الكل ينكره أمام جارية، ويسب ويلعن ويحلف قائلًا: إنه لا يعرف الرجل (متى 27: 74).
أما أعداء المسيح فقد ملكوا الموقف من كل ناحية..
استطاعوا أن يعقدوا مجمع السنهدريم ويأخذوا قرارًا ضده. واستطاعوا أن يهيجوا الشعب ويجعلوه يردد نفس كلامهم! كما أمكنهم أيضًا أن يؤثروا علي الوالي، فيصدر حكمه علي المسيح، مع أنه لا يجد علة في ذلك البار (يو 23: 14).
وهكذا بد الشر منتصرًا وضاغطًا بكل قسوة وتحقق قول المسيح لهؤلاء القادة:
"هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو 22: 54).
وكل ما أراد الشر أن يفعله، قد فعله.
وأمكنه أن يحقق كل ما يريد وأن يتخلص من المسيح الذي كان محبوبًا من الناس، تتبعه الآلاف، وتبهر من تعليمه، ويضع يده علي كل أحد فيشفيه (لو 4: 40).. المسيح الذي أقام الموتى، ومنح البصر للعميان وأخرج الشياطين..!
وحتى بعد أن قتلوه. استصدروا أمرًا من الوالي، بختم القبر، ووضع حجر كبير علي بابه، وضبطه بالحراس.
واطمأنوا تمامًا إلي أن المسيح قد انتهي! وانتهي بنهاية سيئة "وأحصي مع أثمة" (أش 53: 12). وكل الذين تبعوه قد تشتتوا..!
هكذا كان يوم الجمعة مؤلمًا، ساده الظلم، وانتشرت فيه الخيانة والقسوة وانتصر فيه الحسد والشر.. ووجد تلاميذ المسيح أنفسهم حيارى ضائعين بل بدا الانتساب إلي اسم المسيح شرًا، وها هو المسيح في القبر، ولا تزال القوة مسيطرة علي الموقف كله. ويبدو أنه لا عودة إلي الأيام الحلوة مع المعلم الطيب..
أم الخلاص الذي تم علي الصليب فلم يشعر به أحد، وكل ما رآه الناس، هو أن المصلوب يبدو ضعيفًا عاجزًا عن إنقاذ نفسه!
لدرجة أنهم كانوا يتحدونه قائلين إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا قالوا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ: خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها..! فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به (متى 27: 40-42). حتى أن أحد اللصين المعلقين معه، قال له: "إن كنت أنت هو المسيح فخلص نفسك وإيانا" (لو 23: 39).
هكذا كان يوم الجمعة شماتة وظلمًا وتشتيتًا ولكن حدث أمر غير الدفة إلي العكس تمامًا. إنه القيامة التي هزت الكيان اليهودي كله، قيادة وشعبًا.
حدثت القيامة في فجر الأحد، علي الرغم من وجود الحراس، والحجر الكبير والأختام، والحرص الكبير علي ضبط القبر.. ووقف القبر الفارغ شاهدًا ماديًا علي القيامة. وكذلك وجود الأكفان مرتبة فيه مع المنديل.. وحاول رؤساء اليهود بكافة الطرق أن يطمسوا حقيقة القيامة فلم يستطيعوا. كان الواقع الملموس ذا تأثير أعمق من كل ادعاءاتهم..
وظهر المسيح حيًا لتلاميذه. ومنحهم هذا الظهور قوة غير عادية للشهادة لقيامته بكل مجاهرة وبلا خوف.
ظهر المسيح بعد قيامته لمريم المجدلية (مر 16: 9) ولسمعان بطرس (1 كو 15: 5)، ولتلميذي عمواس (لو 24: 12-31) وللتلاميذ العشرة في غياب توما (لو 24: 33-43) وظهر لهم مع توما وأراهم جروحه (يو 20: 26-29) كما أنه ظهر لسبعة من تلاميذه عند بحر طبرية (يو 21: 7-1). وظهر ليعقوب ولأكثر من خمسمائة أخ (1 كو 15: 6، 7). "أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة.. وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3).
وكان معهم وقت صعوده إلي السماء حينما "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع 1: 9).
كما ظهر أيضًا لشاول الطرسوسي في طريق دمشق، وتحدث إليه، واختاره رسولًا يحمل اسمه إلي الأمم (أع 9: 3-15).
كل هذا منح التلاميذ قوة عجيبة وفي ذلك يقول الكتاب "بقوة عجيبة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة يسوع، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع 4: 33).
فماذا كانت قوة القيامة هذه التي منحتهم القوة؟
.