رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسة كاترينا السيانية المكرسة الدومنيكانية المتصوفة مُصلحة الكنيسة معلمة الكنيسة St. Catherine of Siena (عيدها 29 أبريل و 30 أبريل) ❤️الميلاد و النشأة: وُلدت كاترينا دي چياكومو دي بنينكاسا في 25 مارس 1347 في سيينا – إيطاليا ، والدها "چياكومو" هو صبّاغ يُدير مصبغته بمساعدة أبناءه، ووالدتها "لابا بياچنتي" ربة منزل. كاترينا و توأمتها چيوفانا كان ترتيبهما الثالث والعشرين في ولادات أمهما، إلا أن نصف هذا العدد من الأبناء قد توفي في مراحل مبكرة. تولت أمر چيوفانا مرضعة لكن سرعان ما توفيت الطفلة بينما بقيت كاترينا على قيد الحياة بصحّة جيدة في رعاية أمها. في سن السادسة كانت أول مرة يظهر لها يسوع بحسب شهادة مُعَرِّفها (أب إعترافها) و كاتب سيرتها "الأب ريموند كابوا"، حيث كانت في طريق عودتها مع أخيها من زيارة إحدى شقيقاتهما في بيت زوجها. تراءى لها يسوع المسيح جالساً على عرش المجد و حوله الرسل بطرس و بولس و يوحنا. تأثرت كاترين بهذه الرؤيا و نذرت نفسها سِرّاً للرب في سنّ السابعة. توفيت شقيقتها الكبرى بونڤنتورا أثناء الولادة، ووسط الحزن الذي عاشته كاترينا ذات الستّة عشر عاماً ، طلب منها والداها أن تتزوج من أرمل شقيقتها! رفضت الفكرة بطبع، وقرّرت أن تعلن رفضها بالإعتراض السلبي حيث كانت تمتنع عن تناول الطعام طوال وجوده في بيت أبيها للزيارة، مما أكسبها القُدرة على الصوم أفادتها. كما صدمت والدتها بقصّ شعرها الطويل إعلاناً لرغبتها في التَكرُّس وعدم قبول الزواج. وقد وَجدت كاترينا الصغيرة ضالتها في فكرة قالتها لكاتب سيرتها : ((في أوقات الضيق إبني خلية داخل عقلك يمكنك من خلالها الفرار إلى العمق)). وقصدت بهذه الخليّة مكان تحلّ فيه الشخصيات التي تسبب لها ضغوط بشخصيات تحبها. فصار والدها يمثل السيد المسيح ووالدتها تمثل السيدة العذراء وإخوتها يمثلون الرسل. وعندها أصبحت تحبهم وتخدمهم بوداعة وتواضُع بدلاً من أن تخزن ضدّهم الضغائن، مما جعلها تعيش حالة تكريس فعلي بمعايشة الوداعة والتواضع على مثال قلب حبيبها ومخلصها يسوع المسيح. وهي خطوة نُضِج روحي في سن مبكر. رفضت كاترينا أن تكون زوجة وأمّ ، ومن ناحية أخرى رفضت أن تكون راهبة مُحتجبة عن العالم. وشعرت أن كلتا الحالتين ليست دعوتها. لكنها اختارت أن تعيش حياة مُفعمة بالنشاط والصلاة والتقشف خارج أسوار الدير كما تتيح لها الرهبانية الدومنيكانية في درجتها الثالثة. وأخيراً إستسلم والدها لرغبتها في التبتُل، وخصّص لها غرفة في المنزل تمارس فيها تقوياتها وتأملاتها ودراساتها للكتاب المقدس والفلسفة واللاهوت. وفي رؤياها للقديس دومنيك رغبت التكريس لرهبانيته من الدرجة الثالثة، إلا أنها مرضت بطفح جلدي سبب لها حُمّىَ، على أثرها ذهبت للعلاج في باجنو فيجنوني، وبالوقت إقتنعت الوالدة بمساعدتها على تقديم نفسها لتكريس الدرجة الثالثة الدومنيكاني حتى يكون ذلك حافز على تحسُّن حالتها الصحية. وبالفعل قابلت الأخوات الدومنيكانيات وأقنعتهم بقبول إبنتها، وخلال أيام تعافت كاترينا وإرتدت الزي الأبيض والأسود الخاص بالتكريس من الدرجة الثالثة. كما تسلَّمت قانونها التكريسي برغم إعتراضات قويّة من المكرّسات على أساس أن هذه الدرجة التكريسية كانت للراغبات في التكريس من أرامل ولم تتقدم لها بتول من قبل. كمُكَرَّسة تعيش في العالم، عاشت كاترينا في بيت والدها، لكنها عاشت الصمت والعُزلة غالبية وقتها للتفرغ للقراءة الروحية والتأمل. إعتادت التبرع بالطعام والملابس التي كانت تكلف عائلتها الكثير، لكنها لم تكن تطلب شيئاً لنفسها. إذ كانت تجول بالزيت والدقيق والخمر توزعه على الفقراء ذات اليمين وذات اليسار دون حساب، ومِراراً كثيرة بارك الرب تلك الأغذية بين يديها وكثّرها، كما فعل له المجد في معجزة الخمس خبزات والسمكتين. كما يُقال أنه كان ببيت والدها برميل من النبيذ، من كثرة ما أعطت، تبارك هذا البرميل وما عاد يفرغ من النبيذ. كما كافئها الرب بأن صادفها كثيراً بهيئة رجل فقير يستعطي، ثم عاد ليتراءى لها بمجده الإلهي في أوقات الصلاة فيملأها فرحاً وضياءاً. ❤️أعطني يارب قلبك: في سنّ الحادية والعشرين، وبحسب ما وصفت في خطاباتها، إختبرت كاترينا بقوة حالة "الخِطبة الروحية" من يسوع. بمعنى أنها إنصهرت في يسوع المسيح نفسياً وجسدياً وتعمقت بالنُسك والتصوُّف، حيث لم تتلقّى خاتم من الذهب أو مجوهرات من عريسها السماوي، بل نسيج لحمي من جسده على هيئة خاتم وضعه في إصبعها! واستبدال قلبها بقلبه الأقدس، كما كانت تطلب منه دائماً، وترك لها أثر جُرح في جنبها يشير إلى هذا الإستبدال كانت قد رأته رفيقاتها فيما بعد. وطلب إليها أن تنهي عُزلتها وانسحابها من العالم لتدخل في الحياة العامة فعادت كاترين للتواصل مع أسرتها والخروج لوقت أطول من قلاّيتها المنزلية وانهمكت في خدمة الفقراء والمرضىَ في البيوت والمستشفيات الموجودة في سيينا، وقد جذبت هذه الأنشطة التقوية مجموعة من التابعين من الرجال والنساء. مع ظهور الحِراك السياسي والإجتماعي في سيينا ، وجدت كاترينا نفسها مُساقة إلى التدخُّل في الشئون السياسية على نطاق أوسع. ليس من بُعد الأيدلوچيات والمصالح، ولكن من بُعد رؤيوي وإجتماعي من منظور روحي وليس جسدي، حيث الوَعي بإحتياجات المجتمع وتوجيههم إلى الفكر الصالح والوقوف على مسافة واحدة من الجميع دون الميل لطرف على حساب الآخر. وقد إلتقت برؤساء رهبنتها في فلورنسا، لمتابعة مستواها الروحي ويُرَجَّح أنها الفترة التي تعرّفت فيها على مرشدها الروحي الأب ريمون دا كابوا. بعد هذه الزيارة بدأت تنطلق هي ومجموعة تابعيها إلى وسط وشمال إيطاليا، لتخدم وتُشَجِّع إصلاح الإكليروس، وتشجع الجميع على التوبة، وتجديد الحياة وتؤكد لهم أن هذا مُمكناً من خلال محبة الله الكاملة. ❤️الوعي باحتياجات الكنيسة: كانت كاترينا تشجع إصلاح الإكليروس (تشجِّع على الإصلاح وتصلّي من أجل تحقيقه بروح الله ولا تهدم بالإدانة والنقد المُغرِض). وفي نفس الوقت تؤكد على ضرورة إحترامهم ، كما أكّدت على كرامة الحَبر الروماني. وكان دورها روحياً حتى في شئون الوطن حيث كانت تهتم بالإنسان لا بالأيدلوچية، وساندت كما سنعرف فيما بعد من تعرضوا للإعدام كبشر في أزمة، وليس من خلال تعاطُف مبني على توافقها مع مواقفهم السياسية. وهذا هو الإنسان المسيحي (ملح الأرض ونور العالم). في عام 1374م تعرضت لجلسة إستماع لفحص أفكارها وتوجهاتها وما إذا كانت تدعو لهرطقات أم لا. وقد استجابت بمنتهى الطاعة لتطمئن الكنيسة دون أدنىَ إنزعاج. في بيزا عام 1375م، إستخدمت كاترينا كل تأثيرها وقوتها الروحية والخدمية لتجعل مدينا لوكا خالية من حلفاء الجماعات المُعادية للحَبْر الروماني، وهي جماعات كانت تتمتع بزخم كبير وتابعين بعدد غير محدود في مدن مختلفة من إيطاليا. وفي العام نفسه تلقت كاترينا سمات الجراح الخمسة المقدسة في جسدها (Stigmata) ، وبناءَ على طلبها كان لها أن تصبح هذه الجروحات ظاهرة لها وحدها، لم تكتفي كاترين بالزيارات للمدن الإيطالية لكنها كانت تقوم بإملاء خطابات إلى عدد من الناسخين، تقوم فيها بإقناع أكبر عدد ممكن بالإنضمام إليها في جهود إحلال السلام بين قيادات الحركات الشعبية وبين الموالين للأمراء والطبقات العُليا من المجتمع الإيطالي تجنُباً للفتن وأحداث العنف. كذلك جاهدت وبنفس الحماس في إعادة المقر الباباوي من مدينة أﭬنيون الفرنسية إلى مكانه الأصلي بروما. ❤️نبذة عن إنتقال المقر الباباوي إلى فرنسا لفترة: إنتقل المقرّ الباباوي إلى أڤنيون بفرنسا في الفترة من (1309 – 1377)م والتي تعاقب خلالها سبع باباوات (جميعهم فرنسيين) على مسئولية الكنيسة الجامعة. وقد نشأ هذا الوضع نتيجة لفترة صراع بين التاج الفرنسي والحبرية الرومانية، بلغ ذروته بين فيليب الرابع ملك فرنسا والبابا بونيفاس الثامن ، حيث سعى الملك الفرنسي للإستيلاء على أوقاف الكنيسة الجامعة بفرنسا، بحُجّة أن البابا مُهرطق وأنه يتواصل مع الأرواح الشريرة لإدارة الكنيسة! وقد نجح في إشاعة هذه الأقاويل بين الناس في فرنسا لكسب التعاطُف معه في مواجهة الكنيسة. فشلت كل الجهود للقضاء على هذا الصراع وإيقاف أفعال الملك فيليب الرابع ضد الكنيسة في بلده، ثم بلغت أفعاله إلى أفظعها عندما أقدم بجيشه على الدخول إلى روما – بمساعدة وتواطؤ عائلة رومانية كبيرة وشهيرة مناهضة للبابا تُدعىَ عائلة كولونا - وإقتحام المقر الصيفي للبابا في "أناني" (Anagni) أثناء خلوته الروحية ومحاولة إرغامه على إنهاء حبريته، وهو ما رفضه البابا بونيفاس قائلاً بأنه يشعر فعلياً بدنو الأجل، فما كان من قائد القوة الفرنسية المهاجمة للمقر إلا أن صفع البابا صفعة قاتلة بيده التي كان يرتدي فوقها قُفّازاً حديدياً، وهي صفعة معروفة تاريخياً بـ"صفعة أناني" "schiaffo di Anagni" "Anagni slap"، وهي صفعة يقال أنها تسببت في إحتضار البابا لمدة إسبوعين حيث توفيَ في 11 أكتوبر 1303م، بينما في رواية إضافية يقال أنه توفي نتيجة لإكتئاب شديد دفعه لقضم كفّيه وصَدْم جمجمته بالجدران، وهي رواية لم يتم التأكد من صحتها. تلى ذلك وفاة غامضة لخَلَفه البابا بندكتس الحادي عشر بعد ثمانية أشهر فقط من بداية حبريته، يُعتقد أنها نتيجة إغتيال بالسُمّ بإيعاز وتحريض من الملك فيليب الرابع. بعدها وفي أجواء من الضغوط والترهيب من قِبَل الملك فيليب عام 1305م، تم عقد مجمع الكرادلة لإنتخاب البابا الجديد (كونكلاڤ Conclave ) والذي أسفر عن إنتخاب البابا الفرنسي كليمنت الخامس. وهو الذي سرعان ما أقدم على نقل المقر البابوي إلى أﭬنيون بفرنسا عام 1309م ورفض العودة لروما ، حيث بقيت أﭬنيون المقر البابوي لمدة 67 عام وهي فترة سُميت في تاريخ الكنيسة بـ "سبي بابل الباباوي" حيث أصبح الحَبْر الروماني تحت سيطرة ملك فرنسا. كان آخرهم البابا غريغوريوس الحادي عشر الذي بدأت حبريته في ديسمبر 1370م، حيث إستجاب لجهود والدعوات المتكررة من كاترينا السيانية المُكرَّسة (وهي من هي في المجتمع الكنسي برغم حداثتها) للعودة إلى المقر الباباوي الأصلي في روما حيث عاد البابا رسمياً إلى روما كمقر باباوي في 17 يناير 1377م. نعود إلى كاترينا في عام 1375م التي وضع الله على قلبها أن تجتهد في عودة المقر الباباوي لروما كمقر أصيل ومُعَبِّر عن تاريخ الكنيسة ، ومُنهي لحالة سَبي رأس الكنيسة بفرنسا وحَصْر الإختيارات الباباوية للكرادلة الفرنسيين لضمان مُوالاتهم للملك. حيث كان هَمّ قلبها هو عودة السُلطة الكنسية لكامل إحترامها في شخص البابا بحيث لا يكون تابعاً في نظام سياسي. وقد اجتهدت في إرسال خطابات تشجيع وتأييد للبابا، طالبة إليه أيضاً إصلاح الإكليروس، واستعادة كرامة الكنيسة الجامعة، وفي نهايات عام 1375م عادت كاترينا إلى سيينا لمساندة شاب سياسي مُعتَقَل يُدعى نيكولو دي تولدو روحياً في محنة الحكم بإعدامه. في العام التالي (1376م) نشبت أزمة جديدة كادت تحول دون عودة البابا إلى روما بعد أن عاد تأثير حلفاء المضادين للبابا في فلورنسا قامت على أثرها حرب بين البابا وبينهم و دفعته إلى إتخاذ قرار بجعل فلورنسا تحت التحريم، سافرت كاترين إلى أﭬنيون للقاء الحَبْر الروماني كسفيرة سلام بين فلورنسا و البابا. إلا أن مهمتها لم تنجح كما كان مُتَوَقَعَاً، لأنها لم تجد تشجيعاً من قادة فلورنسا لوساطتها. لكنهم فيما بعد أرسلوا سفراء يحملون شروطهم الخاصة وتمّ تسوية الأمر بعد حربٍ سُمّيت تاريخياً بـ "حرب الثماني قديسين" (نسبة للجنة من الأمناء عددهم ثمانية كانت قائمة على تدبير مرتبات الجنود) إنتهت بعد فترة وجيزة من عودة البابا غريغوريوس الحادي عشر لروما. الذي يُعترف تاريخياً بأن لكلماتها وخطاباتها له عظيم الأثر في عودته. لم تكن صورة الكنيسة مثالية، لم يكن كل أبناءها في القداسة والوداعة وتعاليم الإنجيل كما بدأت في زمن الرسُل والأباء الأوائل .. لم يكن هناك أمل ظاهر لا في إكليروسها ولا في علمانييها .. الجميع يُخطئ أخطاء فادحة سواء بالفعل أو ردّ الفعل .. إنتشرت أمور كثيرة على خلاف تعاليم المسيح ، وبالنسبة لأي إنسان عادي لا يوجد ما يُشجِّع على القيام بدور إيجابي في إصلاحها من الداخل و الحفاظ على وحدتها و الإجتهاد في مصالح أبناءها، قد يبدو الخلاص الفردي هو الحل أو حتى اللاخلاص ، فإمّا أن ينفرد الإنسان بإيمانه مُعتقداً أنه وَجد الله بعيداً عن إخوته أو مع مجموعة تشبهه في محمية إيمانية موهومة بأنها مُعَقّمة و فاضلة ، وإما أن ييأس ويتحول إيمانه إلى سراب .. لكن بالنسبة لفتاة ببصيرة روحية مثل كاترينا السيانّية تتلقّى رجاءها من الرب، وتعرف ما يجب عمله لمجد إسمه بإلهام روحه القدوس، لم تفقد الأمل في جسد المسيح، ولم تمت محبتها لإخوتها حتى تبحث عن جسد آخر له بعيداً عن الموجود، وآمنت أنه حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا (رومية 5 : 20). وأن الله ليس حليفاً للأتقياء ضدّ الخُطاة بل إن كنسيته هي مستشفى الخطاة الذين لا تترفَّع عنهم هي، بل تتّضع بالفعل لا الكلام، وأنّ دورها أن تنهض بكنيستها ومع كنيستها روحياً من خلال الصلاة والصوم وسائر الأعمال التَقَوية النابعة من حرارة المحبة، ودراسة الكتاب المقدس وتأمّله ، والإنفتاح على جراح كنيستها ومجتمعها. عادت كاترينا إلى سيينا، وقد تحقّق حلمها في عودة البابا إلى روما، لتتفرغ في الأشهر الأولى من عام 1377م لبناء دير للفتيات خارج المدينة بالقلعة القديمة في بلكارّو. وقد إهتمت كاترينا بأن يكون الدير له برنامج تكويني يتم تطبيقه بدِقّة وحزم للإرتفاع بالقامات الروحية للمُكَرّسات، بينما قضت بقية العام في "روكّا دي أورتشا" التي تبعد 12 ميلاً عن سيينا، في مهمة لإحلال السلام وخدمة الكلمة، ومع حلول خريف هذا العام كانت قد إكتسبت خبرة تدوين كتابها (الحوار) Dialogo، والكتابة لنفسها إذ كان يُعتقد بأنها كانت تأتمن أشخاص مُقرّبين لكتابة رسائلها. وقد كان من الواضح وثوق البابا غريغوريوس الحادي عشر في شخص كاترينا وأمانتها لله ومحبتها للكنيسة، وهو ما جعله يختارها لتصبح مبعوثاً شخصياً منه إلى فلورنسا مرّة أخرى في أواخر عام 1377 م قبيل وفاته لإصلاح العلاقات بينه وبين أعضاءها المضادين له. إلا أنه توفي في مارس من عام 1378م ، وقد تبع وفاته بعض أعمال العنف من متمردي التشومبي Ciompi – وهي كلمة تعني آلة نَدْف (تنجيد) الصوف – وأعضاءها هُم من الطبقات الدنيا مادياً - وبالتالي إجتماعياً - في فلورنسا الذين حاولوا الوصول لحكم الإقليم ، وبالفعل وصلوا للحكم بالقوة واستمروا لفترة وجيزة. وقد قامت أعمال العنف هذه أثناء تواجد كاترينا ، وكادت أن تلقىَ مصرعها في هذه الأحداث. إلى أن تم التصالح بين السُدّة البابوية وفلورنسا لتهدئة الموقف في يوليو من عام 1378م على عهد البابا إربان السادس. ولكن سرعان ما هاجت حروب إبليس على الكنيسة مرّة أخرى بحدوث خلاف بين البابا إربان السادس و مجمع الكرادلة ، سببه أنه إجتمع بهم و ندّد بشئ من القسوة بسلوكهم جميعاً وأعلن أنه سيبدأ إصلاح الكنيسة من أعلى (أي منهم)، وأعلن أنه لا يجب أن يتقبلوا هدايا أو عطايا بل ودون أجور أيضاً في كل ما يقومون به من خدمات للكنيسة، وبرغم حُسن نيّته في الإصلاح إلا أن عنفه اللفظي وإنفعاله الشديد عليهم أدّىَ إلى نشوء الضغائن في قلوب الكرادلة بشكل خاص الفرنسيين منهم الذين طالهم النصيب الأكبر من الإهانة، مما جعلهم يطعنون في شرعية إنتخابه كحَبْر روماني. في هذا الموقف المتأزِّم للغاية أرسلت كاترينا السيانية خطابها للبابا إربان السادس ترجوه أن يكون أكثر وداعة ومحبة في تنفيذه لخطته الإصلاحية التي كانت تؤيدها بحرارة قائلة: ((أستحلف قداستك بحقّ المصلوب عنّا أن تُصلِح الكنيسة بسلام وإعتدال وبلا إنفعال ، لأن التجريح يدمِّر ولا يبني)). لم يلقى رجاء كاترينا آذان صاغية من البابا إربان السادس ، وأصرّ على تعيين عدد من الكرادلة الإيطاليين الجدد في المجمع يجعلون لإيطاليا النسبة الأكبر فيه ، مما تسبب في حدوث ما يُعرَف تاريخياً بالإنشقاق الغربي (Western Schism) حيث اجتمع الكرادلة الفرنسيون في أناني Anagni، ودبّروا الإنشقاق، فلما كان اليوم التاسع من أغسطس عام 1379 أصدروا منشوراً يعلنون فيه أن انتخاب إربان باطل لأنه تحت ضغط غوغاء روما، وانضم إليهم جميع الكرادلة الإيطاليين (المُضارين بقرارات التقشُف)، وأعلن المجمع على بكرة أبيه في يوم 20 سبتمبر أن الكاردينال روبرت من جنيڤ هو البابا الحق. واتخذ روبرت مقامه في أڤنيون (التي كان إختيارها كمقر للبابا المُنشَقّ هو رمز لعودة أزمة السبي مُضافاً لها الإنشقاق) وقد اختار اسم البابا كلمنت السابع، أما إربان السادس فقد تمسك بمنصبه الديني الأعلى كحَبر روماني وظل مقيماً في روما! أحزنت قلب كاترينا هذه الأحداث المُمَزّقة لجسد الكنيسة، وقد جاهدت لحلّ الأزمة وإثبات شرعية إختيار البابا إربان السادس الذي دعاها لمساندته في روما ومحاولة إقناع الكرادلة والنبلاء بالتخلّي عن مُعاداته وإحترام سُلطته الرسولية، حيث أنها برغم عدم توافقها مع إسلوبه إلا أنها تعرف أن الساعي للإنقسام لتصفية حسابات شخصية لا يمكن له أن يكون أميناً على الكنيسة، فكل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب (متى 12 : 25) وهو ما يعني أن خلافات البيت الواحد لا يجب أن تفرِّق أبناءه، وأن الإنقسام لا يمكن أن يجلب نمواً وهناء لهذا البيت بل خراباً مُحققاً. بالتالي لم تعترف بباباوية كليمنت السابع واعتبرت إنشقاقه خيانة للمسيح و الكنيسة. إلا أن محاولاتها لإستعادة الوحدة لم تنجح في إنهاء الأزمة. ❤️الحزن والوفاة: وقد عكفت منذ بداية هذه الأزمة لسنوات عديدة على الصلاة والصوم الدائم الذي لا يكسره إلا تناول الأسرار المقدسة في القداس اليومي، مما أضعف صحتها، فطالبها مرشدها الروحي الطوباوي الأب ريمون كابوا بالإنتظام في تناول الطعام، إلا أنها رفضت مُتعلّلة بأنها مريضة بفقدان الشهية. ومع مطلع عام 1380م صارت كاترينا غير قادرة ليس فقط على تناول الطعام، ولكن أيضاً على إبتلاع الماء. ساءت حالتها حتى أنها في فبراير 1380م أصيبت بالشلل ولم تعد قادرة على السير ، وانتقلت بعطر القداسة في 29 إبريل 1380م بروما بعد غيبوبة إستمرت لثمانية أيام، عن عمر ناهز الثالثة والثلاثين. ❤️الــدفــن: تم دفن جثمان كاترين في مدافن روما، ومع تكرار توثيق المعجزات عند قبرها قام الأب ريمون دا كابوا بنقل جثمانها إلى بازيليكا القديسة ماريا سوبرا مينرڤا تحت المذبح الرئيسي وهو المكان الذي يرقد في الجثمان حتى يومنا هذا. ومع عوامل الزمن إنفصل الرأس عن الجسد الذي يُحكى أن قصة نقله إلى سيينا كانت عجائبية، إذ حزن أهالي سيينا على دفن كاترينا في روما وليس في مسقط رأسها، فحاولوا أن يحصلوا حتى على جزء من الجسد ليدفنوه في سيينا بإكرام ويتبرّكون به، وبالفعل ذهبت مجموعة سِرّاً لهذه المهمة وأخذوا الرأس في حقيبة، وحاولوا الخروج بشفاعتها دون أن يراهم الحرس الروماني، إلا أن الحرس رأهم بالفعل وعند فتح الحقيبة لم يظهر سوى شتلات زهور ، فدفعوا إليهم الحقيبة وعند عودتهم إلى سيينا ظهر الرأس في الحقيبة عند فتحها. المؤكد فعلياً أنه تم إدراج الرأس داخل تمثال نصفي مطلي بالبرونز، وُضِع في سيينا، بعد المرور به في موكب جاب المدينة حتى الوصول لكنيسة الدومنيكان. وبرغم إنفصال الرأس عن جثمان القديسة إلا أنه لم يتحلل، كذلك تم دفن إصبع الإبهام معه في سيينا. سارت في هذا الموكب والدتها لابا التي عاشت حتى بلغت الـ89 عام. وقد شهدت وفاة معظم أولادها وبعض أحفادها، كما شهدت إنتهاء أيام الثراء والسعادة التي عاشت فيها العائلة لسنوات طويلة. كما كانت المصدر الرئيسي للأب ريمون دا كابوا في معلوماته عن طفولة كاترينا ومراهقتها. وكانت الأم في غاية الإشتياق للعودة إلى موطنها السماوي ومُلاقاة أحباءها، لدرجة أنها كانت تسخر من طول عمرها وتقول أن الله وضع روحها في جسدها بالعرض، لذلك أصبح من الصعب خروجها. ❤️إعلان التــطــويــب والقــداســة: تم تطويب كاترينا السيانية عن يد البابا "پيوس الثاني" في 29 يونيو 1461م، ثم تم إعلانها قديسة ومعلمة للكنيسة عن يد القديس البابا "بولس السادس" في 3 أكتوبر1970م لتكون ثاني إمرأة تحصل على هذا اللقب بعد أيام من حصول القديسة تريزا الأڤيلية عليه في 27 سبتمبر م1970. وعلى عهد البابا القديس "يوحنا بولس الثاني" عام 1999م تم إتخاذها واحدة من سِت شفعاء لقارة أوروبا، هُم القديس بندكتوس (مؤسس رهبنة البندكتين)، القديسان كيرلس وميسوديوس، القديسة برچيت السويدية، والقديسة تريزا بندكتا للصليب (إديث شتاين). كما تعتبر هي والقديس فرنسيس الأسيزي يعتبرا شفيعا إيطاليا. كما أصبحت شفيعة تاريخية لأخوية المرأة الكاثوليكية الأمريكية Theta Phi Alpha. تعيِّد لها الكنيسة في ذكرى إنتقالها 29 إبريل من كل عام. |
08 - 05 - 2021, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: القديسة كاترينا السيانية المكرسة الدومنيكانية المتصوفة
بركة شفاعة القديسة كاترينا السيانية تكون معنا أمين |
||||
14 - 05 - 2021, 09:12 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: القديسة كاترينا السيانية المكرسة الدومنيكانية المتصوفة
ميرسى على مرورك الغالى |
||||
|