يسوع يلتقي المرأة السّامريّة (يو 4: 1ـ 42)
مقدمة
يلتقي يسوع بإمرأة محطّمة، ويعطيها حياة جديدة؛ فتتحوّل وتعطي الآن بدورها حياةً للآخرين. يسوع يُعطينا حياةً جديدة كي ننقلها بدورنا. هذه الحياة هي علاقة، شركة.
يسوع يلتقي بإمرأة مكسورة مُحطَّمة
جاء يسوع إلى العالم كي يُدخلنا جميعًا في شَرِكَةٍ مع الله. ويُعطينا حياة جديدةً. لم يبدأ يسوع رسالته بذهابه أوّلًا إلى الأغنياء و لا حتّى إلى فقراء إسرائيل. مضى إلى السّامريّين، والتقى امرأة كانت قد عاشت انفعالات عاطفيّة عديدة، امرأة تنتسب إلى مجموعة معتبرة من اليهود، كهرطوقيّة. كان السّامريّون حزبًا دينيًا منشقـًّا عن اليهوديّة التقليديّة. كانوا يعبدون الله على جبل جريزيم في السَّامرة وكانوا يرفضون الاعتراف بهيكل أورشليم كالمكان المقدّس حيث يسكن الله. كانوا يعترفون بكلمة الله في الخمسة الكتب الأولى من الكتاب المقدّس، التوراة و"بونتاتوك". لكنّهم لم يكونوا يعترفون لا بالأنبياء ولا بالكتب المقدّسة الأخرى مع أنّهم هم أيضًا أبناء إبراهيم. كان لديهم كثير من الشّكّ والبغض بينهم وبين اليهود. في أحد الأيّام، أراد أحد الفرّيسيّين أن يُهين يسوع ويبيّن أنّه مارق عن الإيمان صرخ في وجهه: أنتَ سامريّ وفيك شيطان (يو 8: 48). ليس من السّهل الانتماء إلى مجموعة أقليّة محتقرة ولا سلطة بيدها. إنّ الشّعور بأنّك محتقر وبأنّك معتبر لا معنى لكَ يمكنه أن يُثير شكلًا من الغضب أو اليأس الجماعيّ.
سوف نكتشف أنّ لهذه المرأة التي يلتقي بها يسوع قرب بئر، قصّة علاقات مفكّكة لقد عاشت مع خمسة رجال والرّجل الذي تعيش معه الآن ليس زوجها. فهي لا تنتمي فقط إلى أقلية محتقرة ولكنّها أيضًا مرفوضة من ذويها. إنّها امرأة كوّنت صورة سلبيّة عن نفسها، يسكنها شعور عميق من عقدة الذنب، وعدم الأهليّة، ومن اليقين أنّ لا أحد يمكنه إطلاقـًا أن يحبّها حقيقة. ألأنّها تشعر بكونها مرذولة يسخر منها ذووها، حتى تأتي تستقي الماء وحدها، عند الظهر والشمس في عزّ حرارتها؟ إنّ الغالبية من النساء تمضي إلى البئر باكرًا عند الصباح. لكن امرأة تشعر بأنّها مرذولة وخجولة تحاول، بدون شكّ أن تتحاشى سائر القرية. تأتي لتستقي الماء في وقت لا تخشى أن تلتقي بهنّ.
يسوع يقول ألّا تخجلي، كان تعبًا وجالسًا قرب البئر. إنّها المرّة الوحيدة في الأناجيل حيث نسمع إنّ يسوع تَعِبَ. إنّه وحده، فالتلاميذ ذهبوا إلى المدينة المجاورة ليشتروا لهم طعامًا. إنّه تَعِبٌ من السّير الطويل تحت شمس اليهوديّة إنّه ربّما تَعِبٌ أيضًا من حياته مع هؤلاء الرّجال الذين يبدون أنّهم لا يفهمونه ويتخاصمون في ما بينهم.
تدنو المرأة السّامرية لتستقي الماء ويتوجّه يسوع إليها ويطلب منها قائلًا "أعطيني لأشرب" (آية 7) إنّه عطشان ويستعطي الماء وهي متعجّبة ومزعوجةٌ. اليهوديّ لا يتكلّم أبدًا مع السّامري، يهوديّ شاب لا يتكلّم أبدًا مع امرأة وحدها! من خلال لهجته ولباسه يبدو يسوع بوضوح يهوديًا من الجليل. يتصرّف بطريقة مفاجئة خلافًا لكلّ الاصطلاحات الثقافية. إنّه يهدم الجدار الذي يفصل اليهود عن السّامريِّين إنّه عطشان إلى وِحْدَةٍ بين أبناء إبراهيم، إنّه عطشان ليجمعهم.
"كيف وأنت يهوديّ تطلب منّي أن تشرب وأنا امرأة سامريّة؟" (9) أجابت بحميّةٍ فاليهود عمليًا، يشير الإنجيليّ، ليس لهم علاقة مع السامريّين.
كيف الاقتراب من الذين حياتهم محطّمة
أراها مؤثّرة جدًا الطريقة التي يَدخُل بها في علاقة مع هذه المرأة السّريعة العطب والمحطّمة. فهو يعلم كم عندها صورةٌ سلبيّة عن نفسها فهو لا يحكم عليها، ولا يلعنها. ولا يبدو متعجرفًا، ولا ينصحها أخلاقيًا. يدنو منها كمتسوّلٍ تعبٍ، عطشانٍ. طالبًا منها شيئًا لنفسه. يدخل في حوار ويبدأ بعلاقة معها. وهي التي لا ثقة عندها بقيمتها الشخصيّة هوذا يسوع يعطيها الثقة وبعمله هذا، يرفعها ويُعيدُ إليها كرامتها. يُبيٍّن لنا يسوع كيف نذهب إلى المجروحين والمحطّمين، ليس كواحد أرفع منهم، من علُ، ولكن بتواضعٍ "من أسفل" كمتسوّل. هؤلاء الناس الذين حتى الآن يخجلون من ذواتهم، لا يحتاجون إلى من يعمّق فيهم خجلهم، ولكن لِمَن يُعيد إليهم الأمل ويجعلهم يكتشفون كونهم وحيدين في العالم، وذوي ثمنٍ، وهامّين. عندما نقبلهم ونحبّهم بهذه الطريقة نكون نساعدهم على أن يسترجعوا الحياة. نحن غالبًا شهود على ذلك في الجماعات، جماعات السّفينة رجالًا ونساءً فقدوا كلّ ثقة وكلّ احترام لذواتهم بسبب إعاقتهم. فلكي يكبروا ويبرأوا، هم بحاجة لمن يقدّرهم خَيْر قدرهم ويُثبّتهم ويُحبّهم كما هم، في سرعة عطبهم وسقطاتهم.
لقاءات قرب البئر، لقاءات حبّ
يلتقي يسوع بهذه المرأة قرب البئر. في الكتاب المقدّس، اللقاءات قرب البئر لها معنى رمزيّ. فقرب البئر، خادم إبراهيم الذي جاء يفتّش عن (امرأة) زوجةُ لاسحق، الابن الحبيب لسيّده، التقى برفقا. بوصوله إلى قرب البئر، صلّى وقال:
("يا ربّ، يا إله سيّدي ابراهيم، ها أنا واقف على عين الماء. وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماءً). فليكن أنّ الفتاة التي أقول لها: أميلي جرّتك لأشرب، فتقول إشرب وأنا أسقي جمالك أيضًا تكون هي التي عيّنتها لعبدك اسحق" (تك 24: 14 ـ 15).
يعقوب هو أيضًا التقى براحيل امرأته العتيدة قرب بئر (تك 29).
كذلك موسى التقى بصفّورة، زوجته العتيدة قرب بئر (خر 2: 12 ـ 20)
لقاء يسوع مع هذه المرأة السّامريّة قرب بئر هو لقاء حبّ. يسوع العريس الإلهيّ جاء كي يكشف حبّه لجميع الذي يبحثون على أن يستقوا من بئر الحبّ.
الماء يعطي الحياة
يواصل يسوع الحوار ويقول للمرأة: "لو كنتٍ تعرفين عطيّة الله ومَن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب لكنتِ أنتِ تسألينه أن يعطيكِ الماء الحيّ". (يو 4، آية 10).
فأجابته بحيويةٍ "يا سيّد ليس معك شيء لتستقي والبئر عميقة فمن أين عندك ماء الحياة؟ أتكون أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا هذه البئر وشرب منه هو وأولاده وماشيته؟ (11 ـ 12). يُجيبها يسوع: مَنْ شرب من الماء الذي أنا أعطيه أن لن يعطش أبدًا والماء الذي أنا أعطيه يصير فيه نبع ماء يجري للحياة الأبديّة" (13ـ 15).
الماء يعطي الحياة عندما لا يهطل المطر تجنّ الأرض والزرع لا ينبت والناس يموتون جوعًا. فكم يمكن العيش من الأيّام بدون ماء؟ الرمزيّة لافتة. يسوع أتى يروي عطشنا إلى الحضور عطشنا إلى أن نقبل. عطشنا إلى معنىً عندما نكون مُغفّلين . الماء الذي يعطينا إيّاه يسوع هو ماء نوره وحضوره، الذي يرفع قلقنا من الوحدة. ويجعلنا نعيش. الماء هو رمز الرّوح حياة الله بالذات التي جاء يسوع يقاسمنا إيّاها.
يسوع يكشف لنا أنّه إذا شربنا من نبع الحبّ ومن حنوّ الله نصير بدورنا ينابيع حبّ ورأفة. إذا قبلنا روح الله نعطي روح الله. الحياة التي نحصل عليها هي نفسها التي نعطيها.
أن تكون في علاقة
في كتابه "أنا وأنت" يقول لنا الكاتب مارتن بوبر M. Buber: كم في الحضارات والثقافات حيث هناك أشياء كثيرة نخشى أن نصبح أقلّ مطواعية للنّاس كي نكون معهم، نفهم ونتقاسم وإيّاهم. نصبح جدّ مأخوذين بالأشياء: نملك الأشياء، نعمل أشياء نبيع ونشتري أشياء. نخشى أن ننسى أنّ الفرح والغنى فرح الناس وغناهم هما أن نكون مع الآخرين حتى نحتفل بالحياة معًا. ليس للعلاقة هدف أن تعمل أشياء للناس، وأقل أيضًا أن تمتلكهم أو أن تستخدمهم للذّتنا، لملء فراغنا. العلاقة هي لكي تكشف لكلّ واحد أنّه فريد وأنّه ثمين، وأنّ لديه مواهب يتقاسمها. هي أن تعيش تبادل القلوب. من خلاله نتعاون لننال حريّة أكبر. الحياة تجري من الواحد إلى الآخر.
بالنسبة إلى يسوع، المعارف والمؤهّلات الأشياء ليست هامّة بحدّ ذاتها: إنّها في سبيل العلاقة.
الهامّ هم الأشخاص: أنت، أنا، كلّ واحد مهما تكون جذورنا أو ثقافتنا. هذا ما يكشفه يسوع في هذا اللقاء مع المرأة السّامريّة. يكشف أنّ في قلب كلّ شيء من كلّ الخلق، من الحياة ومن رسالتها الحبيّة يوجد القلب البشريّ المصنوع للعلاقة بين شخص وشخص. كلٌ يعطي ذاته للآخر ويناله. كلٌ يساعد الآخر على أن يعيش. جاء يسوع ليعيطنا الحياة، الحياة الأبديّة، حياة الله بالذات من خلال علاقة شخصية مع كلّ منّا. ونحن مدعوّون إلى أن نعطي هذه الحياة للآخرين.
أن نقبل بالرّوح ما نحن عليه
وعد يسوع لهذه المرأة ولكلِّ واحدٍ منّا أن يصير نبع حياةٍ للآخرين لا يُمكن أن يتحقّق إلّا إذا كنّا متواضعين. إذا اعترفنا بفقرنا وبنقائصنا، وإذا قبلنا ذواتنا تمامًا كما نحن. يسوع يدعو هذه المرأة ويدعو كلّا منّا لنعيد زيارة ماضينا من جديد بالحقّ، ليس فقط لنحلّله أو لنقبع فيه لكن لكي نتحرّر من تسلّطه علينا. يسوع يلمس الجرح الداخليّ لهذه المرأة بلطف وحبّ.
"إمضي وادعي زوجك وعودي إلى هنا" (6) إنّه يلمس بالضبط مكان فقرها وشعورها بالذنب "لا زوج لي"، أجابت. فقال لها يسوع: "الحقيقة قلتِ أن لا زوج لكِ لأنّه كان لكِ خمسة أزواج وهذا الذي معك الآن ليس زوجك وبهذا صدقتِ" (17 ـ 18). قصّة هذه السّامريّة قصّة حقيقيّة كانت امرأة مجروحة في قدرتها على أن تحبّ إنّها أيضًا رمزيّة؛ إنّها تمثّل كلّ واحد منّا. فنحن جميعًا هذه المرأة السّامريّة. نحن كلّنا نوعًا ما مجروحون عاطفيًا ولنا تاريخ علاقات ممزّقة. أغلبنا يخفي صعوبات علائقيّة وراء ذهننا وقدرتنا. نحن عطشى للإعجاب ولا نريد أن نعترف بجروحيتنا بالإعاقة المختبئة في عدم قدرتنا على أن نحبّ بعض أشخاص وأن نغفر لهم. يمكننا أن نكون سجناء خَواء حزننا، وغضبنا، ربّما بغضنا.
عندما أسمع المرأة تقول: "لا زوج لي"، أسمع هذا التشكّي المؤلم للبشريّة لكثيرين منّا: "أشعر أنّي وحيد ومذنب، لا أحد عندي". إنّها صرخة حزن عميق. فلكي نتمكّن من أن نقبل الماء الحيّ الذي يجري من يسوع، علينا أن نعترف بأن كلّ ما فينا هو خَواء وموت. بقدر ما نحن ملآنون من ذواتنا من قدرتنا ومن يقيننا، نفكّر أن باستطاعتنا التحرّك لوحدنا وتدبير أمرنا ولا نحتاج إلى أحد لنتمكّن أن نعترف بحاجتنا إلى يسوع إلى حياة جديدة. فقط عندما نقدّم ليسوع فراغنا وعجزنا وقلبنا الممزّق عندها يتمكّن أن يملأنا من قوّة الرّوح ويلمسنا بحبّه.
لكن الآتي كي يحمل لنا حياة جديدة قابل للانجراح يأتي إلينا ويسألنا أن نساعده، نظير طفل. إنّه إله متواضع يأتي إلينا كمتسوّل يطلب منّا العون إنّه هو، الفقير الذي سيوقظنا على الحبّ ويعيطنا حياة جديدة.
مَن هو على حقّ ومَن المخطئ؟
أكيد أنّ المرأة اندهشت من أن يسوع يعرفها جيدًا، تقول له: "أرى أنّك نبيّ" (19) عندئذ تلقي عليه سؤالًا كان يحرق قلب كثيرين من السامريّين والذي لم يكن ممكنًا طرحه إلّا على نبيّ: مَن على حق؟ اليهود أم السّامريّون؟ أَعَلينا أن نعبد الله في الهيكل أم على جبل جريزيم؟ أيّة ديانة هي الصّالحة؟ أيتهما تملك الحقيقة؟
يقول لها يسوع بأنّ القضية ليست هنا "ستأتي ساعة وهي الآن حاضرة حيث العابدون الحقيقيّون يعبدون الآب في الرّوح والحقّ" سيلهمهم الرّوح القدس السّاكن فيهم". بكلمات وجيزة كشف لها يسوع الذي سيكون يقينًا عند بولس بعد بضع سنوات عندما يكتب إلى تلاميذ روما. "والذين يقودهم روح الله هم جميعًا أبناء الله لأنّ الرّوح الذي نلتموه لا يستعبدكم ويردّكم إلى الخوف بل يجعلكم أبناء الله وبه نصرخ إلى الله: "أيّها الآب، أبانا" (روم 8: 14 ـ 15).
نحن مدعوّون لنعبد الله في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا. المرأة السامريّة، لا تفهم جيدًا أين يريد يسوع أن يوصلها في النهاية.
فتقول :أعرف أنّ المسيح سوف يأتي وعندما سياتي يشرح لنا كلّ شيء.
يجيب يسوع: "أنا هو، الذي يكلّمك" التي فسرّها العلماء أحيانًا "أنا هو".
هذا التعبير "أنا هو" غنيّ بالمعنى يكشف، كما سنرى لاحقًا اسم الله نفسه، حبّه المقدّس الذي نجده في سفر الخروج (خر 3). نحن نعرف يسوع الحمل، المختار، العريس، المسيح، ابن يوسف من الناصرة، ابن الله، ابن الإنسان، ملك إسرائيل. حاليًا، اسمه الإلهيّ هو المكشوف لنا. ـ "أنا هو" يتسوّل الماء من إحدى النساء الأكثر حقارة. التي ليست أحدًا، والتي لا اسم لها، التي ليست شيئًا في نظر المجتمع. يسوع يكشف لها مَن هي ومَن هي مدعوةٌ أن تصير: نبعَ ماءِ حياةِ الله، إذا فتحَتْ له قلبها وقَبِلَتْ حبّه، الشقاء والرّحمة يلتقيان هنا على البئر.
امرأة متحوّلة
ـ في هذه الأثناء وصل التلاميذ الذين يتعجّبون من رؤيتهم يسوع يتكلّم مع امرأة. يريدون أن يأكل ما ابتاعوه من القرية لكن يسوع يقول لهم "لي طعام آخر لا تعلمونه[...] طعامي أن أعمل مشيئة مَن أرسلني وأن أكمّل عمله (32 ـ 34).
عَمَل يسوع هو أن يجمع أبناء الله في الوحدة وأن يأخذهم إلى الآب؛ يدعونا إلى أن نعيش شركة القلوب. لقد عاش يسوع شيئًا عميقًا ومكثّفًا مع هذه المرأة. لقاء حبٍّ شخصيّ لقد لَمَس قلبها وغذّاه. وهي ابتدأت تثق به. وُلِد الحبّ بينهما. في لحظات كهذه، لا يفكّر بالطعام اتّحاد القلوب هو طعام. قد يكون يسوع قد تأثّر أيضًا لأنّ أباه ألهمه أن يشكف سرّه واسمه الخفيّ "أنا هو" لهذه المرأة التي نبذها ذووها.
يسوع لا يكشفه لأحدٍ آخر في الإنجيل. الآب هو الذي كشفه للتلاميذ. فقط لهذه المرأة وحدها الأكثر شقاء والأكثر وحدة يكشف اسمه الخفيّ، مَن هو: المسيح. لقد تحوّلت في الحبّ. كيف كان بإمكانها أن تتخيّل أنّ المسيح، المُرسل من الله يتحدّث معها، هي المرأة المسكينة التي رذلها ذووها؟ ليس فقط تكلّم معها، ولكن أيضًا طلب منها الماء بتواضع. هذا غير ممكن! عليها أن تحلم! ومع هذا فهو هنا. لقد أخبرها بكلّ ما عملتْ بدون إدانة أو حكم. من خلال نظرته، وحركاته، ونبرة صوته شعرتْ ليس فقط بالاحترام، لكن بالحبّ. هل هذا ممكن؟
ـ بحماس كلّي، مَضَتْ إلى القرية مسرعة، تاركة جرّتها لأنّه منذ الآن قلبها قد امتلأ من الماء الحيّ. ذهبت لتجد النّاس ولتقول لهم: تعالوا وانظروا رجلًا قال لي كلّ ما فعلتْ! أليس هو المسيح" (29) ـ الماء الحيّ يجري منها كما وعدها يسوع. إنّها حصلتْ على الحياة، حياة يسوع؛ وبدورها تعطي الحياة. دُهِشَ الناس وتعجّبوا من التغيير الذي حصل لديها. فيتبعونها، ويذهبون إلى لقاء يسوع ويطلبون منه أن يبقى معهم.
يقول الإنجيل: "وبقي معهم يومين فقالوا عندئذ للمرأة: ليس لكلامك نحن نؤمن فقد سمعناه نحن أنفسنا نعرف أنّه هو حقيقة مخلّص العالم"(43).
بالنسبة إلى الذين بيننا الذين يعرفون أنهم مجروحون، وغير محبوبين، كَشَف حبّ يسوع خبرًا سارًّا رائعًا. عندما نعي شعورنا بالوحدة وبعطشنا وبحاجاتنا إلى الحبّ الإلهي يمكننا أن نقول مثل هذه المرأة "أعطني من هذا الماء حتى لا أعود أعطش أبدًا". (15)