رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رسائل بين أستير ومردخاي إذ أخبر هتاخ أستير بكلام مردخاي، أرسلت إليه تقول بأنها لم تُدع لتدخل عند الملك هذه الثلاثين يومًا، فإن دخلت تُقتل ما لم يمد الملك قضيب الذهب فتحيا. أما هو فعاد يخبرها: "لا تفتكري في نفسك إنكِ تنجين في بيت الملك دون جميع اليهود، لأنكِ إن سكتِ سكوتًا في هذا الوقت يكون الفرج والنجاة لليهود من مكان آخر، وأما أنت وبيت أبيكِ فتبيدون. ومن يعلم أن كنت لوقت مثل هذا وصلتِ إلى الملك" [13-14]. إن كان مردخاي قد مزق ثيابه ولبس المسوح وصرخ صرخة مرة في وسط المدينة، ليس يأسًا ولا فقدان رجاء وإنما تذللاً أمام الله إيمانًا به أنه قادر أن يعمل، وحثًا لشعبه أن يشترك معه في الإنسحاق أمام الله... هذا ما كشفته كلماته لأستير فقد آمن أن الخلاص قادم لا محالة، بأسير أو بغيرها الله يعمل، إذ يقول لها: "لأنك إن سكت سكوتًا في هذا الوقت يكون الفرج والنجاة لليهود من مكان آخر". وكأنه يقول لها: الله لا يعدم الوسيلة، فسيخلص على كل حال، لكنني أخشى أن تخسري إكليلك فلعله أرسلك إلى هذا الموضع ليعمل بك فتتمتعين بالإكليل. ليتنا في وقت التجربة نكون كمردخاي تؤمن أن الخلاص قادم لا محالة، والله لابد وأن ينقذ، لكنه ليتنا نخرج من التجربة غالبين ومنتصرين لا محطمين وخاسرين. إن آمنا بعمل الله تنتهي التجربة ونكون قد كُللنا في عينيه، فنقتني لأنفسنا ربحًا على مستوى سماوي. أكد مردخاي لأستير أن أحداث حياتها ليست مجموعة من الصدف ولا هي ثمرة جهاد بشري محض، إنما هي خطة إلهية لمجد الله وبنيان الكنيسة ونمو حياة أستير الروحية. هكذا آمن يوسف عندما قال لاخوته الذين سلموه للعبودية: "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتمومي إلى هنا؛ لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم" (تك 45: 5)... فإن كانت أستير قد صارت ملكة أو يوسف بيع كعبد، فالله سيد التاريخ إنما يدخل بهما إلى حيث يمجداه لحساب الجماعة المقدسة كلها. كشف لها مردخاي أن تخرج من دائرة التفكير الضيق، فلا تفكر في حياتها أو موتها، لأن ما يصيب شعبها يمس حياتها وحياة بيت أبيها، إذ يقول لها: "لا تفتكري أنكِ تنجين في بيت الملك". وفي نفس الوقت أكدّ لها أن العمل الذي تقوم به يقوم به الله نفسه فهو سيخلص حتمًا، فإن مدت يدها للعمل فالله نفسه كأب ملتزم بالعمل... فلا تخف. ليتنا نعمل دائمًا منطلقين من دائرة الأنا، مدركين أن عمل الله الروحي لن يفشل، وأن يده قادرة على الخلاص إن سلمنا حياتنا بين يديه. إن كان مردخاي واجه استير بصراحة وشجاعة لينزع عنها كل خوف، ففي اتضاع قبلت الملكة رسالته وكانت إجابتها تكشف عن قلب متسع بالحب الفائق، إذ قالت: "أذهب أجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا، وأنا أيضًا وجواري نصوم كذلك، وهكذا أدخل إلى الملك خلاف السُنة، فإذا هلكت هلكت" [16]. أحبت أستير شعبها، فقدمت حياتها للموت من أجلهم: "فإذا هلكت هلكت". فمع كونها ملكة عظيمة جميلة المنظر، في مقتبل عمرها، محبوبة من رجلها، لكنها قبلت أن تدخل إليه دون أن يدعوها وهي تعلم وحشيته لا يعرف الرحمة حتى على أصدقائه فعندما توسل إليه ليسياس أن يعفي إبنه الأكبر من الحرب مقدمًا أبناءه الخمسة الآخرين ما كان منه إلاَّّ إن شطر الولد شطرين وطلب من الجند أن يسيروا على جثمانه بأقدامهم حتى يعرف الكل حزمه وصرامته. عرضت حياتها للهلاك بإيمان، فلم تلق باللوم على مردخاي ولا إتهمته بالكبرياء لعدم خضوعه لهامان، وإنما بإيمان حيّ أدركت أن خطاياها هي وكل شعبها هي السبب، إذ نسمع في صلاتها التي جاءت في تتمة أستير تقول: "إنا قد خطئنا أمامك ولذلك أسلمتنا إلى أيدي أعدائنا، لأنّا عبدنا آلهتهم وأنت عادل يارب" (14: 6-7)... بالإيمان عرفت مفتاح الخلاص: الاعتراف بالخطايا والرجوع إلى الله المخلص. لم تفكر أستير بطريقة بشرية زمنية، فلم تهتم كيف تتزين وتتطيب لتجتذب الملك، ولا طلبت من مردخاي أن يدبر لها مؤامرة ضد هامان لكنها عرفت أن الخلاص من الله فلجأت إلى الصوم والصلاة، وطلبت أن يشترك معها مردخاي وسائر اليهود الذين في مدينة شوشن (سوسة) كما إشتركت جواريها معها... وهنا نقف عند شركة جواريها معها في صومها عن الأكل والشرب ثلاثة أيام وصلواتها ففي هذا كشف عن حياة أستير معهم، كانت تعيش معهم لا كآمرة ناهية وإنما كأم تهتم بخلاصهن، حملن معها روح الورع والتقوى، لذلك شاركن إياها في ضيقتها بفكر روحي لائق! ليتنا نهتم حتى بالخدم، فنحن مسئولون عن خلاصهم كأخوة لنا يشاركوننا العضوية في الجسد الواحد. كان لزامًا أن تدخل أستير إلى الملك، لكنها أرادت أن تدخل إلى قلبه بالله الذي وحده في يده قلب الملك (أم 21: 1) فلجأت إليه بالصوم والصلاة حتى يغير طبيعته الحجرية، ويفتح أبوابه لها، فتدخل مع الرب نفسه ليخلصها مع شعبها. في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [أستير بأصوامها حركت الملك المتعجرف[21]]. كما يقول القديس أكلميندس الروماني: [إذ كانت أستير كاملة في الإيمان عرضت نفسها لخطر ليس بأقل (من يهوديت)، لكي تنقذ أسباط إسرائيل الإثنى عشر من هلاك أكيد. فقد توسلت بالصوم والاتضاع إلى الله الأبدي الذي يرى كل شيء، وهو إذ رأى اتضاع روحها خلص الشعب الذي من أجله عرضت نفسها للموت[22]]. وجاء في كتاب (الدساتير للرسل القديسين): "بالصوم هربت أستير ومردخاي ويهوديت من مكائد هولفيرنوس وهامان الشريران"[23]. بحب كامل لشعبها وثقة كاملة في الله العامل في حياة المتضعين صامت أستير وإنطلقت بشجاعة للعمل قائلة: "فإذا هلكت هلكت"، ليس عدم إيمان بخلاص الله، وإنما بحب مستعدة أن تهلك ليحيا الشعب، وتموت هي من أجل إخواتها. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [لماذا عرضت أستير حياتها للموت ولم تخف غضب الملك المتوحش؟ أليس لكي تخلص شعبها من الموت، الأمر اللائق المملوء فضيلة![24]]. لقد حملت أستير روح الثلاث فتية الذين قالوا: "هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلاَّ (حتى إن متنا جسديًا) فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته" (دا 3: 17-18). طلبت الصوم إنقطاعيًا من كل أكل وشرب ثلاثة أيام، وكأنها أرادت أن تدخل مع الرب في قبره لتقوم معه في اليوم الثالث. لقد أمنت بالقادر أن يقيمها هي وشعبها من الموت. كأنها شاركت يونان رمز المسيح فدخلت في جوف الحوت تعاين دفن السيد المسيح وإحتماله الموت عن شعبه لتخرج تكرز ببشارة الحياة. جاء في تتمة أستير (ص 14) أنها خلعت ثياب الملك ولبست ثيابًا للحزن والبكاء وعوض الأطياب المختلفة ألقت على رأسها رمادًا وذللت جسدها بالصوم وكانت تنتف شعر رأسها، ووقفت تتضرع إلى الله معترفة بخطاياها هي وشعبها، وتذكره بمواعيده وأعماله مع آبائها، وتسأله أن ينظر إلى مذلة شعبه وضيقته بأيدي الوثنيين. آمنت أستير أن الله هو الذي يتكلم على فمها لتخترق الكلمات قلب هذا الأسد المتوحش، إذ قالت: "إلق في فمي كلامًا مرصفًا بحضرة ذاك الأسد وحوّل قلبه إلى بغض عدونا لكي يهلك هو وسائر المتواطئين معه" [13]. فإنها لا تقتنص قلب الملك بجمالها ولا بتدليلها ولا بحكمتها الذاتية إنما بالله الذي يتكلم في فمها ويعمل في قلب هذا الأسد. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنقذت أستير كل شعب اليهود عندما أوشك على الهلاك التام باستخدامها هذه الوسيلة (الصلاة)!... لقد سألت الله الرحوم أن يذهب معها إلى الملك، وقدمت له صلواتها، إذا قالت: "إلق في فمي كلامًا مقبولاً..."[25]]. في صلاتها كشفت أستير عن حياتها الداخلية، فقد عاشت كملكة عظيمة صاحبة مجد وكرامة أما قلبها فكان بسيطًا للغاية لم يدخله شيء من كرامة هذا العالم وملذاته. وكما قالت: "أنت عالم بضرورتي وأنيّ أكره سمة أُبهتي ومجدي التي أحملها على رأسي أيام بروزي وأمقتها كفرصة الطامث ولا أحملها في أيام قراري، وأنيّ لم آكل على مائدة هامان ولا لذذت بوليمة الملك ولم أشرب خمر السكب، ولم أفرح أنا أمتك منذ نقلت إلى ههنا إلى اليوم إلاَّ بك أيها الرب إله إبراهيم" (14: 16- 18). هكذا عاشت في القصر كملكة لكنها تدرك أنها إمرأة أسيرة، إكليلها في عينها كخرقة الطامث لا تشتهيه بل تثتثقله، لم تأكل مع هامان الرجل الثاني بعد الملك ولا وجدت لذه في مائدة الملك، ولا إشتركت في شرب الخمر المقدم كسكيب للآلهة، ولم يفرحها أحد سوى إله إبراهيم! وهذا يفسر لنا كيف أنها حين دخلت إلى الملك قبل إختيارها "لم تطلب شيئًا إلاَّ ما قال عنه هيجاي خصي الملك" (2: 15)، إذ لم يتعلق قلبها بشيء حتى تاج المُلك! لقد قدم لنا القديس أُغسطينوس أستير مثلاً للذين هم في منصب ولهم مراكز سامية وكبرى ومنهمكون في الأعمال العامة لكن قلبهم منفتح على السماء، إذ يقول: [من هذا النوع السيدة القديسة أستير التي مع كونها زوجة الملك لكنها عرضت حياتها للخطر مستشفعة عن شعبها، إذ صلت قالت بأن الزينة الملوكية بالنسبة لها كخرقة الطامث[26]]. وحين إمتدح القديس جيروم إحدى المكرسات الحديثات للرب، قال: [صارت تبغض كل لباس بهي، وصرخت للرب مثل أستير: "أنت عالم بضرورتي وأنيّ أكره سمة أُبهتي ومجدي – أي الإكليل الذي لبسته كملكة – وأمقتها كفرصة الطامث"[27]]. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إذ صامت أستير مع جواريها ومردخاي وكل يهود شوشن |
بالصوم هربت أستير ومردخاي ويهوديت من مكائد هولفيرنوس |
رسائل بين أستير ومردخاي |
قصة أستير سفر أستير حكاوي كينجو بلغة الاشارة |
دانيال ومردخاي |