وهذه سمة بارزة واضحة في طبيعة هذا الرجل وأخلاقه وكان لابد أن توجد فيه، ويكون عليها، وقد خالف جميع الناس الذين عاصرهم وعاش معهم، ونهج في الحياة بأسلوب يتباعد ويتباين عن أسلوبهم على أن صبر الرجل، يتضح بأجلى بيان في كرازته المستمرة لمن عاش بينهم مدة مائة وعشرين عاماً دون أن يكسب منهم فرداً واحداً لله، ومع ذلك لم ييأس أو يقنط أو يكل في مجهوده معهم وهل يمكن أن يوجد بعد ذلك بين الناس من يضارعه في الصبر والاحتمال والأناة؟ إذا استثنيناه لا شك ذاك الذي لم يعش بيننا صابراً فحسب، بل حمل في صبره آلام الأجيال وخطاياهم في جسده على خشبة العار، ومن ثم استحق أن ينفرد وحده بلقب ابن الإنسان، وأن يكون المثال الأول في الصبر، حتى ليمكن أن يقال: "والرب يهدي قلوبكم إلى محبة الله وإلى صبر المسيح" (2تس 3: 5 ).