تتألف كلمة البشارة ( باليونانية) من كلمتين الحسن والرسالة وهي تعني الرسالة الحسنة او الاعلان الحسن. هذا يشير الى الاعلام الذي اعطي برئيس الملائكة بان كلمة الله سوف يتجسد لخلاص البشر، . جوهريا هذا هو اتمام وعد الله الذي اعطي عند سقوط آدم وحواء . والمسمى بالانجيل الاول . لهذا السبب اعلان تجسد كلمة الله هو اعظم برغ في التاريخ.
الاعلان الحسن، الانجيل او البشارة هو تصحيح للاحداث التي جرت عند بداية خلق الانسان في الفردوس عدن الحسي . هناك بدأ السقوط ونتائجه من امراة وهنا من امراة تبدأ كل الامور الحسنة. وهكذا العذراء مريم هي حواء الجديدة. هناك كان الفردوس حسيا ، وهنا الكنيسة. هناك آدم وهنا المسيح . هناك حواء وهنا مريم . هناك الحية وهنا جبرائيل . هناك وشوشة الحية لحواء وهنا سلام الملاك لمريم . بهذه الطريقة تصحح خطيئة آدم وحواء.
بحسب القديس غريغوريوس بالاماس وغيره من الاباء لقد كانت العذراء مريم ممتلئة نعمة من قبل البشارة وليس انها انتلات نعمة في هذااليوم . كونها قد بقيت في قدس اقداس الهيكل فقد بلغت قدس اقداس الحياة الروحية اي التأله . اذ كان فناء الكنيسة مؤسسا للموعوظين والهيكل للكهنة ، فان قدس الاقداس مخصص لرئيس الكهنة . هناك دخلت مريم العذراء، ما يرمز الى انها بلغت التأله.
وهكذا بلغت مريم العذراء التأله حتى قبل استقبالها رئيس الملائكة . بهذه الطريقة بلغت الاستنارة والتأله. ولهذا السبب اعطيت ان تكون والدة المسيح وان تعطي جسدها للمسيح . هي لم تملك مجرد الفضائل بل نعمة الله المؤلهة.
لقد حازت العذراء مريم ملء نعمة الله بالمقارنة مع غيرها من الناس.بالطبع ، المسيح ، ككلمة الله حاز كامل النعم ، وقد اكتسبت العذراء مريم ملء النعمة من كامل مل نعمم ولدها . لهذا السبب، هي دون المسيح بالمقارنه معه، لان المسيح حائز على النعمة بالطبيعة ، بينما مريم حائزة عليها بالمشاركة بالمقارنة مع المؤمنين ، انها اعلى منهم .
لقد اكتسبت العذراء مريم ملء النعمة من كامل نعم ولدها قبل الحبل وفي الحبل وبعد الحبل . قبل الحبل ، مل النعمة كان كاملا وفي الحبل ازداد كمالا، وبعد الحبل صار اكثر كمالا .
ليس من انسان مولودا متحررا من الخطيئة الاصلية .لقد ورث الجنس البشري سقوط آدم وحواء ونتائج هذا السقوط . كلمة الرسول واضحة : " الجميع أخطاوا واعوزهم مجد الله" ( روما 3 : 23).
يجب ان نتذكر ان الخطيئة الاصلية هي الحرمان من مجد الله والتغرب عنه وفقدان الشركة معه. ولهذا الامر مفاعيل حسية لان الفساد والموت دخلا الى جسدي آدم وحواء.
ولدت العذراء مريم بالخطيئة الاصلية وورثت في جسدها كل نتائج الفساد والموت . بدخولها الى قدس الاقداس بلغت التأله. هذا التأله لم يكن كافيا ليحررها من نتائج السقووط وهذا بالضبط لان الطبيعة الالهية لم تكن قد اتخدت بعد مع الطبيعة البشرية في اقنوم الكلمة. وهكذا ، وعند لحظة اتحاد الطبيعتين الالهية والبشرية في رحمها بقوة الروح القدس، تذوَقت التحرر من الخطيئة الاصلية ونتائجها .
الى هذا ، فالسقوط تم في اللحظة التي فيها فشل آدم وحواء في جهادهم الشخصي الحر. ولهذا السبب، في لحظة البشارة ، بلغت العذراء مريم حالة اعظم من تلك التي كان عليها آدم وحواء قبل السقوط. لقد اعطيت ان تتذوَق غاية الخليقة وهدفها.
لقد تحررت من الخطيئة الاصلية ليس بمعنى انها تحلصت من الذنب بل قد بلغت التأله بنفسها وتجسدها بسبب اتحادها بالمسيح .
في هذه الاطر ينبغي تفسير كلام القديس يوحنا الدمشقي بان العذراء مريم في يوم البشارة تلقت الروح القدس الذي طهرها واعطاها قوة تقبَل الوهية الكلمة مع قوة الولادة في وقت واحد . اي ان العذراء تلقت الروح القدس نعمة مطهرة ولكن ايضا نعمة لتتقبل كلمة الله كانسان وتكون قادرة على ولادته.
فلانها بلغت التأله كان من المستحيل ان ترفض ارادة الله والا تقبل بالتجسد. لقد كان عندها الحرية الكاملة ولهذا فقد عملت حريتها دزما طبيعيا وليس بخلاف الطبيعة . نحن عندنا حرية غير كاملة لاننا لم نبلغ التأله ، ارداتنا العنيدة ولهذا نحن نتردد في ما نقوم به. سؤالها " كيف لي هذا وانا لم اعرف رجلا" ( لوقا 1: 34) ، يظهر الاتضاع وضعف الطبيعة البشرية، لكنه ايضا ظهر غرابة الامر اذ قد كان في العهد القديم ولادات عجائبية ولكن ليس من دون زرع .
لقد تم في يوم البشارة حمل مباشر بالمسيح بقوة وفعل الروح القدس . هذا يعني ان الحمل لم يحتاج لساعات وايام لكنه حدث بالضبط في تلك اللحظة . رئيس الملائكة جبرائيل اخبر يوسف خطيب والدة الاله :" لاتخف ان تأخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح ( متى 1: 20) لقد ولدت العذراء مريم المسيح كانسان لكن الحبل به كان من الروح القدس.
يقول القديس باسيليوس الكبير في تفسيره لعبارة " مولودة من الروح القدس" :" ان كل شيء صادر عن شيء غير يدل عليه بكلمات ثلاث . الاولى هي بالحق اي خلق الله العالم بقوته. الثانية هي بالولادة" اي كما ولد الابن من الآب قبل الدهور . الثالثة هي طبيعيا" تماما كما تصدر القوة من كل طبيعة اي الاشراق من الشمس ، وبشكل اكثر تعميما العمل من فاعله ، في ما يتعلق بالحبل بالمسيح بالروح القدس ، فالتعبير الصحيح هو انه حبل به بالمسيح بقوة الروح القدس بالخلق وليس بالولادة وليس بالولادة ولا طبيعيا ، بالتالي لم يخلق الروح القدس جسد المسيح وحده بل الآب ايضا والابن ، اي كل الثالوث . التعبير عن هذه الحقيقة هو ان الآب ايد تجسد ابنه ، وابن الله وكلمته بذاته اجترح تجسده والروح القدس انجزه.
ان اتحاد الطبيعة الالهية والبشرية في اقنوم الكلمة ، في رحم العذراء يشمل تأله الطبيعة البشرية المباشر . هذا يعني انه منذ اللحظة الاولى، عندما اتحد الالهي بالطبيعة البشرية بدأ تألهها.. هذا يعني انه لم يكن هناك فارق زمني بين الحمل بالطبيعة البشرية وتألهها ، بل هذا تم فورا عند الحمل .
نتيجة لهذا الحدث ينبغي تسمية العذراء مريم والدة الاله بالفعل ولدت الاله الذي حملته اتسعة اشهر في رحمها ، وليس انسانا حاملا نعمة الله. لهذا السبب تسمى العذراء مريم والدة الاله وبالتحديد لانها حملت المسيح بالروح القدس.
لم يكن هناك فترة زمنية بين التكون ورسم الاعضاء . يقول القديس باسيليوس الكبير :" مباشرة ما تكوَن كان كاملا في الجسد، لم يتكوَن الشكل تدريجيا".
ان الحمل بالمسيح وحمله في الرحم وولادته هي كلها بلا جهد ولا ألم ولا لذة . اذا المسيح حبل به ، وحمل في الرحم كطفل وولد من دون لذة من دون كدح ومن مود ألم . لقد حبل به من غير زرع لسبيين ، الاول ليحمل طبيعة البشر الصافية ، والثاني ليولد من دون فساد وبطريقة لا الم فيها
بنفس الطريقة التي ولدت مريم العذراء بيسسوع من دون لذة ، كذلك حفظته في رحمها طوال 9 اشهر من دون جهد ولا وزن . لم تحس بوزن بالرغم من ان الطفل الالهي كان ينمو بشكال طبيعي وله وزن جنين .
ان ميلاد المسيح لم يؤذ غذرية والدة الاله ، لان الحمل لم يتم بلذة والحمل في الرحم لم يتم مع جهد . حيث يعمل الروح القدس " يغلب نظام الطبيعة" .