فيروس واحد كان السبب في ظهور فيروساتٍ كثيرة
لطالما شكّلت السنة الطقسيّة مسيرة إيمانيّة كنسيّة نعيش من خلالها إلتزامنا المسيحيّ متأمّلين بحياة السيّد المسيح، محتفلين بميلاده وعماده وصومه وآلامه وموته وقيامته…
لكن أن يدخل على هذه السنة الطقسيّة زمن جديد، فارضًا نفسه وليتورجيّته ونظرياته العقائديّة، واضعًا الكنيسة وأبنائها ورجالها أمام معضلاتٍ لاهوتيّة ورعويّة واجتماعيّة جديدة وملحّة، أمرٌ لم يكن في الحسبان، عنيتُ به “زمن الكورونا”. زمنٌ طقسيٌّ جديد، اختلط مع زمن الصوم وأسبوع الآلام، فإذا بالكنيسة الفيسبوكيّة، تتأهّب للبشارة والتعليم والاحتفال.
ما كتبته وما سأكتبه لا أقصد به الاستهزاء وإن بدا هكذا، إنّما يهدف للتفكير والتوقّف عند بعض الأمور التي وصلت إلى حدّ الانحراف إن صحّ القول. فالكنيسة الفيسبوكيّة كنيسة مفتوحة على مصراعيها، يدخلها من يشاء ويتركها من يشاء وساعة يشاء، ويشترك فيها من حيث ما يشاء. الجديد فيها أن المؤمن الملتزم يمكنه أن يمزج احتفالاتها “بكوكتيل” منوّع، كأنّي به ينتقل من قناة تليفزيونيّة إلى أخرى ويختار ما يعجبه من المسلسلات والبرامج، حسب جمال المقدّم وحبّه للممثّلين والمخرجين.
وما أدراك بالمخرجين، إنهم رعاة هذا الزمن الكورونيّ، مبدعين خلّاقين، تخطّوا في إبداعاتهم يوسف شاهين وما سواه مّمن أبدعوا في هذا المجال. وما أدراك بالتأوّهات والعظات البطوليّة التي تتحدّى هذا الزمن، وكأنّي بجيشٍ من الأنبياء المرسلين لخلاص البشريّة وتبكيتها في هذا الزمن الرديء، ولكلِّ نبيٍّ أتباعه من سيّدات الأخويّة والشبيبة الطيّبين، هاتفين كأطفال بيت لحم لراعيهم الفيسبوكيّ “سلّم تمّك يا أبونا، الله يخليك بهالهمّة”.
ناهيك عن الحلقات التعليميّة والسهرات الإنجيليّة الفيسبوكيّة وما شابه من دروسٍ لاهوتيّة واجتماعاتٍ رعائيّة، ناشطة أكثر ممّا كانت عليه يوم كان اللقاء مع الآخر من الأمور المسلّم بها، قبل خطر كورونا ومحاذيرها. وهذا النشاط الرعويّ الكورونيّ فرض نفسه، ولكنّه كمن يشتري السمك في البحر، أحلامٌ ووعود وعواطف جيّاشة تختتم دومًا بعبارة “اشتقنا ما اشتقتو”.
شكرًا يا زمن الكورونا، إنّ فيروسًا واحدًا كان السبب في ظهور فيروساتٍ كنسيّةٍ كثيرة، تشبه في تكوينها الكورونا، فهي متفشّية ويحملها الكثيرون دون علمهم بها، ينقلونها بالعدوى للآخرين، والضحايا دومًا، من ليس لديهم المناعة الكافية، وما أكثرهم من أبناء كنيستي.
فيا أيها القيّمون على أزمنة الكنيسة ودورانها، ليتكم تحذون حذو وزارتي الصحة والداخليّة في زمن الكورونا، وتفرضون حظر احتفالاتٍ ونشاطاتٍ فيسبوكيّة موبوءة، وتلاحقون كلّ من يتسبّب بالعدوى لتفرضوا عليه الحجر القسريّ، علّ هذه الأوبئة تزول تدريجيًّا، بانتظار اللقاح الذي تأخّر اكتشافه وربّما لن تكتشفوه، لأنّكم هجرتم مختبراتكم الروحيّة واكتفيتم ببيع الأدوية الروحيّة “الجينيريك”، وما على الرسول إلّا البلاغ.