رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإفخارستيا، هل تقينا من الفيروسات والأمراض؟
نشهد اليوم جدلاً قديمًا جديدًا حول العلاقة بين القربان المقدّس والأوبئة والأمراض خصوصًا مع بروز فيروس الكورونا المستجدّ وإصدار قرارات لإقفال بعض الكنائس في أماكن عديدة ككنيسة سان لويس في روما (أقفلت أبوابها منذ 1 آذار بعد إصابة الكاهن بالكورونا)، وكنائس إقليم واز Oise في فرنسا الّذي شهد انتشارًا واسعًا للإصابات بالفيروس وغيرها من الكنائس على امتداد المناطق الّتي تشهد تفشّيًا للكورونا. لقد أحدث انتشار عدوى الكورونا نزاعات عدّة بين المؤمنين من مختلف الكنائس حول التدابير الّتي وجب أو يجب اتّخاذها للوقاية من الإصابة به. يمكننا أن نقرأ عشرات المقالات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الجدل المتعلّق بالمناولة في الكنيسة الأورثوذكسيّة وإذا ما كان يجب استبدال المناولة بالملعقة بالتناول بأساليب أخرى. ولم تسلم الكنيسة المارونيّة من هذه الجدالات خصوصًا مع قرار مجلس الأساقفة برئاسة غبطة البطريرك باستبدال المناولة في الفم بالمناولة في اليد ولو كان هذا التدبير مؤقّتًا. وهنا، برزت اجتهادات روحيّة تقول بأنّ القربان هو دواء يصدّ الفيروس وكلّ الفيروسات. وقد نادى بعض المؤمنين بضرورة القيام بزيّاحات القربان في الرعايا كما في الجوّ درءًا لتفشّي الوباء. وممّا زاد النقاش حدّة هو إعلان شابّة عن أنّ القدّيس شربل ظهر لها وطلب منها أن تأخذ ترابًا من قبره وتغليه وتصفّيه، ثمّ تنقله إلى مستشفى رفيق الحريري في بيروت لمعالجة المصابين بفيروس الكورونا. كيف يمكننا أن نقارب العلاقة بين القربان المقدّس والأوبئة بشكلٍ عامّ؟ هل يصحّ إيمانيًّا اعتبار القربان دواءً لأمراض الجسد؟ هل يَقي القربان من كلّ ما قد يعرّض صحّة الإنسان للخطر؟
لقد اهتمّ المكرّم الشاب كارلو أكوتيس (لقد وقّع مؤّخّرًا البابا فرنسيس دعوى تطويبه) بالمعجزات الإفخارستيّة حول العالم والّتي اعترفت بها الكنيسة الكاثوليكيّة، وهي قد بلغت 136 معجزة. تخبر الغالبيّة القصوى لهذه المعجزات عن تحوّل الخبز إلى دمّ وكأّنه دم إنسان. لا نجد بين هذا العدد من المعجزات سوى القليل الّتي تتحدّث عن معجزات متعلّقة بأحداث طبيعيّة كبرى مثل الزلازل والمجاعات والأوبئة، نذكر منها على سبيل المثال: – أعجوبة إطفاء حريق درونيرو في إيطاليا سنة 1631. – أعجوبة توقّف الطاعون عن “كافا دي تيرني” في أيطاليا سنة 1656. – أعجوبة نجاة قرية “مورن روج” في جزيرة مارتينيك من البركان سنة 1902. – أعجوبة توماكو في كولومبيا سنة 1906 حيث، وبفضل القربان المقدّس، تمّ إنقاذ الجزيرة من خطر التسونامي. من المفيد أن نذكر أيضًا بأنّ عدد من معجزات الإفخارستيّا ترتبط بعبادة قلب يسوع وعدد آخر مرتبط بظهورات للعذراء مريم (سيّدة فاطيما في البرتغال، سيدة بيلار في إسبانيا…).
1- مفهوم “المعجزة” – لم يعتبر يسوع نفسه “صانع معجزات”. لقد ارتبطت المعجزات الّتي قام بها برسالته والّتي اختصرها بالدعوة إلى التوبة لأنّ “ملكوت الله قد اقترب” (متى 4/ 17). فالمعجزات تهدف إلى دفع الإنسان لفهم رسالة الملكوت وللتوبة، أي لتغيير مسار الحياة من عيش في الخطيئة إلى العيش في كنف النعمة. – كانت تصحب أقوال يسوع وتعاليمه العديد من “المعجزات والعجائب والآيات” (أع 2/ 22). تهدف هذه الآيات إلى دعوة الناس للإيمان به وبأنّ الآب أرسله (يو 10/ 25 و38). لقد أعلن لرسله الإثني عشر: “إشفوا المرضى، وأقيموا الموتى، وأبرئوا البرص، واطردوا الشياطين…” (متّى 10/ 8) وما هذه الدعوة إلاّ استكمالاً لرسالته ذاتها. فالملكوت الّذي دشّنه المسيح بتجسّده وتمّمه بموته وقيامته على أن يختمه في مجيئه الثاني، عليه أن يستمرّ من خلال الرسل وخلفائهم لكي يتحقّق باستمرار في كلّ مكانٍ وزمان. 2- المعجزة والمرض – يروي لنا الإنجيل كيف أنّ يسوع شفى مئات المرضى. ولكن، ماذا حصل لكلّ هؤلاء المرضى؟ هل بقوا سالمين ومعافين طيلة حياتهم؟ ألم يمرَضوا لاحقًا؟ ماذا حصل للعازر الّذي أقامه من الموت؟ ألم يمُت ثانيةً من دون أن يقم من الموت مجدّدًا؟ ماذا حصل للأعمى، وللأبرص، وللأصمّ، وللمخلّع، ولغيرهم؟ ألم يمرَضوا من جديدٍ وماتوا؟ – واليوم، ماذا يحصل مع كلّ الّذين يُشفَون بشفاعة هذا القدّيس أو غيره؟ ألا يصيبهم مرض جديد؟ – هذا الشاب كارلو أكوتيس (+2006)، قدّيس القربان، ألم يَمت من السرطان وهو لم يبلغ من العمر 15 عامًا بالرغم من أنّه كان يشارك في الذبيحة الإلهيّة كلّ يوم؟ وهذا القدّيس شربل، ألم يُصاب بالفالج حين كان يرفع القربان المقدّس على المذبح؟ – يمكننا إذًا أن نستنتج ما يلي: المعجزة هي عملٌ إلهيّ مؤقّت، لفترةٍ مؤقّتة ومن مرضٍ مؤقّت. لا يوجد معجزات أبديّة إلاّ معجزة القربان وقيامة يسوع من بين الأموات وبعض المعجزات المرتبطة بسرّ الفداء (إنتقال مريم بالنفس والجسد…). – فالمعجزة ليست هدفًا، إنّما علامة من الله. إنّها رسالة تقول بأنّ الله معنا. يجب فهم علاقة الإيمان بالمعجزة في هذا الإطار. – لم يأتِ يسوع ليلغي كلّ الشرور والألم والموت وليمنع حدوث الزلازل والحروب والأوبئة. وهو أصلاً لم يعدْنا بذلك. لقد أتى يسوع ليحرّر الإنسان من عبوديّة الخطيئة وليس ليمنع عنّا المجاعات والأوبئة: “وتكون مجاعات وزلازل وأوبئة في أماكن” (متى 24/ 7ب) (راجع أيضًا كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، عدد 549). 3- المعجزة بين الإيمان والعقل – المعجزات هي علاماتٌ لا يمكن فهم معناها إلاّ بعين الإيمان. لا يستطيع أيّ طبيبٍ أن يعلن شفاءً ما بواسطة تدخّل إلهيّ. هو يحصر دوره بتأكيد أنّ الشفاء الحاصل “غير مبرّر” علميًا أو طبّيًا. أمّا الإعلان عن “شفاء-معجزة” فهو من صلاحيّات الهيئات الكنسيّة المختصّة الّتي تعيّنها السلطات الكنسيّة والّتي تتوصّل إلى هذا الإعلان بعد دراسةٍ معمّقة لحدث الشفاء-المعجزة في ضوء الدراسات الطبّية والنفسيّة الحديثة.
– تؤمن الكنيسة حقًّا بأنّ الله قادر على إحداث معجزات إمّا بواسطة القربان المقدّس أو بشفاعة قدّيسيه ومؤمنيه. فهو حرّ في صنع المعجزات كيفما كان ومتى أراد وكيفما أراد. – المعجزة الكبرى الّتي يستمرّ الله في صنعها منذ أكثر من ألفَي عام هي معجزة القربان. فهو يبقى منبع وقمّة الأسرار كلّها ومعجزة المعجزات. – يستند الإيمان المسيحيّ أوّلاً وأخيرًا على حدث موت الربّ وقيامته. فهذا هو عربون فدائنا. أمّا معجزات الشفاء هي علامات ذات معنى روحيّ (شفى يسوع الأعمى لكي يعلّمنا أنّه هو، أي يسوع، نور العالم. شفى المخلّع ليعلّمنا أنّه الطريق. شفى الأصمّ ليعلّمنا أنّه الحقّ. أقام الموتى ليعلّمنا أنّه الحياة…) وهي ثانويّة بالنسبة لحدث الفداء الذي يتجدّد باستمرار من خلال سرّ القربان. – لا يلغي هذا الإيمان (بقدرة المسيح على صنع المعجزات) أبدًا ضرورة التقيّد بالإرشادات الطبّية وبالاستفادة من العلوم على أنواعها لاكتشاف سرّ حضور الله فينا ومعنا (العلم والإيمان جناحان كما قال القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني). كما لم يصدِر البابا فرنسيس أيّ توجيه خاصّ بضرورة عدم التقيّد بالإرشادات الوقائيّة لتدارك عدوى الكورونا. – ليس الإيمان “ضربًا من السحر”! فالمرأة النازفة لمست يسوع في حين كان المئات يزحمونه. إذًا ليس كلّ من يلمس يسوع يشفى جسديًّا. – إنّ المناولة هي بالأساس لغفران الخطايا وعربون الحياة الأبديّة قبل أن تكون لردع الأمراض الجسديّة على أنواعها (راجع كلمات صلاة “أهّلنا أيّها الربّ الإله…” الّتي تتلوها الجماعة قبل التقدّم من المناولة في الطقس المارونيّ). – وتبقى لكلمة الربّ يسوع للشيطان المجرّب ” مكتوبٌ أيضًا لا تجرّب الربّ إلهك” (متّى 4/ 7) صدًى في ضمائرنا تحثّنا على الإتّضاع أمامه وتعلّمنا كيف ننمو في خطّ الإيمان القويم، له المجد ولأبيه ولروحه القدّوس، إلى الأبد! |
|