استقبال يسوع
نحن اليوم في بهجة استقبال يسوع إذ نقيم ذكرى دخوله إلى أورشليم. قد أراده دخول احتفاء، ولكنه ما أراده دخول فاتح بالرغم من السرور، بل دخول إنسان مُعدّ للموت. ولهذا بعد أن أقام العازر في بيت عنيا، وبعد ان انكفأ في بيت عنيا القريبة من أورشليم عند أصدقائه، كان لا بدّ له أن يكمل الشوط وأن يدخل في سرّ آلامه.
لم يدخل فاتحًا ولم يركب حصانًا ولكنه ركب حمارًا صغيرًا كما يقول الكتاب، «جحشًا ابن أتان»، حتى تتم الكلمة المكتوبة في النبي قديمًا: «يا ابنة صهيون -أي يا أورشليم- هوذا ملكُك يأتيك راكبًا على جحش ابن أتان» (زكريا ٩: ٩). والقوم يستقبلونه مرتلين قول داود: «مباركٌ الآتي باسم الرب»، والآتي باسم الرب دائمًا يدخل متواضعًا، والجحش يرمز إلى فقر يسوع وتواضعه.
ثم يقول الإنجيل مردّدًا أيضًا آية من داود: «من أفواه الأطفال والرضّع هيأتَ التسبيح»، هيأت هذه التسبحة التي يردّدها الأطفال: «أُوصَنّا» أو «هوشعنا»، أي الله خلّصنا، وكأنّهم عرفوا أن الله مخلّصهم الآن بهذا الفادي الذي سيُعطي العالم النجاة. الأطفال يعرفون الخلاص، أي الذين تنقّت قلوبهم ليصيروا كالأطفال، هؤلاء الذين انسحقوا وذابوا، هؤلاء الذين أرادوا من الله البقاء معه بعد أن عرفوا معاصيهم، هؤلاء يستطيعون الآن أن يرنّموا: يا الله خلصنا فقد هلكنا. وأنت إذ تدخل، ليس أورشليم، بل تدخل قلوبنا، تدخلها متواضعًا لكي تُدرّبنا على التواضع العظيم.
فيما العالم في حروب وقتال، وفيما الناس يُبغضون الناس ويظلمون الناس، تبقى هذه الأمثولة أن الخلاص يأتي به الفقراء إلى ربهم، الذين لا يظلمون أحدًا ولا يتعدّون، ولكنهم يروّضون أنفسهم على طاعة الله وعلى المحبة.
عند المحنة يُعرَف المؤمن. المؤمن هو الذي يحبّ بالرغم من كلّ ما جرى من سيّئات، هو الذي يغفر للظالمين والمعتدين لأن شأنه أن يغفر. نحن لا نركب خيلًا، أي لا نستكبر ولا نتعظّم، ولكننا نقبل الموت ونقبل الانسحاق في سبيل الله الذي قَبِلَ كلّ ظلم من أجلنا نحن.
اليوم سوف يُطهّر المسيح الهيكل. دخل لأجل ذلك. وهو يُطهّر هياكل نفوسنا من باعة الحمام والصيارفة، اي يُطهّر نفوسنا من الشهوات التي بها نبيع الله ونخون الله. والمهم أن يتراءى لنا الأقنوم الذي انبلج على صليب يسوع وعند القيامة. بالصليب سوف نتعلّم ان النصر هو على مستوى القلب، وأن الإنسان لا ينتصر بالقوّة، وأن أتباع يسوع ما كُتب لهم ان ينتصروا ولكنهم ظافرون بالحبّ وظافرون بالغفران في كلّ وقت وبنوع خاص اليوم. ولهذا سوف نكمل الدرب بعد ان قال لنا: «أَحبّوا بعضُكم بعضًا كما أنا أَحببتُكم»، وهذه الوصية ننفذّها اليوم.
إن لم ينتصر يسوعُ فينا في نفوس خاشعة، متواضعة، منسحقة أمامه وأمام الناس، تكُن ديانتنا مجرد كلام.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)