لعيش حياة سعيدة ما زالت صالحة حتى اليوم
إذا كنت تعتقد أن السعادة شيء يحدث لك فأنت مخطئ بحسب الفلسفة اليونانية. حتى لو كانت الفلسفة الأرسطية لا تتجاهل حقيقة أن هناك أشياء معينة تقع خارج نطاق العمل البشري ونسميها الحظ إلّا أن معيار الحياة الجيدة يكمن في مدى قدرتنا على العيش بطريقة صحيحة من خلال العمل على ذلك وهنا لا مكان للحظ.
ليس من المفترض أن يكون العمل دائما بطوليا فإن مهمة الإنسان اليومية لا تقتصر على الأعمال البطولية بل تشمل عيش حياة بسيطة.
السعادة ليست مجرد شعور. الكلمة اليونانية للسعادة ” eudaimonia ” يمكن ترجمتها بالتحلّي بروح جيدة أو ان يكون المرء تحت تأثير روح جيدة.
من هذه النّقطة بالتحديد تنطلق نظرية أرسطو. إن وجود روح جيدة لدى الإنسان يشبه تحلّي سكين بحد مسنن قادر على القطع. لا يمكن وصف سكين بالجيد إذا لم يكن قادرًا على القطع. إن كان القطع يجعل من السكين مفيدًا فما هو النشاط الذي يجعل من الإنسان مفيدًا؟
أرسطو كان سيجيب على هذا السؤال قائلا إنه حتى لو كنا نتشاطر بعض السمات المشتركة مع النباتات والحيوانات (نحن جميعا نأكل وننمو ونتكاثر) ما يميزّ الإنسان هو قدرته على التفكير.
هذا الجزء العقلاني من الروح هو ما يمكن أن نعتبره “هوية الشخص” ودليل إنسانيته. وهذا يعني أن النشاط السليم للإنسان هو التفكير العقلاني. والتفكير العقلاني المترجم من الناحية العملية ينطوي على الأعمال السليمة والفاضلة.
خلاصة القول: تماما كما يمكن اعتبار السكين “سكينا جيدا” لأنه يقطع بشكل جيد وبدون عناء يمكن أن يسمى إنسان “جيدًا” إذا كان يعيش بعقلانية وبفضيلة.
قد يعتقد البعض أنّه من المستحيل تطبيق هذه النّظرية إلّا أن أرسطو قد يقول خلاف ذلك ويعد تطبيقها سهلًا من خلال بناء عادات على أساس قاعدة بسيطة واحدة: عندما تواجه خيارين فاختر الوسطي بالنسبة لك. أي لا المفرط ولا المعيب وفقا لقدراتك الخاصة. لذلك إذا كنت ملاكم فسيكون قتال تايسون الشيء الذي من المفترض أن تفعله. أما إذا كنت لاعب كرة قدم فخيار قتال تايسون لن يكون الأفضل في حياتك المهنية (حتى لا تحاول ذلك).
إنها الحكمة وفقا لأرسطو: القدرة على تمييز الشجاعة من خلال الاختيار ما يكمن في وسط ما هو مفرط وما هو معيب في كل حالة.
الحكمة هي مفتاح السعادة: فإنها تساعدنا على الاختيار بين التبذير و البخل (أي السخاء) أو بين التفاخر و الإهمال (أي الصدق) أو بين الغموض و المشاجرة (أي الود).