فى يوم من الأيام , وفى إحدى محطات القطار , أطلقت صفارة القطار مؤذنة بموعد الرحيل .. صعد كل الركاب إلى القطار الذى لم يتحرك بعد ..
فلما صعد ذلك الشيخ الوقور إلى القطار , وجد كل الركاب قد أخذوا الأماكن كلها ولم يعد هناك مكان خال للجلوس .. توجه الشيخ إلى المقصورة الأولى فوجد فيها شباباً يلعبون مع بعضهم البعض ..فسلم عليهم .. فتهللوا لرؤية ذلك العجوز ووجهه الذى يشع هيبة ووقاراً وردوا عليه: " قائلين أهلاً أيها الشيخ .. سعدنا برؤيتك ".. فسألهم " هل تسمحون لى بالجلوس ؟"
فأجابوه:" نحن شباب نمرح مع بعضنا البعض نخشى ألاتجد راحتك معنا إذ قد نسبب لك إزعاجاً .. كما أن وجودك معنا قد يقيد حريتنا , اذهب إلى المقصورة التالية , لعلك تجد فيها مكاناً خالياً فالكل يود أستقبالك "..
فتوجه الشيخ الوقور إلى المقصورة الثانية ليجد فيه طلاب دراسة يبدو أنهم فى آخر مرحلتهم الدراسية , وهم فى نقاش حار عن النظريات الفيزيائية والرياضيات , فسلم عليهم .. فرحوا برؤية ذلك الشيخ الوقور ورحبوا به وأبدوا سعادتهم بروؤيته.. فسألهم " هل تسمحون لى بالجلوس ؟"
فأجابوه :" لنا كل الشرف بمشاركتك لنا المقصورة ولكن نحن مشغولون بالحديث عن إمتحاناتنا ودراستنا . فأحياناً يغلبنا الحماس فترتفع أصواتنا , ونخشى أن نزعجك فلا ترتاح معنا .. ولكن توجه إلى المقصورة التى تلينا , لعلك تجد مكاناً تجلس فيه هناك .. فكل من يرى وجهك الوضاء يتوق لنيل شرف جلوسك معه " ..
مرة أخرى توجه الشيخ إلى المقصورة التى بعدها , فوجد شخصان ينظران إلى خرائط وتقارير ومشاريع ويتبادلان وجهات النظر حول خططهم المستقبلية لتوسيع تجارتهم فألقى عليهما سلاماً , فتهللا لرؤية ذلك الشيخ الوقور , فسألهما إن كانا يسمحان له بالجلوس .. فقالا له : " لنا كل الشرف فى مشاركتك مقصورتنا , لكن كما ترى نحن فى بداية تجارتنا وبالنا مشغول بتحقيق ما نحلم به من نجاح وحديثنا كله عن التجارة والمال ونخشى أن نزعجك بهذا فلا تشعر معنا بالراحة .. اذهب إلى المقصورة التى تلينا فكل الركاب يتمنون مجالستك " ..
وهكذا تنقل الشيخ , حتى وصل إلى آخر مقصورة فى القطار , وهناك وجد فيها عائلة مكونة من أب وأم وأبنائهم , ولم يكن فى المقصورة أى مكان شاغر للجلوس فألقى عليهم سلاماً .. وهنا استقبله الجميع بالسلام الحار ..
وقبل أن يسألهم السماح له بالجلوس , طلبوا منه أن يتكرم عليهم ويشاركهم مقصورتهم .. هرع الأب إلى اصدار أوامره , فأمر ابنه الأصغر بالجلوس فى حضن أخيه الاكبر .. وأزاح الحقائب عن الطريق وأفسحوا مكاناً للشيخ الوقور ليجلس معهم . وأخيراً جلس الشيخ الوقور على الكرسى بعد ما عاناه من كثرة السير فى القطار .
وبعد قليل توقف القطار فى إحدى المحطات وصعد إليه بائع الأطعمة فناداه الشيخ وطلب أن يعطى كل أفراد العائلة التى سمحت له بالجلوس معهم كل ما يشتهون ..وأكل معهم وسط نظرات ركاب القطار الذين كانوا يتحسرون على عدم ترحيبهم بجلوس ذلك الشيخ معهم ..
ثم صعد بائع العصير إلى القطار فناداه الشيخ الوقور وطلب منه أن يعطى كل إفراد العائلة ما يريدون من العصير والمشروبات على حسابه وشرب معهم .. وبدأت نظرات ركاب القطار تحيط بهم أكثر وبدأوا يتحسرون أكثر على تفريطهم فى الترحيب به ؛؛ ثم صعد بائع الصحف والمجلات إلى القطار , فناداه الشيخ الوقور وطلب منه أن يعطى مجلة لكل فرد من أفراد العائلة لكى يقرأوا ويستمتعوا برحلتهم , وكل ذلك على حسابه .. ومازالت نظرات الحسرة على وجوه كل الركاب ولكن لم تكن هذه هى حسرتهم العظمى ..
فقد توقف القطار فى المدينة المنشودة واندهش كل الركاب للإستقبال الحافل الذى منى به هذا الشيخ الوقور .. فقد طُلب من جميع الركاب بأن يلبثوا فى أماكنهم حتى ينزل هذا الضيف الموقر من القطار .. وعندما طلب منه النزول رفض أن ينزل إلابصحبة العائلة التى استضافته ؛؛
وهنا تحسر الركاب على أنفسهم تحسراً عظيماً ؛؛
ترى من كان هذا الشيخ ؟ لقد كان محافظ البلد الجديد ؛؛
إن هذه القصة خاصة بكل واحد منا .. فكلنا قد عايش مثل هذه القصة لحظة بلحظة
الشيخ الوقور يشير إلى الرب يسوع مخلص البشرية , والجميع مشغول عنه : بالدراسة , بالواجبات والامتحانات , بالعمل وبالزواج والأولاد ..
العمر يمضى ونحن نردد :
((( غداً سأهتم بأبديتى ولكن بعد أن أفرغ من هذه " .. أو ربما يقول البعض : " مازلت صغيراً , وسأهتم بخلاصى بعد أن أكبر وأتفرغ لأمور اللـه أو بعد أن أحصل على وظيفة ))) .. بعد أن ... بعد أن .. بعد أن ..
لكن .. احذر أن يضيع العمر ويصل القطار إلى محطة الأبدية دون أن تقابل السيد الرب وتفرح بصحبته ..
لقدس أبونا المحبوب القمص تادرس يعقوب ملطي