المحبة التي لا تطلب ما لنفسها تنال الجزاء السماوي
كلنا نطلب الجزاء السماوي، وطريقنا إليه هو خدمة الآخرين وطلب ما هو لغيرنا. وخير نموذج لذلك هو مخلصنا العظيم، الذي عندما «وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ، مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ، لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ، لِمَجْدِ اللهِ الآبِ» (فيلبي 2: 8-11). فالذي يطلب ما هو لغيره، وليس ما هو لنفسه، ويكرم الآخرين، يكرمه أبوه السماوي، كما أكرم الآب الابن الذي بذل نفسه لأجل البشر الخطاة.
تعالوا بنا نسير في خطوات المسيح، لنكون من أهل اليمين، الذين يقول لهم الملك: « تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ» فيقول الأبرار: « يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ» (متى 25: 34-40). فالرب يحسب لك كل لمسة خير وحب مهما كانت متواضعة، ويردها لك بركةً عظيمة، ليس فقط على الأرض، بل كميراث أبدي أعده لك منذ تأسيس العالم، فإن « مَنْ سَقَى أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متى 10: 42).
قدم رسول المحبة بولس نصيحة جميلة لقسوس كنيسة أفسس ختمها بكلمات قالها الرب يسوع، وهي كلمات لم يسجلها أحدٌ من البشيرين الأربعة. قال: « فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 33-35) وهنا يوصينا الرسول بولس أن نحب بالمحبة التي لا تطلب ما لنفسها، عملاً بوصية المسيح أن العطاء أفضل من الأخذ. وقدَّم المسيح المثال في ذلك لما بذل نفسه عنا. وقدَّم بولس أيضاً المثال فلم يطلب ما لنفسه، بل خدم واحتمل لأجل حاجات الآخرين، ولذلك بارك الرب بولس. وظلت تعاليمه التي أوحى بها الله بروحه القدوس إليه توجِّه المؤمنين إلى يومنا هذا، وحتى يجيء المسيح ثانية، وترشدهم ليعرفوا إرادة الله لحياتهم وحياة المحيطين بهم.