شمولية الوحي
نقرأ في رسالة تيموثاوس الثانية 16:3 قول بولس الرسول بالوحي:" باسا جرافي ثيوبنوستوس"، أي" كل الكتاب موحى به من الله". وهذا يشمل الأسفار الستة والستين الموجودة معنا اليوم. كذلك فإن هذا القول يشير إلى أن كل الكتاب، وليس فقط مقاطع محددة منه، موحى به من الله نافع للبشرية جمعاء.
هل الكتاب المقدس كلمة الله؟
تعرّض الكتاب المقدس، وعلى امتداد العصور التاريخية المختلفة إلى هجمات كثيرة، ومع ذلك فقد صمد الكتاب، وتحطمت أمامه كل الآراء والنظريات التي تهاجم سلطان ووحي وعصمة الكتاب المقدس، ويستطيع الباحث عن الحق أن يتأكّد من أنّ الكتاب المقدس هو إعلان الله الأزلي من خلال الأدلّة التالية التي تبيّن أنّ الكتاب المقدس هو كلمة الله، علماً بان هذه الأدلّة ليست البرهان الوحيد على أنّ الكتاب المقدس هو بالحقيقة كلمة الله:
1. الله حي. وهو الخالق الأزلي ( مزمور 1:90-2 )، والله يريد أن يعرفه العالم ويعرفوا مشيئته ووصاياه وإعلاناته وخطته للعالم، وبالتالي لا بد من وجود إعلان سماوي من الله للناس لمعرفة طبيعته وإرادته وعلة وجود الناس وقصد الله النهائي من الخليقة. وإعلان الله للناس تم أولاً بالطبيعة، ثم بالكلمة الموحى بها في الكتاب المقدس، وأخيراً جاء الرب يسوع المسيح وأعطانا الإعلان الكامل عن الله.
2. يجسّد الله كل ما هو كامل وصالح وقدوس ومجيد وجليل ومهيب وجميل، وبالتالي فإنّ كل ما يخرج من الله سيعكس بالتأكيد طبيعة الله. وإذا كان الكتاب المقدس في عقل وفكر الله منذ الأزل، أي قبل أن يوحي به للعالم (راجع مزمور 89:119، 152؛ وأعمال الرسل 18:15؛ وعبرانيين 2:8) فلا بد إذًا أن يعكس الكتاب المقدس طبيعة الله الكاملة من جميع الوجوه، وهذا بالضبط ما نجده في الكتاب المقدس. فكل إنسان يدرس الكتاب المقدس بدون تحيّز أو مواقف مسبقة، سيكتشف في إعلاناتِه وتعاليمه مطلق القداسة والخير والكمال والجمال، فالكتاب المقدس هو كتاب الله القدوس.
3. يتحدّث الكتاب المقدّس عن ذاته باعتباره كلمة الله، وطريقة الكتاب المقدّس تبين بوضوح وجلاء أنّ الله فقط قادر أن يتحدّث بهذه الطّريقة. فالكتاب يتحدث بسلطان وقوّة وثقة عن الله وعن خليقته بطريقة لا يتحدّث بها إلاّ الله. ومن الملاحظ أنّ الكتاب المقدّس لا يحاول أبداً إثبات أنه كتاب الله، فهو كتاب الله بالتأكيد.
4. كُتّاب وحي الكتاب المقدّس يؤكدون لنا أنّ ما كتبوه كان بوحي وسلطان من الله. فهؤلاء الرجال القديسّون أمثال موسى وصموئيل وعزرا وداود وإشعياء ويونان وزكريّا ودانيال وأرميا ومتّى ومرقس ولوقا ويوحنّا وبولس كانوا رجالاً أتقياء ومثالاً للفضيلة، ولم يكونوا مدَّعين أو غشاشين، وذلك بعد دعوة الله لهم وتوبتهم عن خطاياهم، ولذلك كان لديهم الاستعداد الكامل حتى الموت من أجل إيمانهم.
5. حضَّر الله الرّجال الّذين سيوحي بواسطتهم كلمته لنقلها إلى العالم أجمع، كما فعل مع موسى وداود وإشعياء حيث حضّر الله ظروفهم وتجاربهم ومشاعرهم، وبالتّالي عبر الكُتّاب عن إرادة الله كما أعلنها لهم (راجع إشعياء 1:49-5، أرميا 4:1-9، غلاطية 15:1-16، فالله يعرف مُسْبقاً المعيَّنين، وبالتالي يعرف كُتاب الوحي والظروف التي سيعيشونها.
6. شهادة وحدة الكتاب المقدس: على مدى فترة زمنية تمتد حوالي 1600 سنة، استخدم الله أكثر من أربعين رجلاً عاشوا في مناطق مختلفة وأوضاع تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية ودينية متباينة، وأوحى الله إلى هؤلاء الرجال بالكتاب المقدس، ورغم امتداد الفترة الزمنية وكثرة الكُتاب واختلاف أوضاعهم، فإننا نلاحظ ما يلي:-